||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 كتاب حرمة الكذب ومستثنياته

 225- مباحث الأصول: (القطع) (6)

 94- (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي-7 مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني (الإنساني) في مواجهة السلطات الجائرة

 49- القرآن الكريم:(وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) الإمام الصادق عليه السلام: (إن الصمت باب من أبواب الحكمة) الصمت سلاح الأولياء

 المرابطة في زمن الغيبة الكبرى

 168- فائدة فقهية: الفرق بين المفتي وأهل الخبرة

 29- فائدة فقهية: من الفروق ما بين المفتي والقاضي

 129- بحث اصولي: هل هناك تدافع بين النظرة العرفية في النصوص والنظرة الدقية، معاريض الكلام نموذجاً؟

 163- تحقيق معنى (الباطل) واستعمالاته في الآيات والروايات واللغة والعرف

 363- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (6)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23590166

  • التاريخ : 19/03/2024 - 03:47

 
 
  • القسم : دراسات وقراءات .

        • الموضوع : كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة يفيد التعديل: (ج2) .

كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة يفيد التعديل: (ج2)
3 صفر 1439هـ

الموضوع: كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة يفيد التعديل: (ج2)
بقلم : السيد حسين الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على محمد وآله الطاهرين:
الفصل الثاني في استعراض القول الثاني القائل بأن الترضي والترحم من الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لا يفيد تعديل الراوي بأي نوع من أنواع التعديل حتى الحُسن، نعم قد يستفاد منه حسن العقيدة.
وعمدة القائلين بهذا القول السيد الخوئي عليه الرحمة وتبعه على ذلك البعض.
وسنستعرض في هذا الفصل مسائل:
الأولى: استعراض أدلة وإشكالات أصحاب القول الثاني ومناقشتها.
الثانية: مناقشة كونهما يدلان على حسن العقيدة.
الثالثة: تلخيص المطالب السابقة وبيان الثمرة على القول بالتعديل.

.................
المسألة الأولى: استعراض أدلة واشكالات أصحاب المبنى الثاني ومناقشتها.
وقبل استعراضها نستذكر المفروض اثباته وهو: أن الترضي والترحم يفيد تعديل الراوي بنحو الجلالة أو الوثاقة أو على أقل التقادير الحسن، وإن تنزلنا عن كل ذلك فلكثرة الترضي أو الترحم من الجليل الدلالة الواضحة على ما ذكر.
استعراض أدلة وإشكالات القول الثاني:
في البدء: نشير إلى أن تحليل كلمات السيد الخوئي في هذا الشأن، تستدعينا أن نقسّم كلماته إلى أنحاء حسب تتبعنا القاصر لكلماته رضوان الله عليه:
النحو الأول: الاشكال على خصوص دلالة الترحم.
النحو الثاني: الاشكال على خصوص دلالة الترضي.
النحو الثالث: الاشكال على دلالتي الترحم والترضي.
النحو الرابع: ذكره لدلالة الترضي في سياق بيان حال الراوي من دون التعرض لها سلباً أو ايجاباً.
النحو الخامس: عدم ذكر الدلالة من الأساس في سياق بيان حال الراوي.

وبالجملة فإن الجامع المشترك لكل أنحاء كلماته أنها تركز على مناقشة دلالة الترحم أو الترضي المفرد بينما نلاحظ الاعراض بشكل عام عن مناقشة كثرة الترضي أو الترحم فلم يتطرق بالبحث عنها حسب ما وجدت إلا في موردين وهما محمد بن القاسم الاسترابادي والحسن بن محمد بن يحيى العلوي وسنستعرضهما إن شاء الله بشيء من التفصيل.
ودلالة كثرة الترضي والترحم كما مرّت علينا في الفصل الأول لها مزية واضحة في تعديل الراوي وهي أظهر في المطلوب من الترضي أو الترحم المفرد ولذا صرّح جمع من أكابر العلماء بأن كثرة الترضي أو الترحم من الجليل تفيد الجلالة فضلاً عن الوثاقة والحسن ومن تلك الكلمات: كلمة المحقق القهبائي والمحقق الداماد والسيد التفرشي والمجلسي الأول والثاني والوحيد البهبهاني والسيد بحر العلوم وأبي علي الحائري وحجة الاسلام الشفتي والميرزا النوري وغيرهم.
نعم أشار السيد الخوئي إلى كثرة الترضي من دون تعرض في النحو الرابع من كلماته في بعض التراجم كمحمد بن أحمد السناني والحسين بن أحمد بن أدريس ومحمد بن علي ماجيلويه ولعله غيرهم، هذا من جانب الكثرة.
كما أنك ستلاحظ أن كلماته قد اختلفت في مفاد الانكار: ما بين انكار الدلالة لخصوص الوثاقة، وما بين انكار الحُسن فضلاً عن الوثاقة.
النحو الأول: الإشكال على خصوص مفاد الترحم:
المورد الأول: قال في مقدمة المعجم، في المقدمة الرابعة وهي مناقشة التوثيقات العامة التي طرحها غيره، حيث قال:
واستدل على حسن من ترحم عليه أحد الاعلام كالشيخ الصدوق ومحمد بن يعقوب واضرابهما بأن في الترحم عناية خاصة بالمترحم عليه فيكشف ذلك عن حسنه لا محالة.
والجواب عنه:
1. إن الترحم هو طلب الرحمة من الله تعالى فهو دعاء مطلوب ومستحب في حق كل مؤمن وقد أمرنا بطلب المغفرة لجميع المؤمنين وللوالدين بخصوصهما.
2. وقد ترحم الصادق عليه السلام لكل من زار الحسين عليه السلام.
3. بل إنه سلام الله عليه قد ترحم لاشخاص خاصة معروفين بالفسق لما فيهم ما يقتضي ذلك كالسيد اسماعيل الحميري وغيره.
فكيف يكون ترحم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب وأمثالهما كاشفاً عن حسن المترحم عليه؟
4. وهذا النجاشي قد ترحم على محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول بعدما ذكر أنه رأى شيوخه يضعفونه وأنه لاجل ذلك لم يرو عنه شيئاً وتجنبه. انتهى كلامه رحمه الله.
المورد الثاني: قال في المعجم في ترجمة أحمد بن الحسن القطان: من مشايخ الصدوق وتوهم بعضهم حسن الرجل من ترحم الصدوق عليه وهو عجيب كيف؟ وقد ترحم الائمة عليهم السلام لعموم الزائرين لقبر الحسين عليه السلام؟ .. ولا يبعد في أن يكون الرجل من العامة كما استظهر بعضهم.انتهى.
أقول: سيأتي التفصيل بالخصوص في موارد الترضي والترحم للقطان وستجد أن الأمر لم يكن مقصوراً بالترحم عليه.
المناقشة:
إذن ملخص الاشكال على إفادة الترحم ـ لحد الآن ـ يقوم على أربعة إشكالات قد ذكرها في المعجم وأعاد في ترجمة القطان الإشكال الثاني، وستأتي بقية إشكالته.
استعراض المناقشات:
وقبل ذلك نلاحظ أنه استعرض الترحم والاشكال عليه ولم يتعرض للترضي بالمرة ومن هنا قد يفهم انحصار الاشكال عنده في الترحم بينما قد عرفت أن مبنى المشهور يقوم على أربعة نقاط:
الأولى: دلالة الترحم المفرد على التعديل.
الثانية: دلالة كثرة الترحم على التعديل.
الثالثة: دلالة الترضي المفرد على التعديل.
الرابعة: دلالة كثرة الترضي على التعديل.

