||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 6- الصلاة في مدرسة الحسين طريق الرحمة الإلهية

 167- احياء (شهر الغدير)

 6-ضرورة التزام منهج التحقيق الموسع والتدقيق, وتطويع منهج فقه اللغة

 1- الإنصات إلى القرآن الكريم

 من احكام الخطابة واقسامها ومقدماتها

 222- مباحث الأصول: (القطع) (3)

 35- (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا) محورية الإنسان في التشريعات الإلهية

 403- فائدة فقهية: دليل السيرة على جواز معاملات الصبي الراشد

 59- فوائد التعريف للموضوعات والمفاهيم العرفية كالبيع

 61- أقسام البيع



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23697454

  • التاريخ : 28/03/2024 - 10:36

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 187- العدل والظلم على مستوى الامم التهديدات التي تواجه الحوزات العلمية .

187- العدل والظلم على مستوى الامم التهديدات التي تواجه الحوزات العلمية
الأربعاء 21 رجب 1435هـ



بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين ، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم 
 
العدل والظلم على مستوى الأمم 
 
التهديدات التي تواجه الحوزات العلمية 
 
يقول تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ([1]) 
 
ويقول في أية اخرى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ([2]) 
 
على ضوء هذه الآية الكريمة سنشير الى مجموعة من الحقائق حول مفردة العدل والظلم والاعتداء.
 
لكن قبل الدخول في ذلك نشير الى أن كلمة: (شَنَآَنُ) تعني البغض. . اما مفردة (لا يجرمنكم ) ففيها ثلاث احتمالات متقاربة مترابطة: 
 
1) ( لا يجرمنكم ) أي لا يحملنّكم وهو قول ابن عباس وتبعه الكسائي والزجاج، فيكون المعنى: لا يحملنّكم بغضُ قوم على ان لا تعدلوا معهم فتظلموهم ؛ لان الإنسان كثيراً ما يحمله بغضه على ان يظلم الآخرين. 
 
فالآيتان السالفتان تشيران الى أن ظلم الآخرين لكم، لا ينبغي ان يحملكم على ان تظلموهم... 
 
2) لا يكسبنّكم – وهو قول الفراء. 
 
3) لا يحقنّ لكم – وهو قول الاخفش وجماعة من البصريين. ([3]) 
 
والملفت أن الآية تقول: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فلماذا لا يكون العدل هو التقوى بل اقرب اليه فقط!! قد نجيب على ذلك لا حقا ان شاء الله تعالى. 
 
حقائق حول العدل 
 
هناك مجموعة من الحقائق حول مفردة العدل التي وردت في الآية الشريفة نذكر منها: 
 
العدل من المستقلات العقلية 
 
1) ان العدل من المستقلات العقلية، أي ان حسنَهُ ذاتي وهو مما يدركه العقل على مسلك، او مما يحكم به العقل على المسلك المنصور، وكذلك الظلم فان قبحه ذاتي ؛ اذ لا يمكن التفكيك بين الظلم والقبح، كما ان حرمة الظلم ذاتية([4])، كوجوب العدل فهو ذاتي ايضاً. 
 
العدل من مقاصد الشريعة 
 
2) ان العدل من مقاصد الشريعة، بل هو من أهمها، بل هو من المقااصد الاولية للشريعة ؛ لان مقاصدها بين أولية وثانوية وثالثية ورابعية. .. الخ ؛ اذ ان سُلَّم القِيَم الشرعية لهو على درجات مختلفة في بحث ليس هاهنا محله، وهو يحتاج الى مزيد تثبت ؛ لانه محل مزال الاقدام ـ والعياذ بالله تعالى ـ فبالعدل قامت السماوات والارض، حتى ان عالم التكوين وعالم التشريع بنيا عليه، ولذا كان من اصول ديننا الخمسة خلافا لغيرنا ممن لايرى ذلك. 
 
فقد زعم غيرنا: ان الله يمكن ان يضع المطيع المحسن في النار ويدخل العاصي المسئ الى الجنة !! وهو خطأ فاحش غريب: ان ينسبوا الظلم الى ساحته المقدسة ـ وحاشاه تعالى ـ 
 
فالعدل من اسمى اهداف الشريعة وغاياتها ومقاصدها. ... 
 
