||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 413- فائدة فقهية: الموت السريري وقول الأطباء

 185- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (3)

 353-(هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (2) الظاهري، الباطني، ومنهج المعطِّلة

 282- فائدة تفسيرية: الفرق الشاسع بين (أجراً) و (من أجر)

 88- من فقه الآيات: بحث عن قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين )

 334-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (9) الأدلة الخمسة على وجوب الإحسان للإنسان

 228- (الامة الواحدة) على مستوى النشأة والذات والغاية والملّة والقيادة

 190- الموقف من الحكومات الجائرة المتاركة او المشاركة او المواجهة ؟

 62- أنواع تعدية الفعل

 كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة هل يفيد التعديل؟ (ج1)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23706674

  • التاريخ : 29/03/2024 - 06:21

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 366- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (9) .

366- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (9)
8 جمادي الاول 1441هـ

الفوائد الأصولية
(الصحيح والأعم)

 

الفائدة التاسعة: ذهب صاحب الكفاية إلى أن أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم؛ وذلك لعدم اتصاف المسببات بالصحة والفساد ، إذ أن الشيء لو كان بسيطاً لا يتصف بالصحة والفساد ، وإنما يتصف بالوجود والعدم .
وفيه : أن المسببات وإن كانت بسيطة ولكن يمكن أن تتصف بالصحة والفساد؛ إذ يكون الوصف بهما إضافي؛ إذ لو كان المراد من المسبّب هو الاعتبار الشرعي فهنا لا معنى لتوصيف المعتبر الشرعي بالصحّة والفساد؛ لأن الشارع إمّا أن يعتبر أو لا يعتبر لا أن يصفه بالصحة والفساد ؛ بخلاف ما  لو كان المراد من المسبّب ما حصل بالإنشاء الصادر في اعتبار العرف ؛ فإن يصح تقسيمه إلى الصحيح والفاسد ؛ فيكون ما كان منه مندرجاً تحت الاعتبار الشرعي صحيح وإلا يعدّ فاسداً؛ بل يمكن أن يقال بتمامية وصف البسيط بالصحة والفساد في حد ذاته من دون أن يكون مقيساً إلى غيره؛ لأننا إن فسرنا  الصحة والفساد باستجماع المركب للأجزاء والشرائط وعدمه فحينئذ لا يمكن وصف البسيط بهما؛ لأنه لا أجزاء له كي يتصف بالاستجماع تارة وبعدمه أخرى ؛ فلا يوصف بهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع، بل يمكن أن يقال إن البسيط يمكن أن يتصف بالصحة من جهة وبالفساد من جهة أخرى ؛ كما لو كان ضعيفاً في مرتبته الوجودية، فإنه يكون ناقصاً أو فاسداً أو باطلاً أو قبيحاً، وإن كان قوياً كان تاماً أو صحيحاً أو حسناً؛ وكما لو  كان بلا أثر ؛ فإنه يكون فاسداً أو باطلاً أو ناقصاً أو قبيحاً ؛ وكما لو فقد معظم الأثر أو القدر المعتد به منه، فإنه يجري عليه حكم ما سبق ، وهذا جار في التكوينيات وفي الشرعيات؛ وعليه فأمر المسببات ليس دائراً بين الوجود والعدم فقط ، بل أمره دائر  أيضاً بين الصحة والفساد والنقص والكمال أو التمام والكمال والحسن والقبح؛ كما الحال في الزوجية والملكية وغيرهما،  بل يقال  كما لا يتصف المسبب إلا بالوجود والعدم كذلك السبب؛ لأن ليس جامعاً للشرائط ليس بسبب، وإن قلتم إن صورة السبب تسمى سبباً من باب المشابهة وإن لم تكن سبباً، فيمكن أن نقول مثل ذلك في المسبب؛ فلا يصح أن يلحظ في السبب الأعم من المجازي منه بينما لوحظ في المسبب الحقيقي منه؛ بل وِزان المسبب هو وِزان السبب تماماً من حيث الصحة والفساد مسامحةً وحقيقة ؛ بل قد يقال إن المسببات كالأسباب قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة ؛ فإن الملكية حيث إنها الأمور الإضافية فبساطتها وتركّبها تابعان لبساطة وتركّب المضاف إليه؛ فإن كان بسيطاً فملكيته بسيطة وإلا مركبة؛ ولا يعقل أن يكون المضاف إليه مركباً والمضاف بسيطاً. ثم لو سلمنا عدم وصف المسببات بالصحة والفساد ؛ فذلك لعدم الوضع مع إمكانه؛ وليس لعدم إمكانه لاستحالته العقلية ؛ فظهر عدم تمامية تعليل الآخوند بأن :( أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم، لعدم اتصافها بهما) ؛ لأنهم لو أرادوا أن يضعوا لها لأمكنهم ذلك .

تفصيل الفائدة
إن مصب النزاع بين القائلين بكون المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعم، يمكن أن يكون في أسبابها كما يمكن أن يكون في مسبباتها، وذلك في الجملة تابع للاختلاف في ان ألفاظها -كالبيع والصلح والهبة وكالطلاق والعتق- موضوعة للسبب والمعنى المصدري أو للمسبب والمعنى الاسم مصدري.

محتملات ما وضع له لفظ البيع وسائر العقود
توضيحه: أن المحتملات في البيع هي أربع:

وضعه للمعنى المصدري
أولاً: أن يكون موضوعاً للمعنى المصدري أي للإيجاب والقبول الدالين على نقل الملك، كما عرّفه [1] به في المسالك، أو الإيجاب المتعقَّب بالقبول، على قول نقله في المكاسب، أو لإنشاء البيع كما ذكر بعض آخر، وعليه يكون النزاع في أن البيع موضوع لخصوص الإيجاب والقبول الصحيحين أو يشمل البيع للفاسد منهما كما لو قال بَعت بفتح الباء أو بِئت بإبدال العين همزة – كما يصنع بعض الفرس، أو قدم القبول على الإيجاب بلفظ قبلت أو مطلقاً على الخلاف في صحة الثاني، أو فَقَد الموالاة.

وضعه للمعنى الاسم مصدري باحتمالاته الثلاثة
ثانياً: أن يكون موضوعاً للمعنى الاسم المصدري، وهو الحاصل من المصدر .
وهذ نظير الغُسل -بضم الغين - الحاصل من الاغتسال فالاغتسال مصدر وهو الفعل المتدرج، والحاصل منه هو الطهارة الخاصة هو اسم المصدر وهو الغُسل  [2].

ثم المعنى الاسم مصدري يحتمل فيه ثلاث احتمالات:

النقل الخاص
أ- أن يكون هو النقل الخاص أو فقل التمليك بشرط تعقبه بالتملك، والتمليك هو الحاصل من المصدر وهو البيع، فالبيع موضوع لهذا النقل المخصوص والتمليك الخاص، وهذا هو ما اختاره الشيخ (قدس سرة) في المكاسب إذ قال: (والحاصل: أنّ البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحقّقه في نظر الشارع، المتوقّف على تحقّق الإيجاب والقبول) [3].

الانتقال الخاص
ب- الانتقال، وهو انفعال عن النقل فإن النقل فعل والانتقال انفعال، وقد توهّم من اعتبرهما واحداً ذاتاً مختلفين اعتباراً وأنه لو نسب للفاعل لكان نقلاً أو كسراً أو للقابل لكان انتقالاً أو انكساراً؛ إذ قد أجبنا عنه سابقاً بوجوه، منها: بداهة عِلّية الفعل والكسر للانفعال والانكسار ولذا يقال كسرته فانكسر ولا يعكس فيقال انكسر فكسرته!
فالبيع –على هذا – يعني الانتقال الخاص بالسبب الخاص، فالصحيحيّ يرى أن الانتقال الصحيح هو البيع ، والأعميَّ يرى أن الانتقال المخصوص صحيحاً كان أم فاسداً هو بيع.
ولكن هذا المعنى قد رفضه الشيخ (قدس سرة) ؛  إذ قال: (وأمّا البيع بمعنى الأثر وهو الانتقال، فلم يوجد في اللغة ولا في العرف، وإنّما وقع في تعريف جماعة تبعاً للمبسوط، وقد يوجّه...) [4].

الملكية
ج- الملكية الخاصة الحاصلة بالسبب الخاص، وهو غير الانتقال المخصوص فإنه سببها، فتدبر [5] ، هذا.
الآخوند: نزاع الصحيحيّ والأعميّ لا يتصور بناءً على الوضع للمسببات
وقد ذهب الآخوند(قدس سرة) وتبعه جمع إلى أن نزاع الصحيحي والأعمي إنما يتصور في ألفاظ المعاملات بناءً على وضعها للمصدر والإيجاب والقبول؛ فإنها إما صحيحة أو فاسدة ثبوتاً فيجري الكلام في الوضع وأنه وضع لهذا [6] أو ذاك [7]، ولكنه [8] لا يتصور النزاع الصحيحي والأعمي في ألفاظها بناءً على وضعها لاسم المصدر [9]؛ وذلك لأن أمرها ثبوتاً دائر بين الوجود والعدم ؛ وليس للموجود منها فردان صحيح وفاسد كي يبحث في عالم الوضع عن أن الوضع كان للصحيح منها أو الأعم.
قال في الكفاية: (بقي أمور: الأول: إن أسامي المعاملات، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم، لعدم اتصافها بهما، كما لا يخفى، بل بالوجود تارةً وبالعدم أُخرى، وأما إن كانت موضوعة للأسباب، فللنزاع فيه مجال، لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً، وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر كذا شرعاً وعرفاً) [10].
والحاصل: أن المعنى الاسم المصدري - كالنقل والانتقال والملكية الحاصلة به- لا معنى لوصفه بالصحيح أو الفاسد ؛ وذلك لأنه إما موجود وإما معدوم ؛ فإن وُجِد وجد تاماً وإلا فلا.
وعلّله السيد الوالد (قدس سرة) في الوصول بأن المعنى الاسم مصدري بسيط؛ لذلك فإن أمره دائر بين الوجود والعدم:
قال (قدس سرة) : وذلك (لعدم اتصافها) أي اتصاف المعاملات (بهما) أي بالصحة والفساد (كما لا يخفى) ؛ إذ أن الصحة عبارة عن تمامية الشيء بحيث يترتب عليه الأثر المطلوب منه، والفساد عبارة عن عدم التمامية بحيث لا يترتب عليه الاثر المطلوب، وهذا انما يتصور فيما كان الشيء مركباً، وأما إذا كان بسيطاً فوجوده وصحته مساوقان، فلا يمكن فيه الوجود دون الصحة حتى يطرأ عليه الفساد، مثلا يعقل في الصلاة الصحة باعتبار اجتماع الأجزاء والشرائط ، والفساد باعتبار وجود بعض الاجزاء وعدم وجود بعض مثلاً، أما كون الشيء لزيد فلا يتصور فيه الفساد أصلاً ؛ إذ الشيء إما ملك لزيد أم لا، والحاصل: أن الشيء لو كان بسيطاً لا يتصف بالصحة والفساد (بل) يتصف (بالوجود تارة) إن كان سببه موجوداً (وبالعدم أخرى) إن كان سببه مفقودا) [11].