فيعرف من هذا النحو من كلماته أن اشكالته الأربعة ـ بملاحظة ما تقدم ـ أخص من المدعى، وهذا الجواب الأول العام لعموم إشكالاته في هذا النحو، وأما الأجوبة لإشكالاته الخاصة:
جواب الاشكال الأول، وهو: إن الترحم هو طلب الرحمة من الله تعالى فهو دعاء مطلوب ومستحب في حق كل مؤمن وقد أمرنا بطلب المغفرة لجميع المؤمنين وللوالدين بخصوصهما. انتهى.
أول ما يقال فيه: إنه أجنبي عن المدعى لأن القائل بذلك يدعي وجود تلازم ما بينهما أي ما بين الترحم والتعديل لا كما يتصور أنه ناشيء عن الاستعمال الحقيقي للفظ الترحم.
وهذا التلازم ناشيء عن اصطلاح خاص متوارث بين العلماء مستفاد من عرف المتشرعة بل من سيرة المعصومين عليهم السلام كما مرّ علينا بالنسبة إلى جابر الجعفي وما رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال: (رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى .. ) الحديث، فترحم المعصوم عليه السلام على مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام واضح أنه ليس بمعناه اللغوي فان مقامه أظهر من أن يترحم عليه كترحم بعض المؤمنين على بعض بل هو صريح في بيان جلالة وعظمة مقام مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام.
والأمثلة على ظهور هذه السيرة والسنة من المعصومين عليهم السلام كثيرة وتفصيلها في مطلب منفصل إن شاء الله إلا أنه سيأتي بعض التفصيل في ترجمة السيد الحميري، وقد تقدم كلام المحقق القهبائي في هذا الشأن فتدبره.
وهذا لا ينفي كون المعنى اللغوي للترحم هو طلب الرحمة واستحبابها لكل مؤمن بل ولكل مسلم.
قال الشيخ مسلم الداوري في أصول علم الرجال: فأما الترحم فالظاهر أنه مورد اهتمام من العرف فلا يترحم على كل أحد وإن كان لا يفرق فيه بحسب اللغة فكل شخص يمكن أن يدعى له بالرحمة، .. فاما ما ذكره السيد الأستاذ قدس سره أي الخوئي من المناقشات فالايراد في طلب المغفرة أي قول الجليل لراوي غفر الله له في محله وأما في طلب الرحمة فهو وارد بحسب اللغة لا بحسب العرف. انتهى.
والحاصل: إن الترحم وإن صح بل استحب استعماله في كل مؤمن بل ولكل مسلم كما سيأتي عدا من استثني إلا أن هذا بلحاظ المعنى اللغوي لا بلحاظ خصوص علماء الحديث والرجال ويكفي ما مرّ في الفصل الأول لاثبات وجود هذا الاصطلاح عند العلماء وبالاخص علماء الحديث والرجال.
ثانياً: إنه دمج ما بين الدعاء بالترحم والدعاء بالمغفرة فجعلهما في سياق واحد وأن طلب الرحمة والمغفرة لكل مؤمن محبوب ومطلوب من الشارع.
وهذا وإن كان صحيحاً إلا أن فيه:
أولاً: إن مقام البحث وعموم من ذكر هذه الدلالة ناص على أن البحث في خصوص الترحم والترضي ولم يشيروا من قريب أو من بعيد على مسألة الاستغفار فكبرى إشكاله أجنبي عن المدعى فلاحظ.
ثانياً: كما أن هنالك فرقاً لغوياً وعرفياً دقيقاً ما بين طلب الرحمة وطلب المغفرة بل وكذا في طلب الرضوان بلحاظ المدعو له والمدعو به بهذه الأنحاء الثلاثة والظاهر إن التفات الأعلام إلى هذا الفارق كان أحد مناشيء وجود هذا الاصطلاح المتعارف والذي كان هو الأساس لهذه القاعدة.
فعند مراجعة المصادر اللغوية المتخصصة والمعتبرة تجد الاختلاف الواضح ما بينها في الجانب اللغوي والاستعمالي:
فطلب المغفرة الالهية دعاء خاص يطلب به غفران ذنب المذنب والعفو عنه وصونه العذاب الالهي، قال الراغب في باب غفر: (الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس .. والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبدَ من أن يمسه العذاب .. والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال).
وأما طلب الرحمة فهو دعاء خاص بطلب الاحسان الالهي فهو دعاء عام يشمل المطيع والمذنب قال الراغب في مفرداته باب رحم: (وإذا وصف به الباري فليس يراد به الا الاحسان المجرد دون الرقة وعلى هذا روي ان الرحمة من الله انعام وافضال ومن الادميين رقة وتعطف .. ان الرحمة منطوية على معنيين: الرقة والاحسان فركّز تعالى في طبائع الناس الرقة وتفرّد بالاحسان) وقريب منه ذكره الهروي في الغريبين.
فبملاحظة صنف المدعو له نلاحظ أن المغفرة ـ تستعمل عادة ـ في خصوص العاصي المرتكب للذنوب وبملاحظة المدعو به: إن المراد من المغفرة طلب غفران ذنبه.
وأما الرحمة والاحسان الالهي فهو معنى عام يشمل المطيع والمذنب، هذا باللحاظ الأول.
وأما باللحاظ الثاني: فطلب الرحمة للمذنب ليغفر ذنبه ولينال الثواب طمعاً بكرمه تعالى، وللمطيع لينال الثواب كذلك لأن العبد وإن أطاع الباري إلا أنه لا يستحق الثواب ـ كما هو مقرر في محله ـ بل لو ناله كان ذلك من الله تفضلاً عليه واحساناً ورحمة به.
وبقي طلب الرضا الالهي، فقد قال الراغب في باب رضى: (ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمراً لأمره ومنتهياً عن نهيه.. والرضوان الرضا الكثير ولما كان أعظم الرضا رضا الله تعالى خُص لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى).
وعليه فان الرضا معنى خاص لا يكون في عموم المطيعين بل بخصوص المطيع المخلص بطاعته هذا بلحاظ المعنى الأول.
وبلحاظ المدعو به فهو دعاء بجعله في محل رضا الله تعالى في جميع أحواله بحسب ما يحب ويرضى بأن يكون ممتثلاً لأوامره منزجراً بنواهيه ولا يكون هذا الدعاء إلا فيمن كان مؤهلاً لذلك.
فدعاء مثل النجاشي لشيخه المفيد أو مثل الصدوق لوالده أو لابن الوليد بقوله: رضي الله عنه، يعطي دلالة واضحة على شأنية المدعو له عنده فهو من أهل الطاعة الصرفة التي لا يطلب بطاعته لله تعالى الثواب ولا يحذر بها العقاب بل هو ممن عرف بأن العبادة الحقة لا تكون إلا له تعالى فهو ممن شمله قول أمير المؤمنين عليه السلام: إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، ولكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبتدك.
نعم، لا يخفى الفارق الشاسع ما بين عبادة أمير المؤمنين عليه السلام وعبادة غيره فهو من قبيل المفهوم المشكك فنور الشمس والشمعة يقال عنهما: نور إلا أن الفرق بينهما واضح، فانتبه.
ومن هنا تعرف المنشأ في قول جمع من الاعلام ـ وقد مرّت بعض كلماتهم ـ أن دلالة الترضي تفوق الوثاقة، ولنعم ما ذهبوا إليه، ولذا ترى أن هذه اللفظة لا تصدر من العلماء إلا للأجلاء الأولياء ولذا نرى أن الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه مثلاً لا يستعمل كلمة الترضي في الطبقات السابقة عليه إلا للأجلاء الأولياء كمحمد بن الحنفية وعبد العظيم الحسني وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وسعد بن عبد الله الأشعري وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس وهؤلاء هم شيوخ الطائفة ورؤسائها كما لا يخفى.
ولو راجعنا كتاب النجاشي كمثال آخر لوجدناه يعبر بهذا التعبير أي الترضي في الأجلاء من مشايخه فضلاً عن غيرهم فمثلاً ترضى على كل من: أبي طالب، خديجة الكبرى، عبد الله بن العباس، زيد بن علي الشهيد، الحسن بن علي بن فضال، الحسين بن سعيد الأهوازي، الشيخ الصدوق، الشيخ المفيد، الشريف المرتضى، وغيرهم من الأولياء والأجلاء.
وعليه فان ما بين المغفرة والرحمة والرضوان مراتب طولية كل واحدة تعتبر أدنى من الأخرى:
فالأولى: خاصة بالمذنب الذي يراد بالدعاء حينها: غفران ذنبه.
الثانية: أعم من المذنب والمطيع: ويراد من الدعاء حينئذ: غفران الذنب للمذنب، ونيل الثواب لهما.
الثالثة: لخصوص المطيع المخلص ويراد من الدعاء له حينئذ: توفيقه لكونه مرضياً عند الله تعالى في جميع أحواله.
وحينئذ فما جعله السيد من اعتبار طلب المغفرة والرحمة بل وحتى الرضوان ـ كما سيأتي ـ في سياق واحد بعيد كل البعد عن الواقع اللغوي والاصطلاحي الخاص بأهل العلم والمعرفة المتخصصين في علم الحديث والرجال.
وإن طلب الرحمة وإن صح لغة استعماله للمذنبين فضلاً عن المطيعين العدول إلا أن الاصطلاح قائم على تخصيصه بأهل الطاعة وأما الترضي فاللغة والعرف والاصطلاح ثابت بتخصيصه بخواص أهل الطاعة لا عمومهم، وستأتي تتمة لهذا الموضوع إن شاء الله تعالى.
أما الإشكال الثاني: وهو ترحم الائمة عليهم السلام على عموم الزائرين وفيهم من فيهم، فقد نوقش من جهات، منها:
الأولى: بناء على ثبوت عموم ترحم الامام عليه السلام لجميع الزوار فان السيد استدل بالأولوية لابطال مدعى المشهور سواء بترحم المعصوم عليه السلام ـ وإن لم يكن مدار بحثنا ـ أم بترحم الجليل فبعد أن ادعى عدم دلالة ترحم المعصوم عليه السلام على التعديل انتقل الى انكارها من غيره بطريق أولى.
إلا أن هذه الأولوية ليست قطعية بل هي محتملة في المقام، لأنه من البديهي أن: لكل مقام مقال، فمقام المعصوم عليه السلام بترحمه على زوار الامام الحسين عليه السلام كان لأجل بيان فضيلة الزيارة والزائر وهو يختلف عن مقامه عليه السلام في مقام بيان جلالة وعظمة المترحم عليه كما في مقام الترحم على أبي الفضل العباس عليه السلام أو كما في مقامه عليه السلام بالترحم على جابر بن يزيد الجعفي رضي الله عنه وكما هو الحال بالنسبة إلى المشايخ الأجلة كذلك.
فمقام الامام عليه السلام في ترحمه على زوار الامام الحسين عليه السلام كان ـ بحسب الظاهر ـ من باب بيان المقتضي في فضل الزائر والزيارة إلا إن هذا لا يمنع من فرض وجود المانع في بعض الزوار كفسق بعضهم.
فالرحمة الالهية قد تقدم أنها بمعنى الاحسان ونتيجتها بحسب مقام الاحتمال وأحوال المدعو له:
إما: تنتهي للانعام والاحسان على المطيع باثابته.
وإما تنتهي للانعام والاحسان على المذنب بغفران ذنبه.
والمقام الأخير كما له مقتضي لتحققه هنالك موانع منه، فالترحم من الامام عليه السلام يدل على ثبوت المقتضي للرحمة الالهية بسبب الزيارة لكن لا يعني ارتفاع المانع كما لا يخفى، وهذا مقام مغاير لمقامه عليه السلام في ترحمه على أبي الفضل العباس عليه السلام أو على جابر الجعفي رضوان الله عليه، والذي مرّ علينا فلا نعيد.
كما أن مقام الصدوق بترحمه على شيخه هو مقام مختلف عن مقام ترحم الامام عليه السلام على الزوار بل هو أقرب إلى مقامه عليه السلام في الترحم الدال على الجلالة والوثاقة والاعتبار.
ومقام الصدوق حينها هو استعراض حال المخبر الذي يروي عنه ويعتمد عليه في نقله الأخبار خصوصاً فيما كان في كتابه الفقيه والذي التزم بأن لا ينقل إلا ما كان صحيحاً عنده، حجة ما بينه وبين ربه وجعله مستنداً لنفسه ليصح له الافتاء عليه ومستنداً لغيره للعمل به.
فهذا مقام مغاير بالمرة عن المقام السابق وهذا يستدعي عند المنصف لشخص الصدوق وأمثاله أن لا ينسب ترحمه إلا لغرض مقصود عنده وهو بيان اعتبار المروي عنه عند الشيخ الصدوق، خصوصاً مع ملاحظة عصر الشيخ الصدوق والذي كان التشدد في النقل في أوج حالاته بحيث كانت ميزة الراوي المعتبر عندهم أن لا يروي عن الضعاف والمجاهيل وميزة الراوي الضعيف أن يروي عن الضعاف والمجاهيل، بل هذه كانت ميزة نفس الصدوق ويمكنك ملاحظة ذلك بمراجعة ما استثناه شيخه واستاذه ابن الوليد من أسانيد نوادر الحكمة وقد تبعه على ذلك مما يكشف أنه لا يعتمد في الرواية عموماً على الضعاف والمجاهيل.
الجهة الثانية: كما يمكن أن يقال: لعل ترحم الامام الصادق عليه السلام على زوار الحسين عليه السلام مورد خاص بزواره عليه السلام، كما قال الشيخ مسلم الداوري.
