||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 321- فائدة بلاغية لغوية: الصدق يعم القول والفعل

 481- فائدة فقهية: ((النهي عن الرأي والقياس)).

 85- من فقه الآيات: الوجوه المحتملة في قوله تعالى: ( لكم دينكم ولي دين)

 374-(هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (23) التفسير الاجتماعي النهضوي للقرآن الكريم

 338-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (13) مؤشرات الفقر والهجرة وسوء توزيع الثروة

 245- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (3)

 58- (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) من إسرار الإصطفاء الإلهي (السيدة زينب عليها سلام الله نموذجاً وشاهداً)

 القيمة المعرفية للشك

 72- (إهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) -6 نقد الهرمنيوطيقا ونسبية المعرفة نقد نظرية كانت في (الشيئ لذاته) و(الشيئ كما يبدو لنا)

 أدعياء السفارة المهدوية في عصر الغيبة التامة (1)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23593965

  • التاريخ : 19/03/2024 - 09:49

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 254- إستراتيجية العفو المطلق وربط كافة مناحي الحياة بالله تعالى وحجية الظن الخاص والمطلق على الانفتاح والانسداد .

254- إستراتيجية العفو المطلق وربط كافة مناحي الحياة بالله تعالى وحجية الظن الخاص والمطلق على الانفتاح والانسداد
الأربعاء 9 جمادى الآخرة 1438هـ





 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
 
استراتيجية العفو المطلق وربط كافة مناحي الحياة بالله تعالى
وحجية الظن الخاص والمطلق على الانفتاح والانسداد
(10)
 
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([1])
 
في هذه الآية الكريمة بصائر كثيرة واستلهامات عديدة، وسوف نشير في هذا المبحث إلى بصيرة واحدة في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ) وإلى استلهام واحد على ضوء قوله (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) منهما بإذن الله تعالى.
 
المعنى الدقيق – المجهول لـ(العفو)
فمن البصائر في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ) انه من المعهود عند الناس أن العفو يعني الصفح والمغفرة والتجاوز وشبه ذلك إذ انهم يتعاملون مع هذه المفردات كألفاظ مترادفة، لكن ذلك مبني على التسامح أما المعنى الدقيق للعفو فهو معنى يختلف عن المغفرة ونظائرها كما سيأتي، ويشهد لذلك الدقة في اختيار الكلمات في هذه الآية الكريمة فقد قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ولم يعكس بأن يقول: (فأغفر لهم وأطلب من الله لهم العفو) مثلاً.
أما المعنى الدقيق الرائع للعفو فهو (الدَّروس والمحو والاندراس) فإن الإنسان تارة: (يغفر لمن ظلمه) لكنه يبقى في قلبه منه شيء فقد غفر له لكن لم يعف عنه إذ المغفرة تعني الستر ومنه سمي المِغفَر مغفراً([2]) وأما العفو في معناه الأسمى فيعني أن تمحو حتى من ذهنك إساءته إليك وتجعلها كأن لم تكن وكأنك لم تعلم بها أبداً فتكون ممحوةً من صفحة الذهن والضمير كما أُغفِلت من حيث تجليات ردود الأفعال على الجوارح.
 