توجيه صحة الوصف بالصحة والفساد في البسيط الاسم مصدري
لكن المستظهر عدم تمامية ذلك ، وأن المعاني الاسم مصدرية وإن كانت بسيطة فإنها تتصف بالصحة والفساد، وذلك لوجهين؛  الأول ما ذكره السيد الوالد والشيخ الوحيد ، والثاني ما خطر بالبال القاصر:

الوصف بهما إضافي
أما الوجه الأول: فهو مبني على تسليم عدم اتصاف الأمر البسيط بالصحة والفساد في حد ذاته، لكن يجري تخريج وصفه بهما بنسبته إلى الغير وإضافته له وقياسه به، أي أنه في حد ذاته إما موجود أو معدوم لكنه إن نسب إلى جهة أخرى فإن الموجود لدى الجهة الأولى إما صحيح عند الجهة الثانية أو فاسد عندها؛  فالصحة والفاسد على هذا التوجيه إضافيان.
قال السيد الوالد (قدس سرة) : (حيث إن المعاملة بحاجة إلى الاعتبار من المتعامِلين والـمُظهِر، واعتبار الشارع في المعاملة الشرعية والعقلاء في المعاملة العقلائية – لوضوح أن بينهما عموماً من وجه – فنقول: السبب الصحيح هو الذي اعتبره الشارع، مثلاً، بعد اعتبار المتعاملين له، والفاسد هو الذي لم يعتبره الشارع، ومثِل ذلك إذا لوحظ ما اعتبره المتعاملان بالنسبة إلى قبول وعدم قبول العقلاء له) [12].
وقال الشيخ الوحيد (دام ظله): (وفيه: إن كان المراد من المسبّب الاعتبار الشرعي، صحّ ما قيل من أنّه لا معنى لتوصيف المعتبر الشرعي بالصحّة والفساد، لدوران أمره بين الوجود والعدم، بمعنى أنّ الشارع إمّا أن يعتبر أو لا يعتبر، ولا يصحّ أن يصدر منه اعتبار موصوف بعدم [13] الصحة والفساد، وإن كان المراد من المسبّب ما حصل بالإنشاء الصادر في اعتبار المتعاقدين أو في اعتبار العرف، جاز تقسيمه إلى الصحيح والفاسد، فما كان منه مندرجاً تحت الاعتبار الشرعي صحيحٌ وإلا يعدّ فاسداً) [14]، فتأمل.
ووجه التأمل: أن المبنى في إشكال الآخوند هو الدقة بإرجاع الصحة والفساد في المسببات إلى الوجود والعدم، أي أن المسبب إما موجود وإما معدوم، ولا يصح القول بأنه إما صحيح وإما فاسد لبساطته، فإذا كان ذلك كذلك فلا يجدي لدفعه تحويل الكلام عن الصحة والفساد الذاتيين إلى الاضافيين فإنهما أيضاً لدى الدقة يعودان- في المسببات- للوجود والعدم ؛ إذ يقال: بأن ما هو بيع [15] إما هو نقل لدى الشارع فموجود لديه ، أو ليس بنقل فهو معدوم لديه؛ فلا معنى للقول – لدى الدقة – بأن النقل الموجود لدى العرف إما صحيح لدى الشارع أو فاسد.
بل يجب القول: إن النقل الموجود لدى العرف إما موجود لدى الشارع أو لا، وبالعكس لا معنى للقول بأن النقل الموجود لدى الشارع إما موجود لدى العرف أو لا [16]، لا أنه صحيح عندهم أو لا، أو الموجود لدى الفرد [17] إما موجود لدى الشارع أو العرف أو لا.

الوصف بهما حقيقي بلحاظ تفسير الصحة
أما الوجه الثاني: فهو ما نذهب إليه وهو رتبةً مقدم على الوجه الأول؛ فإنه يفيد تمامية وصف البسيط بالصحة والفساد في حد ذاته لا مقيساً إلى غيره، وهو مبني على تفسير الصحة والفساد ؛ فإنه إن فسرت باستجماع المركب للأجزاء والشرائط وعدمه، لم يمكن قهراً وصف البسيط بهما ؛ إذ لا أجزاء له كي يتصف بالاستجماع تارة وبعدمه أخرى فلا يوصف بهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع، لكن هذا التفسير للصحة والفساد تفسير بالأخص ، وقد سبق أن لها سبع معاني على بعضها يبتني صحة وصف البسيط في حد ذاته بالصحة والفساد.

اتصاف البسائط بالصحة والفساد، بثلاث وجوه
وبيانه : أن البسيط يتصف بالصحة من جهة وبالفساد أو البطلان أو النقص من جهة أخرى، بثلاث جهات أخرى أيضاً:
الأولى:  فإن البسيط إن كان ضعيفاً في مرتبته الوجودية، كان ناقصاً أو فاسداً أو باطلاً أو قبيحاً، وإن كان قوياً كان تاماً أو صحيحاً أو حسناً، إذ التشكيك جارٍ في البسائط كما لا يخفى، وبضعف الوجود يمكن أيضاً تفسير قوله:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
وَكُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِل.

الثانية : كما أنه إن كان بلا أثر كان فاسداً أو باطلاً أو ناقصاً أو قبيحاً.
الثالثة: وكذلك لو فقد معظم الأثر أو القدر المعتد به منه.

أمثلة من التكوينيات
ولنمثل للأنحاء الثلاثة بالتكوينيات أولاً ثم بالتشريعيات ومنها المقام:
فإن البسائط الأربعة لدى القدماء يمكن أن تتصف بما ذكرناه:
فالماء إذا فقد خاصية إروائه للظمأ مثلاً أو إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه كان فاسداً.
والتراب إذا كان بحيث يفسد فيه الزرع، أو كانت خصوبته قليلة بحيث لا ينتج إلا القليل، كانت تربة فاسدة أو ناقصة.
والهواء إذا كان ملوثاً كان فاسداً.
والنار إذا كانت ضعيفة جداً كانت ناقصة ،هذا.
بل قد يطلق على البسيط الباطل لوجه آخر، كما يقال عن فكرة شريك البارئ أنها فكرة باطلة مع أنها بسيطة، وذلك لعدم مطابقتها للواقع.
وأما البسائط لدى المعاصرين فهي 116 عنصراً، والأمر فيها كذلك؛ فإن اليورانيوم المشع إذا قلّ إشعاعه – لسبب أو آخر – كان فاسداً أو ناقصاً، وكذا الحديد إذا صدأ، وغير ذلك.