وعليه فقد يكون مساق ثواب الزيارة مساق الحديث الشريف: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة، وعليه فان زيارة الامام الحسين عليه السلام من المؤمن الموالي لها آثار عظيمة ومنها مما ينفعنا في المقام أنها قد تكون سبباً لهداية الزائر نحو الرحمة الالهية وإن كانت أفعاله مشوبة بالمعاصي والذنوب.
فقد تحصل هذه الهداية في أثناء الزيارة أو ما بعدها فانه من المعلوم أن زيارة سيد الشهداء عليه السلام محل للرحمات الالهية والهداية الربانية فكم وكم من أفراد عصاة تابوا وصاروا من المؤمنين الملتزمين ببركات هذه الزيارة العظيمة وهذا مما لا يختلف عليه اثنان.
بل يمكن أن يوفق الزائر إلى الهداية والرحمة وغفران الذنوب وتحصيل الثواب ولو قبل وفاته، فترحم الإمام عليه السلام على عموم الزائرين يكون على شقين:
الأول: لأهل الطاعة الحقة في حال زيارتهم وهو من باب بيان الثناء والدعاء لهم بالاثابة فعلاً.
الثاني: لأهل المعصية في حال زيارتهم وهو كذلك من باب الثناء والدعاء لهم بالاثابة ولكن شأناً.
الجهة الثالثة: لا نسلّم العموم والاستغراق لجميع الزائرين لأن مقام الامام الصادق عليه السلام مقام المدح الجمعي وهو مثل مقام الذم الجمعي في قوله عليه السلام كما في زيارة عاشوراء المقدسة: (اللهم العن بني أمية قاطبة).
وقد ثبت في محله أنه لا يراد بذلك إلا من استحق اللعن فخرج من لم يستحق اللعن بالتخصص أو التخصيص وكذا هنا فترحم الامام عليه السلام على زواره لا يراد منه إلا من استحق الترحم بنحو التخصص وسيأتي الكلام عن التخصيص.
ويدل على ذلك قوله تعالى: ((وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ)) فهل يشمل استغفارهم مثل من مات على الكفر أو مثل يزيد ومعاوية وأمثالهما؟ هذا مما لا يقبله أحد.
ولتقريب ذلك نمثل بما مثل به الشيخ الماحوزي في فوائده بأن لو قال المتكلم الحكيم: رحم الله أهل البحرين فهل المقصود بذلك طلب الرحمة لأجمعهم؟  كلا.
بل المراد من ذلك طلب الرحمة لمن استحق الرحمة والدعاء وإلا من غير المعقول شمول ترحم الامام عليه السلام لكل زوار سيد الشهداء عليه السلام وفيهم بعض الكفار كالنصارى وغيرهم فضلاً عن بعض أهل البدع من الفرق الإسلامية بل قد زاره جمع من الظلمة والجبابرة من الملوك والرؤساء والوزراء وعلى طول التاريخ مما يجزم بعدم شمولهم بترحمه عليه السلام.
وهنا نستذكر كلام والد البهائي حينما صرّح بأن من المستحبات للمحدث الدعاء والثناء لمشايخه المستحقين لذلك، وهذا هو المطمئن حصوله من مثل الصدوق الفقيه العارف بأحوال الرجال.
وإذا أردنا أن نستعرض هذه الطريقة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وأشعار العرب وكلماتهم فلا تكفي مجلدات عديدة لجمعها وبيانه.
الجهة الرابعة: إن ترحم الامام عليه السلام كان لخصوص بعض الزائرين لقيام القرائن العديدة على تخصيصه الترحم لقسم من الزائرين المشمولين بالأوصاف التي وصفها الإمام الصادق عليه السلام لزوار سيد الشهداء عليه السلام والذين قد ترحم عليهم في الدعاء المشهور بقوله عليه السلام: اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا ، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين ، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا ، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا ، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا ، وَغَيظاً  أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ ، واكْلأُهُم باللَّيلِ وَالنَّهارِ ، واخْلُفْ عَلىُ أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلّفوا بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم ، وَأكْفِهمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ ، وَشَرَّ شَياطِينِ الإنْس وَالجِنِّ ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم ، وَما آثَرُونا بِهِ عَلى أبْنائهم وأهاليهم وقَراباتِهم.
اللّهُمَّ إنَّ أعْداءَنا عابُوا عَلَيهم بخُروجهم ، فَلم يَنْهِهم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا خِلافاً مِنْهم عَلى مَنْ خالَفَنا ، فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيْرتها الشَّمْسُ ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ علىُ حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ عليه السّلام ، وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا ، وارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا ، وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةً الَّتي كانَتْ لَنا ، اللّهمَّ إني اسْتَودِعُكَ تلْكَ الأبْدانَ وَتِلكَ الأنفُس حتّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ [الأكبر].
فعند التدقيق بهذه الأوصاف للزوار الذين ترحم عليهم الامام الصادق عليه السلام نلاحظ أنهم:
أنفقوا أموالهم، أشخصوا أبدانهم وأتعبوها، تغربوا عن أوطانهم، تركوا أبنائهم وأهلهم وأقربائهم، تحملوا شرور الأشرار بمختلف أصنافهم، تحملوا تعيير الأعداء.
فالزائر بهذه الأوصاف قد جمع بين الجهادين الأكبر والأصغر:
الأول: بملاحظة بذل المال والجهد البدني والنفسي بالتغرب وترك العيال وتحمل الأهانات والتعيير من الأعداء.
الثاني: بملاحظة تحمل المصاعب والأهوال وتجرع الآلام وبذل الدماء أمام كل ما يزرعه أعداء الحق أمام الزائرين ومنذ القدم ولحد الآن، هذه أفعال الزائر المترحم عليه من الامام عليه السلام.
وأما غايات كل ذلك فهي بحسب نص الامام عليه السلام:
(رَغْبَةً في بِرِّنا ، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا ، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا ، وَغَيظاً  أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ).
فهذه الأفعال وهذه الغايات التي تكون من الزائر تكشف وبوضوح على رقي صاحبها وكونه من أهل الفضل والمكانة العالية ليتشرف حينئذ بهذا المقام العظيم وهو الدعاء والثناء عليه من المعصوم عليه السلام.
ولذا ترى أن الراوي وهو أبو الحسن معاوية بن وهب البجلي الفقيه الجليل المتفق على حسن طريقته ووثاقته عندما سمع ترحم الامام عليه السلام وترضيه ودعاؤه لهذا النوع من الزائرين تعجب تعجباً شديداً وندم عما فاته من الفضل العظيم، فقال للامام الصادق عليه السلام: جُعِلتُ فِداك لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ اللهَ عزَّ وجَلَّ لَظننتُ أنَّ النّار لا تطعم منه شَيئاً أبداً!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجّ ، فقال لي : ما أقربك منه؛ فما الَّذي يمنعك مِن زيارته؟ ثمَّ قال : يا معاويةُ لَم تدع ذلك ، قلت : جُعلتُ فِداك لَم أرَ أنَّ الأمر يبلغ هذا كلّه ؟ فقال : يا معاوية [و] مَن يدعو لزُوَّاره في السَّماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض.
فلو لم يكن للترحم والترضي وخصوصاً من المعصوم عليه السلام هذه الدلالة العظيمة على الجلالة والرفعة لما ظهر منه كل هذا التعجب منه والاستغراب.
وعلى كل حال: لو فرض أن بعض الشيعة الزائرين لم تكن نيته بهذا النحو التي بينها الامام الصادق عليه السلام بل كانت نيته وغايته من الزيارة طلب أمر دنيوي بحت وفرض أنه كان فاسقاً متجاهراً أو ظالماً جباراً في الأرض لا يستحق الترحم من الامام عليه السلام فلعله يقال: إن ترحم الامام عليه السلام لا يشمله من الأساس لعدم انطباق الخصائص والشروط التي ذكرها الامام عليه السلام للزوار المترحم عليهم.
أما الإشكال الثالث: وهو ترحم المعصوم عليه السلام على بعض المعروفين بالفسق لما فيهم ما يقتضي ذلك كالسيد اسماعيل الحميري وغيره.
فكيف يكون ترحم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب وأمثالهما كاشفاً عن حسن المترحم عليه؟
والجواب عليه من جهات، منها:
الأولى: إن كل ما ورد في إثبات شربه للمسكر ضعيف السند غير معتبر على مبنى السيد رحمه الله بل صرّح في آخر ترجمة السيد الحميري: وأما ما رواه الكشي من الروايات فهي ضعيفة السند ـ والتي من ضمنها ما دل على كونه شارباً للخمر ـ إلا أنه لا ريب في أن الرجل كان متجاهراً بولاء أهل البيت عليهم السلام ونشر فضائلهم ومثالب أعدائهم.انتهى.
فعلى مبناه لا يمكنه الاعتماد على كونه شارباً للخمر فاسقاً كما لا يمكنه اثبات ـ على مبناه ـ ترحم الامام عليه السلام عليه وبالتالي ينتفي مورد الاشكال من الأساس.
الثانية: ما مرّ أنه قياس إلا أن يقال بالأولوية وهي غير ثابتة أيضاً فإن مقام الإمام عليه السلام بترحمه على السيد الحميري لبيان حسن حاله ووثاقته وصلابة ايمانه واعتقاده وهذا لا يلازم العدالة الفقهية دائماً في حياة المترحم عليه.
ومن المعلوم أن العبرة عند الشيخ الطوسي وغيره ومنهم السيد الخوئي في الراوي هي الوثاقة لا العدالة التامة بل يكفي في اعتبار الراوي وحجية قوله حسن حاله، ومقام الترحم يكفي لاثبات الوثاقة وحسن الحال من هذه الجهة وإن كان فاسقاً ـ لو سلمنا ـ فسق السيد الحميري.
والدليل على ذلك ـ أي أن الترحم من الامام عليه السلام للسيد كاشف عن حسن حاله واعتباره عند الامام عليه السلام ـ اعتراض البعض على الامام الصادق عليه السلام ـ وهو اعتراض يكشف على أحسن الأحوال جهل المعترض بمقام الامامة ـ كعباد بن صهيب العامي الثقة والفضيل بن الزبير الرسان غير المنصوص على وثاقته ـ حيث اعترضا على ترحم الامام الصادق عليه السلام على السيد بسبب نقلهما أن السيد الحميري كان يشرب الخمر فكيف له عليه السلام أن يترحم على الفاسق؟
وهذا إن يدل على شيء فهو يدل وبنحو صريح إن دلالة الترحم كاشفة في ذاك الزمان عن حسن حال المترحم عليه، ولذا صدر منهما الاعتراض وإن لم تكن دلالة الترحم دالة على الحسن فأي معنى لاعتراضهما على الامام عليه السلام؟
ولذا قال الشيخ محمد السند في تقريراته: إن ما نقض به في مورد السيد الحميري دال على المدعى لا العكس حيث إن في تلك الروايات .. قد تضمنت استغراب الرواة وتعجبهم من ترحمه عليه السلام عليه مع أنه كان شارباً للخمر فأجاب عليه السلام بأن الترحم هو لفعله المشكور عليه من شدة توليه ومناصرته لأهل البيت عليهم السلام مع كون ذلك الزمن مخطوراً لا سيما الشاعر الذي يعتبر شعره أفضل وسيلة إعلام لنصرة الدين فهذا الاستغراب والاجابة منه عليه السلام دال على ان الترحم بنفسه له دلالة على الحسن.انتهى.
الثالثة: كما أنه يمكن القول بثبوت توبته وأن الامام عليه السلام ترحم عليه لذلك فإن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام من أهم الطرق التي تهدي الانسان ولو في آخر حياته وتوفقه لنيل التوبة والمغفرة خصوصاً إذا كان الذنب لا يرتبط بحقوق الناس والعباد ـ وهذا الأمر مما لا ريب فيه وعليه الروايات المتواترة.
وفي حالتنا الأمر بالنسبة الى السيد الحميري جلي وواضح ولذا عندما اعترض عباد بن صهيب على ترحم الامام الصادق عليه لكونه يشرب الخمر ويشتم أبا بكر وعمر ويؤمن بالرجعة؟! قال الامام عليه السلام: حدثني أبي عن أبيه علي بن الحسين: إن محبي آل محمد صلى الله عليه وآله لا يموتون إلا تائبين وأنه قد تاب ثم رفع رأسه وأخرج من مصلى عليه كتاباً من السيد يتوب فيه مما كان عليه.
وفي رواية ثانية للفضيل الرسان بعد أن أنشد العينية أمام محضر الإمام الصادق عليه السلام قال: من قال هذا الشعر؟
قلت: السيّد إبن محمد الحميري، فقال: رحمه اللّه.
قلت: إنّي رأيته يشرب النبيذ، فقال: رحمه اللّه.
قلت: إنّي رأيته يشرب نبيذ الرستاق، قال: تعني الخمر؟ قلت: نعم.