ماذا يعني (على الدنيا بعدك العفاء)؟
 
ومما يوضح ذلك قوله (عليه السلام) "عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا"([3]) أو "فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاء" فقد ذكروا للعفاء معنيين:
أحدهما: التراب الذي لم يوطأ من قبل؛ فإن التراب تارة ليكون في قرية أو مزرعة أو منطقة مأهولة فيداس قليلاً أو كثيراً، لكنه تارة أخرى يقع في مجاهيل الصحراء الموغلة في البعد بحيث لا تطأه أقدام قافلة ولا سابلة، فهذا التراب هو الذي يقال له (العفاء) على ما استظهره في معجم مقاييس اللغة وهو المستظهر أيضاً بالنظر لمختلف استعمالات (العفو) بل وللمعنى الآخر الذي ذُكر للعفاء وهو الآتي بعد قليل، فقوله (عليه السلام) "عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا" يعني التراب المتروك المهمل غير المطروق بالمرة أي على الدنيا بعدك التراب المتروك بالمرة فكأنها لم تكن أبداً، وليس المعنى: مجرد على الدنيا بعدك العفاء أي التراب فكأنها لا قيمة لها.
ثانيهما: الدّروس أي على الدنيا بعدك الدروس والانمحاء، ولا بُعد في أن يكون هذا هو الأصل وأن يكون إطلاق العفاء على التراب المهمل لكونه عائداً إليه.
وقد جاء في مجمع البحرين (عفى: درس وانمحى)([4])
كما ورد عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عند تأبينه سيدة نساء العالمين في نسخة "وَعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي"([5]) أي انمحى واندرس وانتهى تجلدي حتى كأنه لم يكن لي جَلَد وصبر أبداً.
كما يقال: (هذه أرض عَفْو) أي ليس فيها أثر فلم تُرعَ.
كما يقال: عفى المرعى أي عمن يحل به؛ وذلك إذا كان مأهولاً ثم تركه أهله فصار مهجوراً فيقال: عفى المرعى أي ترك بعد أن كان مأهولاً، فالمراد الترك في مرحلة العلة المبقية.
فقوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ) قد يستظهر منه هذا المعنى الدقيق للعفو أو فقل المرتبة العالية منه إذا لم نقل بانه معنى قسيم بل هو حقيقة تشكيكية ذات مراتب أريد منها ههنا عاليها لانصراف الإطلاق إليه أو لمناسبات الحكم والموضوع أو لعظيم خلقه وكرمه (صلى الله عليه وآله)، فقد أمر الله تعالى نبيه بالعفو عنهم رغم أن الجريمة التي ارتكبها الرماة بتركهم ثَنِيَّة الجبل مخالفين صريح نهي الرسول (صلى الله عليه وآله) والذي تسبب في قتل العشرات من المسلمين (لعلهم كانوا سبعين شخصاً) كانت جريمة الخيانة العظمى وجريمة حرب يستحقون عليها الاعدام لكنه تعالى أمره بالعفو عنهم المستظهر أن المراد به هو المرتبة العالية من العفو التي أشرنا إليها.
والعبرة من ذلك كله: أن علينا أن ننتهج نفس المنهج في التعاطي مع مختلف أولئك الذين اخطأوا بحقنا بل أو: تعمدوا ظلمنا وأذانا، فليس المطلوب منا فقط أن نتعامل معهم على مستوى الجوارح معاملةَ مَن لم تصدر منه إساءة تجاهنا، بل المطلوب فوق ذلك وهو أن نتعامل معهم على مستوى القلب والجوانح كذلك أيضاً بأن: نمحو من صفحة ذاكرتنا إساءته إلينا فيصفو قلبنا له كصفائه من قبل! وذلك صعب حقاً ويتوقف على جهد وجهاد وسعي واجتهاد كما يتوقف الدفع بالتي هي أحسن على ذلك، قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)([6]).
 
ربط كافة مناحي الحياة بذكر الله تعالى
 
ومن الاستلهامات: في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) وما سبقها (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ) ولحقها (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ): إن اللازم على كل مؤمن أن يربط كافة مناحي حياته بالله تعالى بأن يتذّكره في كل حَرَكة وسكنْة وأخذٍ وعطاء وقول وفعل ويكون كما ورد (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله ومعه وبعده) وفي الحديث "هُوَ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَفَوْقُ وَتَحْتُ وَمُحِيطٌ بِنَا وَمَعَنَا"([7]) والمراد: (قبله بالعلم ومعه به وبعده به أيضاً) و(قبله بالقدرة ومعه وبعده بها أيضاً) و(قبله ومعه وبعده بالهيمنة) وهكذا وهلم جرا.
 
