||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 توبوا إلى الله

 352- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (3)

 151- فائدة حكمية: ما هو عالم الاعتبار؟

 51- فائدة منطقية: إطلاقات القضية الخارجية

 دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (2)

 478-فائدة أصولية:حجية الظنون المبنية على التوسعة

 254- مباحث الأصول: بحث الحجج (حجية قول الراوي والمفتي والرجالي واللغوي) (1)

 178- (المتقدمات) على الظهور المبارك و(المقدمات) و (الممهدّات)

 71- استقراء معاني (العرْض) في اللغة يشهد بارجاع كافة المعاني لمعنيين

 324- فوائد لغوية الفرق بين الكذب والافتراء



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23592480

  • التاريخ : 19/03/2024 - 06:53

 
 
  • القسم : دراسات وقراءات .

        • الموضوع : ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (3) .

ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (3)
5 ذو القعدة 1439هـ

البصيرة الثالثة: إنارات فقهية في الآية الكريمة

الإنارة الأولى: أدلة شمولية الأمانات للسلطة والحكم
ويمكن الاستدلال على شمولية (الأمانات) في الآية الكريمة للسلطة والحكم بأدلة, منها:
أولا: إن (الأمانات) جمع محلّى بالألف واللام, وهو يفيد العموم الاستغراقي, فتشمل أمانة الحكم والحكومة[1].
ثانيا: دلالة الصدق العرفي على كون السلطة والحكم من الأمانة. فإن (الأمانة) تصدق عرفا ولغة, على الأمانة المادية والمعنوية, وعلى الأمانة الفردية والنوعية.
ثالثا: الروايات الشريفة الدالة على العموم. والتي تطلق (الأمانة) على الحكم والسلطة, وهي كثيرة. ومن هذه الروايات[2]:
1- ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته الى أحد ولاته " وأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ, لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ. ولَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ. وفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّه - عَزَّ وجَلَّ وأَنْتَ مِنْ خُزَّانِه"[3].
بمعنى أن عملك وحكومتك, أو ولايتك ورئاستك ليس لك أن تستأثر بها فتأكل أموال المسلمين. وتعتبرها طعمة من حقك, ولقمة سائغة لك.
2- وكقوله (عليه السلام) "يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع"[4][5]
فليس لك أن تستطعم منه وتخزن الذخائر والكنوز وتبني القصور, ولكن هذا العمل – وهو الولاية والرئاسة والإدارة للعباد والبلاد – في عنقك أمانة.
3- نقل ابن الأثير في (الكامل في التاريخ) كلام أمير المؤمنين (عليه السلام), في مسألة الإمرة, قال (عليه السلام) " أيها الناس.. وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم. ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح مالكم معي "[6]
بمعنى أن من ينتخبه الناس يكون له الحق في الأمر والنهي, ولكنه ليس مالكا لأموالهم. وليس له ان يتصرف فيها تصرف الملاك, كما يفعل سلاطين الجور, لأن ذلك خلاف إرادة الناس وتوليتهم.
4- وفي نهج البلاغة, يقول (عليه السلام) "فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ واصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ - فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ - ووُكَلَاءُ الأُمَّةِ"[7].
فهذه الرواية واضحة جدا في وصف الحكام بخزّان الرعية, والخازن (أمين). كما أن الوكيل (أمين). وعلى الخازن أن لا يخون فيما خزنه للأمة والناس, وعلى الوكيل أن لا يخون فيما وكّل فيه.
وقوله (عليه السلام) "وُكَلَاءُ الأُمَّةِ" صريح في كون الوالي وكيلا للأمة, فلا يحق له أن يتأمر فيهم بأهوائه وشهواته, وأن يستبد بالرأي, فضلا عن أن ينكل بهم بالسجن والتعذيب ويصادر الحقوق, ويسحق الكرامات, ويغتصب الأموال.
5- ما روي عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) " إنها في كل من اؤتمن أمانة من الأمانات ، وأمانات الله : أوامره ونواهيه . وأمانات عباده: فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره"[8].
ولا ريب أن الحاكم قد اؤتمن على حقوق الناس, فإن كل حقوق الناس بذمته, وعليه أن يؤديها, ومن الأمانات التي بعنقه: العدل والإحسان اللذان أمر بهما رب العالمين. وأداء هذه الأمانة حقها بأن يعدل في الرعية, وأن يحسن فيهم. فعبارة الإمام (عليه السلام) نص في العموم (من المال وغيره).
ومما تقدم من أدلة يتضح ضعف ما تصوره البعض من أن الأمانة لا تشمل الحكومة[9].
وكذلك يظهر ضعف الرأي المتطرف من الجانب الآخر, القائل باختصاص الخطاب بالحكام فقط, وأن الأمر الوارد في الآية هو خطاب للحكام فقط , وأن الأمانات المراد بها أمانة الحكم والحكومة والسلطان والسلطة. ويستدل على مطلوبه بقرينة السياق. فإن تكملة الآية هي (وإذا حكمتم), مما يعني أن الآية تتحدث عن الحكومة, وهذا الاستظهار قد ذكره بعض الأصوليين والمفسرين[10].
ولكن هذا الاستظهار غير تام, لأن السياق لا يقوى على معارضة الإطلاق أو العموم. وعلى ذلك مبنى الأصوليين فإن السياق من أضعف الظهورات, لو كان له ظهور[11].
نعم, وردت عدة روايات تفسر (الأمانات) في الآية الكريمة بتسليم كل إمام الأمر الى الذي من بعده ويوصي بها إليه[12].  
ولا تنافي بين روايات التعميم وروايات التخصيص بملاحظة أن روايات التعميم تصرح بشأن النزول وتذكر أهم الأمانات على الإطلاق, وهي وصية الإمام الى الذي يليه.