قال: رحمه اللّه ، وما ذلك عزيز على اللّه أن يغفر لمحبّ علي.
وفي رواية ثالثة: قيل لأبي عبد الله عليه السلام وذكر عنده السيد: بأنه ينال من الشراب فقال عليه السلام: إن كان السيد زلت به قدم فقد ثبتت له أخرى.
بل قال الشيخ محمد السند: إن الظاهر من بعض الروايات اقلاعه عن الخمر عند بدء انتمائه إلى المذهب بعد أن كان كيسانياً كما يظهر ذلك من رواية محمد بن النعمان ولا يعارضها بقية الروايات فانها قد تحمل على فعله السابق الذي قد تاب منه.
وقال الشيخ مسلم الداوري: واما ما ذكره من ترحم الامام الصادق عليه السلام على السيد الحميري فقد كفانا مؤنة الحديث عنه ما كتب من الدراسات الخاصة حول هذه الشخصية الفذة ومنها ما كتبه العلامة السيد محمد تقي الحكيم في كتابه القيم شاعر العقيدة ومنها ما حققه المرحوم العلامة الاميني حول السيد الحميري في كتابه الخالد الغدير واذا كان ثمت ما يقال عنه في بدايات حياته الا انه مات وهو نقي الاثواب.انتهى.
بل لنا أن نقول: مع ورود احتمال توبته خصوصاً مع جهوده الاستثنائية في نصرة الحق في ذلك الزمان الصعب ومع ورود الروايات العامة الدالة على توفيق الموالين إلى التوبة بل والخاصة المذكورة في توبته نقلاً عن مولانا الصادق عليه السلام بل مع ملاحظة لزوم حسن الظن بالمؤمنين وخصوصاً توبتهم من المعاصي.
فإن التعبير عنه بأنه معروف الفسق وماشابه ليس في محله على الاطلاق فان التائب عن الذنب كمن لا ذنب له.
بل حتى لو شككنا بتوبته مع كل تلك القرائن السابقة التي لا تدع مجالاً للشك في توبته ـ فإن نسبة هذا المعنى إليه ليس في محله من باب الاحتياط.
خصوصاً أن من يستعرض شخصية عظيمة من تاريخ سلفنا الصالح مثل السيد الحميري ويلاحظ تراثه الضخم وخدماته في نصرة الحق فانه سيقف عاجزاً عن التعبير عن مقامه وجلالته وفضله  في خدمة الدين والمذهب فهل يكون جزائه بأن نصفه بهذا الوصف الذي لم يثبت وإن ثبت فقد ثبت ما يدل على توبته عنه؟!
ولذا تجد أعلام الطائفة عندما تترجم له لا يشيرون إلى شربه للخمر أصلاً فانظر إلى ما نقله العلامة الأميني وغيره في مقام استعراض كلمات شيوخ الطائفة في حقه ككلمة الصدوق في كمال الدين والمفيد في الفصول المختارة وابن شهر آشوب في المناقب والمعالم والاربلي في كشف الغمة وغيرهم من علماء الرجال كالشيخ الطوسي والعلامة في الخلاصة وابن داود والعلامة المجلسي وآخرين فانهم لا يشيرون لا من قريب ولا من بعيد عن مسألة شرب الخمر، بل تراهم دائماً في مقام تعظيم وتبجيل لشخصه رحمة الله عليه.
بل حتى الشيخ الكشي الذي نقل الروايات التي تشير بعضها الى شربه للخمر فإنه جمع بينها وبين ما دلت على توبته.
هذا كله في السيد الحميري وأما في غيره فالكلام فيه ـ لو ثبت فسقه ـ نفس الكلام.
الخلاصة: إن ثبوت شرب السيد الخمر فيه نظر واضح خصوصاً مع ملاحظة الماكنة الاعلامية التي كانت تدير ذلك المجتمع والتي تحاول كيل التهم والاباطيل على رموز الحق وأصحاب الائمة عليهم السلام للاستنقاص من الحق وأهله والامثلة على ذلك بالعشرات إن لم يكن المئات.
ولو سلمنا ثبوت ذلك فيحمل ترحم الامام عليه السلام لبيان حسن حاله ووثاقته وإن كان فاسقاً من جانب آخر.
أو يمكن أن يكون ترحم الامام عليه السلام لثبوت توبته قبل أن يصير إمامياً كما استظهر من رواية محمد بن النعمان.
أو تكون توبته قبل ترحم الامام عليه السلام كما في رواية عباد بن صهيب.
أو يكون الترحم استشرافاً من الامام عليه السلام لما سيناله من التوبة ولو قبل موته كما في رواية الفضيل بن الزبير وغيرها، فالرحمة والرضوان عليه وجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
وأما الاشكال الرابع: فقوله: وهذا النجاشي قد ترحم على محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول بعدما ذكر أنه رأى شيوخه يضعفونه وأنه لاجل ذلك لم يرو عنه شيئاً وتجنبه.انتهى.
وقبل بيان المناقشة فيه ننبه على أن ما نقله عن النجاشي وارد بلفظه في ترجمة ابن عياش نعم قريب من ذلك ورد في أبي المفضل الشيباني محمد وقد حصل الخلط فيما بينهما في كلام السيد.
وعلى كل حال فالمناقشة فيه من جهات، منها:
الجهة الأولى: إن المتتبع لأحوال النجاشي يقطع بكونه من المتشددين في الرواية والجرح والتعديل وهذا لا لشيء إلا من باب الحائطة على الدين والشريعة كما هو المظنون منه.
ولذا تجده لا يحاول أن يجتنب الرواية من الضعيف عنده فحسب بل حتى ممن غمز فيه وضعف من قبل البعض وإن لم يثبت ذلك عنده.
ولذا قال السيد المحقق الابطحي في تهذيب المقال وهو شرح لفهرست النجاشي: ولذا ترى النجاشي لا يروي عنه في هذا الكتاب بقوله: أخبرنا أو حدثنا ونحو ذلك بل يقول: عند حكاية أمر أو ترجم أو رواية كتاب عنه قال ابن عياش .. وهكذا فيما يحكيه عن بعض مشايخه الذي ورد فيه طعن وذلك احتياطاً منه رحمه الله في الحديث والرواية.انتهى.
وبملاحظة قول النجاشي فيه فانك تطمئن بان الرجل معتبر عنده ـ لمدحه وترحمه عليه ـ إلا أنه لم يرو عنه من باب الاحتياط، ولم ينقل عنه في مقام التضعيف إلا:
أولاً: كونه قد اضطرب في آخر عمره فقال فيه: كان سمع الحديث وأكثر، واضطرب في آخر عمره، وكان جده وأبوه من وجوه أهل بغداد أيام آل حماد والقاضي أبي عمير.
ثانياً: بأن الشيوخ قد ضعفوه: فقال: رأيت هذا الشيخ، وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعِّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً، وتجنبته، وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيب الشعر وحسن الخط، رحمه الله وسامحه، ومات سنة إحدى وأربعمائة.
وفي جانبي التضعيف نظر بين:
أما أولاً: فان الاختلاط في آخر العمر وعدم الضبط لا يمنع من حسن حاله وبالتالي فيكفي ذلك في الترحم عليه.
وأما ثانياً: فأول ما فيه: انه لم يعين من المقصود بالشيوخ هل المراد أنهم القميون ومن تشرب بآرائهم وطرقهم كابن الغضائري ـ وخصوصاً بعد اعتبار البعض أنه كان من شيوخه بل وصرح السيد كما سيأتي أن النجاشي كان يعتمد عليه في تضعيفاته ـ أم غيرهم؟
وأنت خبير بحال تضعيفات القميين وابن الغضائري وأما لو كان غيرهم فهو مجهول الحال فلعله:
إن اطلعنا عليه لكان ضعيفاً في نفسه أو كان مستنداً في تضعيفه على مبنى ضعيف كأن يروي عن الضعفاء أو المجاهيل وما شابه مما كان شائعاً.
بل إن حكاية النجاشي التضعيف عنهم وعدم تأييده لهم في ذلك، يحتمل فيه أحد أمرين:
الأول: انه قد التزم ذلك التضعيف اعتماداً على تضعيف المشايخ وإن لم ير ما يدل على ضعفه اعتماداً على حسن الظن بهم وحينها يكون التضعيف مبتني على الحدس القطعي منه وبالتالي تسقط حجية تضعيفه على مبنى السيد الخوئي.
ثانياً: إنه لم يعتقد بذلك التضعيف أصلاً ولذا لم يؤيده بل وترحم عليه ومدحه بأنواع من المدح مع كونه صديقاً له ولوالده وقد سمع منه كثيراً فلو كان تضعيف الشيوخ له ثابتاً عند النجاشي ومشهوراً وظاهراً لكان أولى منهم بنقل ذلك فاحالة التضعيف اليهم فيه نوع ابراء ذمته من تضعيفه، وهذا الاحتمال هو الأقرب والاظهر من سياق العبارة.
نعم قد يقال حينئذ: ما سبب عدم رواية النجاشي عنه؟
الظاهر ـ المؤيد بما ذكرناه سابقاً ـ أن ذلك بسبب الاحتياط ولكي لا يضعف ويغمز من قبل المتشددين بأنه روى عن الضعيف حيث كانت هذه الحالة عندهم من أنواع الضعف والغمز في الراوي وإن كان ثقة في نفسه ويكفيك أن ترى ما قيل في حق الأجلاء من مثل: جابر الجعفي وأحمد البرقي ووالده وغيرهم، لتعرف حقيقة الحال.
الجهة الثانية: لو سلمنا أن ابن عياش وكذا الشيباني كانا ضعيفين عند النجاشي عن حس وبسبب صحيح فإن ذلك لا يمنع من وجود جانب حسن فيهما: كوجاهتهما في المجتمع وكثرة سماعهما للحديث وروايتهما وكثرة التأليف في نصرة الحق والعلم والأدب وغيرها من أسباب المدح التي لو اجتمع بعضها في راو كان كافياً في تحسينه ومدحه فكيف باجتماعها فيهما.
وبعبارة أخرى: إن الترحم ـ كما سبق بيانه ـ يثبت وجود المقتضي للمدح وهذا لا يمنع من وجود المانع من قبول روايته وهو التضعيف الوارد من المشايخ، فيتحصل من الجهة الثانية فائدتان:
الأولى: عدم امكان القول باعتبار ابن عياش والشيباني لتعارض الجرح والتعديل بناءً على تقديم الجرح على التعديل.
الثانية: لو ثبت الترحم في راوٍ لم يرد فيه ما ورد في الشيباني وابن عياش من التضعيف فلك أن تثبت المدح فيه.
وأما احتمال ورود التضعيف في الراوي ـ المترحم عليه الذي لم يثبت ضعفه ـ ولكنه لم يصلنا فيدفع بالاطلاق والاصل والظاهر.
هذه مجمل الاشكالات التي ذكرها السيد في هذا النحو من كلامه وسيأتي الباقي تباعاً.
النحو الثاني من كلام السيد الخوئي في هذا الموضوع: الاشكال على خصوص الترضي.
المورد الأول: في ترجمة عبد الواحد بن عبدوس: من مشايخ الصدوق ذكره في المشيخة .. وذكر في العيون: وحديث عبد الواحد رضي الله عنه عندي أصح.
أقول: كلام الصدوق لا يدل على توثيق عبد الواحد ولا حسنه .. فالرجل مجهول الحال.
المورد الثاني: ترجمة محمد بن ابراهيم الطالقاني بعد ان ذكر انه من مشايخ الصدوق وقد ترضى عليه قال: واما وثاقته فهي لم تثبت وليس في ترضي الصدوق قده دلالة على الحسن فضلاً عن الوثاقة.
المناقشة فيما ذكر: لم يذكر السيد دليلاً لما قال من عدم الدلالة على الوثاقة أو الحسن فهي مجرد دعوى خالية من الدليل.
نعم قد يقال: إن دليله نفس دليل الترحم، والدليل على ذلك ما يأتي من جعله الترحم والترضي في سياق واحد.
وفي اعتبارهما كذلك أي في سياق واحد نظر بين:
لاختلاف مدلول الترحم والترضي لغة وعرفاً عاماً فضلاً عن عرف العلماء وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك.
النحو الثالث: الاشكال على الترحم والترضي:
المورد الأول: ذكر في تقريراته في كتاب الصلاة: وأما ترضي الصدوق قده وترحمه ففيه:
إن أئمتنا عليهم السلام قد كانوا يترحمون لشيعتهم أو لزوار قبر الحسين عليه السلام كقولهم: رحم الله شيعتنا مثلاً أو نحوه مع أن فيهم من هو محكوم بفسقه أو بعدم وثاقته جزماً.
فإن الترحم والترضي محلهما صدور أي عمل حسن أو صفة مستحسنة من صاحبها، ومن الظاهر أن التشيع من أحسن الكمالات والخيرات الموجبة لهما.
وترحم الصدوق لا يزيد على ترحمهم عليهم السلام.
نعم ظهر لنا من تتبع حالاته أنه لا يترضى ولا يترحم على غير الشيعة فالذي يثبت بترضيه انما هو تشيع ابن عبدوس واما الوثاقة التي هي المعتبرة في الراوي فلا.انتهى.
المورد الثاني: قال في تقريراته في كتاب الطهارة: كعلي بن احمد الدقاق وعلي بن عبد الله الوراق وغيرهما لكنهم لم يوثقوا في الرجال وليس في حقهم غير .. انه ترضى وترحم على مشايخه في كلامه وشيء من ذلك لا يدل على توثيقهم .. كما ان ترحمه وترضيه قده كذلك ـ أي لا يدل على التوثيق ـ فان الامام عليه السلام قد ترحم على شيعته ومحبيه ولا يدل ذلك على وثاقة شيعته فكيف بترحم الصدوق قده؟انتهى.
المناقشة: قد اتضح أن السيد لم يفرق بين الترحم والترضي في نفي دلالتهما على التوثيق.
واستدل على ذلك بترحم الامام عليه السلام على شيعته والزوار.
وهما لا يدلان عنده على أي شيء سوى إفادة التشيع عند الصدوق.
فهنا مطالب تستوقفنا من هذين الموردين من كلامه رحمه الله:
المطلب الأول: عدم التفريق بين الترحم والترضي.
المطلب الثاني: الاستدلال بالأخص على نفي الأعم.
المطلب الثالث: نفي الرتبة الأعلى لا تدل على نفي الأدنى.
المطلب الرابع: الاستعمالان العرفي العام والخاص.
المطلب الرابع: الدلالة على التشيع من عدمها.