لا يزاحم العدلَ شيءٌ 
 
3) هناك غايات او اهداف يمكن ان تزاح وتزحزح بالتزاحم، الا ان العدل مما لا يتزحزح ولا يزاح ؛ فانه حسن وواجب على كل حال، فالعدل في باب التزاحم من القمم ؛ لان ذاتيه الحُسن وحُسنه ذاتيٌ، فلا يمكن ان يطيح به شئ البته. 
 
العدل الشخصي والنوعي: 
 
4) العدل تارة يكون شخصيا واخرى يكون نوعيا ومثال العدل الشخصي العدل مع الزوجة او الجار او الابن او الصديق او حتى العدو، ومثال العدل النوعي ان يعدل مع رعيته او امته او عشيرته او حزبه. 
 
الظلم الشخصي والنوعي 
 
5) كما ان الظلم ينقسم الى القسمين السابقين فمثال الظلم الشخصي: ان يظلم زوجته او جاره او ابنه او صاحبه او حتى عدوه، ولا شك ان كل ذلك قبيح وحرام عقلا وشرعا، ومثال الظلم النوعي: ان يظلم امة او شعبا أو يظلم الحوزة العلمية، وهذا الظلم من اقبح أنواع الظلم كما انه اشد حرمة من الظلم الشخصي لا لأتساع دائرته فحسب، بل لأنه ذاتا اشد قبحا من ذلك القبح الشخصي. 
 
توضيح ذلك: لو فرضنا ان الحوزة العلمية متألفة من عشرة علماء فان ظلمهم اشد واقبح مما لو ظلم شخص واحد من غير الحوزة، لا من جهة الجانب الكمي فقط، بل لدخالة الجانب الكيفي ايضا ؛ لان له دخلاً في مثل هذه المعادلة، اضافة الجانب الكمي ، اضافة الى ان الحالة الرمزية لها كل القيمة عند العقلاء وعند الشارع الاقدس. 
 
ظلم الحوزات العلمية من اخطر انواع الظلم 
 
إن الحوزات العلمية من أهم المراكز الكبرى التي تعرضت للظلم على مر التاريخ، وما ذلك إلا لأنها إجمالاً هي رمز التقوى كما انها رمز الاستقلال والعلم والعمل الصالح ، كما انها من اهم اسرار استقرار البلاد، والفضيلة وازدهارها، وهي من اهم اسرار نزول البركات على الناس ؛ لان العالم الرباني به ترحم العباد والبلاد، والحوزات العلمية تحتضن الكثير من العلماء والمراجع والطلاب الربانيين الاولياء حقا وصدقا، فلو ظُلموا واوذوا لعمَّ البلاء الجميع وليس الظالم فقط. واذا كان الله تعالى يرحم بالمؤمن الواحد أو الرضيع أمّةً من الناس فما بالك بالمؤمن العالم؟ وقد جاء في الكافي الشريف ((عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُنَادِياً يُنَادِي مَهْلًا مَهْلًا عِبَادَ اللَّهِ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَلَوْ لَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ وَصِبْيَةٌ رُضَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً تُرَضُّونَ بِهِ رَضّاً))([5]) 
 
يقول الامام الكاظم ( عليه السلام ): " من عامل رعيته بالظلم أزال الله ملكه " وهذا يشمل كل ظالم في أي بلد كان لان الامام( عليه السلام ) يعطي قاعدة عامة تنطبق على كل المصاديق. 
 
ثم يقول الامام ( عليه السلام ): " وعجّل بواره وهلكته " والبوار يعني الهلاك وهناك فارق ظريف بينه وبين الهلكة، ولكن حسب الظاهر فان العطف عطف تفسيري. 
 
فالظلم قبيح وعاقبته سيئة على أي شخص سواء أكان بقالا او عطارا او طالبا او غير ذلك، فما بالك لو كان عالما ربانيا !! 
 
ويقول امير المؤمنين ( عليه السلام ) : " الظلم يزل القدم " فقد يكون الانسان سائرا في طريق الله، الا ان ظلمه لشخص ما كالزوجة او الصديق يمكن ان يزل قدمه فيهوي في نار جهنم - والعياذ بالله – ((ويسلب النعم، ويهلك الأمم)). 
 
وقد يتصور الانسان عندما يظلم احدهم ان هذا الظلم بسيط فيحسبه هينا وهو عند الله عظيم !! 
 
