||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 114- فلسفة قواعد التجويد - كيف يكون القرآن الكريم تبياناً لكل شيئ ؟ - (التوبة) حركة متواصلة متصاعدة الى الله تعالى

 213- مباحث الاصول: الفوائد الأصولية (الدليل العقلي) (6)

 280- فائدة أصولية: عدم مقيدية السياق

 22- (قل يا أيها الكافرون)1 صراع الحضارات أم تعايش الحضارات

 لقاء مع طلاب مدرسة الإمام الحسن العسكري عليه السلام

 Reviewing Hermeneutic. Relativity of Truth, Knowledge & Texts – Part 3

 51- فائدة منطقية: إطلاقات القضية الخارجية

 168- مشاهد تصويرية من واقعة الغدير ومقتطفات من خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

 310- الفوائد الأصولية: القصد (1)

 الإمام زين العابدين (عليه السلام) إمام المسلمين ورائد الحقوقيين



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23593358

  • التاريخ : 19/03/2024 - 08:18

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 188- حقوق المسلمين في رسالة الامام زين العابدين (عليه السلام ) .

188- حقوق المسلمين في رسالة الامام زين العابدين (عليه السلام )
الأربعاء 5 شعبان 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم 
 
مسؤوليتنا تجاه الأمة على ضوء رسالة الحقوق 
 
يقول تعالى: 
 
(أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)([1]) 
 
ويقول الامام السجاد زين العابدين وسيد الساجدين ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق: ((واما حق اهل ملتك: اضمار السلامة والرحمة لهم، والرفقُ بمسيئهم وتألّفهم، واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الاذى عنهم، وان تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك... )) 
 
وفي الاية الشريفة هناك مباحث عديدة نقتصر فيها على ما يترابط مع محور حديثنا حول بعض الحقوق التي اشار اليها الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في رسالة الحقوق: 
 
1- المبحث الاول: الاية الشريفة هي من آيات الأحكام 
 
انه يمكن ان تُعَدَّ هذه الآية الشريفة من آيات الأحكام، بل يمكن ان تُعدَّ من مصادر التشريع وليس مجرد دلالتها على حكم شرعي واحد فقط إذ انها تكشف عن قاعدة عامة تشكل مصدرا من مصادر التشريع، الأمر الذي يكسبها أهمية كبرى وان كانت كل آيات الله تعالى على أقصى درجات الأهمية. 
 
توضيح ذلك: الآية الشريفة تكشف عن المبنى القانوني او قل المبنى البنيوي النظري للمنظومة الحقوقية الاسلامية اذ ان هناك منظومة حقوقية عامة تشمل مختلف انواع الحقوق، والاية مدار البحث تحدد الاطار العريض الذي يرسم افاق هذه المنظومة الحقوقية الالهية وابعادها وجذورها استنادا الى كلمة واحدة في هذه الاية وهي مفردة (امة )في قوله تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) ذلك انه اذا كانت الأمة امة واحدة فانه أولاً: ستكون المواصفات التي ترتبط بجميع أعضاء الأمة من حيث هم أعضاء فيها، مواصفات واحدة تشملهم جميعا، وثانياً: ان المسؤولية على كل فرد فرد سوف تكون واحدة ايضا ومشتركة، (وليس كلامنا الآن بصدد بيان هذه (المواصفات) او تلك (المسؤوليات) وانما كلامنا في البعد الثالث الآتي). وثالثاً: ان الامة اذا كانت واحدة فان (الحقوق) ايضا ستكون مشتركة فالامة اذا كانت امة واحدة فان حقوق هذه الامة بماهي امة بكل احادها ينبغي ان تكون مشتركة. 
 
والحاصل ان الناتج من قوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) هو ان المسؤوليات (وهي الواجبات) مشتركة، والحقوق (وهي الامتيازات) مشتركة، كما ان المواصفات ايضا مشتركة، وهذا مبدأ عام يمكن ان تكون له استثناءات تخرج بالدليل لسنا الان بصدد بيانها. 
 
وكمثال للتوضيح: العشائر التي تنتشر في اغلب بلدان العالم والتي اقتضت حكمته تعالى وجودها، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([2]) فاننا نجد ان أعضاء العشيرة بما هم أعضاء لهم مواصفات خاصة بهم، كما ان عليهم مسؤولية عامة مشتركة([3]) كما عليهم مسؤوليات تختلف من شخص الى اخر منهم لكنها تشترك في هدف مشترك وهو مصلحة العشيرة، والأمر الثالث: ان لهم حقوقاً بما هم اعضاء في هذه العشيرة. 
 