المطلب الأول: وهذا من الغريب جداً كما مرّ فإن الفرق واضح جدا فيما بينهما لغة وعرفاً:
فالترحم والترضي وإن كانا متوافقين في كونهما جملتين خبريتين يراد منهما انشاء الدعاء بنيله الرحمة أو الرضا والرضوان[1] إلا أن متعلق كل منهما مختلف كما مرّ بلحاظ المعنى المدعو به أو الشخص المدعو له.
لحاظ الشخص المدعو له:
فإن الدعاء بالرحمة ينطبق بالمعنى اللغوي لكل شخص يمكن أن تناله الرحمة، وهو كل مؤمن لم يمت على الكفر من غير الظلمة، فيشمل المؤمن العادل والفاسق والمجهول الحال كما يشمل بعض أصناف المسلمين أحياناً كما سيأتي.
وإن كان بالمعنى الاصطلاحي المستعمل عند أهل الاختصاص وخصوصاً من علماء الرجال والحديث يخصص بأهل الشأن والاعتبار من المؤمنين الممدوحين بل أحياناً ببعض المسلمين الممدوحين.
وأما الدعاء بالرضوان فلا ينطبق لغة واستعمالاً لعموم المؤمنين بل للخواص من المؤمنين أو من يلحق بهم من المسلمين في بعض الحالات.
نعم حتى مع وجود عامل الافتراق يلاحظ وجود عامل الاشتراك فيما بينهم لأن المترحم والمترضى عليه يشتركان بالعنوان العام وهو الذي لم يمت على الكفر ولم يكن من خانة الظلمة والجبابرة، وهذا العنوان كما ينطبق على الخواص من المؤمنين ينطبق أيضاً على غيرهم من المؤمنين.
وعليه فعدم تفريق السيد لا يصح بالمعنى اللغوي فضلاً عن الاستعمالي وهو إن صح فيصح بملاحظة هذا العامل المشترك من المعنى اللغوي ما بين المترحم والمترضى عليه إلا أن هذا العنوان غير ملحوظ عند علماء الرجال والحديث.
لحاظ المعنى المدعو به:
قد مرّ أن طلب الرحمة هو طلب الاحسان الالهي وهو بتحصيل الثواب أو بغفران الذنوب، وأما طلب الرضا فهو جعل العبد ممتثلاً لأوامره تعالى ومنزجراً بنواهيه، فالفرق فيما بينهما واضح من جانب اللغة فضلاً عن الاستعمال الخاص عند علماء الحديث والرجال، هذا من جانب دعاء العبد للرحمة والرضا من المولى تعالى لأحد المؤمنين.
وأما استجابة طلب الرحمة والرضوان من جانب الحق تعالى فالظاهر أن الآية الشريفة بينت كيفيتها منه تعالى فقد قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ  وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ  ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
فالآية يحتمل أنها ناظرة إلى المعنين فوعد الله المؤمنين والمؤمنات بالجنان لمن طلب الرحمة الالهية وعمل لها في الدنيا، ووعده بالرضوان الالهي لمن طلب رضاه في الدنيا وعمل لذلك.
وعليه فرتبة الرحمة ـ والتي من مراتبها احسان الله تعالى بادخال من يشاء الجنة ـ أدنى من رتبة الرضوان سواء كان بلحاظ طالبها في الدنيا أم بلحاظ  نوعية العطاء في الآخرة.
قال الشيخ مسلم الداوري: اما الترحم فالظاهر انه مورد اهتمام من العرف فلا يترحم على كل احد وان كان لا يفرق فيه بحسب اللغة فكل شخص[2] يمكن أن يدعى له بالرحمة.
واما الترضي فهو في اللغة بمعنى قبله الله واراد ثوابه وهو لا يطلق على كل احد فلا يقال لمن يتجاهر بالفسق مثلا رضي الله عنه وانما يقال لمن كان في رتبة عالية من الجلالة والقداسة كسلمان وابي ذر والمقداد وعمار وامثالهم .. انتهى.
المطلب الثاني: نفي دلالة (الترحم المفرد) لا تستلزم نفي دلالة (الترحم الكثير أو الترضي الكثير أو القليل).
فكما سبق نلاحظ ان السيد استدل في رد افادة الترحم والترضي بترحم المعصوم عليه السلام وهو لو سلم بعدم افادته وسلمت حينئذ أولويته بالنسبة إلى مثل الصدوق فهذا ينفي حجية الترحم المفرد دون المتكثر ودون الترضي المفرد أو كثرته للفرق الواضح ما بين دلالة المفرد ودلالة الكثرة وما بين الترحم والترضة لغة واصطلاحاً.
المطلب الثالث: نفي الرتبة الأعلى لا تدل على نفي الرتبة الأدنى:
فنفي دلالة الترحم المفرد على التوثيق لا تعني بالمرة ـ لو سلمنا بذلك ـ نفي دلالتها على المدح المطلق المدخل صاحبه في خانة الحديث الحسن كما لا يخفى.
المطلب الرابع: الاستعمالان العرفي العام والخاص.
قال السيد الخوئي: فإن الترحم والترضي محلهما صدور أي عمل حسن أو صفة مستحسنة من صاحبها.
كما نقل عن غيره كالمحقق التستري طاب ثراه قوله: قد يترحم الانسان على من كان معه خلة وصداقة او كان له عليه حق وشفقة او كان ذا كمال ومعرفة وان لم يكن ثقة في الديانة.انتهى.
وكلامهما لو سلم به فهو بلحاظ الاستعمال العرفي العام فعرف المتشرعة عموما يستغفرون للمذنبين ويترحمون لكل من له فضل ولا يترضون إلا نادراً لخصوص بعض الرموز الدينية.
إلا أن قياس ذلك على ما نحن فيه ـ وهو ما اصطلح عليه بين علماء الحديث والرجال ـ غريب جداً فالكلام كل الكلام يدور حول ما يتعارف بين خصوص العلماء وبالاخص علماء الحديث والرجال وهم أصحاب الاصطلاحات الخاصة في هذا الشأن لا ما يدور ما بين عموم المتشرعة من المؤمنين فلكل مقام اصطلاحه الخاص والفرق ما بين الاصطلاحين واضح لا نقاش فيه.
فكم هي الفروق الكثيرة ما بين الاستعمالين في شيء واحد ولنضرب مثالاً على ذلك: فكلمة ثقة مثلاً عند عموم المتشرعة قد يلاحظ فيها الوثاقة في النقل وقد يلاحظ الامانة في الأموال وقد يلاحظ فيها العفة وقد يلاحظ فيها جوانب أخرى.
بينما تدل عند علماء الاصطلاح على الوثاقة والضبط في نقل الأحاديث بل واستفاد جملة منهم العدالة بدلالة الوثوق والاطمئنان اللذان لا يكونان إلا من العدل.
فقولك مثلاً عن فلان إنه ثقة ـ لمن يسأل عنه ليوظفه في وظيفة مالية ـ تدل على كونه أميناً إلا أنه قد لا يحسن شيئاً من أمور الرواية ونقل الأحاديث بل قد يكون فاسقاً متجاهراً به.
بخلاف ما لو قال الشيخ الطوسي في حق زرارة مثلاً أنه: ثقة فمراده وثاقته في النقل وصحة التعبد بمنقولاته عن المعصوم عليه السلام لكونه عدل ضبط ولغيرها من الأمور.
فكذا مقامنا هذا فالمتشرعة يلاحظون حسن الحال العام حين الترحم ولا يلاحظون المدح المرتبط بلحاظ الرواية والحديث أصلاً التي تتطلب ثبوت الوثاقة وما يقرب منها والضبط والعدالة وحسن العقيدة وعدم التخليط وما شابه فهذه شؤون ينظر إليها خصوص علماء الحديث والرجال فيضعون لها اصطلاحاتهم الخاصة بهذا الشأن.
المطلب الخامس: الدلالة على التشيع من عدمها:
قال السيد الخوئي: نعم ظهر لنا من تتبع حالاته أي الصدوق، أنه لا يترضى ولا يترحم على غير الشيعة فالذي يثبت بترضيه انما هو تشيع ابن عبدوس.انتهى.
وهذه الدعوى وإن كانت صحيحة في الأعم الأغلب من مشايخ الصدوق الذين ترحم أو ترضى عليهم إلا أن الاشكال في كلام السيد رحمه الله في دعواه بانحصار دلالتهما على حسن عقيدة المترحم أو المترضى عليه عند الشيخ الصدوق.
وحينئذ يمكن الاشكال على دعوى الانحصار نقضاً وحلاً:
الجواب النقضي:
قد ثبت ـ على مبنى السيد الخوئي ـ أن الصدوق قد ترحم في بعض الحالات على بعض من مشايخه من غير الشيعة بل وترضى عليهم ولنضرب لذلك مثالين:
الأول: من مشايخ الصدوق شيخ اسمه: أحمد بن الحسن (الحسين) القطان فاستفاد المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقته ج3 ص89 بكونه: من أصحاب الحديث عامي.
بل السيد الخوئي قال في ترجمته: ولا يبعد في أن يكون الرجل من العامة كما استظهر بعضهم.
وبعد ثبوت كونه من العامة فلنثبت تحقق الترضي والترحم من الشيخ الصدوق، وبالتالي يبطل ما استفاده السيد الخوئي:
أما الترضي: فبعد الفحص القاصر وجدنا أن الشيخ الصدوق قد ترضى عليه في موارد منها:
1ـ3: الأمالي: ح560، ح709، ح735.
4: التوحيد: ب63 ح5.
5ـ9: الخصال: باب الأربعة ح99، باب العشرة ح10، باب16 ح40، باب70 ح1، باب الواحد إلى المائة ح9.
10ـ11: علل الشرائع: ج1 باب203 ح1، ج2 باب140 ح1.
12: عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص264ح48.
13ـ15: كمال الدين: باب15 ح36، باب16 ح37، باب33 ح9.
وقد ترحم عليه حسب استقرائنا الناقص في موردين:
1. الأمالي: ح928.
2. صفات الشيعة: ص50.
ومن هنا تعرف جواب ما ذكره الشيخ علي أكبر الغفاري في بعض تعليقاته على الفقيه حيث قال: إنه عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالرضيلة مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامين.
نعم ذكر محقق كتاب معاني الأخبار في مقدمته أن القطان من مشايخه من العامة إلا أنه قال بعد ذلك: يذكر في أسانيد كثيرة ويذكر في مواضع كثيرة مع علي بن أحمد الدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعبيد الله بن محمد الصائغ ويتبعهم بالرضيلة ولم يتبعه بها منفرداً.
ولعل مبناه كما هو الحال بالنسبة للسيد الخوئي والشيخ الغفاري في دلالة الترضي على التشيع خاصة ولئلا ينقض على ذلك بما أوردناه من ترضي الشيخ الصدوق ذكر ما ذكر.
وفيه: أولاً: هذا خلاف اطلاق المتكلم الجليل العالم بفنون الكلام وطرقه، فلو كان مقصود الشيخ الصدوق اخراج القطان من الرضيلة لكان بامكانه أن يأتي بذكر الدقاق والسناني والصائغ ويترضى عليهم ثم يتبعهم بالقطان من دون ترضي.
وثانياً: ينقض عليه إنه قد ترضى عليه منفرداً كما في الأمالي: ح735.
كما أنه قد ترضى عليه وعلى الدقاق والسناني بقوله: رضي الله عنهم فالجمع شامل له وإلا لقال: رضي الله عنهما.
كما أنه قد ترحم عليه منفرداً في الأمالي وصفات الشيعة.
الثاني: عبد الله بن محمد الصائغ قال السيد الخوئي فيه: من مشايخ الصدوق ذكره مترضياً عليه في العيون .. وساق الموارد ثم قال: والذي يظهر من اسناد ما ذكره أنه من رجال العامة.انتهى.
وعلى ما تقدم لم ينحصر أمر الترحم أو الترضي عند الشيخ الصدوق بالإمامية بل ينطبقان ـ وإن كان ذلك في موارد نادرة ـ على غير الإمامية فالمراد حينئذ ـ بعد نفي اللغوية والعبثية في كلام الشيخ الصدوق ـ أنها تدل عنده على حسن المترحم أو المترضى عليه أو وثاقته أو جلالته.
الجواب الحلي:
الترحم والترضي ـ بناء على ما قاله السيد سابقاً: إن الترحم والترضي محلهما صدور أي عمل حسن أو صفة مستحسنة من صاحبها ـ يمكن انطباقهما على غير الامامي لو اتصف بعمل حسن أو صفة مستحسنة.
بل حتى على ما بيناه سابقاً بلحاظ اللغة بل بلحاظ الاستعمال ـ يمكن انطباقه أحياناً وفي بعض الحالات لغير الامامي كالقطان وغيره ولكن إذا توفرت فيه ما يلي:
1. كونه ثقة عدل بحسب الأحكام الشرعية على مذهبه وكان من المستضعفين.
2. لم يكن من المستضعفين إلا أنه ثبتت هدايته قبل موته وإن كان من العلماء فإن ارتباط العالم غير الامامي بروايات أهل البيت عليهم السلام قد يكسبه الهداية ولو في أوقاته الأخيرة كما حصل بالنسبة إلى الحسن بن علي بن فضال وكما هو المستظهر من غيره، فإن العبرة بالخواتيم.
3. لو كان من غير الامامية بحسب الظاهر وإن كان إمامياً في الواقع متقياً من محيطه العام.
وبهذا المعنى أي بجواز بل باستحباب الدعاء لعموم المسلمين والمسلمات الاحاديث المتظافرة والمعتبرة ومنهم غير الامامية ممن كان أهلاً لشموله بالدعاء.
منها: ما رواه الصدوق بسنده الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الأول عليه السلام أنه كان يقول: من دعا لاخوانه من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وكل الله به عن كل مؤمن ملكاً يدعو له، وقريب منه بنفس الاسناد عن الامام الرضا عليه السلام.
بل قد سئل السيد الخوئي في صراط النجاة بما يلي:
القول المعروف بعدم جواز الاستغفار لغير المؤمن كيف يوفق بينه وبين الدعاء المشهور: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات .. الخ فمن هم المسلمون والمسلمات بعد المؤمنين والمؤمنات؟
قال السيد الخوئي: ليس الأمر كذلك فان الاستغفار انما لا يجوز للنواصب والخوارج دون مطلق المسلمين، والله العالم.
وإذا جاز طلب المغفرة للمسلمين جاز طلب الرحمة وكذا جاز طلب الرضا والرضوان لو كانوا أهلاً لذلك أو يستشرف منهم الأهلية.
فالمغفرة سبب لتحقق الرحمة والرحمة سبب لتحقق الرضوان.
نعم الدعاء للمؤمنين من الامامية أولى من غيرهم ولكن لا يعني عدم صحة الدعاء لغيرهم، إلا أنه يستثنى من ذلك ما لو كانوا غير مستحقين للدعاء كالنواصب والغلاة أو كالجبابرة والطواغيت وإن كانوا من الإمامية.
المورد الثالث:  
قال السيد الخوئي في بعض تقريراته: وأمّا من حيث السند، فقد عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة، وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه، لكن الظاهر أنّها ضعيفة ، لمكان جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الصدوق فإنّه مهمل لم يرد فيه توثيق ، وإن كان بقيّة رجال السند كلَّهم ثقات .
نعم ، تصدّى المرحوم الميرزا محمّد في الوسيط لعدّ الرجل في الحسان باعتبار ترحّم الصدوق وترضّاه عليه وأقرّه الأردبيلي في جامع الرواة على ذلك لكنّه لا يتم:
فانّ الترحّم بنفسه لا يقتضي التوثيق ولا يكشف عن حسن الحال.
وقد رأينا الصدوق كثيراً ما يترحّم ويترضّى على مشايخه وفيهم الضعيف وغيره.