وعليه: فإذا أراد الإنسان حسن العاقبة فعليه ان يتجنب الظلم ولو كان بسيطاً بل ولو كان ظلماً للحيوان فانه ايضاً حرام. 
 
فالظلم مما يزل القدم ويزيل النعم ويهلك الامم، فقد تهلك امة كاملة بظلم شخص وسكوتهم عن ذلك، والحاصل: ان الحاكم الجائر لو سكت عنه الناس من العلماء والاساتذة والاطباء والمحامين والعشائر والجامعات وغير ذلك فان الامة ستهلك باكملها ويعمهم البلاء جميعاً ؛ لانهم سكتوا عن ظلم الظالم ,ولم يتحركوا باتجاه منعه والاخذ بيده. 
 
ثم ان الظلم وان لم تُحِق عواقبه السيئة بالساكت عاجلاً، لكنه سيبتلى بها عاجلاً حتماً. 
 
التعامل الارهابي والاستدراجي مع الحوزة 
 
لقد تعرضت الحوزات العلمية على مر التاريخ وستبقى، في ضمن معادلة الامتحان، الى سلسلة من التهديدات والمخاطر الكبيرة ونشير في هذا الموجز الى اثنتين منها بايجاز: 
 
1) الخطر الاول: هو التعامل الارهابي مع الحوزات العلمية المباركة والعلماء والطلاب والمحققين والباحثين. 
 
2) الخطر الثاني: الاستدراج الى أدوار هامشية ثانوية ليست هي الأساس في وظائف رجل دين بما هو رجل دين، فكيف لو كان الاستدراج الى وظيفة تضاد وظيفته الاساسية ؟!! 
 
استدراج رجال الحوزة الى ادوار هامشية 
 
وسوف نبدأ الحديث عن الخطر الثاني ثم نعرّج الى الحديث عن الخطر الاول ان شاء الله، فان الاخطار التي كانت ولا تزال وستبقى: استدراج رجال الدين الى ادوار هامشية، واحيانا مضادة للوظائف الرئيسية لهم ومن تلك الأخطار: 
 
دخول رجل الدين في السياسة بغية تقلّد هذا المنصب او ذاك، مع ان السياسة من مزال الأقدام وقلَّ من يسلم فيها، وليس معنى ذلك ان جميع من دخلوا فيها انحرفوا ا وان الدخول فيها حرام، كلا، اذ لدينا امثلة صالحة دخلت في السياسة ولم تنحرف بل كانت مثال الاستقامة والشهامة امثال علي بن يقطين وغيره، لكن ما اقل هؤلاء !! 
 
وفي الرواية: ((صاحب السلطان كراكب الاسد يُغبَط بموقِعِهِ وهو اعلمُ بموضِعِهِ))([6]) فان الاسد في أية لحظة قد يرمي به ويفترسه وهو يدرك هذا الخطر جيداً الا ان الناس يتصورونه في موقع القوة والعظمة. 
 
وحال السياسي كحال القاضي حيث ان منصبه خطير الى ابعد الحدود مع انه غير محرم على اهله بل هو واجب كفائياً ان توقف إحقاق الحق وإبطال الباطل على الدخول في السياسة، وبذلك نحن لا نقول بحرمة الدخول في السياسة او نمنع منها مطلقا، بل نقول ان الداخل فيها على خطر عظيم كما في القاضي. 
 
وما ذلك الا لان السلطة والرياسة مغرية، وهي من أسرع الطرق إيصالا الى جهنم والعياذ بالله تعالى، والانسان من طبعه الطغيان عندما يحصل على الرياسة والدنيا (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)([7]) فبمجرد ان يستغني بعلم او بمال او بسلطة يتمادى ويطغى فيحتقر الاخرين ويظلمهم الا المتقون ، وقليل ما هم 
 
الحذر الشديد عند الدخول في عالم السياسة 
 
نعم اذا شخّص رجل الدين المؤهل للتشخيص او شخّص له مرجع الدين ، ان من وظيفته الدخول في السياسة، بعد تحقق كافة الشروط الموضوعية، فله ذلك الا ان عليه ان يتعامل معها بكل حذر ؛ لان ( السياسة ) كالعقرب التي يمكن ان تلدغه في كل آن، أو هي كالشخص الموبوء اذ يُجعل في حجر صحي، وعندما ياتيه من يقدم له الطعام ياتيه بحذر شديد، ويتعامل معه بطريقة خاصة، فيتكمم ويلبس ملابس خاصة، اذ انه وان كان من الصحيح ان وظيفته الدخول الى غرفة المريض وتقديم الطعام له ولكن عليه ان يقوم بذلك بكل حذر وتحفظ، والا فانه اذا غفل للحظة واحدة فقد تصيبه العدوى فيلحق بالمريض في الحجر الصحي!! 
 