والامر نفسه ينطبق على الشعوب كالشعب العراقي أو الايراني او المصري أو الحجازي أو غير ذلك. 
 
إلا ان الآية الشريفة تجعل المنطلق هو الأمة (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) ونتعرف من خلال ذلك على انه لا شعوبيات ولا قبليات بالمعنى الضيق ولا قوميات في الاسلام وانما (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) ولم يقل: شعبكم شعب واحد ولا قوميتكم الفارسية او العربية او غير ذلك قومية واحدة، بل المقياس هو (الامة) وهو مقياس مبدئي عام. 
 
2- المبحث الثاني: ما هو المراد بالامة؟ 
 
الاحتمالات والأقوال في المراد من الامة في قوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) هي أربعة: 
 
القول الاول والمنصور: الامة لغة: هي الجماعة من الناس والتي اجتمعت على مقصد واحد([4]) وعلى هذا الاساس فان لـ(الأمة) دوائر تتسع وتضيق على حسب المقصد المشترك فالأمة الاسلامية مادامت مجتمعة على امر واحد فانها امة واحدة كذلك شيعة اهل البيت ماداموا مجتمعين على الصراط المستقيم وحبل الله المتين فهم أمة واحدة في دائرة أخص، وهكذا كل جماعة ولو كانوا عشرة افراد كما في قصة موسى ( عليه السلام ) قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ...)([5]) أي جماعة وهم الرعاء والرعاة. 
 
هذا هو الاحتمال الاول وهو لا يتنافى مع الاحتمال الرابع الاتي ايضا ، بل يؤكده. 
 
وعلى اساسة فايتنا الشريفة تشير الى ان المسلمين كافة لهم حقوق مشتركة وعليهم واجبات مشتركة ولهم مواصفات مشتركة. 
 
القول الثاني: ان امتكم أي: دينكم، وهو ما ارتضاه الشيخ الطوسي لقرينة في المقام فيكون المعنى: ان دينكم دين واحد وهو الدين الاسلامي. لكنه خلاف الظاهر([6]). 
 
القول الثالث: ما ذكره بعض المفسرين([7]) ان ذلك اشارة الى النوع الانساني، وعلى اساسه يكون كل البشر من مسلمين وكفار هم امة واحدة بقرينة سياق الايات حيث يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)([8]) والآية غير خاصة بالمسلمين. 
 
وهنا نقول في رد هذا الاستدلال: انه خلاف الظاهر جدا وهو في غاية الضعف؛ لانه لم يعهد إطلاق لفظة (الامة) على النوع الإنساني، الا لو اجتمعت على مقصد واحد، والآية وان كانت خطابا للرسل الكرام لكن جامعها الاسلام؛ لان دين كل الرسل هو الإسلام قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)([9])، نعم إسلامنا اخص من إسلام إبراهيم وموسى وعيسى وباقي النبيين لوجود قيود ومستجدات وفوائد لا توجد في الشرائع السابقة. 
 
هذا مضافا الى ان ورود اسم الإشارة (هذه) في قوله تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ...) قرينة على ان المراد بها الأمة الإسلامية وهي اما نفس أمة الأنبياء الممتدة أو أمة رسول الله محمد صلى الله عليه واله. 
 
القول الرابع: وهو ما ورد في رواية عن الامام الباقر ع حيث سأله الراوي عن الآية فقال ( عليه السلام ): هم ال محمد ( صلى الله عليه وآله ). 
 
ذلك ان آل محمد (عليهم السلام) هم الممثلون الشرعيون الوحيدون لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والدين الاسلامي, فمن تبعهم وتمسك بسفينتهم دخل الجنة ونجى. 
 
نقول: هذا التفسير تفسير صحيح بغض النظر عن السند؛ لان المضمون مطابق للألوف من الروايات الواردة في بيان استقامة طريقة اهل البيت ع ووجوب إتباعهم، نعم التفسير الوارد هو تفسير بالمصداق الاجلى فتكون الأمة بالمعنى الأخص هي امة رسول الله ص الذين تمسكوا بالثقلين وهؤلاء لهم مواصفات خاصة وعليهم مسؤوليات ولهم حقوق، وهم الشيعة الأمامية الاثنى عشرية، في حين أن الأمة الإسلامية بالمعنى الأعم ايضا لها مواصفات ومسؤوليات وحقوق... وقد تجتمع مع الأولى وقد تفترق. 
 