وأنّ ذلك منه لا يكشف إلَّا عن كونه شيعياً إمامياً لا يزيد عليه بشيء.
كيف وقد ترحّم الصادق ( عليه السلام ) على جميع زوّار الحسين ( عليه السلام ) وفيهم الفاسق والكذّاب وشارب الخمر ، أفهل ترى أنّ ترحّم الصدوق وترضّاه أعظم شأناً من ترحّم الصادق (عليه السلام).انتهى.
المناقشة: لا يخفى الجواب عن الأول: وهو عدم اقتضاء الترحم بنفسه الحسن فضلاً عن التوثيق.
لأن الجواب قد تقدم: إن هذا إذا صح فيصح إذا كان صادراً من غير العلماء المتخصصين وأما بملاحظة كونه من علماء الحديث وملاحظة اصطلاحهم بذلك المستفاد من طريقة المعصومين عليهم السلام في الترحم على مثل أبي الفضل العباس عليه السلام وجابر رضوان الله عليه وغيرهما فلا يقل ذلك عن الترضي.
(الاشكال الخامس ـ بحسب الترتيب العام) الثاني: وهي دعوى غريبة وهي قوله: قد رأيناه كثيراً ما يترحم ويترضى على مشايخه وفيهم الضعيف وغيره.انتهى.
ومقصوده يحتمل إما:
أولاً: إنه يترحم ويترضى على جميع مشايخه وفي ضمن مشايخه الضعاف والمجهولين.
ثانياً: إنه لم يترحم على جميع مشايخه إلا أنه قد ثبت أنه قد ترحم وترضى وبكثرة على مشايخه من الضعاف  فضلاً عن غيرهم.
فلا يدل ـ على الاحتمالين ـ الترحم والترضي عند الشيخ الصدوق على التوثيق أو المدح أصلاً.
لكن للمناقشة مجال فيما ذكر:
أما الاحتمال الأول فساقط قطعاً بأدنى ملاحظة لأسلوب الشيخ الصدوق في عموم كتبه فهو لم يترض ولم يترحم على جميع مشايخه قطعاً ليثبت ما أفاده.
وأما الاحتمال الثاني فالشق الأول منه صحيح وهو عدم الترحم على جميع مشايخه، وأما أنه قد ثبت ترحمه وبكثرة على بعض مشايخه من الضعاف ففيه نظر يتضح بعد معرفة ما يلي:
إن مشايخ الصدوق على أقسام:
الأول: وهم المنصوص على وثاقتهم وجلالتهم وهم كل من: والده، ومحمد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن زياد الهمداني واحمد بن محمد بن الهيثم العجلي وجعفر بن محمد بن قولويه ـ على ما صرح به الميرزا النوري ـ والحسن بن حمزة العلوي المرعشي وعلي بن حاتم القزويني وعلي بن بندار ومحمد بن الفضل.
وهؤلاء وإن قلّت أشخاصهم مقارنة بمجموع المشايخ من الأقسام الأخرى لكن كانوا العمدة في رواياته وبالخصوص والده وابن الوليد وبالفعل قد أكثر في الترضي والترحم عليهما.
الثاني: المذكورون في كتب الرجال إلا أنه لم ينص على وثاقتهم وهم المصطلح عليهم بالمجهولي الحال أو المسكوت عنهم وهم عدة من الرواة منهم: أحمد بن الحسين بن عبيد الله الازدي وأحمد بن فارس بن زكريا وجعفر بن الحسين المؤمن وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى (بن) المتوكل وغيرهم.
وهؤلاء ما بين من أكثر الرواية عنه وأكثر الترحم والترضي عليه كماجيلويه وابن المتوكل وبين من قل الرواية عنه.
الثالث: غير المذكورين في كتب الرجال أصلاً والمصطلح عليهم بالمهملين وهم الأكثر عدداً مقارنة ببقية الأقسام إلا أنه عادة لم يرو عن أكثرهم أكثر من رواية أو روايتين وقد ترحم أو ترضى على بعضهم دون بعض.
وليس نظر السيد الخوئي القسم الأول قطعاً ولا القسمين الآخرين أيضاً لأن مجهول الحال أو المهمل لا يعدان من الضعاف.
نعم يكون حديثهما حسب المصطلح عند المتأخرين من الضعيف ـ من باب النتيجة تتبع أخس المقدمات ـ لكن لا يعتبران من الضعاف في واقعهما وبمنظور الشيخ الصدوق قطعاً بل لعلهم من الثقات الأجلاء عنده وعند غيره كما لا يخفى.
الرابع: المنصوص على تضعيفهم ولم أجد بعد الفحص أكثر من أربعة رواة:
أحمد بن الحسين الضبي وتميم بن عبد الله القرشي والحسن بن محمد بن يحيى العلوي ومحمد بن القاسم الاسترابادي.
وقد نص الشيخ الصدوق في الاول: بأنه لم يرَ أكثر نصباً منه إلا أنه قد روى عنه ما يحتج عليه حيث قد روى عنه رواية واحدة في العلل والمعاني باسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن خلق آدم .. الحديث وهذا حديث شريف فيه اثبات مقام من مقامات رسول الله وامير المؤمنين عليه السلام وفضلهما العظيم.
وروى عنه في العيون في آخر باب من الجزء الثاني في كرامات مشهد الامام الرضا عليه السلام قال الضبي: سمعت أبا بكر الحمامي الفراء وكان من أصحاب الحديث يقول: أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها ونسيت موضعها فتحيرت وساق القضية والتي فيها من كرامات الامام الرضا عليه السلام ما يثلج بها الصدور.
وأنت ترى أن نقل الشيخ الصدوق عن الضبي ليس إلا من باب تأكيد الحجة على العامة والنواصب في الرد على تشكيكاتهم لمقامات الائمة وكراماتهم عليهم السلام، ومع ذلك لم يترحم ولم يترض عليه في روايته عنه.
وأما تميم بن عبد الله القرشي، فقد نقل العلامة الحلي في الخلاصة تضعيفه عن ابن الغضائري ومن المعلوم من مبنى السيد الخوئي ـ فضلاً عن غيره بل ولعله المشهور ـ أن لا اعتبار بتضعيف ابن الغضائري ولنعم ما ذهب إليه وخصوصاً في هذا المقام فمع ترضي الشيخ الصدوق على شيخه تميم فلا اعتبار بما ضعفه ابن الغضائري ولذا علّق المولى التقي المجلسي في ترجمة السيد التفرشي لتميم بن عبد الله قائلاً: كلما يذكره الصدوق يقول: رضي الله عنه وذكر مكرراً أنه كلما ينقله فهو صحيح من حيث الرجال والصدوق أعرف بالرجال من غض أي ابن الغضائري وصه أي الخلاصة تبعه أي تبع الغضائري فتدبر مع أنه من مشايخ الاجازة.انتهى.
وأما الحسن بن محمد بن يحيى العلوي: فستأتي المناقشة فيه.
واما محمد بن القاسم الاسترابادي فسيأتي نفي السيد الضعف عنه.
فالخلاصة حينئذ:
إن الضبي وإن ثبت ضعفه لكن لا ينقض على طريقة الشيخ الصدوق لعدم ثبوت الترحم ولا الترضي عليه.
وأما تميم والاسترابادي وإن ثبت ترضيه وترحمه عليهما إلا أنه لم يثبت ضعفهما على مبنى السيد الخوئي وغيره لينقض بهما على القاعدة.
نعم يبقى أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي المعروف بابن أخي طاهر فهو من المختلف فيه وسيأتي التفصيل فيه ومع فرض ثبوت ضعفه فان الصدوق قد روى عنه عن جده في أغلب الموارد التالية وستأتي كلمة ابن الغضائري في خصوص روايته عن جده والموارد هي:
1ـ2. الأمالي: ح135 وح294 ولم يترض عليه فيهما.
3. التوحيد: باب القضاء ح17 ولم يترحم عليه.
4ـ10. الخصال: ح120 ولم يترحم عليه وفي ح123 ترحم عليه وفي ح121 وح122 وح124 وح247 وح248 ترضى عليه فيها.
11ـ 16.علل الشرائع: ب114 ح1 و ب132 ح1 ولم يترحم عليه فيهما.
علل الشرائع: باب116 ح9 وح10 وباب222 ح31 وترحم عليه فيها.
علل ب222 ح32 وترضى عليه.
17ـ18. معاني الاخبار باب معاني أسماء محمد صلى الله عليه وآله .. ح7 وح8 وترحم عليه فيهما.
19ـ20. كمال الدين باب45 ح36 عن أبي الحسن علي بن احمد العقيقي ولم يترحم عليه.
كمال الدين باب50 ح9 ولم يترحم عليه وقال: واخبرني ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى .. فيما أجازه لي مما صح عندي من حديثه وصح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن اسحاق.
وهنا نلاحظ أن الشيخ الصدوق روى الحديث برواية أبي محمد العلوي ابن أخي طاهر وأيد حديثه برواية الشريف أبي عبد الله وهو الذي ألف كتاب الفقيه بطلبه بل أيد مضمونه بما حدثه بغيرهما.
والحديث من الغرائب لأنه يتكلم عن وجود شخص من المعمرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رآه أبو محمد العلوي في سنة 313هـ وهو المعروف بالمعمر المغربي وثم نقل الصدوق عن أبي محمد العلوي والذي ترضى عليه لأكثر من مرة في ضمن هذا الحديث ومن ذلك قوله: وقال أبو محمد العلوي رضي الله عنه: ولولا أنه حدث جماعة من أهل المدينة من الأشراف والحاج من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق ما حدثت عنه بما سمعت وسماعي منه بالمدينة وبمكة ..انتهى.
وعليه فالقضية لغرابتها تحتاج للتأكد والتثبت وإن رويت عن الثقة لغرابتها الشديدة عادة فالظاهر أن الشيخ الصدوق اطمئن من القضية وصح الحديث عنه بروايته عن الحسن فضلاً عن غيره.
بل عادة العقلاء والعلماء تقتضي عدم نقل هذه القضايا إلا بعد التثبت ونقلها من أكثر من راوي وإن كان الراوي الأول ثقة عندهم.
والظاهر لأجل أمثال هذه القضية الغريبة ضعفه من ضعفه كما ستلاحظ ذلك من كلام النجاشي وابن الغضائري إلا أن الشيخ الصدوق صحت عنده هذه الواقعة بروايته وبرواية غيره ولذا نقلها في كتابه الشريف كمال الدين في باب ذكر المعمرين بل إنه قد عقد له باب وهو باب50 فقال: باب سياق حديث معمر المغربي أبي الدنيا علي بن عثمان بن الخطاب وذكر فيه عشرة أحاديث.
والخلاصة: إن من مجموع عشرين حديثاً قد رواه الشيخ الصدوق ـ حسب تتبعي ـ لم يترحم ولم يترض عليه في سبعة أحاديث والبقية بين ترحم أو ترضي عليه وهو وإن صح أنه قد أكثر من ترضيه وترحمه عليه بملاحظة المجموع إلا أنه عند ملاحظة مجموع روايات الشيخ الصدوق وهي بالآلاف بمقارنة هذا العدد القليل فلك أن تجزم بالاشكال على ما ذكره السيد سابقاً حيث قال: (قد رأيناه كثيراً ما يترحم ويترضى على مشايخه وفيهم الضعيف وغيره).
فلا مقارنة أصلاً ما بين مشايخه وهم أكثر من مائتي شيخ وما بين الذي ثبت ضعفه عند السيد الخوئي وهو راوي واحد ـ إن سلمنا بضعفه ـ وما لو قارنا ما رواه عن الضعيف ـ لو سلمنا بضعفه ـ فهو أقل القليل مقارنة بما رواه عن بقية مشايخهم وفيهم أجلاء الطائفة وثقاتها كوالده وابن الوليد وغيرهما وهم الذين أكثر الرواية عنهم كما لا يخفى.
ولو سلّمنا أنه قد أكثر الترحم والترضي عن العلوي وسلمنا ثبوت ضعفه عند بعض القدماء فهذا لا يعني بالمرة أن الترضي والترحم لا يدلان على الوثاقة وحسن الحال عند الشيخ الصدوق وعند غيره بل لعل ذلك:
أولا: لاختلاف المباني في التضعيف فقد يكون المضعف مبناه مغاير لمبنى الصدوق ولذا كان البعض يضعف الرواة بحسب بعض عاداته الشخصية وبعضهم بحسب اعتقاداته التي تختلف فيها الانظار وبعضهم بحسب رواياته التي قد تحتمل بعض الاعتقادات الفاسدة كالغلو والتجسيم وبعضهم بحسب طريقة الرواة بالرواية كالاعتماد على الضعاف والمجاهيل وهكذا.
ثانياً: لفرض ظهور توبته أي العلوي عند الشيخ الصدوق من الضعف الذي نسب إليه ـ لو كان الضعف ثابتاً فيه ـ خصوصاً أن الشيخ الصدوق كان الراوي عنه مباشرة فقد عاش معه برهة من الزمن تكفيه لمعرفة أحواله الخاصة التي قد لا تظهر على من تأخر عن الصدوق.
ثالثاً: قد يقال: إنه لم يطلع الصدوق على الضعف المشتهر فيه فوثقه وعدله بالترضي وإن كان هذا الاحتمال بعيداً إلا أنه لا يضر بدلالة الضابطة لأننا نرفع اليد عنها في خصوص العلوي وفي كل راوي ثبت ضعفه بسبب معتبر وأما في بقية المشايخ ممن ترضى الاجلاء عليه ـ ولم يثبت ضعفهم بدليل معتبر ـ فتبقى دلالة الضابطة ظاهرة في تعديل الراوي.
وفي الأخير نلاحظ أن السيد تسائل هل يكون الترحم والترضي من الصدوق أعظم شأناً من ترحم الامام عليه السلام؟ فقال رحمه الله: أفهل ترى أنّ ترحّم الصدوق وترضّاه أعظم شأناً من ترحّم الصادق (عليه السلام)؟. انتهى.
والجواب عن ذلك مرّ سابقاً بملاحظة نفي الأولوية.
ونضيف هنا: إن هذا الأسلوب من المناقشة قد يتصور البعض أنها نوع تهكم على المشهور وذلك بالتلويح أنهم يفضلون طريقة الصدوق على طريقة المعصوم عليه السلام وهذا فيه تنقيص لمقام العلماء المحققين الأجلاء.
فان كلامه الأخير رحمه الله إن تم فيتم لو فرضنا إن ترحم المعصوم عليه السلام عند المشهور لا يفيد تعديل الراوي بينما ترحم الصدوق يفيد ذلك عندهم، ولذا قد يتسائل حينئذ هل ترحم الصدوق أعظم من ترحم الامام عليه السلام؟
بينما نجد المشهور بعد ملاحظة كلماتهم يؤكدون على أن الترحم يفيد التعديل والتوثيق بغض النظر عن جهة صدوره، بل تراهم يستفيدون من دلالة ترحم المعصوم عليه السلام على الوثاقة حيث يجعلونها دليلاً على إفادة دلالة ترحم الصدوق للوثاقة.
ولنذكّر بما قاله المامقاني في تنقيح المقال حيث قال: من الاُمور التي يمكن استفادة وثاقة الرجل منها ، ترحّم الإمام (عليه السلام) على رجل أو ترضّيه عنه ، بل الترحّم والترضّي من المشايخ يفيد ذلك.
ولا ننسى ما تقدم بيانه من ترحم الامام الصادق عليه السلام لجابر الجعفي، واعلم إن موارد ترحم المعصوم عليه السلام كثيرة إلا أننا نحيل البحث في هذا الموضوع إلى محل آخر إن شاء الله تعالى.
بل لك أن تقول: حتى لو لم يثبت أن ترحم أو ترضي المعصوم عليه السلام يفيد التوثيق والتعديل ـ وقد عرفت ثبوت ذلك ـ لعدم تحقق التلازم والدلالة ما بينهما في زمن المعصوم عليه السلام.
إلا أنه يمكنك أن تطمئن ـ بعد ملاحظة سيرة العلماء وكلماتهم في هذا الشأن والحاجة إلى ذلك ـ بتجدد اصطلاح عند علماء عصر الغيبة ومن بعدهم بألفاظ تدل على تعديل الرواة والثقات وذلك مثل كونه: شيخ اجازة، أو أحد المجمع على تصحيح ما يصح عنهم أو ممن روى عنه الثلاثة وغيرها من الالفاظ الخاصة التي لم تصدر من المعصوم عليه السلام ولكن تعارف عليها علماء الرجال والحديث بأنها ألفاظ تدل على تعديل الراوي وتوثيقه.