والحاصل: السياسة هي من المخاطر التي تهدد رجال الدين، وقد أقبلت عليهم في العراق وفي ايران وفي الخليج وغير ذلك، حتى أصبحوا عملة صعبة !! فهل ذلك شرٌ ام خير؟!! الله العالم لكن الامتحان صعب جدا و((أَخُوكَ دِينُكَ فَاحْتَطْ لِدِينِكَ بِمَا شِئْتَ))([8]). 
 
مخطط شاه ايران لابتلاع الحوزة العلمية 
 
وكما سبق فان من الأخطار التي تهدد الحوزات العلمية الاستدراج الى ادوار هامشية او ادوار مضادة لأدوارهم الدينية، ولنستشهد على ذلك بمثال وقصة فيها عبرة كبيرة: 
 
شاه إيران حاول القضاء على الحوزة العلمية في ايران بكل السبل من سجن للعلماء والطلاب وتهجير ونفي وغير ذلك، لكنه لم يفلح في كل محاولاته، والحوزة العلمية ولله الحمد عصية على محاولات الظالمين على مر التاريخ، لانها محفوظة بحفظ أمير المؤمنين وسائر الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين ). 
 
بعد ذلك حاول الشاه استدراج علماء الحوزة بطريقة ماكرة، وقد نقل لي احد المراجع المشهورين في قم المقدسة احدى اخطر تلك المحاولات فقال: 
 
في زمان البهلوي حاول ان يستدرج الحوزة العلمية بطريقة اخرى بعد ان باءت محاولاته بالفشل باستعمال الظلم والتعسف والاكراه، فجاء من مدخل القوة الناعمة بدل القوة الخشنة اي عبر مزيج من الاغراء والايهام بالوظيفة الشرعية، فجاءت وفوده من اعوانه من وعاظ السلاطين الى الحوزة العلمية في قم المقدسة، والتقوا بالمجتهدين وبمن قارب الاجتهاد وقالوا لهم: 
 
ان الشاه فكر جيدا ووصل الى ان علماء الدين هم من يمثل الرسالة المحمدية الاصيلة، والقضاة الرسميون عندنا غير جديرين بمهنة القضاء الشرعي الصحيح لانهم لم يحصلوا على العلم الكافي في حين انكم مجتهدون عدول فانتم الاجدر بهذه بهذه الوظيفة ! ثم كان الاغراء ان كل واحد منهم سوف نعطيه راتباً قدره 300 توماناً ([9]). 
 
وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمن، خصوصا اذا علمنا ان رجل الدين ايضاً بشر قد تغريه المغريات وقد يخضع امام الضغوط كضغط الزوجة والأولاد والحياة ومتطلباتها، إضافة الى الرياسة التي يحصل عليها حيث ان وظيفة القضاء من المناصب السيادية بالمعنى الاعم اضافة الى الايهام انها وظيفة شرعية لا يمكن ان يقوم بها الا رجل الدين خصوصا على مذهب اهل البيت D.
 
لكن الحقيقة وراء ذلك كانت استدراج رجال الدين لينظموا الى خانة الظلمة واعوان الظلمة ويكونوا تحت راية الضلال التي نهوا عن الانضواء تحتها مهما كانت الظروف يقول الإمام الكاظم ( عليه السلام ): 
 
" يازياد لأن اسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة، احب الي من ان اتولى لهم عملا او أن اطأ لهم بساطا " فاذا كانت السلطة ظالمة فلا يحق الدخول فيها او تولى اعمالها، الا اذا كانت الوظيفة بتشخيص مرجع التقليد او بتشخيص شورى مرجع التقليد على راي السيد الوالد u. 
 
المهم ان هذا المرجع يقول: وبهذه الخطة الشيطانية حصلوا على الموافقه المبدئية من (300 ) شخص من طلاب ورجالات الحوزة العلمية لكي يصبحوا قضاة وهذا العدد كبير حقاً لان المجتهدين عادة قلة؛ اذ الوصول الى مرتبة الاجتهاد امر في غاية الصعوبة. 
 