ولا مانعة جمع بين الاسلام بالمعنى الاخص والاسلام بالمعنى الاعم، ولكل منهما حقوق وواجبات تعرف من خلال ملاحظة كافة التشريعات الاسلامية العامة والخاصة. 
 
ومن هنا ننطلق الى بيان الحقوق التي وردت في رسالة الحقوق للامام السجاد ( عليه السلام ) فقد أشار صلوات الله عليه الى جانب من هذه الحقوق حيث قال: 
 
((وأما حق أهل ملتك: إضمار السلامة والرحمة لهم...)) بمعنى ان تضمر السلامة والرحمة لكل مسلم سواء أكان من طائفتك أم من غيرها، اما الاول فواضح، واما الثاني فعبر محاولة هدايته الى طريق اهل البيت (عليهم السلام)، وهي أعظم رحمة له إن وفقك الله تعالى لهدايته ووفقه للاهتداء، كما ان الرحمة الأرقى بغير المسلم المسيحي او البوذي أو غيرهما تتحقق في أجلى مصاديقها بهدايته للإسلام. 
 
3- المبحث الثالث: استشعار الانتماء الى الأمة الواحدة. 
 
المبحث الثالث: ضرورة استشعار هذا الإحساس المتجسِّد وهو كوننا امة واحدة بالمعنى الاعم على الاقل فضلا عن المعنى الاخص!! فهل يستشعر جميعنا ذلك؟ وهل يتفاعل بالتبع مع هذه المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع؟ 
 
اننا لو لاحظنا العشيرة مثلا فسوف نجد ان كل فرد من افرادها يستشعر الانتماء اليها وهو احساس في غالبه محمود، لكن هل انا كمسلم وكشيعي امامي احمل هذا الاحساس اتجاه أي مسلم وشيعي اخر في العالم؟. 
 
ان الرواية دقيقة حيث تقول: ((...إضمار السلامة والرحمة لهم...)) واذا اردنا ان نتعمق بعض التعمق في فهم قوله ( عليه السلام ) نجد ان في قبال ((إضمار السلامة)) أربعة أشياء: 1) العداوة. 2) التنقيص. 3) الاحتقار. 4) الإهمال. 
 
وإضمار السلامة يعني ان لا عداوة ولا تنقيص ولا احتقار بالنسبة لأهل الملة بما هم أهل الملة بل ولا حتى إهمال لهم فكل ذلك مرفوض. 
 
ان الشيعي الموجود في الهند مثلا قد يتعرض الى ظلم وظلامة، فمن الواجب علينا ان نسعفه بدعمنا وتأييدنا كي ينال حقه ومطالبه بكل وسيلة ممكنة وان نتعاطف معه الى ابعد الحدود حتى نتمثل قول امامنا السجاد ( عليه السلام ). 
 
ولا يتوهم ان إضمار السلامة أمر قلبي فلا يتعدى الحكم إلى الجوارح وذلك لأن الامام ( عليه السلام ) يصرح بعد ذلك: ((... وكف الأذى عنهم...)) بمعنى ان كل مسؤول وكل واحد واحد منا مسؤول عن كف الأذى عن كل مسلم في أية بقعة من بقاع الأرض وهذا حق ثابت، واما القدرة على ذلك والآليات للوصول إلى ذلك فانه بحث اخر. 
 
4- المبحث الرابع: التقصير والاهمال لاهل ملتنا ظاهرة عامة 
 
المبحث الرابع: ان من مآسينا المؤلمة ان التقصير والاهمال لاهل ملتنا من المسلمين أصبح ظاهرة عامة وسوف نستشهد بمثال صارخ أولاً ثم ننتقل إلى إثبات ان ذلك هو ظاهرة عامة في حياتنا وان كان بأشكال مخففّة أو بأنماط أخرى: 
 
الملك خوارزم شاه واهماله لاهله ورعيته 
 
عندما هاجم المغول بلاد المسلمين: إيران والعراق وغيرها حيث كان يحكمها خوارزم شاه، وجرت معارك بينهما انهزم على اثرها الملك خوارزم شاه، وفر الى نيشابور، وكان من عادة المغول المتوحشين انهم يقتلون الناس ويحرقون الارض ويفسدون فيها أكبر الافساد([10])، فكان يفترض بالملك ان يجهز الجيوش في نيشابور لمهاجمة المغول ولكنه انشغل باللهو الطرب والمجون حتى ان وزيره في نيشابور عندما جاءه اهلها يشكون اليه الظلم والحيف قال لهم: ان الملك كلفني بتزيين النساء المطربات على مدار الأيام والليالي ولا يوجد لي وقت للنظر في اموركم وظلاماتكم !! 
 