أسماء الله تملأ صفحات القرآن بشكل مذهل
 
والغريب في القرآن الكريم في هذا الحقل هو أنه مُلأت جوانبه من اسم الله تعالى بكافة سُوَرِه وصفحاته (وهو كتاب الله التربوي الذي علينا أن نتعلم منه أن نملأ كافة أرجاء حياتنا بذكره جل اسمه).
والأغرب أن ذلك التكرار المذهل لأسماء الله وصفاته – صفات الجمال والجلال - في القرآن، أتى بشكل رائع سلس محبَّب إلى القلوب بل وآسرٍ لها، مع ان تكرر ذكر الشيء كثيراً ممل عادةً لكن المشهود في القرآن الكريم أن ذلك هو من أهم عوامل شدّ القلوب إلى القرآن نفسه.
ولنتدبر في بعض الإحصاءات عن مدى تكرار أسماء الله وصفاته في القرآن الكريم:
فقد تكرر لفظ الجلالة (الله) في القرآن الكريم 536 مرة!
كما تكرر اسم (الرحمن) 119 مرة!.
وتكرر اسم (الرحيم) 119 مرة كذلك!
وتكرر اسم (العزيز) أكثر من 50 مرة.
وتكررت (ربنا) 72 مرة.
كما تكررت كلمة (رب) مئات المرات لعلها تقارب الخمسمائة مرة.. وهكذا.
ولعل مما يعد من وجوه إعجاز القرآن الكريم هو هذا التكرار المذهل في كل صفحة عشرة أو عشرين أو ثلاثين مرة لكن بما يشد الإنسان أكثر فأكثر إلى القرآن الكريم مما لا نجده في أي كتاب آخر في الكون كله! وحتى نهج البلاغة، الآتي بعد القرآن الكريم كأعظم كتاب في الكون، لم يتميز بهذه الميزة المذهلة!
 
ليبدأ التاجر والمحامي والطبيب والمدرس كلَّ خطوة بذكر الله
 
والمطلوب من المجتمع الإيماني أن يتأسى بما صنعه الله تعالى في كتابه قدر المستطاع: فعلينا أن لا نبدأ عملاً إلا بالبسملة أو الحمدلة كما ينبغي أن لا نلتقي بأحد إلا وأن نذكر اسم الله تعالى بعد السلام عليه أو قبله، بل ولا يبيع التاجر عقاراً أو البقال فاكهة أو المزارع داجناً أو ماشيةً إلا ويذكر الله قبل ذلك، وعلى المشتري مثل ذلك!
وكذلك في المدارس من الروضة إلى الجامعة: فإن المفروض أن يبدأ المعلم بذكر الله تعالى: بالبسملة والحمدلة وشبههما، مما لا نجد منه أثراً، ويا للخسارة العظمى، في أغلب الأساتذة!
وما أعظم الأثر التربوي لذلك كله، ذلك أنّ تذكّر الله تعالى في مختلف الحالات يحدث تحولاً جوهرياً في روح الإنسان وقلبه ونفسه وجسده أيضاً ويجعله بحق إنساناً ملائكياً متميزاً مثالياً في شتى الأبعاد!
وقد قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)([8])
 
كيف نخاطب المَلَكين عند الدخول إلى بيت الخلاء؟
 
ولقد علمتنا الروايات الشريفة ضرورة ذكر الله تعالى بل وكيفية ذكره في مختلف الحالات وحتى عند دخول بيت الخلاء([9]) أيضاً فقد ورد:
"عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) كَانَ إِذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ الْتَفَتَ يَمِيناً وَشِمَالًا إِلَى مَلَكَيْهِ فَيَقُولُ: أَمِيطَا عَنِّي فَلَكُمَا اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا أُحْدِثَ حَدَثاً حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا"([10]).
فمن المستحب ذلك.. وما أعظم الأثر التربوي له! إذ انه يذكّر الإنسان بالملكين اللذين هما معه دائماً وانه (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)([11]) ويذكّره بما هو أعظم وهو أن الله حاضر ناظر، وأنه يعاهد الملكين بالعهد الإلهي على أنه لا يحدث شيئاً حتى يخرج.. وفي ذلك تنبيه لمرحلة ما بعد الخروج من المرافق أيضاً إذ أنه سوف يتذكر حينئذٍ الملكين وأنهما عادا إلى صحبته والرقابة عليه ويتذكر فوق ذلك أن الله تعالى حاضر ناظر في شتى الحالات فلا يطغى ولا يعصي ولا يظلم ولا يعتدي!
وكذلك على الإنسان أن يتذكر الله تعالى عند كل حركة وسكنة فإذا رفع يده ليضرب زوجته أو ابنه أو من هو أضعف منه تذكر أن فوقه جبار السماوات والأرض وانه لا يفوته ظلم ظالم وإن عذابه أشد وأخزى.. وكم سيحدث ذلك من الفرق في حياة الإنسان!
 