فيقول( دام ظله ): فكرت ملياً في الامر فوجدت ان المصيبة كبيرة والخطة خطة معاوية فذهبت الى السيد الگلپايگاني والسيد شريعتمداري والسيد المرعشي النجفي وتداولت معهم هذا الخطر الداهم. .. وبعد التفكير والتروي تقرر ان اُصدر حكماً شرعية ويعضدني فيه المراجع الثلاثة بالتأييد والنصرة، فاكون في الواجهة في حين انهم يسندونني ويؤيدونني جميعاً، وكان الحكم كالاتي: 
 
"يحرم على رجل الدين ان ينتمي الى اي سلك او اية وظيفة من وظائف الدولة" 
 
وهو حكم شرعي نافذ على الجميع وقد اثار موجه وضجه كبرى وهاجمني وعاظ السلاطين كما هددني السافاك لكن المراجع الثلاثة الكرام ساندوا وايدوا ودافعوا وقالوا: هذا حكم حاكم شرعي وهو نافذ على الكل فاسقط ما في يد الشاه، فهدد بالسافاك وارعدوا وازبدوا لكنهم يفلحوا ولله الحمد إذ (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). 
 
2- التعامل الارهابي مع الحوزات العلمية 
 
ومن ابرز الامثلة على ذلك المجرم صدام لعنه الله فكم عذّب وقتل من المؤمنين وخاصة من بيوت العلماء الكرام، فكم قتل وهجر من آل بحر العلوم الكرام! وكم أعدم من آل الحكيم الكرام! وكم قتل او سجن من آل الصدر الكرام! وهكذا بقية بيوتات العلماء المعروفة امثال آل القزويني الكرام او آل الشيرازي الكرام او آل كاشف الغطاء الكرام او غيرهم. 
 
فكم من الناس عذبهم او قتلهم بالقائهم في احواض التيزاب؟ وكم عذبهم او قتلهم بالقار المذاب حتى انه نقل لي احد الاصدقاء العلماء بعد خروجه من السجن: ان لجلاوزة صدام طريقتين في التعذيب بالقار: 
 
الطريقة الاولى: القاء الشخص في القار وهو في اوج حرارته حتى يموت بابشع صورة. 
 
والطريقة الثانية: كانوا يصبون القار على بعض بدنه، واحيانا كانوا يبردونه الى درجه معينة ثم ينزلون بعض جسم السجين الى ذلك الحوض ليتعذب به، وصديقنا هذا وضعوا عليه القار بهذه الطريقة على قسم من بدنه ثم أطلقوا سراحه فبقي في المستشفى ستة اشهر بقي يعاني الى أن قضى شهيدا رحمة الله عليه. 
 
لكن أين صدام ألان بعد أن مات ذليلا محتقرا اليس في العذاب الرهيب ثم مصيره الى قعر جهنم، في حين ان الحوزة العلمية تزداد علوا وسموا ورفعة!!! 
 
اعتقال الطلبة الكرام في حوزة النجف الاشرف 
 
وفي الأونة الأخيرة أُصدر حكمٌ جائرٌ ظالمٌ باعتقال مجموعة كبيرة من الطلاب الكرام من القومية الباكستانية مع انهم هم ضيوف امير المؤمنين ( عليه السلام ) ومع ان اعتقال اي مؤمن وترويعه واهانته وايذائه هو من المعاصي الكبيرة فكيف باعتقال رجل دين محترم ؟! واخافة زوجته واطفاله وترويعهم ؟ 
 
وكيف باعتقال المئات منهم بلا ذنب ارتكبوه ؟ وفي بلد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ان ذلك يشكل اعتداءاً على الأمة كلها، وهو اعتداء على حريم الاسلام ؛ لان الحوزة تجسد الاسلام والانسانية جمعاء. 
 
وتكفي الرواية التالية عبرة لمن يعتدي على الآخرين ويظلمهم: 
 
يقول الامام ( عليه السلام ) ((... من مات غير تائب، زفرت جهنم في وجهه ثلاث زفرات فأولها لا تبقى دمعة الا خرجت من عينيه، والزفرة الثانية لايبقى دم الا خرج من منخريه، والزفرة الثالثة لا يبقى قيح الا خرج من فمه، فرحم الله من تاب وارضى الخصماء، فمن فعل فانا كفيله الى الجنة)) 
 
إن الإنسان يمكن ان يظلم احياناً بإغراء من الشيطان وتسويلات النفس، لكن عليه ان يتوب ويستغفر، ثم عليه ان يعتذر علناً من المظلوم، ثم عليه ان يعوض من اساء اليه ويرضيه واهله ويفرحهم كما احزنهم وآذاهم. .. 
 