وحينئذ يعتبر الترحم أو الترضي من هذه الالفاظ التي اصطلحت للدلالة على التعديل عند علماء الرجال والحديث في عصر الغيبة ابتداءً بالشيخ الكليني ومن في طبقته ومن ثم الشيخ الصدوق وهكذا إلى عصرنا الحالي.
المورد الرابع: في ترجمته لمحمد بن القاسم الاسترابادي قال السيد الخوئي: من مشايخ الصدوق ذكره مترضيا في العيون وفي المعاني .. والصحيح أن الرجل مجهول الحال لم تثبت وثاقته ولا ضعفه ورواية الصدوق عنه كثيراً لا تدل على وثاقته .. نعم لا يبعد دعوى ان الصدوق كان معتمداً عليه لروايته عنه في الفقيه المؤيد بترضيه وترحمه عليه كثيراً ولكن اعتماد الصدوق لا يكشف عن الوثاقة ولعله كان من جهة أصالة العدالة.انتهى.
الاشكال السادس: وخلاصة إشكاله بعد تعميمه لغير الاسترابادي لعدم الخصوصية فيه: إن الترضي والترحم من الصدوق لشيخه والاكثار من ذلك لا يبعد أن يكون بسبب اعتماد الصدوق على شيخه المترحم والمترضى عليه المجهول الحال.
واعتماده ليس بحجة لاحتمال كونه ناشئاً من أصالة العدالة.
المناقشة فيه:
إن هذا الاشكال يضطرنا إلى الخوض قليلاً في مسألة أصالة العدالة والتي فيها بحث مفصل إلا أننا سنناقش هنا بعض النقاط المرتبطة بالمقام وللجواب عما ذكره ههنا نقول:
أولاً: إن من العجيب ما قاله هنا من أن اعتماد الصدوق لا يكشف عن الوثاقة لأنه رحمه الله في مورد آخر كما في ترجمة محمد بن موسى بن المتوكل في مقام بيان أدلة توثيقه يقول: وأكثر الصدوق الرواية عنه وذكره في المشيخة في طرقه الى الكتب في ثمانية واربعين مورداً .. والظاهر أنه كان يعتمد عليه، وقد وثقه العلامة وابن داود، وادعى ابن طاوس في فلاح السائل الاتفاق على وثاقته، فالنتيجة ان الرجل لا ينبغي التوقف في وثاقته. انتهى.
أقول: مع أن السيد قد ضعف توثيق ابن المتوكل في كتاب شرح الطهارة من العروة حيث قال: وفي طريقه إليه : محمد بن موسى المتوكل وقد وثقه العلامة وتبعه في ذلك من تبعه وحيث إن الفاصل بين العلامة والرواة طويل والزمان كثير فلا يمكننا الاعتماد على توثيقات العلامة (قده). نعم : ذكر النوري ( قده ) أن الرجل ( أو الطريق ) متفق على وثاقته إلا أنه اجتهاد ونظر منه، ومعه لا يمكننا الاعتماد على الرواية بوجه. انتهى.
إلا أنه تراجع في بقية كتبه وقال بتوثيق ابن المتوكل ودليله قائم على مجموعة قرائن منها اعتماد الصدوق لايرادها في سياق بيان قرائن توثيقه لابن المتوكل والتي استنتج من المجموع توثيقه.
وحيئنذ يكون اعتماد الصدوق كاشفاً عن الوثاقة وهذا يناقض مع ما ذكره هنا في ترجمة الاسترابادي من كون اعتماد الصدوق لا يكون كاشفاً عن الوثاقة لاحتمال كونه ناشئاً من أصالة العدالة.
فإن قيل: إنه ناظر على كل حال إلى الدليل الأخير وهو نقل الاتفاق على وثاقته من السيد ابن طاووس.
وفيه: إنه خلاف ظاهر عبارته بل هي كالصريحة أن المجموع بما هو مجموع يستفاد منه توثيق ابن المتوكل.
ولو أصر على أن نظره في المسألة منصب إلى الدليل الأخير.
فيقال على مبناه: إن توثيق السيد ابن طاووس حدسي لا اعتبار به، فكيف يصبح حجة هنا، فقد قال السيد الخوئي في كتاب الصلاة بعد أن رد توثيقات العلامة وادعى انها حدسية: ومن هنا يتضح الحال في توثيقات معاصريه أو المتأخرين عنه ممن علم حاله كابن طاووس والمجلسي لانها شهادات حدسية.انتهى.
فان قيل: إن نقل الاجماع من السيد ابن طاووس يكشف عن وجود الموثق من القدماء على أقل التقادير ولذا قال في شرح الصوم من العروة في حال ابن المتوكل: ونحن وإن لم نعوّل على توثيق المتأخّرين إلَّا أنّ هذا التعبير من مثل ابن طاوس الذي كلّ عبارات المدح دون شأنه يورث الاطمئنان بأنّ في جملة المتّفقين بعض القدماء الذين نعتمد على توثيقهم ولا أقلّ من شخص أو شخصين ، وهذا المقدار كافٍ في التوثيق .انتهى.
فيقال على مبناه كذلك: لو ثبت ذلك ـ وهذا مجرد احتمال لا يرقى إلى ما يطمئن به خصوصاً مع كونها شهادة حدسية كما هي دعواه ـ لاحتمل أن ذلك الفرد المبهم قد اعتمد على ابن المتوكل اعتماداً على أصالة العدالة فوثقه ووصل إلى السيد ابن طاووس توثيقه واعتماده فنقل الاجماع على توثيقه من باب حسن الظن بالموثق والمعتمد.
ملاحظة: المقصود بالسيد ابن طاووس الناقل للاجماع هو السيد علي بن طاووس صاحب الكتب المشهورة وهو وإن كان من الاعلام إلا أنه لم يشتهر بكونه من علماء الرجال بل المشهور بذلك السيد أحمد بن طاووس وهو الأخ الاصغر ـ كما يستظهر ـ وهو صاحب كتاب حل الاشكال وغيره واستاذ العلامة وابن داوود وعلى كل حال فكلام السيد الخوئي في كون شهادة السيد ابن طاووس حدسية تنطبق على الاثنين كما لا يخفى لأنهما في طبقة واحدة.
فالخلاصة: إنه على مباني السيد الخوئي لا يمكن الاعتماد في توثيق ابن المتوكل على نقل اتفاق السيد ابن طاووس فضلاً عن توثيقات المتأخرين فيبقى اعتماد الشيخ الصدوق على الراوي دليلاً على التوثيق بقرينة الترضي والترحم الكثير عليه.
نعم يبقى الاشكال المذكور من السيد الخوئي باحتمال كونها ناشئة من أصالة العدالة فلو أمكن الاجابة عنه لأمكن القول بأن كثرة الترحم أو الترضي قرينة دالة على وثاقة الراوي عند الشيخ الصدوق حتى على مبنى السيد الخوئي كما في صريح عبارته في ترجمة الاسترابادي.
والجواب عن هذا الإشكال من أنحاء:
الأول: بأنه لو ثبت ما ذكره فإنه ينقض بكل توثيق صادر من القدماء خصوصاً الإماميين كالفضل بن شاذان والبرقي وعلي بن هاشم وابن قولويه والعياشي والكشي وحمدويه والصدوق والكليني والمفيد والنجاشي والشيخ وأضرابهم فكل اعتماد من أولئك لراوي قد يحتمل حينها أنه ناشيء من أصالة العدالة وبالتالي حصل التوثيق منهم لذلك بل كل توثيق منهم قد يكون ناشئاً من هذا الاحتمال فلا يسكن القلب حيئنذ بتوثيق واعتماد القدماء وهذا مما لا يمكن أن يلتزم به السيد الخوئي قطعاً، ويكون مساق هذا الاشكال كمساق الاشكال الآخر بأن توثيقاتهم ناشئة من الحدس والذي رفضه السيد الخوئي رفضاً قاطعاً.
ولنقتبس عبارة السيد الخوئي في مسألة احتمال الحدس في توثيقاتهم حيث قال في مقدمة المعجم:
فان قيل ان اخبارهم أي القدماء عن الوثاقة والحسن لعله نشأ من الحدس والاجتهاد وإعمال النظر..
قلنا: إن هذا الاحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجية خبر الثقة فيما لو لم يعلم أنه نشأ من الحدس.انتهى.
النحو الثاني: وعلى ما سبق فان احتمال كون اخبار القدماء عن الوثاقة والحسن ـ بواسطة لفظ الترضي والترحم ـ ناشيء من أصالة العدالة ضعيف لا اعتبار به.
لأن هذا الاحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجية خبر الثقة فيما لو لم يعلم أنه نشأ من الحدس كما قال السيد.
فان أصالة العدالة مرجعها إلى الحدس والاجتهاد والاستنباط كما لا يخفى بل قد قال في مقام رد توثيقات المتأخرين في مقدمة المعجم: كما قد يخطئون في الاستنباط فترى العلامة يعتمد على كل امامي لم يرد فيه قدح[3]..انتهى.
ولذا قال السيد محمد جعفر الجزائري في منتهى الدراية: وما أفاده دام ظله لا يخلو من غموض ، أما الأول ، فلانه لم يثبت اعتماد القدماء بأجمعهم على أصالة العدالة .. وما لم يحرز ذلك لا يتيسر طرح شهادتهم بمجرد احتماله مع كون ظاهر شهادتهم عن حس ، ولا أقل من الشك ، والمرجع بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة فيما لم يعلم أنه نشأ من الحدس وإعمال النظر كما هو مبناه دام ظله على ما ذكره في المدخل ص 55 .انتهى.
وللمزيد عليك ما فصله الشيخ محمد السند في بحوثه في مباني علم الرجال.
النحو الثالث: مع ملاحظة كلمات القدماء تجد أنهم كانوا يضعفون ويوثقون ويعتمدون على رواية الراوي بحسب حالة الراوي التي يتصف بها والتي قد شخصوها، وهم أبعد ما يكون عن جهة الاعتماد على أصالة العدالة فانظر إلى ما قاله الشيخ الطوسي في العدة: إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم .. وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في اسناده وضعفه بروايته هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم.
ومن المعلوم ان الشيخ الصدوق من أبرز علماء الطائفة في جوانب مختلفة ومنها علم الرجال خصوصاً مع ما وصفه الشيخ الطوسي حيث قال فيه: الشيخ الصدوق، جليل القدر، كان حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القميّين مِثله في حفظه وكثرة علمه وكان بصيراً بالفقه والأخبار والرجال.
وقول ابن إدريس: كان ثقةً جليل القدر، بصيراً بالأخبار، ناقداً للآثار، عالماً بالرجال، حفظةً، وهو أُستاذ الشيخ المفيد.
وهو من المؤلفين في علم الرجال كتباً في ذلك كالمصابيح وغيرها، وقد استثنى من نوادر الحكمة من استثنى.
المورد الخامس: قال السيد الخوئي في ترجمة الحسن بن محمد بن يحيى العلوي بعد ان نقل كلام النجاشي: روى عن المجاهيل احاديث منكرة، رأيت أصحابنا يضعفونه .. اخبرنا عنه عدة من أصحابنا كثيرة بكتبه.
ثم نقل كلام ابن الغضائري في الحسن حيث قال: كان كذاباً يضع الحديث مجاهرة ويدعي رجالاً غرباء لا يعرفون ويعتمد مجاهيل لا يذكرون وما لا تطيب الانفس من روايته الا فيما يرويه من كتب جده التي رواها عنه غيره وعن علي العقيقي من كتبه المصنفة المشهورة.
وبعد أن نقل ما سبق قال السيد: وهو من مشايخ الصدوق ترضى عليه في العيون ..
ثم ان الظاهر من كلام النجاشي تسالم الاصحاب على ضعف الرجل وصريح ابن الغضائري انه كان كذاباً يضع الحديث مجاهرة فمن الغريب بعد ذلك ميل الوحيد قدس سره الى توثيقه من جهة ترضي الصدوق وترحمه عليه وقد اكثر الرواية عنه هكذا وله منه اجازة ومن جهة كونه شيخ اجازة التلعكبري ايضا وانه اخبر عنه جماعة كثيرة من اصحابنا.
وهل يعتمد على هذه الوجوه الواهية في قبال كلام النجاشي المؤيد بما تقدم عن ابن الغضائري الثقة الذي يعتمد عليه النجاشي صريحا فلا ينبغي الريب في ضعف الرجل وان روى عنه غير واحد من الاصحاب.انتهى.
الاشكال السابع: النقض على دلالة الترضي والترحم بثبوتهما في الضعيف.
أقول: وفي ما ذكر نظر من أنحاء:
الأول: إن تسالم الأصحاب على ضعف الرجل من كلام النجاشي ليس تاماً لما تقدم من اعتماد الشيخ الصدوق عليه ولاكثاره عنه مع ترضيه وترحمه بل إن رواية الجماعة الكثيرة عنه تكشف عن اعتمادهم أو اعتماد جملة منهم فانتفى التسالم المدعى.
ومن المعلوم: لو كان الرجل ممن تسالم على ضعفه وكذبه لاجتنب حديثه ولتركت رواية كتبه الجماعة الكثيرة التي أشار إليها النجاشي خصوصاً في ذلك الزمان.
الثاني: بل الظاهر أن النجاشي برّأ ساحته من تضعيفه لأنه نقل التضعيف عن الأصحاب ولم يؤيده بل في قوله آخراً ما يمكن أن يكون رداً عليهم، والظاهر أن المقصود بالاصحاب المضعفين له: هم القميون وابن الغضائري وهم المعروفون بتشددهم بالتضعيف لأدنى سبب.
الثالث: إن الاستناد إلى كلام ابن الغضائري غير معتبر وبالخصوص على مبناه لأنه لا يعتمد على كتاب ابن الغضائري لضعف منهجه ولعدم ثبوت الكتاب إليه أصلاً حيث قال في مقدمة المعجم: ان الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بانه موضوع وضعه بعض المخالفين ونسبه الى ابن الغضائري ومما يؤكد عدم صحة نسبة هذا الكتاب الى ابن الغضائري .. وساق بعض القرائن على ذلك ثم قال: إلى غير ذلك من المؤيدات والعمدة هو قصور المقتضي وعدم ثبوت هذا الكتاب في نفسه.انتهى
فبعد هذا التصريح منه فلا معنى للاستناد إلى كلام ابن الغضائري حتى بنحو التأييد في رد ما استظهره الوحيد البهبهاني وغيره.
النحو الرابع: عدم الاشكال بدلالة الترضي في مقام استعراض حال الراوي:
وسنشير إلى بعض الموارد التي ذكرها السيد في مقام بيان ترجمة الراوي والتي ذكر فيها كون الراوي من مشايخ الصدوق وانه ترضى عليه ومن ثم لم يعلق عليها سلباً أو ايجاباً ومن ذلك:
احمد بن زياد الهمداني.
جعفر بن علي الكوفي.
الحسين بن احمد بن ادريس وزاد هنا: ترضى عليه في موارد كثيرة.
الحسين بن ابراهيم بن احمد.
الحسين بن ابراهيم تاتانه.
حمزة بن محمد بن احمد.
علي بن احمد البرقي.
المظفر بن جعفر بن المظفر.
محمد بن احمد السناني، وزاد هنا: أكثر الرواية عنه في كتبه مترضياً.
محمد بن علي ماجيلويه وزاد هنا: وقع بهذا العنوان في اثنين وخمسين مورداً في مشيخة الفقيه وأكثر الصدوق الرواية عنه في الفقيه وغيره مترضياً عليه.
محمد بن محمد بن عصام.
احمد بن محمد بن اسحاق.
وغيرها من الموارد الأخرى التي تجدها في طيات كتابه، والتي يظهر أن السيد لم يبين ضعف هذه الدلالة عنده اعتماداً إلى تصريحاته المتكثرة والتي مرّ بعضها.
النحو الخامس: عدم ذكر هذه الدلالة أصلا في ترجمة الراوي.
قد ذكر في بعض الرواة ما قيل في شأنهم من قرائن التوثيق والاعتبار ولم يذكر فيه دلالة الترضي والترحم أو كثرتهما، ومن أولئك:
أحمد بن محمد بن يحيى العطار.
علي بن احمد بن موسى.