الحكمة من قول الإمام السجاد (عليه السلام) (آه من القصاص)
 
وقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه "الْتَاثَتْ عَلَيْهِ نَاقَتُهُ فَرَفَعَ الْقَضِيبَ وَأَشَارَ إِلَيْهَا وَقَالَ: لَوْلَا خَوْفُ الْقِصَاصِ لَفَعَلْتُ، وَفِي رِوَايَةٍ آهِ مِنَ الْقِصَاصِ وَرَدَّ يَدَهُ عَنْهَا"([12]).
والمستظهر أن ذلك كان في مقام التعليم لنتعلم نحن ولم يكن على ظاهره لوضوح أن الإمام لا يفعل المكروه فكيف بالمحرم، وقوله: "لَوْلَا خَوْفُ الْقِصَاصِ" دليل على حرمة هذا الضرب إذ الحرام هو الذي يستوجب القصاص لا الجائز شرعاً وهل يعقل أن يهمّ الإمام (عليه السلام) بالحرام؟ بل هل يعقل أن يبدأ ببعض مقدماته؟ على أنه لو كان مكروهاً أو خلاف الأولى لما كان من الوارد أن يفعله الإمام، فلا ريب أنه لتنبيهنا نحن وتعليمنا على أن نراقب الله تعالى في كل حال: فكلما همّ الإنسان بإيذاء غيره أو باغتيابه أو الكذب عليه أو بالغش والخداع والرشوة وأكل المال بالباطل، تذكر الله والآخرة والقصاص والحساب والعتاب والعقاب فكان في ذلك أكبر رادع له عن كل معصية بل عن كل تخاذل عن أي عمل من الأعمال الصالحة.
 
مقاصد الشريعة: (الرحمة والحكمة)
 
سبق أن (الرحمة الإلهية) هي من مقاصد الشريعة بل انها من أهمها على الإطلاق بل انها مع (الحكمة) هما اللذان عليها مدار عالم التشريع والتكوين ولولا حكمته جل اسمه لأعطى بمقتضى رحمته العطايا والمِنَح بلا حساب لكل أحد وفي كل الحقول ولكن (قيّدت حكمته رحمته).
ولنتوقف الآن عند مظهرين من أجلى مظاهر الرحمة الإلهية وهما:
 
من مجالي الرحمة: إمضاء حجية الطرق والامارات
 
الأول: إمضاء (أو جعل، على المسلكين) حجية الامارات والطرق العقلائية: كخبر الثقة وقول أهل الخبرة والظواهر وغيرها (كالشهرة والإجماع المنقول وقول اللغوي على القول بحجيتها كما هو المختار) فإن ذلك من رحمة الله تعالى أنه اكتفى في امتثال أوامره ونواهيه بالوصول إليها وإلى كيفياتها بالظنون وإن سميت بالمعتبرة؛ إذ كان يمكن له جل اسمه أن يوجب تحصيل العلم (كالخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعية وما أشبه) فإن عجز عنه أوجب عليه الاحتياط وإن أوقعه في العسر والحرج إذ حق الله على العبد أعظم من ذلك بما لا يبلغ مداه عقل بشر فليقع في بعض العسر تحصيلاً لرضا الرب وامتثالاً لأوامره ونواهيه! لكنه من عظيم رحمته وفضله اكتفى عن العلم وعن الاحتياط بالظنون الخاصة.
 