الى ان وصل الزحف المغولي الى نيشابور، فهرب خوارزم شاه الى منطقة (بركان) فوضع اهله واولاده في قلعة فيها تسمى (اقلال) وهرب هو الى جزيرة نائية... ثم جاء المغول الى بركان وحاصروا القلعة، ثم فتحوها وقتلوا كل ابناء الملك وقسموا زوجاته وبناته على قادة الجيش، ثم عمدوا الى امه فاركبوها على فرس وطافوا بها على الجيش وامروها ان تبكي بصوت عال على ما حل باهلها وأبناءها، فلما وصله الخبر وهو مختبئ في جزيرته مات كمدا وحزنا وهما. 
 
وهذا نموذج من الكثير من النماذج التي حكمت بلاد المسلمين من الظالمين والطواغيت كبني امية وبني العباس وبني عثمان وغيرهم حيث ضيعوا حقوق رعيتهم وانشغلوا باللهو والمجون وملذات الدنيا ثم فارقوها الى حيث الخسران الاكبر والهلاك الأبدي الدائم. 
 
هل هذه قصة الطغاة أم قصتنا؟ 
 
ولكن هل هذه مجرد قصص تاريخية عن الملوك والسلاطين الذين أهملوا واجباتهم وحقوق رعيتهم؟ أم كل قصة منها مرآة لأنفسنا كلٌ بقدره وعلى حسب حجمه؟ ان علينا ان نتوقف عند كل قصة لتقييم أنفسنا ومدى اهمالنا، على حسب ما أوتينا من قدرة، لأهل ملتنا اذ الملاك واحد في الجميع مادام طبيعيّ المسؤولية واحداً على ضوء كلمة الامام زين العابدين وسيد الساجدين ( عليه السلام ) حيث يقول: ((وَحَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ إِضْمَارُ السَّلَامَةِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالرِّفْقُ بِمُسِيئِهِمْ وَتَأَلُّفُهُمْ وَاسْتِصْلَاحُهُمْ وَشُكْرُ مُحْسِنِهِمْ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَتُحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك‏)) 
 
ان المشهود ان كثيراً منا يهمل وينسى أو يتجاهل ما يقع من الظلامات على أهل الإسلام في البحرين او في فلسطين او في الدمام والعوامية او غير ذلك من بلاد المسلمين حيث القتل والسجون والتهجير وغمط الحقوق وسلب الحريات وسائر انواع الظلم والظلامات، بل ان الكثير منا لا يستشعر حتى مجرد الإحساس بالألم لما يعانيه اهل ملتنا في أرجاء الأرض. 
 
الإمام السجاد ( عليه السلام ) يرسم لنا أسس علاقتنا بكل أهل ملتنا 
 
ان كلام الإمام السجاد ( عليه السلام ) صريح في المسؤولية التي على عنق الجميع وهي: ((...وان تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك...)) وفي نسخة اخرى يقول الامام ( عليه السلام ) ((... فعمّهم جميعا بدعوتك...)) أي ان ندعو لجميع المسلمين في كل بقاع الارض بالصلاح والهداية والرشاد والأمن والاستقرار والازدهار وغير ذلك. 
 
((... وانصرهم جميعا بنصرتك...)) وهذا نص في وجوب نصرة جميع أهل الملة، وليس ظاهراً، وهو واجب كفائي لم يقم به من فيه الكفاية، فقد أثم الجميع من القادرين على ذلك ((... وانزلهم جميعا منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الاخ...)) 
 
فهل نجد هذا الاحساس في دخيلة أنفسنا؟ وهل إذا ما رأينا زائر قادماً من الباكستان او الحجاز واليمن أو مصر وتونس والمغرب أو إيران وأفغانستان والخليج أو الشرق أو الغرب أو غير ذلك وهو اكبر منا سِنّاً هل نستشعر انه بمنزلة والدنا؟!! 
 