وأمثلة من العبادات والمعاملات
وأما في الأمور الشرعية فقد يمثل لها بالعبادات والمعاملات:
ففي العبادات: الصحيح من الركوع ما وصلت فيه يداه للركبتين، والفاسد منه أو الباطل أو الناقص ما انحنى فيه قليلاً.
والصحيح من السجود ما كان على ما قلّ ارتفاعه عن أربع أصابع فإن زاد فهو سجود لكنه فاسد أو باطل.
وأما في الشرعيات: فالهبة لغير ذي الرحم تفيد التمليك الناقص إذ تفيد الملك المتزلزل، وكذلك المعاطاة في البيع على رأي من رأى أنها تفيد الملك المتزلزل، وأما على رأي من رأى أنها تفيد الإباحة فليست تمليكاً لكن هذا النقل يمكن أن يوصف بالناقص.
وكذلك الحيازة والسبق إلى مكان في المسجد أو الحرم، فإنه يفيد الاختصاص دون الملك، فهو سلطة ناقصة، بل أنه يفيد الملك الناقص، بناءً على أن حق الاختصاص هو مرتبة من مراتب الملك، وأما على مباينته له فهو نقل خاص فإما أن يحدث أو لا، وقد تعد الحيازة من أمثلة قليل الأثر دون عديمه، أو من أمثلة ضعيف الوجود [18].
ويمكن التمثيل للنقل الناقص أو الملكية الناقصة غير التامة:  بما لو باعه المغصوب منه إذا كان الغاصب ممن لا يمكن استنقاذ الحق منه أو ممن يضعف احتمال استنقاذه منه فإنه لا يخرج الشيء عن ملك مالكه بالغصب لكن سلطنته عليه ضعيفة دون شك، أو هي بوجهٍ دون وجهٍ [19] منعدمة، فلو باعه المغصوب -وقلنا بصحة البيع-  وإن لم تكن له القدرة على التسليم إذا كانت للمشتري القدرة على التسلّم أو مطلقاً [20]، فإنه نقل وتمليك ناقص أو ضعيف، وقدرة المشتري على التسلّم أمر آخر لا يغير من جوهر ضعف النقل في حد ذاته.
وكذلك الزوجية التي لا يمتلك الفقيه حق فسخها، فهي زوجية في مرتبة عُليا عكس من يملك أمرها؛ لغياب الزوج مثلاً أو لدعوى ولايته ابتداءً، فهي زوجية ضعيفة ذاتاً، وللمناقشة في بعض الأمثلة السابقة مجال كما لا يخفى، فتدبر.
وكذلك الصلح ، فإن منه الصحيح والفاسد المسببيين كالسببيين كما سيأتي بإذن الله تعالى.
والحاصل: أن أمر المسببات ليس دائراً بين الوجود والعدم، بل الموجود منها أيضاً أمره دائر بين الصحة والفساد والنقص والكمال أو التمام والكمال والحسن والقبح، كما فيما سبق من الأمثلة.
ويشهد لما ذكرناه التزام الأعلام بضعف السلطنة وقوتها في مسائل كثيرة ، والتزامهم بانعدام بعض آثار الملكية أو أغلبها بل كلها في بعض الصور، فليس أمرها دائراً بين الوجود والعدم؛ فمن تلك الأمثلة:
ما ذكره الشيخ (قدس سرة) في المكاسب بقوله : (وأعلم أنّه ذكر الفاضلان [21] وجمع ممّن تأخّر عنهما [22] في شروط العوضين بعد الملكية: كونه طِلْقاً، وفرّعوا عليه: عدم جواز بيع الوقف إلا فيما استثني، ولا الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته، ولا أُمّ الولد إلا في المواضع المستثناة، والمراد بالطّلْق تمام السلطنة على الملك، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء ويكون مطلق العنان في ذلك) [23]  ثم قال : ( فمعنى الطّلْق: أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لأحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرّف في ملكه، فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف، لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعاً بل الأمر في الفرعيّة والأصالة بالعكس) [24].
كما ذكر الشيخ أمثلة كثيرة للملك غير الطّلق الذي تكون سلطنة المالك عليه ضعيفة ؛ فقال (قدس سرة) : (وقد أنهاها بعض من عاصرناه [25] إلى أزيد من عشرين، فذكر بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر: النّذر المتعلّق بالعين قبل البيع، والخيارَ المتعلّق به، والارتدادَ، والحلفَ على عدم بيعه، وتعيينَ الهدي للذبح، واشتراطَ عتق العبد في عقدٍ لازم، والكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة إلى ما لم يتحرّر منه؛ حيث إنّ المولى ممنوع عن التصرّف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء، والتدبير المعلَّق على موت غير المولى بناءً على جواز ذلك، فإذا مات المولى ولم يمت من عُلِّق عليه العتق كان مملوكاً للورثة ممنوعاً من التصرّف فيه، وتعلّقَ حقّ الموصى له بالموصى به بعد موت الموصي وقبل قبوله، بناءً على منع الوارث من التصرّف قبله، وتعلّقَ حقّ الشفعة بالمال؛ فإنّه مانع من لزوم التصرّفات الواقعة من المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها... وتعارضَ السبب المملِّك والمزيل للملك، كما لو قَهَرَ حربيٌّ أباه، والغنيمةَ قبل القسمة، بناءً على حصول الملك بمجرّد الاستيلاء دون القسمة؛ لاستحالة بقاء الملك بلا مالك. وغيرَ ذلك ممّا سيقف عليه المتتبّع) [26].
والحاصل: أن الملكية أو السلطنة في هذه الموارد ضعيفة أو قليلة الأثر، فهي سلطنة ناقصة، فإن الخيار المتعلق بالعين مثلاً يفيد عدم استقرار ملكه له وعدم سلطنته عليه سلطنةً لا يزاحمه فيها غيره [27].
وقوله: (وتعلق حق الموصى له...) يريد بها الوصية العهدية، لا التمليكية؛ فإنها غير معلقة على شيء إلا موت الموصي؛ فإنه بمجرده تنتقل العين إلى ملك الموصى له فالوصية هي سبب النقل بشرط الموت وهذا مما استدل به على صحة تفكيك الإنشاء عن المنشأ.
وقوله: (وتعلق حق الشفعة...) ؛ فإنَّ مِلك المشتري من أحد الشريكين غير مستقر؛ فإنه ماله؛ ولذا له ان يتصرف في ملكه بالبيع وغيره لكن لزومه واستقراره معلق على عدم أخذ الشفيع- وهو الشريك الآخر- بالشفعة؛ فإن أخذ بها – بشروطها-  خرج عن ملكه وبطلت تصرفاته السابقة فيه.
وقال  (قدس سرة) أيضاً: (مسألة: الثالث من شروط العوضين: القدرة على التسليم، فإن الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد، وفي التذكرة: أنّه إجماع ، وفي المبسوط: الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء) [28].
مع أنها ملك له لكن بلا أثر وفائدة ولا قدرةٍ على النقل؛ فهي سلطنة لكنها أشبه بالعدم وهي ملكية لكنها من أضعف ما يكون، هذا إن لم نقل بخروجه عن ملكه بفراره كالطير إذا ملك جناحه ولم تكن عليه علامة، فتأمل.
وقال (قدس سرة): (وممّا انفردت به الإماميّة القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضّميمة ولا يشترى وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال ... ويعوِّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غَرَرٍ وأنّ نبيّنا (صلى الله عليه واله) نهى عن بيع الغَرَر ... وهذا ليس بصحيح؛ لأنّ هذا البيع يخرجه عن أن يكون غرراً انضمام غيره إليه، انتهى) [29].
أقول: العبد الآبق لا سلطنة للمالك عليه ولا انتفاع له به ؛ فهو مع أنه ملكه- بدليل صحة بيعه مع الضميمة بالإجماع- لا أثر له، فهي سلطنة ضعيفة وملك ضعيف في أدنى درجاته أو فقل أنه ملك ناقص.
وقال (قدس سرة): (لأنّ ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحرٍ يمتنع خروجه منه عادةً ونحوه ليس في بيعه خطر؛ لأنّ الخطر إنّما يطلق في مقامٍ يحتمل السلامة ولو ضعيفاً، لكنّ هذا الفرد يكفي في الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة وكون أكل الثمن في مقابله أكلًا للمال بالباطل، بل لا يعدّ مالًا عرفاً وإن كان ملكاً، فيصحّ عتقه ويكون لمالكه لو فرض التمكّن منه، إلّا أنّه لا ينافي سلب صفة التموّل عنه عرفاً؛ ولذا يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته إلى المالك فيملكه مع بقاء العين على ملكه على ما هو ظاهر المشهور) [30].
والملك الذي لا يعد مالاً أضعف أنواع الملك وهو بلا أثر أو قليلة؛ فليست ملكيته صحيحة أو تامة ، بل هي ناقصة أو ضعيفة وإن لم توصف بالفاسدة عرفاً؛ فقد ثبت عدم دوران أمر المسببات بين الوجود والعدم بقول مطلق، وأما الوصف بالفساد فإضافي وذلك كنقل عرفي فاسد شرعاً وكما في الربا لكنه عودة للجواب السابق.
وقال (قدس سرة): (فحينئذٍ لا مانع عن التزام وقوع بيع كلّ ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكّن منه [31] في زمان لا يفوت الانتفاع المعتدّ به) [32] ، وهذا النوع من الملك وإن كان أحسن حالاً من سابقه [33] لكنه أيضاً سلطنة ضعيفة لمكان احتمال التمكن منه [34].

من الشواهد: ضعف سلطنة المغصوب منه
ومن الشواهد البيّنة على الملك الضعيف أو الناقص هو المغصوب ونظائره كالآبق بلا رجعة، والغارق في البحر بلا أمل، وقد أشرنا إليه[35]، وتفصيله:
إن الغاصب إذا كان قاهراً، فلا شك أن الملك لا يخرج عن كونه ملكاً لمالكه بالغصب، كما لا يخرج العبد عن الملك بالفرار[36]، والعِقد أو الدينار عن الملك بالغرق في البحر[37]؛ فهو مملوك لكن ملكيته هي أضعف درجات الملكية ؛إذ الملكية هي على مبنىً أعلى درجات السلطنة التي أدناها حق الاختصاص، وهي نوع سلطنة مباينة لسلطنة حق الاختصاص [38] على مبنى آخر، أما سلطنة المالك على المغصوب منه فضعيفة جداً؛ إذ لا يمكنه التقلب فيه بأي نوع من أنواع الانتفاع كالسكن في داره المغصوبة أو الأكل من بستانه المغصوب أو استخدام عبده الهارب أو مطالعة كتابه الضائع مثلاً، فإذا قلنا كما قال المشهور بأنه لا يصح بيعه ولا إجارته ولا إجراء أي عقد عليه [39] فإن ملكية صاحبه له -أي سلطنته عليه- تكون أشبه بالعدم، وملكيته له حتى إن لم تفسر بالسلطنة عديمة الأثر أو قليلة الأثر جداً؛ فقد اتصفت الملكية بالضعف والقوة وكونها منشأ الآثار كلها أو أكثرها أو بعضها أو النادر منها، وقد فسرت الصحة بكون الشيء منشأ الأثر والفساد بكون عديمه أو قليله أو فاقد معظمه.
بل حتى إذا قلنا كما قال البعض- ولو صناعةً- بصحة بيع المغصوب ونظائره، فإنه لا يُخرج الملكية عن كونها ضعيفة جداً لانتفاء مراتب السلطنة الأخرى إلا هذه.