وتجويز التقليد
 
وكذلك الحال في التخيير بين الاجتهاد والتقليد والاحتياط فانه لولا رحمته ولطفه وفضله على العباد لكان مقتضى القاعدة أن يوجب عليهم الاجتهاد أو الاحتياط دون التقليد، وذلك كما أوجب عليهم الاجتهاد في أصول الدين والذي أدعي عليه الإجماع مكرراً وإن نقل الشيخ فيه ستة احتمالات وأقوالاً وذهب السيد الوالد، فيما اتذكره عنه، إلى صحة التقليد فيها، وعليه فان تجويزه تعالى التقليد في الأحكام الفرعية لهو من رحمته جل وعلا.
ثم ان إيجاب الاجتهاد في الأحكام الشرعية الفرعية على قسمين فتارة يوجب ذلك للمكلف العسر والحرج كما في الكثير من الناس وأخرى لا يوجب كما في الكثيرين أيضاً، ولولا لطفه ورحمته لأوجبه أو الاحتياط حتى فيمن يوقعه ذلك في أشد العسر والحرج وذلك لضرورة أن أحكام الله أهم وأسمى وأجل شأناً من أن نرفع اليد عنها لمجرد وقوعنا في عسر وحرج لولا انه سبحانه هو الذي منّ علينا بذلك.
سلمنا.. لكن كان مقتضى القاعدة إيجاب الاجتهاد أو الاحتياط على من لا يوقعه تكليفه باحدهما في العسر والحرج ككثير من التجار والشباب وغيرهم ممن له متسع من الوقت فيصرفه في زيادة ثروته أو في لهوه ولعبه، فليصرفه بدل ذلك في الاجتهاد والتفقه في دين الله! إذ أليس ذلك أسمى وأعلى وأجل بل وأوجب؟.
فذلك كله هو المجلى الأولى للرحمة وهو إمضاء حجية الطرق والامارات على تقدير القول بالانفتاح.
 
ومن مجاليها: حجية الظنون المطلقة على  الانسداد
 
الثاني: الحجية (أو إمضائها) للظنون المطلقة على فرض القول بالانسداد.
وتوضيح ذلك في ضمن الأمور التالية:
أ- ان مقدمات الانسداد هي:
أن هنالك أحكاماً كثيرة فعلية يُقطَع بعدم الرفع الشارع يده عنها.
وأن باب العلم قد أنسد فيها.
وأن العمل بالاحتياط موجب للعسر والحرج.
وأن البراءة مستلزمة للخروج من الدين وكذا الرجوع إلى الأصول الأربعة كل في مورده.
وأن القرعة كذلك مستلزمة للخروج من الدين إضافة إلى قصور أدلتها عن العموم إلا لما قام عليه العمل.
فبقي العمل بالظن المطلق لأنه الراجح وفي عدم جعل الحجية له ترجيح المرجوح.
ب- ان نتيجة مقدمات الانسداد هذه، هي إما مطلقة وإما مهملة، والبحث فيها يقع تارة على الكشف وأخرى على الحكومة وذلك في ثلاث مناحي:
1- أنها مطلقة من حيث المنشأ.
2- أنها مطلقة من حيث المتعلَّق.
3- أنها مطلقة من حيث المراتب.
أو أن نتيجة تلك المقدمات مهملة من حيث تلك النواحي الثلاثة كلها أو بالتفصيل.
 