اننا لو امتثلنا وصية امامنا السجاد ( عليه السلام ) في خصوص حقوق اهل الاسلام علينا فسوف تعود لنا السيادة والريادة في كل شئ والا فسنبقى في ذيل القافلة وسوف يستمر مسلسل سحق حقوقنا في كل الأبعاد وسيصادر الغرب والشرق حتى تاريخنا ومجدنا وانجازاتنا وحقوقنا على البشرية، وسنشير ههنا إلى مثال واحد من بين عشرات الألوف من الأمثلة. 
 
نموذج صارخ من إجحاف الآخرين بفضل آل البيت (عليهم السلام) على البشرية 
 
يقول صاحب معجم تاريخ العلوم الانسانية: 
 
أ- تاريخ ولادة حقوق الإنسان 
 
(يمكننا رد تاريخ ولادة حقوق الانسان الى عريضة الحقوق الموقعة في بريطانيا الكبرى عام 1628م والتي اكدت الحقوق التقليدية للشعب الانجليزي)([11]). 
 
وهنا نقول: اين عهد الامام علي ( عليه السلام ) لمالك الاشتر وهو والذي يعتبر أعظم وثيقة لحقوق الانسان؟ وكيف تُردّ ولادة تاريخ حقوق الإنسان الى ما كتبه الانجليز في القرن التاسع عشر، وقد سبقهم الامام علي بأكثر من عشرة قرون الى ذلك ؟؟ 
 
ما ذلك الا لتقصيرنا في نشر رسائل الحقوق الاسلامية التي كتبها اهل البيت بايديهم وامروا المسلمين باتباعها ونشرها والترويج لها في كل العالم، فلقد كتب الامام علي ( عليه السلام ) عهده الى مالك الاشتر، وكذلك رسالته الى ولده محمد بن الحنفية المعروفة، كما كتب الامام زين العابدين ( عليه السلام ) رسالته في الحقوق الى جميع المسلمين، لكن العالم الاسلامي منشغل بقول مسلمة الفتح وغيرهم ممن لا يحسنون الوضوء والذين رفعوهم الى مستوى رسول الله صلى الله عليه واله واعتبروهم افضل الناس بعد رسول الله!! 
 
يقول امير المؤمنين ( عليه السلام ) ((الناس صنفان إما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)) وقد كان الامير ( عليه السلام ) حاكما وقد طبق ذلك كله. 
 
ب – حقوق الطفل 
 
ثم يقول صاحب المعجم: 
 
"ففي العشرين من تشرين الثاني عام 1989م، تنبنت منظمة الامم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ولاول مرة ظهر نص عالمي له قيمة قضائية يعترف للطفل بحقوقه " 
 
في حين ان الاسلام سبقهم الى ذلك فقد ورد في الرواية المعتبرة ((رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه))([12]) ولهذه الرواية وهذا الحكم اكبر القيمة القضائية، وان الألوف من الفروع الفقهية الاسلامية رتبت عليها وقد حكمت على طبقها البلاد الإسلامية لفترات طويلة. 
 
كما ان هناك رواية اخرى: ((...عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَة...))([13]) وهو نص حقوقي قانوني عام. 
 
كما ان الامام السجاد ( عليه السلام ) في رسالته الحقوقية يقول ((وَحَقُّ الصَّغِيرِ رَحْمَتُهُ فِي تَعْلِيمِهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ، وَالسَّتْرُ عَلَيْهِ، وَالرِّفْقُ بِهِ وَالْمَعُونَةُ لَهُ))([14]) وهذا يفوق ما يدّعونه من حقوق للطفل في عالم اليوم، وكل كلمة من كلمات الامام ( عليه السلام ) توزن بجبال من الذهب تفوق عليها لكن المجال قصير لا يسمح بدراستها والتدبر فيها واستنباط الدروس والقيم والمسائل منها. 
 
حقوق الشعوب 
 
ثم يتابع صاحب المعجم ويذكر حقوق الشعوب والاقليات فيقول: " تعود فكرة حق الشعوب الى القرن الاخير وقد وجدت روحا جديدة لها في مؤتمر باندونغ في اندنوسيا عام 1955م..." 
 
وهذا الكلام كسوابقه اما كذب مقصود او جهل فاضح؛ لان القران الكريم يذكر حقوق الشعوب والقبائل، وقد فصلنا ذلك في كتاب (الخط الفاصل بين الحضارات والاديان) انطلاقا من قوله تعالى في سورة الكافرون (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)([15]) وقد اوضحنا بالتفصيل ان هذه الاية الشريفة يستفاد منها قاعدة الامضاء والتي هي فوق قاعدة الالزام لمن يعرف هذه القواعد، وهذا حق كبير فصلنا الكلام عنه هنالك. 
 