كلام الوالد في حكم بيع الآبق والمغصوب والضال
قال السيد الوالد (قدس سرة) في الفقه البيع: (مسألة: في بيع الآبق، هل يصح بيع الآبق والضال والمجحود والمغصوب وما أشبه كالساقط في البحر وفي الهوّة؟ في غير الآبق الذي هو مورد النص ببيعه مع الضميمة، كصحيحة رفاعة وموثقة سماعة، بل ورواية الدعائم عن علي (عليه السلام)، وإن ذكر فيها الضالة لكنها ضعيفة السند.
قولان: المنع:
كتاباً: حيث قال سبحانه: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [40] بضميمة انه باطل عرفاً.
وسنّةً: كنهي النبي (صلى الله عليه واله) عن الغرر وكذلك نهيه (صلى الله عليه واله) عن بيع الغرر، ولأنه مما ليس عنده [41] ، بالإضافة إلى الروايات الخاصة التي عرفتها.
وإجماعاً: حيث ادعى بعض الإجماع على المنع.
وعقلاً: حيث إنه سفهي، والأدلة لا تشمل السفهية، لأنها منصبة على العقلائية.
والجواز: لإطلاق الأدلة، وكونه باطلاً عرفاً أخص ؛ إذ العقلاء يقدمون على قطع الربح وظنه وشكه ووهمه، وإنما لا يقدمون على مقطوع الضرر) [42].

إذا كان عاجزاً عن التسليم، وكان المشتري قادراً على التسلّم
وهذا كله فيما كان عاجزاً عن التسليم وكان المشتري عاجزاً عن التسلّم، وأما لو كان عاجزاً عن التسليم والمشتري قادراً على التسلّم فهل يصح بيعه؟
لعل المشهور العدم والمنصور - تبعاً للشيخ ومن ذكر أسماءهم [43]-  الصحة، فعلى العدم الأمر واضح؛ لضعف الملكية والسلطنة إلى هذا الحد، وأما على فرض الصحة فإنه وإن لم يكن كالصورة السابقة في الضعف لكنه تسلط ضعيف؛ إذ لا يمكنه أي نوع من التصرف فيه إلا بنقله على أن نقله مما لا يرغب فيه إلا القليل؛ فهو من هذه الجهة قليل الأثر بالنسبة إلى المملوكات غير المغصوبة أو الغارقة أو شبهها.

الخلاف في المسألة
قال الشيخ (قدس سرة) : (ثمّ انّ الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقّق الثاني حيث حكى عنه أنه قال في إيضاح النافع أنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط لا أنها شرط في أصل صحة البيع؛ فلو قدر على التسلم صحّ البيع وإن لم يكن البائع قادراً عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من التسليم جاز وينتقل إليه ، ولا يرجع على البائع لعدم القدرة إذا كان البيع على ذلك مع العلم؛ فيصحّ بيع المغصوب ونحوه) [44] .
وقال (قدس سرة) : (ثمّ إنّ الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين أن القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتّبع وإنما المقصد الأصلي هو التسليم ؛ ومن هنا لو كان المشتري قادراً دون البائع كفى في الصحة كما عن الاسكافي والعلّامة وكاشف الرموز والشهيدين والمحقق الثاني، وعن ظاهر الانتصار أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه مما انفردت به الإمامية ، وهو المتجه لأن ظاهر معاقد الإجماع بضميمة التتبع في كلماتهم واستدلالاتهم بالغرر وغيره مختصّ بغير ذلك) [45].
والظاهر من ذكر الشيخ لأسماء من ذكرهم أن ذلك خلاف المشهور أو خلاف ظاهر معاقد الإجماع ؛ لذلك اضطر لاستقراء أسماء الموافقين له، ومع ذلك فإن مَن ذكرهم معدودون، وقد اضطر إلى توجيه ظاهر معقد الإجماع، فتأمل. هذا.

من الشواهد: اختلاف درجات عُلقة الزوجية قوة وضعفاً
ثم إن من الشواهد على أن المسببات ليس أمرها دائراً بين الوجود والعدم- بل بين العدم والوجود القوي أو الضعيف- الزوجية؛ فإن الزوجية قد تكون العُلقة فيها قوية وقد تكون ضعيفة، وذلك كالأمثلة التالية:
فمنها: الزوجة التي وكّلها الزوج في طلاق نفسها، في ضمن عقد ملزم أو مطلقاً، فإن علقة الزوجية حينئذٍ ضعيفة؛ إذ بمقدور كل منهما قطعها بالطلاق حتى ذات الوكالة الجائزة مادام لم يفسخها، عكس غير الوكيلة فإن العلقة فيها قوية بالنسبة للأولى.
ومنها: علقة زوجية الغائب عنها زوجها أربع سنين أو مطلقاً، بشرائطه، فإنها أضعف من الحاضر زوجها؛ إذ لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي فيطلقها بشرائطه، أما الحاضر فليس للحاكم طلاقها.
نعم ، في السجين خلافٌ ، فالمشهور رفضوا إلحاقه بالغائب؛ إذ لا دليل عليه وتنقيح المناط غير قطعي ، والسيد الوالد رأى أن أمر الطلاق بيد حاكم الشرع لو رآها في عسر وحرج شديدين.
ومنها: من كان بها أحد العيوب السبعة [46] فإنه له فسخ النكاح فهذه العلقة أضعف من علقة زوجية ليست الزوجة فيها مبتلاة بإحداها.
ومنها: زوجية المتمتع بها ، فإنها أضعف من زوجية الدائم، ولذا كانت آثارها أقل، ككونها لا ترث وأنه ليس لها حق القَسم، وهكذا.

مناقشة مع حقائق الأصول
وإذا ظهر ذلك ظهر عدم تمامية ما ذكره في حقائق الأصول دفاعاً عن الآخوند بقوله (قدس سرة) : (فحينئذ يصح أن يقع النزاع في أن لفظ البيع أو غيره من الألفاظ موضوعة للصحيح أو للأعم منه ومن الفاسد، ولا ينطبق هذا المعنى على المسببات أعني الآثار المترتبة عليها مثل علقة البدلية في البيع والزوجية في النكاح وغيرهما في غيرهما، فإن هذه الآثار ليست مختلفة كمّاً أو كيفاً بحيث يكون التام مؤثراً في أثر كذا والناقص ليس مؤثراً فيه لتتصف بالصحّة والفساد، بل هي في ظرف وجود السبب تكون موجودة وفي ظرف عدمه تكون معدومة فهي إما موجودة أو معدومة فلا معنى للنزاع في وضع ألفاظها للصحيح أو الأعم)[47] ؛ إذ ظهر أن الآثار مختلفة كمّاً أو كيفاً:
أما كمّاً: فإضافة إلى ما سبق يمكن التمثيل له ببيع داره التي آجرها لشخص لمدة خمس سنين مثلاً، فإنها تنتقل للمشتري مسلوبة المنفعة لخمس سنين، فالتمليك أو النقل رغم حصوله ووجوده لكن بعض آثاره تحققت[48] دون بعضها [49]، غاية الأمر أن المشتري لو لم يكن يعلم لكان له الخيار لكنه أجنبي عن جهة البحث.
وأما كيفاً: فلما اتضح من أن الملكية مراتب ؛ إذ السلطنة فيها مراتب فقد ينقل الملكية بأعلى مراتبها كما في الملك الطِلق وقد ينقلها بأدناها كما في المغصوب والغارق في البحر ، وقد ينقلها بالمتوسط منها كما في الغارق المتعسر تحصيله لا المتعذر، فتأمل فيما سبق وتدبر.

وصف المسببات بالصحة والفساد
ثم إن ما مضى كان دليلاً على أن المسبَّب- كالملك مثلاً- يوصف بالضعيف والناقص وما أشبه، لكنه لم يتضمن وصفه بالصحة والفساد فما مضى وإن كان رداً على الآخوند في قوله إن أمر المسببات دائر بين الوجود والعدم فقط، لكنه لا يتمّ رداً على الشق الثاني من كلامه من أنها لا توصف بالصحة والفساد، إذ غاية ما اثبتناه أنها توصف بالكمال والنقص ونظائرها؛ فنقول:
بل أن المسبب قد يوصف بالصحة والفساد أيضاً لا بالنقص والكمال أو النقص والتمام أو القوة والضعف أو الحسن والقبح فقط؛ ألا ترى أن القضاوة بمعناها الاسم مصدري وهي الفصل في الحكومة توصف بالصحة والبطلان فيقال قضاء صحيح وقضاء باطل؟ وليس الوصف للسبب؛ إذ لا يراد أن إنشاءه للصيغة هو الباطل بل يراد أن مُنشَأه هو الباطل، على أن بطلان الـمُنشَأ قد ينشأ من بطلان الإنشاء فيقال قضاء باطل لبطلان إنشائه كما لو انشأ بصيغةٍ خاطئة فاسدة أو كان غير مستجمع للشرائط ، فهذا في (المعاملات) بالمعنى الأعم [50].
وأما في المعاملات بالمعنى العام [51] فإنه يصح وصف البيع الاسم مصدري- كالتمليك مثلاً- بالصحة والفساد بلحاظ كونه ذا أثر وعدمه ؛ فإنه كما صح وصف السبب بهما بلحاظ كونه ذا أثر أو لا ، كذلك المسبب فإنه إذا كان ذا أثر فصحيح وإلا ففاسد.
ولعل منشأ وهم عدم وصفه بهما تخيّل أنه لا أثر له ؛ فإنه معلول وليس علة وأنه أي أثر للتمليك؛ فإنه المسبَّب للإنشاء وليس سبباً لأمر آخر.
لكنه وهم باطل؛ إذ المسبب أيضاً قد يكون ذا أثر وقد يكون فاقِدَهُ وبلحاظهما يوصف بالصحة والبطلان.
ويشهد لما ذكرناه تمليك المغصوب وغير المقدور عليه [52]، فإنه بناءً على صحة بيعه فإنه تمليك فاسد أو باطل بمعنى عديم الأثر لا بمعنى عدم تحققه أو عدم مشروعيته، فهو تمليك إذ أنه لم يخرج عن الملك بالغصب كما يصح نقله على هذا الرأي، لكنه حيث كان بلا أثر أو كان فاقداً لمعظم الأثر فهو فاسد أو باطل أو غرري أو ضرري أو ناقص، فتأمل.