حجية كافة مناشئ الظن على الانسداد
 
ج- فقد يقال بأن مقتضى الرحمة الإلهية (كمقتضٍ وكمؤيد لا كدليل إذ سبق أن مقاصد الشريعة ليست أدلة بل هي مجرد مقرِّبات ومؤيدات فلا بد من ملاحظة مقتضى الأدلة في كل مورد ومقام) أن تكون نتيجة مقدمات الانسداد مطلقة من حيث مناشئ الظن، ومناشئ الظن:
منها: الشهرة بأقسامها الثلاثة.
ومنها: الإجماع المنقول.
ومنها: قول المؤرخ.
ومنها: قول اللغوي.
ومنها: قاعدة التسامح.
وذلك لأن من التسهيل على العباد اعتبارها بأجمعها حجة بدل التشديد عليهم بلزوم التحقيق المستوعب في اللغة مثلاً بمراجعة أقوال العديد من اللغويين حتى يحصل الاطمئنان.. وهكذا الإجماع المنقول وغيره.
بل نقول: أن بناء العقلاء على ذلك أيضاً([13]) ولو في الجملة؛ ألا تراهم يراجعون في غير الشؤون الخطيرة العطار أو الصيدلاني أو أحد كبار السن في تطبيب المريض مرضاً غير خطير.
وألا تراهم يسألون عن الطريق ولو من الطفل الصغير؟.
 
حجية الظن المطلق في المواعظ والمصائب وغيرها
 
د- وقد يقال بأنها مطلقة من حيث المتعلق (فإذا كانت مهملة اقتصر فيها على القدر المتيقن وهو أيضاً – بقَدَرِهِ – رحمة في مقابل عسر ايجاب الاحتياط) والمتعلَّق يعني ما تعلق به الظن.
والمتعلق الذي يكون الظن فيه حجة على أقسام وأنواع: المواعظ، والسنن، والتاريخ، والمصائب والعلوم النظرية العادية:
 
حجية الظن العام في المواعظ
 
أولاً: المواعظ، فانه ليس المطلوب في الموعظة، بذكر قصة فيها عبرة أو شبه ذلك، تنقيح سلسلة الإسناد والثبوت السندي حسب مقاييس علم الرجال أبداً، ولذا جرت سيرة العقلاء بما هم عقلاء على عدم مطالبة الواعظ بما هو واعظ بسلسلة سنده إلى الموعظة الكذائية وتوثيق رجالها.
بل نقول إن ذلك مدعاة لأغلاق باب المواعظ أو تحجيمها إلى أبعد الحدود بل ان ما ذكرناه فطري وعقلائي وهو مجلى من مجالي رحمة الله تعالى بخلقه أن فطرهم على قبول الموعظة بدون توقيفها على التحقيق السندي فيها؛ إذ لو كان كذلك لقصرت اليد عن أكثر المواعظ إذ أن أكثرها لا سند تامّ لها حسب مقاييس علم الرجال، بل ولفقد الكثير من الباقي منها تأثيره إذ سوف ينصرف الذهن حينئذٍ إلى سند الموعظة بدل التفاعل معها والتأثر بها، وأيضاً سيجرى تخصيص قسم من الوقت المخصص للموعظة عادة للبحث السندي عنها فتتقلص مساحة الموعظة إلى حدّ ما مع أن مساحتها، عادة، بالأصل قليلة!.
والحاصل: أنه كان من رحمة الله تعالى: أن جعل المواعظ حجة على السامعين هادية لهم ومرشدة من غير توقيف لحجيتها على كون إسنادها تاماً في كافة حلقات السند بل تكفي النصيحة المرسلة أو المهملة سنداً، نعم لا شك في انها، كالمسانيد التامة سنداً دون شك، لا بد أن لا تبتلى بالمعارض الأقوى أو مطلق ما يوجب طرحها.
 
حجية الظن العام في المصائب
 
ثانياً: المصائب، وأجلى مصاديقها المصائب الواردة على أهل بيت العصمة والطهارة، صلوات الله عليهم أجمعين، فان الظنون المطلقة فيها حجة ولا تتوقف حجيتها على توفر المقاييس الرجالية الحدّية فيها أبداً وإلا لكان نقضاً للغرض وإغلاقاً لحيِّز كبير من أبواب "أَحْيُوا أَمْرَنَا"([14]) و"مَنْ بَكَى وَأَبْكَى فِينَا مِائَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ بَكَى وَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ بَكَى وَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ بَكَى وَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ بَكَى وَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ بَكَى وَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ تَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ"([15]) ولعل السبب في اختلاف العدد هو مراتب الجنة أو مراتب الابكاء أو الأصل والفضل مما فصلناه في بعض البحوث الأخرى، وأيضاً المئات من الروايات المحرضة على الحزن والبكاء والإبكاء والتفاعل العاطفي (إضافة لسائر أنواع التفاعل) مع قضية الإمام الحسين (عليه السلام).
 