الخاتمة:
يتحصل من كل ما تقدم ضعف الاشكالات السبعة التي ذكرها السيد الخوئي والتي مفادها عدم افادة الترحم أو الترضي الصادر من الجليل حسن الراوي فضلاً عن توثيقه.
وعليه فما ذكرناه أولاً من ثبوت الدلالة على التعديل بنحو الجلالة أو الوثاقة أو الحسن ثابت من دون معارض في المقام.
كما يظهر مما تقدم الاشكال على القول بالتفصيل ما بين الترحم والترضي القائل بعدم استفادة التعديل من الترحم بأي نحو من الانحاء، وما بين الترضي فيستفاد منه الجلالة وهذا ما يظهر من المحقق التستري وقد مرت الاشارة إليه.
وهذا ما صرح به السيد محمد رضا السيستاني في بعض فوائده حيث قال: اما الترحم فالصحيح وفاقاً للسيد الاستاذ قدس سره انه لا يفيد المدح فان طلب الرحمة من الله تعالى للغير ـ وان لم يكن من الصالحين ـ امر متداول على ألسنة المتشرعة ولا يكاد يستفاد منه ـ حتى مع الاكثار منه ـ الا كون المترحم له موضع عطف وعناية المترحم ..
وأما الترضي فالصحيح انه يدل على الجلالة التي هي فوق مستوى الوثاقة نعم قد يناقش في ذلك بدعوى انه ايضا ليس سوى دعاء يصح ان يطلق في حق كل انسان عدا صنفين:
1. المعصومين عليهم السلام فان الله تعالى راض عنهم فلا محل للدعاء لهم بذلك الا ان يقصد به زيادة الرضا لو كان لها محل.
2. الكافرين ومن يلحق بهم من الظالمين الذين لا يحتمل ان يرضى الله تعالى عنهم لكثرة ما صدر منهم من الظلم والجنايات.
وعلى ذلك فالترضي لا يدل على جلالة الشخص بوجه.
ولكن من تتبع كتب السابقين من العامة والخاصة يلاحظ عدم استعمال الترضي في كلماتهم الا بحق العظماء والاجلاء عندهم فهو قد تحول الى لفظ تكريم وتعظيم على لسان المتشرعة وان كان مدلوله اللغوي هو مجرد الدعاء.
ونظيره لفظة عليه السلام التي لا تطلق عند العامة الا في حق النبي الاعظم صلى الله عليه وآله ولا تطلق عندنا الا في حق المعصومين ومن يدانيهم في الرتبة كبعض الشهداء مثل العباس عليه السلام مع انها بحسب معناه اللغوي لا تختص بهم.
والحاصل: ان الترضي ليس محظ دعاء كما قيل بل يدل على التعظيم والتبجيل فليتدبر.انتهى.
فما استنتجه في الترضي في محله وقد سبقه جملة من الأكابر إلى ذلك إلا أنك لو تتمعن إلى ما استدل به في الترضي بأنه ليس مجرد دعاء بل إنه صار اصطلاحا خاصا عند العلماء وما زال دالاً على التكريم والتعظيم لوجدت ما استدل به منطبقا على الدعاء بالترحم أيضاً.
نعم لا يمكن نسيان الفارق ما بين دلالة الترضي والترحم فإن دلالة الترحم أضعف عادةً من الترضي وأدنى رتبة.
فيتحصل مما سبق إن دلالة الترحم تفيد التوثيق أو المدح على أقل الفروض خصوصاً الاكثار منه.
بينما الترضي يدل على الجلالة وعلى كل حال فالدليل واحد في الاثنين وقد بيناه في أول المناقشة وهو انتقال الترحم من معناه اللغوي إلى معناه الاصطلاحي بحسب سيرة العلماء والتي صرح بها الكثير من العلماء المستفادة من طريقة الامام الصادق عليه السلام في مثل جابر الجعفي وغيره، فضلاً عن المشاهد بحسب زماننا وبحسب المتلقى من عرف الازمنة السابقة.
ولو تنزلنا عن دلالة الترحم على التوثيق أو المدح ولو بنحو الكثرة فإن التنزل عن دلالة الترضي وبالخصوص كثرته على التعديل مجانب للحق والصواب، والله العالم.
الثمرة من هذا البحث، وهي من جهات:
الأولى: ترتبط بعلم الرجال: رفع اهمال ومجهولية الكثير من مشايخ الاجلاء واعتبارهم من صنف الممدوحين والثقات بل الأجلاء.
الثانية: ترتبط بعلم الدراية: وهي التأكيد على المشتغلين بعلم الحديث بحسن واستحباب الاستنان بسيرة علماء الحديث في الدعاء والثناء على مشايخهم في الأسانيد المتلقاة من سيرة المعصومين عليهم السلام والأدلة الأخرى.
الثالثة: ترتبط بعلم الحديث: تصحيح وتحسين وتوثيق مجموعة كبيرة من الروايات المصطلح عليها باصطلاح المتأخرين من الروايات الضعيفة السند.
وللتفصيل في هذه الثمرات خصوصاً المرتبطة بعلم الرجال مقام آخر، عسى الله أن يوفقنا له إلا أنك لو أردت الاحاطة عموماً بكل من تنطبق عليه هذه القاعدة الأساسية في علم الرجال فعليك بمراجعة تعليقة الوحيد البهبهاني أعلى الله مقامه على منهج المقال فقد استقصى عدداً كبيراً منهم إن لم يكن جميعهم فلله دره وعليه أجره من أستاذ للفقهاء والأصوليين ومجدد للدين تجري بركاته علينا ببركات من لاذ ولذنا بحماه أعني سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام.
هذا ختام ما أردنا بيانه، (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.


----------------
[1] فائدة: الظاهر أنه لا فرق فيما بين الرضا والرضوان إلا أنه قد يقال بوجود الفارق من جهة:
1. الكم والكيف: فالرضا الكثير رضوان، والرضا العظيم رضوان.
2. الرضا قد يحصل من العبد ومن الله، والرضوان خاص بالله، وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في كلام الراغب فراجع.

[2] في إطلاق الكلية نظر قد تقدم.
[3] وهذه دعوى ضعيفة لا أساس لها من الصحة، ولكننا سنترك المناقشة فيها إلى موضع آخر إن شاء الله تعالى.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 3 صفر 1439هـ  ||  القرّاء : 11077



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net