المسبب كالسبب، فيوصفان بالصحة والفساد مسامحةً
أما الوجه الثالث [53]: فهو ما ذكره السيد الوالد (قدس سرة) بقوله: (ويمكن منع التفصيل المذكور؛ إذ كما لا يتصف المسبب إلا بالوجود والعدم كذلك السبب فإن غير الجامع للشرائط ليس بسبب، وإذا فرض أن صورة السبب تسمى سبباً من باب المشابهة وإن لم تكن سبباً، يمكن فرض مثل ذلك في المسبب)[54].
وبعبارة أخرى: أن وِزان المسبب هو وِزان السبب تماماً ، فكما يصح وصف السبب بالصحة والفساد مسامحةً كذلك يصح وصف المسبب بهما كذلك، وكما لا يصح وصف المسبب بالصحة والفساد حقيقة لا يصح وصف السبب كذلك.
وتوضيحه: أن السببية والمسببية من الأمور المتضايفة فكلما صح في أحدهما صح في الآخر ، فإن أريد بالسبب السبب الحقيقي- أي ما هو سبب ثبوتاً وبالحمل الشائع الصناعي- فأمره دائر بين الوجود والعدم ولا يعقل وجود سبب باطل أو فاسد، فإن السببية أمر بسيط [55]؛ فإذا جمع السببُ الأجزاءَ والشرائطَ وسدّ كافة أبواب العدم كان سبباً وإلا فلا، فهو كالمسبب إما موجود أو معدوم، وإن أريد بالسبب السبب بالمشاكلة والمشابهة -أي الأعم مما هو سبب حقيقي وما هو شبيه بالسبب وإن لم يكن سبباً وأن هذا الأخير يوصف بالصحة والفساد - فنقول فكذلك المسبب تماماً.
والحاصل: أن التفريق بينها بوصف السبب بالصحة والبطلان وعدم وصف المسبب بهما، كيل بمكيالين؛ إذ قد لوحظ في السبب الأعم من المجازي منه بينما لوحظ في المسبب الحقيقي منه، فتدبر.

المسببات قد تكون مركبة أيضاً
الوجه الرابع: وهو دعوى عدم تمامية أصل مبنى مدعى الآخوند من أن المسبب لا يوصف بالصحة والفساد لكونه بسيطاً والبسيط أمره دائر بين الوجود والعدم [56]؛ وذلك لعدم صحة إطلاق دعوى بساطة المسببات كالملكية والمصالحة والقضاوة وإن بدت وجيهة ظاهراً، بل الصحيح أنها قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة كالأسباب تماماً؛ وذلك لأن الملكية من الأمور الإضافية - أي من الحقائق الاعتبارية ذات الإضافة-  فبساطتها وتركّبها تابعان لبساطة وتركّب المضاف إليه؛ فإن كان المضاف إليه بسيطاً كانت ملكيته بسيطة وإلا كانت مركبة.
بل نقول: إنه يستحيل غير ذلك ؛إذ لا يعقل أن يكون المضاف إليه مركباً والمضاف بسيطاً؛ ألا ترى المضاف الحقيقي كالفوقية والمشهوري كالسقف الذي هو فوق، مرْكّب إذا كان ما تحته مركباً ؛ إذ كل جزء من السقف هو فوق لجزء من الأرض التي هي تحته، وفوقية السقف مركبة من فوقيات كثيرة بعدد أجزاء ما هو فوق وبعدد أجزاء ما هو تحت فكل فوقية تقابلها تحتية فقولنا : السقف فوق، و: فوقية السقف للأرض؛ هو انحلالي وليس بسيطاً.
وكذلك المقام ؛ فإن ملكية الإنسان للدار ليست بسيطة مادامت الدار مركبة من أمتار وأجزاء كثيرة فهي في الواقع مركبة من ملكيات، وكذلك التمليك فإنه متعلق بهذه الملكية لا غير ، أي أنه نقل لها ؛ فينحل النقل إلى نقولات بعدد انحلال الملكية الواحدة ظاهراً إلى ملكيات؛ ويظهر ذلك فيما لو باع المشاع بينه وبين غيره أو لو باع ما يملك وما لا يملك معاً في صفقة واحدة، [57] فإن التمليك الواحد ظاهراً ينحلّ إلى تمليك ما يملكه وتمليك ما لا يملكه، فإذا قَبِل المشتري ولم يأخذ بالخيار صح تمليك ما يملك وبطل ما لا يملك إلا إذا أجازه المالك ؛ فالتمليك مركب بتركب المملوك والمنقول كما أن الملكية مركبة بتركب التمليك أو العكس[58] ، فتدبر جيداً.

مناقشة أخرى مع الآخوند
وبما سبق ظهر وجه آخر للإشكال على الآخوند في قوله: (بقي اُمور: الأول: إن أسامي المعاملات، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم، لعدم إتصافها بهما، كما لا يخفى، بل بالوجود تارةً وبالعدم أُخرى)[59] ؛ إذ الكلام إنما هو عن الوقوع وعن الوضع وأن اسماء المعاملات موضوعة للصحيح والفاسد، فله أن يقول بأنها موضوعة للصحيح خاصة استناداً إلى أنه لم نجد وصف المسببات- كالملك والتمليك- بالبطلان أو الفساد مثلاً، ولكن ليس له أن يُعلِّل بالاستحالة العقلية الظاهرة من تفسير وجه قوله: (لعدم اتصافها بهما) بأنها بسائط ؛ والبسائط لا يعقل فيها الوصف بالصحة والفساد بل بالوجود والعدم فقط، فحتى لو فرض تسليمنا عدم وصف المسببات بالصحة والفساد فإنما هو لعدم الوضع مع إمكانه لو وضعوا ذلك وليس لعدم الإمكان وأنهم حتى لو أرادوا أن يضعوا لما أمكن بدعوى أنه لا يعقل ثبوتاً وجود صحيح وفاسد([60]) للمسبب كي يجري البحث في أنهم هل وضعوا لفظ المعاملة للصحيح منهما فقط أو للأعم، فتدبر جيداً[61].                                       
بحث تطبيقي :
البحث منعقد لبحث الأدلة التي أقيمت[62] على أصالة الصحة في العقود لدى الشك في شرطية شرط لصحتها أو جزئية جزء لأسبابها، وأصالة الصحة تارة يراد بها الأصل الاجتهادي [63]، وأخرى يراد بها الأصل العملي المستند إلى مثل الاستصحاب كوظيفة عملية لدى الشك ، وعناوين الأدلة -بدون التطرق الآن لتفصيلها ومناقشاتها- هي:

عموم (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)
الأول: التمسك بعموم قوله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) [64] استناداً إلى أن البيع مثلاً لدى الشك في شرطية الموالاة - أو التنجيز فيه - عقد عرفاً ؛ فيشمله (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) ، وكذا المضاربة لدى الشك في صحتها إذا اشترط أن تكون الخسارة- كالربح- عليهما فإنها عقد ، أي تعاقد عرفاً ؛ فيؤخذ الموضوع من العرف والحكم من الآية الشريفة.
ومدعى المستدل هو: أن (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) عام فوقاني يصح التمسك به وإن لم يصح التمسك بالعمومات التحتانية كقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) [65] ؛ فلو أنه شك في صدق البيع عرفاً على فاقد الموالاة فلا يشمله (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) ولكن يشمله (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) لأنه عقد وتعاقد وإن لم يصدق عليه البيع ؛ فإن عدم صدق النوع أعم من عدم صدق الجنس [66] ، كما أن المضاربة مع شرط كون الخسارة عليهما وإن فرض أنها لا يصدق عليها المضاربة[67] لكنه يصدق عليها العقد دون شك.

(الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ )
الثاني: التمسك بـ(الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ )[68] بدعوى أن كل تعاقد فهو تشارط طرفيني فإذا باع واشترى بدون تنجيز مثلاً فإن كلّاً منهما قد اشترط على نفسه أن يسلم ماله لصاحبه فيؤخذ الموضوع من فعلهما الشخصي ويصدق عليه (شروطهم) فيشمله الحكم وهو المشار إليه بقوله (عليه السلام) (عند).

ما من عمل يقربكم إلى النار أو الجنة
الثالث: التمسك بقوله (صلى الله عليه واله) : (إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ وَمَا مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ )[69] وهي عام فوقاني يصلح مستنداً لفظياً للإطلاق المقامي الآتي أيضاً؛ بتقرير أن المعاملات المحرمة تقرب للنار والمحللة تقرب إلى الجنة ؛ إذ أن بها قوام المعاش بل هي بين واجب كفائي وبين مستحب، وشروط الصحة مقرّبة أو مبعدة عن الصحيح الحلال شرعاً، فلو لم يذكر الشارع شرطاً -كالتنجيز أو العربية-  في صحة العقد، أمكن نفيه استناداً إلى تلك الرواية ولقوله (عليه السلام) : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ )[70] ، وما لم يشترطه الله فهو رخصةٌ أحب أن يؤخذ بها، وما اشترطه عزيمه في الصحة أو هي عزيمة ارشادية، فتأمل.

الإطلاق المقامي
الرابع: التمسك بالإطلاق المقامي، وذلك لدى العجز عن الاستناد للإطلاق اللفظي أو العمومات الفوقانية، وذلك لأن الشارع حيث أتى بدين جديد، تصدى لتشريع كل ما ينبغي تشريعه أو لإمضاء كل ما ينبغي إمضاؤه، وقد حرّم أنواعاً من المعاملات، كالربا والكالي بالكالي في الكليين، وحلّل أنواعاً، وذكر شروطاً وأهمل غيرها؛ فما أهمله فليس بشرط استناداً لهذا الإطلاق المقامي [71]؛ وحيث لم يذكرها دلّ على ان ما لم يذكره ليس بشرط.

بناء العقلاء
الخامس: التمسك ببناء العقلاء على عدم شرطية مثل العربية في البيع أو سببية اشتراط كون الخسارة عليهما لبطلان المضاربة، لكن هذا الدليل لبي يقتصر فيه على ما ثبت بناؤهم عليه.