حجية الظن العام في الآداب والسنن
 
ثالثاً: الآداب والسنن، ولذا ذهب المشهور إلى (التسامح في أدلة السنن) استناداً إلى قوله (صلى الله عليه وآله): "مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ كَمَا بَلَغَهُ"([16]) وعنه (عليه السلام): "مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شَيْ‏ءٍ فَصَنَعَهُ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا بَلَغَهُ"([17]) و"أَنَّ مَنْ بَلَغَهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ بِهِ كَانَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا بَلَغَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نُقِلَ إِلَيْهِ"([18]).
إضافة إلى ذلك فان الفلسفة والحكمة في ذلك هو عقلائية ذلك فان بعث الناس نحو مكارم الأخلاق مطلوب، والآداب والسنن هي من مكارم الأخلاق ولا حاجة، في بناء العقلاء وسيرتهم، إلى التثبت السندي في أمثال ذلك.
هذا كله فيما إذا قلنا كما قال المشهور باستفادة الاستحباب من روايات من بلغ، أما إذا قلنا بأنها تفيد إعطاء الثواب لمن بلغه على العمل الثواب، فانه تفضل من الله تعالى ومنّ وإن لم يثبت به الاستحباب، لكن المطلوب على أية حال هو الأثر، والثمرة بمجرد بلوغ الثواب على عمل بدون حاجة إلى تحقيق السند ثابتة حاصلة وإن لم يثبت خصوص الاستحباب كحكم من الأحكام الخمسة، أفليس ذلك من رحمة الله بعباده ولطفه؟.
 
حجية الظن العام في التاريخ
 
رابعاً: التاريخ، فإن بناء العقلاء في القضايا التاريخية، في غير ما وقع الخلاف فيها أو قامت قرائن على الكذب فيها أو شبه ذلك، على الاتكال على نقل المؤرخ فيها وإن لم تكن متصلة الإسناد، وعلى ذلك الفطرة أيضاً ولذا نجد كافة الأمم يعتمدون في تاريخهم على ما يذكره مؤرخوهم دون مطالبة بسند متصل أو قرائن قطعية، بل لولا ذلك لانقطعت صلة الأمم بتاريخها وانفرطت عرى تلاحم المجتمع بعضه ببعض.
وذلك من عظيم رحمة الله تعالى أن فتح باب التصديق والاعتقاد الساذج بالتاريخ دون توقيف ذلك على توّفر ضوابط علم الرجال الصعبة.
 
التفريق بين مقام الواعظ ومقام المحقق
 
نعم، لا بد من التفريق بين مقامين: مقام الواعظ الذي ينقل قصةً أو حدثاً تاريخياً، ومقام المؤرخ أو الباحث الذي يعد رسالة ماجستير أو دكتوراه مثلاً؛ ولذا نجد الأمم أيضاً يفرقون بين المقامين ففي المقام الثاني يشترطون التحقيق والبحث والفحص والمقارنة والجرح والتعديل بعكس الأول، ولو عَكَسَ كلٌّ منها لاستحق اللوم والعتاب:
ألا ترى الباحث والمؤرخ والمنقب في الاركيولوجيا([19]) وشبهها لو اكتفى بالسرد المجرد لما كانت لاطروحته الجامعية أو دراسته العلمية أية قيمة؟
وألا ترى – في الاتجاه المقابل - الواعظ أو المربي والموجّه الجماهيري العام لو انشغل بتحقيقات علمية دقيقة عن المعلومة التاريخية لكان خارجاً عن المحيط الذي كان يجب عليه أن يسبح فيه، وعُدّ ذلك منه خلاف الحكمة، كما سوف ينفضّ عنه الجمهور؟
 