كما يقول الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ): ((لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم...))([16]) وهذا حق من أعظم حق الشعوب وقد صرح به الامير صلوات الله عليه قبل اكثر من ألف عام. 
 
وهناك المئات من النصوص بهذا الصدد ولو فيها تدبر المنصفون ونطق بها القائمون على الاسلام ورفعوا اصواتهم عاليا ووحدوا مواقفهم وجهودهم لتغيرت المعادلات. 
 
ان هذه الحقوق كنا نحن السباقين لها وقد ذكرت في اصح مصادرنا من القران الكريم الى نهج البلاغة الى رسالة الحقوق الى سائر أحاديث اهل البيت، لكن الذي يؤسف له هو ان المسلمين تركوا ما في أيديهم من جواهر المعاني ولباب الافكار وتشريعات الحقوق وانصاعوا الى ما يلقيه عليهم الغرب الذي نمّق وزوق بعض المبادئ وصاغ منها تشريعات حتى اعتبروه اول من اسس ورسخ حقوق الانسان في العالم. 
 
الرابط بين أكل الطيبات والعمل الصالح 
 
تقول الآية (أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وهنا نتسائل ماهو الربط بين اكل الطيبات والعمل الصالح؟ 
 
والجواب: هناك عدة وجوه محتملة لذلك نذكر منها اثنين: 
 
1) ان الرسل – ومن ثم المؤمن المتأسي بهم – يأكلون الطيبات ليتقووا بها على العمل الصالح؛ أما الكافر فأنه يأكل الطعام للتقوي على المعصية أو على أقل الفروض للشهوة في حين ان المؤمن يأكله ليتقوى به على العبادة والعلم والعمل. 
 
2) ان الطيبات في مقابلها تأتي الخبائث فإذا ما اكل الانسان الخبائث وهي محرمة، فان لذلك اثرا وضعيا على توفيق الانسان إذ يسلب توفيقه عن ان يعمل الصالحات، وهكذا الشبهات وطعام السوق فانه وان كانت اصالة الحل جارية لكن الطعام لو كان واقعا غير مذبوح على الطريقة الاسلامية فان له اثرا وضعيا فقد لا يوفق لصلاة الليل او غيرها من العبادات أو قد يرتكب المعاصي والموبقات اعاذنا الله وإياكم منها ورزقنا الله وإياكم تقوى القلب وصالح العمل انه سميع الدعاء. 
 
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
([1]) المؤمنون 51ـ 52 
 
([2]) الحجرات 13 
 
([3]) كالدفاع عن العشيرة إزاء الهجوم الخارجي. 
 
([4]) كما جاء في التبيان للشيخ الطوسي. 
 
([5]) القصص 23. 
 
([6]) إذ ظاهر الأمة هو الجماعة ذات المقصد الواحد لا نفس المقصد أو الدين والطريقة. 
 
([7]) الميزان في تفسير القرآن. 
 
([8]) المؤمنون 52. 
 
([9]) ال عمران 19 
 
([10]) لولا بركة وجود الشيخ نصير الدين الطوسي رحمه الله تعالى الذي وقف بحكمته وفطنته وحسن تدبيره بوجه المد المغولي حتى حوّل المغول الى مسلمين موحدين لدمّر المغول كافة البلاد الإسلامية ولقتلوا مئات الألوف من العلماء الدينيين والزمنيين حيث انقذ نصير الدين الطوسي أربعمائة ألف عالم تحت ستار (رصد خانه مراغه), وبعض جهلة العامة يتعرضون الى رشق الشيخ الطوسي بالتهم الباطلة مع انه ذو فضل على جميع مسلمي العالم ولولاه لكان الدين الاسلامي على خطر كبير الى يومنا هذا. 
 
([11]) معجم العلوم الإنسانية / مادة حقوق الإنسان ص354. 
 
([12]) عوالي اللآلي ج3 ص528. 
 
([13]) وسائل الشيعة ج29 ص88. 
 
([14]) من لا يحضره الفقيه ج2 ص625. 
 
([15]) الكافرون 6. 
 
([16]) إرشاد القلوب ج2 ص212، وبحار الأنوار ج30 ص672.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 5 شعبان 1435هـ  ||  القرّاء : 12318



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net