قصة بني جذيمة وما فعله بهم خالد وموقف الرسول ( صلى الله عليه وآله ) القدوة 
 
وقد روي انه بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) خالداً الى بني جذيمة من بني المصطلق وكانت بينهم وبين خالد ترة (عداوة) في قصة معروفة، فقتل بعضم واسر البعض الاخر ظلماً, فوصل الخبر الى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فصعد على المنبر وقال: ((اللهم اني ابرأ اليك مما فعله خالد)) ثلاث مرات 
 
ثم ارسل اليهم امير المؤمنين ( عليه السلام ) بكمية كبيرة من الذهب والفضة فدفع اليهم: 
 
اولاً: دية من قتل منهم باجمعهم حتى الجنين. 
 
وثانياً: عوّضهم عن اموالهم بالمال حتى دفع لهم قيمة ميلغة كلابهم، وحبلة رعاتهم.... 
 
وثالثاً: دفع لهم مبلغا لروعة نسائهم واطفالهم. ... 
 
ورابعاً: دفع لهم مبلغا لما يعلمون وما لا يعلمون اذ لعلهم نسوا شيئا. 
 
وخامساً: دفع لهم مبلغا ليرضوا عن رسول الله صلى الله عليه واله حتى رضوا. 
 
فقالوا سبحان الله ما اكثر هذا؟!! فقد كان اكثر من حقنا بكثير.... 
 
ورجع الامير ( عليه السلام ) واخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فسر بذلك ايما سرور، ودعا لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى قال ( صلى الله عليه وآله ) كما في رواية الامالي: ((أرضيتني رضي الله عنك يا علي انت هادي امتي الا ان السعيد كل السعيد من احبك واخذ بطريقتك ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب من طريقك الى يوم القيامة)) ([10]) وهذا هو نص احدى الروايات فقد روى في الخصال ((بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ بَنِي جُذَيْمَةَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي مَخْزُومٍ إِحْنَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ كَانُوا قَدْ أَطَاعُوا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ أَخَذُوا مِنْهُ كِتَاباً فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَصَلَّوْا فَلَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْفَجْرِ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى فَصَلَّى وَصَلَّوْا ثُمَّ أَمَرَ الْخَيْلَ فَشَنُّوا فِيهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلَ وَأَصَابَ فَطَلَبُوا كِتَابَهُمْ فَوَجَدُوهُ فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وآله ) وَحَدَّثُوهُ بِمَا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَاسْتَقْبَلَ ( صلى الله عليه وآله ) الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ ثُمَّ قُدِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) تِبْرٌ وَمَتَاعٌ فَقَالَ لِعَلِيٍّ ( عليه السلام ) يَا عَلِيُّ ائْتِ بَنِي جُذَيْمَةَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَرْضِهِمْ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ثُمَّ رَفَعَ ( صلى الله عليه وآله ) قَدَمَيْهِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ اجْعَلْ قَضَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ حَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) قَالَ يَا عَلِيُّ أَخْبِرْنِي بِمَا صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمَدْتُ فَأَعْطَيْتُ لِكُلِّ دَمٍ دِيَةً وَلِكُلِّ جَنِينٍ غُرَّةً وَلِكُلِّ مَالٍ مَالًا وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمِيلَغَةِ كِلَابِهِمْ وَحَبَلَةِ رُعَاتِهِمْ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهُمْ لِرَوْعَةِ نِسَائِهِمْ وَفَزَعِ صِبْيَانِهِمْ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ وَلِمَا لَا يَعْلَمُونَ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهُمْ لِيَرْضَوْا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ( صلى الله عليه وآله ) يَا عَلِيُّ أَعْطَيْتَهُمْ لِيَرْضَوْا عَنِّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ يَا عَلِيُّ إِنَّمَا أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي)) ([11]) 
 
فلو أن الأمة اقتدت بسيرة رسول الله( صلى الله عليه وآله ) وامير المؤمنين( عليه السلام ) خصوصا الحكام والملوك والسلاطين فان الأرض حينئذٍ تتبدل غير الارض وسوف يتنعم الناس بالسعادة والطمأنينة والأمن والاستقرار والفلاح. 
 