حجية الظن العام في العلوم العادية
 
خامساً: بل وكذلك الحال في العلوم النظرية العادية، فمثلاً كم هو عدد سكان الصين؟ والجواب الذي يُنتظر من الخبير هو الجواب الدّقي حسب آخر الإحصاءات المعتمدة، أما الجواب الذي لعامة الناس أن يجيبوا به أبناءهم أو أصدقائهم فهو الجواب التقريبي. فتأمل
وذلك كله في غير القضايا الخطيرة؛ أما الخطير، كالدماء والفروج والأموال فلا يكتفي العقلاء بمجرد نقلٍ عن مصدرٍ بدون تثبتٍ من سلسلة الإسناد ولذلك لم يكن من الصحيح الاعتماد على نقل مؤرخ في استنباط حكم شرعي أبداً حتى في غير الدماء والأعراض والأموال لأنها من شأنها أن يتثبت فيها إذ بنيت على التحقيق والفحص والبحث والجرح والتعديل.
 
حجية بعض مراتب الظن على الانسداد
 
هـ - أنها – مقدمات الانسداد – مطلقة أو مهملة من حيث المراتب، والمراد من المراتب مراتب الظن، فان نتيجة مقدمات الانسداد قد يقال بانها مطلقة من حيث مراتب الظن (متدرجةً من الـ60% فرضاً إلى الـ80% مثلاً بناء على أن دون الستين شك عرفاً وأن ما فوق الثمانين ظن معتبر عقلائياً، وهذا لمجرد التقريب وإلا فالمرجع في صدق الشك والظن والاطمئنان وغيرها هو العرف ويختلف صدقها، من حيث النسبة الكمية، باختلاف المتعلَّق والحالات والظروف مما يحتاج إلى عقد بحث خاص.
والمستظهر أن نتيجة الانسداد مهملة من حيث المراتب بمعنى أن نتيجتها حجية الظنون الأقوى فإن وَفَتْ ولم يكن في الإلزام بالاحتياط بما عداها عسر وحرج فبها، وإلا تدرّجنا في النزول حتى يتحقق الأمران (الوفاء بالمعظم من الأحكام أو بما لا علم بعده بثبوتها وعدم العسر والحرج في الإلزام بالاحتياط في الباقي).
ولا يخفى: أن تقريرنا لبعض متعلقات الظن أو غيرها كان بحيث ينطبق على الانفتاح أيضاً.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
========================
 
([19]) الأركيولوجيا : (Archaeology) [أو علم الآثار] هي فرع علم الإنسان الذي يركز على المجتمعات والثقافات البشرية الماضية وليس الحاضرة . وتدرس (تحديداً) المصنوعات الحرفية كـ"الأدوات ، الأبنية ، الأوعية ..." أو ما بقي منها ، والتي استمرت بالتواجد للوقت الحاضر ، وأيضاً الأحافير الإنسانية . وتنظر إلى البيئات الماضية ، لكي يُفهَم مدى تأثير القوى الطبيعية كـ"المناخ والطعام المتواجد" [على سبيل المثال] على تشكيل الثقافة الإنسانية . يدرس بعض الأركيولوجيون الثقافات التي تواجدت قبل تطور الكتابة ، أي في فترة "ما قبل التاريخ" (prehistory) . إن الدراسة الأركيولوجية لحقبات تطور البشرية منذ التواجد البشري وحتى فترة تصل إلى عشرة آلاف عام قبل الميلاد [أي حتى بدء الثورة الزراعية] تدعى "باليوأنثروبولوجي" (Paleoanthropology) [علم الإنسان القديم] . أما دراسات حقبات زمنية أحدث، من خلال البقايا المادية والوثائق المكتوبة ، فتدعى الأركيولوجيا التاريخية.
 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 9 جمادى الآخرة 1438هـ  ||  القرّاء : 11550



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net