الإنارة الثانية: مراعاة العدل في دقائق الأمور
وجوب العدل مما يستقل بإدراكه العقل, وأكد عليه الشرع, حتى في أدق الأمور, فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأمير المؤمنين(عليه السلام) (سَوِّ بينَ الخَصْمَينِ في لَحْظِكَ ولَفْظِكَ) [13].
فمما ذكر من آداب القاضي في الفقه الإسلامي أنه: إذا حضر الخصمان عند القاضي, يجب أن يراعي بينهما المساواة والعدالة حتى بنظراته, بأن تكون نظراته الى كليهما متساوية, كي لا يشعر أي منهما بالاستئثار على صاحبه من قبل القاضي, وكي لا يتخوف الآخر أو يحرج فيتلجلج بحجته.
ومما يؤسف له أن حال العدل في بلادنا الإسلامية هو خلاف ما تؤكد عليه الشريعة, فترى الحاكم لا يساوي بين وزرائه, ولا يتمكن عامة الناس من رفع ظلاماتهم إلى الحاكم, ولا يمكنهم رفع الحيف والظلم عن أنفسهم لو أصابهم شيء من ذلك من قبل الحاكم أو أحد المسؤولين في حكومته, على عكس ما كان شاخصا في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام), حيث حضر أكثر من مرة مع خصمه عند القاضي[14].
وقد نقل لنا التاريخ أن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) عندما كان صغير السن, احتكم عنده صَبيّان, وقد كتب كل منها على ورقة بخط يده, " حكماه في ذلك ، ليحكم أي الخطين أجود، فبصر به علي(عليه السلام)، فقال : يا بني, أنظر كيف تحكم، فإن هذا حكم. واللهُ سائلك عنه يوم القيامة"[15].
وقد أكدت الشريعة المقدسة على وجوب أن يسوي الأب بين أولاده, حتى لو كان يحب أحدهم أكثر من غيره, فليس له الحق أن يميزه على الآخر, وعليه أن يعطي كل ذي حق حقه[16].

الإنارة الثالثة: تشريع حق الرقابة على الحكام
ان الأمر في الآية الكريمة الدال على وجوب (أداء الأمانة إلى أهلها), و(العدل) في جميع نواحي الحياة, ومنها عدل الحاكمين في الحكم مع رعيتهم, يتضمن كذلك تشريع حق رقابة الناس على الحاكم, وذلك من خلال الأدلة الآتية:
الدليل الأول: ان الأمر بالحكم بالعدل يدل بالدلالة الالتزامية العرفية على تشريع حق رقابة الناس على الحاكم, أي الناس الذين أمر الله تعالى الحاكم بأن يعدل بينهم. بمعنى أن تشريع هذا الحكم يستلزم تشريع ذلك الحكم, وإلا لزمت لغوية تشريع الحكم, ولو في الجملة[17].
الدليل الثاني: ان الشارع لو لم يشرع حقا للناس في الرقابة على الحاكم, كي لا يفرط في حقوقهم, فإن ذلك يستلزم الإيقاع في الضرر المنفي بقوله (صلى الله عليه وآله) (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) [18][19].
الدليل الثالث: ان توجه الأمر من الله سبحانه (بأداء الأمانة), و(بالعدل في الحكم بين الناس) تشمله عمومات أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, السالمة عن المعارضة. لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب من دون شك, والعدل – كما أداء الأمانة – معروف, والمعروف يجب الأمر به من قبل المسلمين.
الدليل الرابع: ان أداء الأمانة والعدل بين الناس مما يستقل العقل بحسنهما, فيجبان شرعا لرجوع الوجوب الى الحكم العقلي, ولكي يتم هذا الواجب(العدل بين الناس وأداء الأمانة) لا بد من وجود رقابة من قبل المسلمين على تنفيذ هذين الواجبين, إذ لا يستطيع من يغمض عينيه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فيكون حق الرقابة كمقدمة الواجب بالنسبة الى وجوب العدل وأداء الأمانة.