الاستصحاب
السادس: التمسك بالاستصحاب إذا لم تتم الوجوه السابقة - ولا الوجه الآتي الذي هو عمدتها-  باعتباره أصلاً عملياً، وليس المراد منه استصحاب العدم الأزلي المناقَش بأنه ليس بعقلائي إن كان مستنده [72] بناء العقلاء ؛ وبأن أدلة الاستصحاب اللفظية منصرفة عنه إن كانت هي المستند[73] ؛ بل المراد استصحاب عدم تشريع شرطية هذا أو جزئية ذاك زمن تدرّج نزول الأحكام، إذ يعلم أنه في بداية البعثة لم يكن قد ذكر الشارع شرطاً -من أمثال هذه المختلف فيها أو المشكوك حالها- ثم بالتدريج ذكر شروطاً؛ وحيث شك في أن هذا الشرط ذكره والزم به أو لا؟ فالأصل عدمه؛ لاستصحاب العدم الثابت أول الشريعة.

(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)
السابع: وهو عمدة ما جرى فيه البحث بين الأعلام في المكاسب؛  التمسك بإطلاق مثل (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) ، فقد جرى البحث ههنا عن أن لفظ البيع وسائر ألفاظ العقود هل هي موضوعة للأسباب[74] أو للمسببات [75] أو للتسبيبات أو للتسبّبات، كما جرى تفصيل ذلك كله وتشقيقاته سابقاً، وعمدة البحث بين الأعلام دار على القولين الأولين فلنبدأ بأولهما:

بناءً على أن العقود موضوعة للأسباب فالأمر سهل
الأول : فبناءً على أن ألفاظ العقود موضوعة للأسباب، فقد قيل بأن الأمر سهل؛ إذ أنه لو قال أحدهما بعت والآخر اشتريت -مثلاً - فهو بيع [76]، فالموضوع متحقق بالوجدان والحكم يؤخذ من الآية الشريفة (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ).
ولكن الميرزا النائيني -حسب تقريرات الآملي-  لم يرتَضِ ذلك ؛ إذ قال: (وأما بناءً على كونها ألفاظاً للأسباب فلأنها (ح) للأسباب بما يترتب عليها المسببات، ومن المعلوم أن هذا البيع أيضاً غير متصف بالصحة والفساد وليس للشارع اختراع بالنسبة إليه حتى يكون مجال للنزاع المعروف بين القوم في انها موضوعة للصحيح أو الأعم، وعلى هذا فما أفاده الشهيدان (قدس سرهما)- من كون ألفاظ العقود كالبيع ونحوه حقيقة في الصحيح ومجازاً في الفاسد-  مشكل)[77] .
وحاصله: أن البيع وإن كان أسماً للسبب لكنه ليس أسماً له بما هو لفظٌ وبما هو صورةُ سببٍ، بل بما هو واقع السبب أي بما أنه يترتب عليه المسببات؛ إذ لو لم يترتب عليه المسبب لما كان سبباً إذ السببية والمسببية من الصفات المتضايفة المتلازمة [78]، فتأمل.

مناقشة هذا المبنى ومناقشة رد النائيني عليه
ولكن لنا فيما تقدم مناقشتان ؛ الأولى فيما يخص هذا المبنى، وأخرى فيما يخص رد  الميرزا النائيني عليه :

مناقشة هذا المبنى: بل مشكل ووِزانه وِزان القول بالوضع للمسببات
أما الأولى : فيرد عليه بأن ذلك إنما يصح كلما علم بصدق البيع على العقد المركب من الإيجاب والقبول[79] ولو مع فقد ذلك المحتمل مدخلية في الصحة، ولكن ذلك ليس مورد الكلام إذ مورد الكلام هو كلما شك في صدق البيع عليه للشك في مدخلية جزء أو شرط في صحته بحيث عاد الشك في صحته إلى الشك في صدق اسم البيع عليه؛ فإن ذلك هو الموازن لما إذا قيل بأنه موضوع للمسبب وشك في صدق البيع عليه للشك في صحته وفساده نظراً لفقد ما يحتمل شرطيته أو جزئيته مع عود الشك في صحته وفساده إلى الشك في صدق عنوان البيع وعدمه؛ لأنه إذا كان فاسداً فلم يحصل النقل أي لم يحصل المسبب ؛ فلم يحصل البيع فإذا احتمل الفساد لم يعلم صدق البيع وتحققه.
وتوضيحه: أن بعض الشروط أو الأجزاء [80] لا شك في عدم مدخليته في صدق اسم البيع[81] عليه، كما في بعض شروط المتعاقدين ككونه بالغاً ؛ فإن الصادر من المميز بيع عرفاً قطعاً[82] عكس الصادر من غير المميز[83] فإنه إما ليس ببيع أو هو مشكوك فيه، وكما في بعض شروط العوضين ككونه ذا فائدة محللة؛ فإنه إذا اجرى العقد على فاقدها يصدق عند العرف أنه بيع[84] وإن كان أحد العوضين خنزيراً مثلاً.
لكن بعض الشروط أو الأجزاء يشك مع عدمها في صدق نفس إطلاق لفظ البيع عليها حتى بناءً على أنه موضوع للسبب؛ كما لو شك في بعض أنواع اللحن أنه يصدق معه البيع أو لا[85] مع العلم بأنه لا يصدق قطعاً مع بعض أنواعه الأخرى؛ فمن الأول: ما لو قال بدل بِعتُ بكسر الباء بَعتُ بفتحها فهل هو بيع عرفاً؟ ولو قيل بالصدق عرفاً  - فرضاً- مثّلنا بما لو قال بعتَ بفتح التاء أو قال أنا سأبيع الكتاب قاصداً بعته فعلاً، ومن الثاني ما لو قال بدل بعت ابدعت الكتاب بدينار أو بلّعتك الكتاب مثلاً.
نعم، غاية الأمر أن دائرة أفراد ما يشك في صدق اسم البيع عليه إذا قيل بأنه موضوع للسبب أضيق جداً وأقل من دائرة ما يشك في صدق اسم البيع عليه إذا قيل بأنه موضوع للمسبب ، فتدبر.

مناقشة النائيني: بأنه إذا قيل بانها أسماء للأسباب، فهي لها بما يترتب عليها من المسببات
وأما الثانية –أي مناقشة كلام الميرزا النائيني (قدس سرة) في رده على هذا المبنى - فيرد عليه:

المناقشات: هذا من تفسير مبنى بمبنى آخر
أولاً: أن قوله (فلأنها حينئذٍ للأسباب بما يترتب عليها من المسببات) خروج عن المبنى، فهو إشكال مبنوي لا بنائي مع أن مقتضى القاعدة أن يشكل عليها مع التحفظ على المبنى، وذلك لوضوح كونهما مبنيين ؛ فانه قد يقال بأن : (العقد المركب من إيجاب وقبول ، أي قول أحدهما بعت والآخر قبلت) هو نفس الموضوع له لفظ البيع مع قطع النظر عن ترتب المسببات عليه، وقد يقال بما قاله (قدس سرة).
ولعل الذي أوقعه في تفسير هذا المبنى بذاك، هو لفظ (السبب) ، إذ قال: (وأما بناءً على كونها ألفاظاً للأسباب) ؛ إذ لا يكون السبب سبباً إلا إذا لوحظ ترتب المسبب عليه لما سبق من كونهما متضايفين، لكنه غفلة عن أن الخلاف ليس منصباً على أن البيع موضوع للفظ البيع بقيد اتصافه بأنه سبب في مقابل من يرى أنه موضوع للمسبب، وأن القول الأول يرى أنه موضوع لـ(بعت واشتريت) بوصف أنهما سبب للنقل كي يلزمه أن له مسبباً ، بل القول الأول يرى أن البيع موضوع لنفس لفظ (بعت واشتريت) الذي قد يكون سبباً للنقل والتمليك وذلك إذا كان صحيحاً، وقد لا يكون وذلك إذا كان فاسداً، فإنه قيل إنه موضوع لسبب البيع الاسم المصدري قاصداً أنه موضوع لهذا اللفظ (بعت/ اشتريت) لا له بما له من عنوان السببية.
وبعبارة أخرى: البيع موضوع لذات السبب وهو (بعت واشتريت) على هذا القول لا له بما له من وصف السببية وعنوان السبب، وذلك نظير قولك: زيد موضوع لذات ابن بكر لا له بما له من وصف أنه ابن ليلزم دلالته على الأب بالمضايفة.
ومما يوضح ذلك أكثر أن قول الميرزا النائيني خلاف المرتكز العرفي[86] وأن القول بوضع البيع وشبهه للأسباب [87] هو المعهود للناس؛ فإنهم يطلقون على نفس العقد المركب من إيجاب وقبول أنه بيع ثم إذا كان ناقلاً مؤثراً وصفوه بالصحة وقالوا إنه بيع صحيح وإذا لم يكن ناقلاً مؤثراً وصفوه بالبطلان؛ فنفس جعلهم البيع مقسماً للصحيح والباطل دليل على أنهم يرونه موضوعاً للسبب أي لذات السبب وهو بعت واشتريت لا بما يترتب عليه من المسببات وإلا لكان يجب أن يقولوا عن الفاسد أنه ليس ببيع لا أنه بيع فاسد، ولا يرون انفسهم متجوزين في قولهم أنه بيع فاسد.
نعم ، للطرف الآخر أن يناقش في صحة ذلك ويرفضه وينقض أدلته لكنه ليس من الصحيح تفسير مبنى غيره بمبناه أي تفسير هذا المبنى بما يرجع إلى ذلك المبنى، فإنه تفسير بما لا يرضى صاحبه.