مسؤولية الناس 
 
ان مسؤولية الناس في مواجهة الظلم أمور نذكر منها: 
 
1- لا تعذروا الظالم بظلمه 
 
1- ان لايعذروا الظالم في ظلمه أو يحاولوا ان يبرروا خطأه كما يبرر الان من ان هذا أو ذاك ليست له الاقامة! ذلك ان الإقامة بدعة ولم تكن في زمن الرسول والأئمة سلام الله عليهم وقد سنّها الاستعمار البريطاني قبل حوالي القرن من الزمن اضافة الى الهوية والجواز والفيزا وما اشبه؛ ثم ان الأرض لله ولمن عمرها و(خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) و(الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم) وغير ذلك([12]) 
 
ولاشك ان من يسير وراء الاستعمار وقوانينه يخطئ الطريق يكون الاستعمار سيده ومولاه، وليس رسول الله صلى الله عليه واله وامير المؤمنين وسائر الائمة عليهم السلام. 
 
ولو تنزلنا وقلنا فرضاً انه لا باس بالإقامة، فهل يجوز عقلاً أو شرعاً أو قانونياً ترويع الناس الآمنين ونسائهم وأطفالهم بهذه الطريقة الفجة واللاانسانية؟؟ ولماذا لا يُرسل للشخص المعني بلاغ للحضور الى المحكمة والتحاكم إلى القضاء وتسوّى الامور بكامل الاحترام وحسن المعاشرة. 
 
اما الطريقة البعثية في التعامل مع الناس كافة ومع العلماء والمثقفين خاصة في أي بلد كان ذلك وفي أية دولة، فهي من اجلى مصاديق الظلم وهي مما ينتقم الله تعالى ممن يقوم به، غير بعيد. 
 
يقول الامام الصادق ( عليه السلام ): ((مَنْ عَذَرَ ظَالِماً بِظُلْمِهِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَنْ يَظْلِمُهُ فَإِنْ دَعَا لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ وَ لَمْ يَأْجُرْهُ اللَّهُ عَلَى ظُلَامَتِهِ)) ([13]) 
 
2- انصحوا الظالم وانهوه عن المنكر واثبتوا 
 
2- علينا ان ننصح الظالم ونأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر في اي موقع كان الظالم سواء أكان في الدولة او في العشيرة او في الحزب او الدائرة او غير ذلك وان نواصل الضغط كي يرتدع ويتراجع وإلا فان من شأن الظالم إذا لم يرَ ردعاً بالمستوى ان يزداد ظلماً وعتواً وجبروتاً. 
 
نسال الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم لكي نكون جميعا ممن يحق الحق بأقواله وأفعاله، وان يبطل الباطل بقوله وفعله وقلمه وممن يرتضينا لدينه ويجعل عاقبة امورنا خيرا، ويعجل لوليه الاعظم الفرج 
 
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
([1]) - المائدة 8 
 
([2]) - المائدة : 2 
 
([3]) - راجع التبيان للشيخ الطوسي – اول سورة المائدة. 
 
([4]) - بمعنى اقتضائه في ذاته لأن يحكم العقل بحرمته. 
 
([5]) الكافي الشريف ج2 ص276. 
 
([6]) - بحار الانوار : ج72 ص 381 
 
([7]) العلق 7 
 
([8]) وسائل الشيعة ج27 ص167 والأمالي للطوسي ص110. 
 
([9]) في حين ان راتب الطالب يومئذ كان تومانين فقط !! 
 
([10]) بحار الانوار ج 9 عن امالي الطوسي 
 
([11]) الأمالي للصدوق ص173 ومستدرك الوسائل ج18 ص366. 
 
([12]) فصل السيد الوالد ( قدس سره ) الحديث عن ذلك في الفقه: السياسة والفقه: القانون والفقه: الحقوق وفي كتاب الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، كما فصله السيد العم دام ظله في (السياسة من واقع الإسلام) وغيرها. 
 
([13]) الكافي الشريف ج2 ص334.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 21 رجب 1435هـ  ||  القرّاء : 10274



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net