الإنارة الرابعة: الأقوال في(العدالة) وارتباطيتها
للعدالة –كما هو محقق في الفقه– أقوال, منها:
1- هي الاستقامة الفعلية على جادة الشرع دون الانحراف عنها يمينا وشمالا, وتحصل بالطاعة لله سبحانه, وتجنب معاصيه, على نحو الدوام[20].
وعلى هذا المبنى في العدالة, فإنها تزول بمجرد صدور ذنب واحد, صغيرا كان أم كبيرا, فهو عنوان ارتباطي. نعم, إذا تاب الخارج عن العدالة بسبب صدور ذنب – مثلا – فإنها ترجع بالتوبة النصوح.
2- هي الملكة الحاصلة من الاستقامة على جادة الشرع, وبتعبير آخر هي كيفية نفسانية باعثة على ملازمة التقوى[21].
وعلى هذا لا يخرج عن العدالة بمجرد صدور الذنب الصغير, بل بزوال تلك الملكة عنه عرفا.
3- هي حسن الظاهر[22], بعدم حصول الفسق منه[23]. فإذا كذب كذبة, أو نظر الى امرأة أجنبية بريبة, سينخدش حسن ظاهره, ويسقط عن العدالة, بناء على المعنى الدقي لحسن الظاهر, أما لو كان المراد من حسن الظاهر هو المعنى العرفي فقد لا تخدشه الصغيرة الواحدة.
ويكفينا من الحديث عن العدالة في خصوص الحاكم, أن عنوان(الأمين), وعنوان(العادل) لا يصدق إلا بالتزام الأمانة في كل الصور وفي كل الحالات.
وإذا التزم الحاكم التزاما مطلقا بالعدالة, فإنه يصدق عليه عنوان (العادل) ويصلح أن يبقى حاكما بشرط رضا الناس به.

الإنارة الخامسة: أداء كل شيء بحسبه
ان أداء الأمانة الى أهلها يكون على نحوين:
1- أن يكون بالتسليم المباشر للأمانة من قبل المؤتمن.
2- أن يكون بالتمكين من استلامها, بتخلية المؤتمن ما بين صاحب الأمانة والأمانة.
وقد يكون أحد النحوين على حدّ الوجوب, وقد يكون على حدّ الاستحباب.
ومن أمثلة أداء الأمانة من النحو الأول:
(أ) الطبيب مع مرضاه. وذلك بذهاب الأطباء إلى بيوت المرضى, إذ الطب أمانة, وتلك الأمانة – أي المرضى – يجب على الأطباء رعايتها حق الرعاية, فإذا اقتضى الأمر أن يذهب الطبيب الى بيت المريض وجب ذلك عليه, من غير تكبر واستعلاء, بل إن ذلك سيجعل البركة في حياته[24].
(ب) أمانة الحكم هي من قبيل النحو الأول أيضا, إذ لا يصح للحاكم أن ينتظر حتى تأتيه ظلامة وشكوى ليتصدى لحلها, بل عليه أن يبحث ويتحسس, لا أن يتجسس[25]. فالحاكم تارة يتحسس من الناس ويفتش عن أحوالهم, حتى يرى ما لهم من نقد واعتراض وإشكالات عليه, ليعدل ويغير من سيرته وأسلوبه, وليرى ظلاماتها ليرفعها, ومشكلاتهم وعقد حياتهم ليحلها.
وتارة يقوم الحاكم بالتجسس عليهم, فيقوم - عبر أجهزة الأمن وغيرها – باستطلاع أوضاع الناس, لكي يقمعهم ويضطهدهم, ويستعلي عليهم, ويصادر آراءهم ومواقفهم.
ان الحاكم الذي يحسب نفسه عادلا ليس هو من يكتفي برفع ظلامات الناس إذا رفعت إليه, بل هو من يبادر ويذهب بنفسه الى الناس: إلى أسواقهم وشركاتهم ومؤسساتهم وبيتهم, ليسمع منهم مباشرة, من دون حراس أو حجّاب أو مظاهر رادعة أو مخيفة.
ولذا كان أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يفتش الأسواق وغيرها, فيرصد الظالمين والمحتكرين والمجحفين وغيرهم.
وكان(عليه السلام) يدافع عن المظلومين, ويرعى شؤون الأيتام بنفسه, يبحث عنهم في الأزقة والسكك, ويتصدى بشخصه الكريم كي يخبز الخبز للأيتام الصغار[26]
فظهر من ذلك أن أداء كل شيء بحسبه, فقد يقتضي أداء الأمانة أن ينتظر وأن يفتح بابه للناس, وقد يقتضي – كما هو كذلك في كثير من الأحيان – أن يكون بين ظهراني الناس, ويخصص ساعة أو ساعتين – مثلا – وسط الناس من دون حجاب.