وجوه اتصاف العقد بما يترتب عليه المسبَّب، بالصحة والفساد
ثانياً: أن قوله :(ومن المعلوم أن هذا البيع أيضاً غير متصف بالصحة والفساد، وليس للشارع اختراع بالنسبة إليه حتى يكون مجال للنزاع المعروف بين القوم في انها موضوعة للصحيح أو الأعم، وعلى هذا فما افاده الشهيدان (قدس سرهما) من كون ألفاظ العقود كالبيع ونحوه حقيقة في الصحيح ومجازا في الفاسد) يرد عليه ما سبق مفصلاً نظيره في المسبب؛ إذ ارتأى بعض الأعلام- كالآخوند- بأن أمره دائر بين الوجود والعدم ولا يوجد شق ثالث ليدور الأمر بين الوجود الصحيح والفاسد والعدم، فأجبنا عنه بوجوه أربعة، وهي بأجمعها جارية على القول بأن ألفاظ العقود موضوعة للأسباب بما يترتب عليها من المسببات؛ فإنها أيضاً تتصف بالصحة والفساد لا بالوجود والعدم ، خاصة بإحدى وجوه خمس:

لكونه مؤثراً في ترتب بعض المسبب فقط
الأول: باعتبار كون السبب مؤثراً في ترتب بعض المسبب عليه؛ وذلك لتبعض المسبب -وهو الملكية - بتبعض متعلقها وهو المملوك[88] ، كما لو باعه المشاع بينه وبين غيره فإنه حيث كان المتعلَّق وهو العين المبيعة متجزئاً وكان بعضه مملوكاً له وبعضه مملوكاً لغيره، كانت الملكية المتعلقة به متجزئة أيضاً فكان البيع -الناقل لملكية هذه العين- متجزئاً انحلالياً ، أي أن البيع - وهو السبب- ترتب عليه بعض المسبَّب وهو ما كان مملوكاً له، ولذا التزموا فيه بخيار تبعّض الصفقة، ولو كان البيع- أو فقل السبب بما يترتب عليه المسببات- بسيطاً لكان إما حاصلاً أو لا، إما موجوداً أو معدوماً، ولما صح تبعضه والقول بصحة بعضه إذا رضي به المشتري ولم يأخذ بالخيار.
وعليه: فيمكن أن يوصف مثل بيع المشاع بأنه بيع فاسد إذا اعتبره العرف أو الشرع كذلك، أو بأنه بيع صحيح إذا اعتبره العرف أو المشرِّع كذلك.

لكونه مؤثراً في ترتب بعض آثار المسبب فقط
الثاني: باعتبار كون السبب مؤثراً في ترتب بعض آثار المسبب عليه، ولنمثل له بمثالين:
أحدهما: ما لو باع ما كان قد أجّره للغير، فإن المشتري إذا كان جاهلاً بذلك كان مغروراً فله خيار الغبن - بل أو العيب لو عُدّ عيباً عرفاً ، بل أو الشرط لو اعتبر شرطاً ارتكازاً، فتأمل- فيصح أن يطلق على مثل هذا البيع أنه بيع فاسد أو صحيح[89] باعتبار أن السبب يترتب عليه بعض آثاره؛ إذ يحصل به نقل العين ولكنها مسلوبة المنفعة.
ثانيهما: ما لو باعه ما كان قد نقله للغير بنحو السرقفلية [90]وذلك على بعض الأقوال الأربعة عشرة في حقيقتها والتي فصلناها في مبحثه، ومنها: القول بأنه إجارة مع شرط أن للمستأجر أن يجدد تأجيرها بحق الخلو لنفسه أو لغيره ، وبأن المالك ليس له زيادة الأجرة حينئذٍ، فإنه لو باع هذه العين كانت مبعضة من حيث نقل العين دون الآثار ، ومنها: ما اخترناه في السرقفلية من أنه من الملك المبعض ذاتاً وآثاراً [91]؛ وعليه: فيمكن وصف هذا البيع بالصحة أو الفساد[92].

لكونه مؤثر في المرتبة الضعيفة من المسبب فقط
الثالث: باعتبار كون السبب مؤثراً في المسبب بوجوده الضعيف دون القوي[93] ، وذلك كما لو قيل بأن البيع المعاطاتي يوجب الإباحة أو حق الاختصاص فقط، فلو اشترط عليه في ضمن عقد ملزم أن يبيعه شيئاً معيناً أو لو نذر ذلك، فباعه معاطاة وقلنا بأنها تفيد حق الاختصاص مع القول بأنه مرتبة نازلة ضعيفة من الملكية مقابل من قال بأن حق الاختصاص حقيقة أخرى مباينة للملكية؛ فإنه يصح حينئذٍ إطلاق البيع الفاسد أو الناقص على مثل هذا.
ويمكن التمثيل بما لو وهب شيئاً لغير الرحم فإنه يفيد الملك المتزلزل ، وهذا النحو من الملك هو رتبة ضعيفة منه؛ فيصح أن يطلق عليه التمليك الناقص  ، بل أو الفاسد لو اشترط التمليك في ضمن عقد ملزم.
ويمكن التمثيل بما لو باعه أباه من غير أن يدري؛ فإنه ينعتق عليه قهراً فهو بيع فاسد أو صحيح وهو بالخيار، وقد يتأمل في الأمثلة الثلاثة ، فتأمل.

لكونه صحيحاً عند الشرع دون العرف أو العكس
الرابع: أنه حيث كان سبباً تترتب عليه المسببات - عند العرف دون الشرع أو العكس- صحّ وصفه بالصحة أو الفساد كل منهما منسوباً لأحدهما؛ وعليه فقد يكون الفاسد الشرعي هو الصحيح العرفي.

لكونه مسامحياً
الخامس: أن وصف المسبب بالصحة والفساد- ووصف السبب بما له من التسبيب أو بما يترتب عليه من المسببات- مسامحي ؛ فإنه يصح وصف المسبب بهما ويصح وصف السبب بما له من المسببات بهما أيضاً، عكس ذات السبب فإن وصفه بالصحة والفساد حقيقي لوجوده حقيقةً.

وتحليله دقي وليس عرفياً ولا مرتكزاً للمتشرعة
ثالثاً: أن قوله (فلأنها (ح) للأسباب بما يترتب عليها المسببات) في الدقة الفلسفية كذلك، لا في المستعمل الشرعي ولا في المعهود العرفي:
أما الثاني : فإن العرف يرى أن البيع موضوع للعقد المركب من الإيجاب والقبول[94] وأن المرجع في المفاهيم هو العرف لا الفلسفة ولا الدقة الأصولية.
وأما الأول : فإن المستعمل الشرعي هو في البيع كسبب -أي ذات السبب- أو كمسبب، وليس من المستعمل الشرعي السبب بما يترتب عليه من المسبب؛ ألا ترى أن قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لا يراد به (أحل الله البيع بما يترتب عليه المسببات) إذ مع هذا القيد يكون أحل- إذا كان بمعنى انفذ- من تحصيل الحاصل، فتأمل.
هذا كله بناءً على أن البيع موضوع للسبب، وكذا سائر ألفاظ العقود.

بناءً على أن العقود موضوعة للمسببات
ذلك كله بناءً على أن ألفاظ العقود موضوعة للأسباب، وأما بناءً على أنها موضوعة للمسببات فإن قلنا بأن أمر المسبب دائر بين الوجود والعدم فقط فلا مجال للنزاع بين الصحيحي والأعمي؛ فإن العقد المسببي والمعنى الاسم مصدري إما موجود صحيحاً أو معدوم ولا يعقل- على هذا- عقد فاسد، وأما إن قلنا بأن أمر المسبب يدور أيضاً بين الصحة والفساد والعدم[95]، فإنه قد يقال حينئذٍ بأن ألفاظها موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد ، وقد يقال بأنها موضوعة للصحيح خاصة:

بناءً على الوضع للأعم
أ- فإن قيل بأنها موضوعة للأعم منهما فلا إشكال حينئذٍ في التمسك بالمطلقات نظير (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لإثبات صحة كل عقد شك في صحته من جهة الشك في أخذ الشارع أمراً شرطاً في صحته أو جزءً لسببه؛ وذلك لأنه يؤخذ الموضوع حينئذٍ من العرف فإنه بيع أو عقد حينئذٍ وإن فقد محتمل الشرطية [96]، ويؤخذ الحكم من الآية فيقال هذا بيع، و(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) أي أنفذه وجوّزه،  فهذا البيع قد أحلَّه الله وأنفذه وجوّزه وإن فقد العربية أو الموالاة أو غيرهما فبإطلاق الدليل ننفى شرطية محتمل الشرطية.
نعم ، يستثنى من ذلك ما لو كان مشكوك الشرطية مما يشك معه العُرف في صدق الاسم والعنوان عليه ، كما لو شك العرف مع فقد الموالاة بين الإيجاب والقبول بفاصل كبير كأسبوع مثلاً أنه بيع أو لا؟ فإنه لا يصح التمسك بالمطلقات حينئذٍ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

بناءً على الوضع للصحيح
ب- وأما إن قيل بأنها موضوعة للصحيح منها خاصة؛ فإن الأقوال على هذا والمحتملات ستة:

ست تفسيرات للصحة

الأول: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح الشرعي.
الثاني: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح العرفي.
الثالث: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح الواقعي.
الرابع: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح الشخصي.
الخامس: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح المؤثر.
السادس: أن تكون ألفاظ العقود موضوعة للصحيح اللابشرطي ، أي اللابشرط عن كونه صحيحاً عرفاً أو شرعاً.

على القول بأنه موضوع للصحيح شرعاً
فإن قيل بأنه موضوع للصحيح الشرعي- والمراد به المسبب الحاصل شرعاً-  فإذا شك في شرطية أمر في صحة البيع مثلاً فقد شك في صدق عنوانه[97]؛ لأن الصحة مقوِّم للعنوان[98] فلا يصح التمسك بالمطلقات حينئذٍ لتصحيحه لأنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
نعم ، قد يتمسك بوجه خارج لإحراز صحته شرعاً وهو كونه صحيحاً في عرف المتشرعة وارتكازهم كما لو رأينا ارتكازهم وعرفهم المتلقى يداً بيد على صحة البيع بالفارسية، فإنه يكشف ذلك عن صحته شرعاً ، فببركة ارتكازهم ينقح حال الموضوع فيشمله الحكم ولا يكون من التمسك بالعام في المصداقية.
لكن ذلك وإن صحّ إلا أنه في الجملة وليس بالجملة ؛ إذ لا يوجد في جميع موارد مشكوك الشرطية أو الجزئية ارتكازٌ محرز أو عرفٌ للمتشرعة مسلّم، كما في شرط التنجيز –مثلاً- رغم أن الإجماع عليه ، فكيف بغيره؟.
وهناك وجوه أخرى لتصحيح التمسك بالمطلقات بناءً على القول بأن ألفاظ العقود موضوعة للصحيح شرعاً، ومنها التمسك بالإطلاق المقامي، وسيأتي بحثها بإذن الله تعالى.

وجه الشيخ للتفصي عن الإشكال: موضوع للصحيح المؤثر
أما الشيخ (قدس سرة) فقد تفصّى عن الإشكال بالالتزام بالمحتمل الخامس الآنف الذكر، بقوله : (نعم يمكن أن يقال إن البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل (بعتُ) عند الإنشاء لا يستعمل حقيقة إلا فيما كان صحيحاً مؤثراً ولو في نظرهم، ثم إذا كان مؤثراً في نظر الشارع كان بيعاً عنده وإلا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف، فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ومجاز في غيره، إلا أن الافادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع.
وأما وجه تمسك العلماء بإطلاق أدلة البيع ونحوه فلأن الخطابات لـمّا وردت على طبق العرف؛ حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف؛ أو على المصدر الذي يراد من لفظ بعت ؛ فيستدل بإطلاق الحكم بحلّه أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثراً في نظر الشارع أيضاً، فتأمل، فإن للكلام محلاً آخر)[99].

فلا حقيقة شرعية، ويصح التمسك بالمطلقات
وهذا الوجه من مبتكرات الشيخ (قدس سرة)؛  إذ أنه تفصى به عن إشكالين دفعةً واحدة: فمن جهة تخلص بهذا عن القول بالحقيقة الشرعية في العقود -التي هي مسلّمة العدم- واللازمة من القول بأنها موضوعة للصحيح شرعاً، فعدل إلى القول بأنها موضوعة للصحيح المؤثر ، وأن هذا هو الموضوع له عرفاً وشرعاً ، أو الموضوع له عرفاً والشرع يبني عليه ، أو فقل أمضاه فلا توجد حقيقة شرعية، لكنها تفيد فائدتها بوجهٍ.
ومن جهةٍ أخرى تخلص بهذا عن محذور عدم صحة التمسك بالمطلقات لدى الشك في الشرطية بناءً على الحقيقة الشرعية والقول بأن ألفاظ العقود موضوعة للصحيح شرعاً لأنه سيكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ لأنه[100] مع القول بأنه موضوع للصحيح المؤثر[101]  فكل عقد رآه العرف صحيحاً مؤثراً فهو صحيح مؤثر شرعاً لفرض اتفاقهما على الموضوع له [102]؛ فيكون العرف مرآة للشارع في ذلك إلا فيما ثبت خلافه، وعليه: فكونه صحيحاً مؤثراً يؤخذ من العرف وحيث كان مرآة للشرع [103] كان صحيحاً مؤثراً شرعاً؛ فصح التمسك بالمطلقات إذ ليس من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية [104].


---------
[1] أي البيع.
[2] وقد فصلنا الكلام في الفوارق بين المصدر واسم المصدر في بعض البحوث السابقة فراجع.
[3]  المكاسب: ج3 ص19.
[4] المصدر نفسه: ج3 ص18.
[5] وقد فصلنا الكلام عن الأقوال في (البيع) في أوائل كتاب البيع وقد زادت على عشرة فراجع.
[6] الصحيح.
[7] الأعم.
[8] نسب  رأي الآخوند.
[9] في النقل أو الانتقال أو الملكية.
[10] كفاية الأصول: ج1 ص32-33.
[11] كفاية الأصول: ج1 ص163.
[12]  الفقه، البيع، ص44.
[13] الظاهر أن كلمة (عدم) إضافة زائدة.
[14] العقد النضيد: ج1 ص221.
[15] أي نقل وتمليك لدى العرف.
[16] أي متحقق لديهم أيضاً أو لا.
[17] أي في اعتباره.
[18] كما سبق من أن حق الاختصاص على رأي هو ملكية ضعيفة.
[19] أو مطلقاً.
[20] كما سيأتي وجهه.
[21] الشرائع : ج 2ص 17، القواعد: ج 1ص 126، و فيه: و يشترط في الملك التمامية.
[22] منهم الشهيدان في اللمعة و شرحها (الروضة البهيّة) 3: 253، و المحقّق السبزواري في الكفاية: 89، و المحدّث البحراني في الحدائق: ج 18ص 438.
[23]  المكاسب: ج4 ص29.
[24] المصدر نفسه: ص30.
[25] هو المحقّق التستري في مقابس الأنوار: ص 139، 212.
[26]  المكاسب: ج4 ص30-31-32.
[27] إذ للغير استرجاعها عبر أخذه بالخيار.
[28] المصدر نفسه: ص175.
[29] المصدر نفسه: ص179.
[30] المصدر نفسه: ص183.
[31]  مراعى بالتمكّن منه.
[32] المصدر نفسه: ص184-185.
[33] وهو : الذي لم يكن يرجى بوجهٍ التمكن منه.
[34] الدرس : 240 ، 241، 242، بحث البيع.
[35] فيما تقدم من كلام.
[36] كما تقدم.
[37] كما تقدم.
[38] ومباينة لسلطنة الأبوين على ابنهما -فيما يؤذيهما - وسلطنة الزوج على زوجته ؛ إذ هي محددة بالخروج والاستفراش فقط.
[39] لأنه أكل مال بالباطل، أو لغير ذلك.
[40] سورة البقرة: آية 188.
[41] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص8 الحديث 4968 ب2.
[42] الفقه: ج5 ص156-157.
[43] والظاهر انهم الأقل من الفقهاء.
[44] المكاسب: ج4 ص190.
[45] المصدر نفسه: ص191-192.
[46] كالجنون والجذام والبرص والعمى والعفل والقَرَن.
[47] حقائق الأصول: ج1 ص80.
[48] وهو : انتقال العين.
[49] وهو : انتقال المنفعة.، أي منفعة السكن.
[50] الشامل للأحكام، كما هو إحدى إطلاقات (المعاملات).
[51] الأعم من العقود والإيقاعات.
[52] كما سبق.
[53] للمناقشة في كلام الآخوند الذي ادعى أن المسبّبات لا توصف إلا بالوجود والعدم.
[54]  الفقه/ البيع، ج5 ص43-44.
[55] على مبنى الآخوند، على الأقل.
[56] أي بناءً على تفسير كلامه بهذا الوجه.
[57] وهو مصبّ خيار تبعّض الصفقة.
[58] أي في صورتين.
[59]  كفاية الأصول: ص33.
[60] أو باطل.
[61] الدرس : 240، 241، 242، 243، 244، بحث البيع.
[62] أو التي يمكن ان تقام.
[63] أي القاعدة المستندة إلى دليل اجتهادي.
[64] سورة المائدة: آية 1.
[65] سورة البقرة: آية 275.
[66] أو ما هو كالجنس.
[67] بدعوى أن قوامها بأن يكون الربح عليهما، والخسارة على المالك المضارِب بالكسر ؛ لأن المال ماله فالخسارة عليه ، ولا وجه لكونها على العامل.
[68] التهذيب: ج7 ص371.
[69]  تحف العقول: ص40.
[70] وسائل الشيعة: ج1 ص107.
[71] أي كونه في مقام ذكر الشروط وغيرها.
[72] أي الاستصحاب.
[73] وتحقيقه في محله.
[74] أي العقد المركب من إيجاب وقبول، أي لفظ بعت واشتريت.
[75] أي للنقل أو التمليك أو المبادلة.
[76] مادام لفظ البيع موضوعاً للأسباب، وهي لفظة بعت واشتريت.
[77]  المكاسب والبيع : ج1 ص108.
[78] وسيأتي النقاش في كلامه بناءً على كونه ردّاً لهذا الوجه فانتظر.
[79] وهو السبب.
[80] أو محتملها.
[81] أي العقد المركب من إيجاب وقبول.
[82] أي بناءً على أن البيع اسم لنفس العقد المركب من إيجاب وقبول.
[83] كما لو صدر من الرضيع فرضاً بجريان اللفظ على لسانه تقليداً.
[84] أي عقد مركب من إيجاب وقبول.
[85] لا أنه يعلم أنه بيع لكن يشك في صحته.
[86] بل وخلاف المستعمل الشرعي، وهذا هو الذي ينبغي أن نناقش به الميرزا ، فإن كلامه عن تصوير الصحيح الشرعي والفاسد الشرعي لا العرفي، فراجع تمام كلامه في تقريرات الآملي له : ج1 ص107 ،  عند تعليقته على قول الشيخ :(ثم أن الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين..).
[87] أي لذواتها.
[88] وهو العين المبيعة.
[89] لو قلنا بفساده أو صحته.
[90] حق الخلو.
[91] فراجع ما حققناه في مبحث (حق الخلو).
[92] حسب نظر الشرع والعرف في ذلك.
[93] أي بمرتبة أدنى دون الأعلى.
[94] بناءً على رأي من يرى ذلك.
[95] كما حققناه بوجوه أربعة.
[96] بل هو بيع حتى مع فقد مقطوع الشرطية شرعاً.
[97] عنوان البيع.
[98] إذ الفرض انه موضوع للبيع الصحيح شرعاً.
[99]  المكاسب: ج1 ص241.
[100] تعليل لـ: تخلّص.
[101]  وهذا هو الموضوع له عرفاً الممضى شرعاً.
[102] واختلافهما إنما هو في تخطئة الشارع للعرف في بعض المصاديق ، إذ يراها العرف صحيحة مؤثرة ولا يراها الشارع كذلك.
[103]  لأن الموضوع له بنظرهما واحد.
[104] الدرس : 301، 302، 303، 304، بحث البيع.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 8 جمادي الاول 1441هـ  ||  القرّاء : 7868



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net