الإنارة السادسة: أصناف العدل
يمكن تصنيف (العدل في الحكم) الى أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: العدل في الحكم نفسه.
وهو المعنى المتعارف من (العدل في الحكم), وذلك بأن يعطي كل ذي حق حقه. فلو جاء متنازعان الى شخص يقضي بينهما, فعلى القاضي أن يعطي كلًّا منهما حقه. وهكذا الحال في إطار الدولة, فلو حدث نزاع بين مسؤول حكومي – مهما علت رتبته - وآخر , أو بينه وبين شخص من عامة الناس, وجب على القاضي أن يحكم بينهما بالعدل, ويعطي كل ذي حق حقه.
الصنف الثاني: العدل في طريقة الحكم وكيفيته.
فقد يكون القاضي عادلا في الحكم نفسه, بإعطاء كل ذي حق حقه, إلا أن كيفية الحكم لم تكن عادلة, فلا يعد القاضي – حينئذ – عادلا. [27].
ويظهر هذا الأمر جليا في قصة أبي الأسود الدؤلي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) [28].
فحين سأل أبو الأسود عن سبب تنحيته, أجابه الإمام (عليه السلام) بما يوضح أنه لم يكن السبب وجود إشكال عليه في الحكم نفسه, أي في الصنف الأول, إذ لم يجنِ ولم يخُنْ, بل كان السبب هو عدم عدله في طريقة الحكم, قال "إني رأيت كلامك يعلو على كلام الخصم". فينبغي على القاضي أن لا يعلو صوته على صوت الخصمين, حتى لا يتهيباه. فإن من طبيعة الناس, عندما يأتون الى قاض, تتملكهم المهابة, فيتلجلج الخصم بحجته.
وفيما يرتبط بموضوع بحثنا, وهو العلاقة بين الدولة والشعب, فيمكن تطبيق صنفي العدالة المذكورين, في مسألة تنحي الملك أو القائد عن منصبه, عندما لا يحظى برضا الناس عنه:
فالمظهر الأول للعدل: أن يتنحى عن الحكم والمنصب فورا, فيكون بذلك قد وضع الأشياء في مواضعها, لأنه لا يعدو كونه وكيلا للناس, فلا يصح بقاؤه في منصبه دون رضاهم.
والمظهر الثاني للعدل: يتجلى في طريقة التنحي, إذ لا يكفي مجرد التنحي عن الحكم في ثبوت كونه عادلا, فلو تنحى عن الحكم, ولكنه سلّم الأمر للقائد العسكري والجيش, فهذا ليس عدلا, وليس وضعا للأمور مواضعها.
ولا ينبغي للجيش أن يتدخل في أمور السياسة والحكم لأسباب, منها:
1- ان التدخل في قضايا السياسة ليست من اختصاصه. ومهمته محددة ومعينة[29].
2- أن أي نوع من أنواع التدخل من قبل الجيش في أمور السياسة, يشكل خطرا على الحريات في البلد, وعلى الأمن في المستوى السَّوقي (المدى الاستراتيجي), وإن كان في المستوى التعبوي (المدى التكتيكي) قد يتخيل بأن تدخل الجيش هو لصالح البلد.
فيجب أن يكون التنحي عن الحكم, من حيث الكيفية أيضا بالعدل, وذلك بأن يسلم الأمر الى البرلمان – مثلا – الذي هو الأقرب لإرادة الناس في الفترة الانتقالية, إلى أن تجرى انتخابات عامة.
إذن, فالعدل لا يتحدد بالعدل في ذات القضية وجوهرها, بل هو مفهوم واسع يشمل كيفية تنفيذ الحكم, وكيفية العطاء, وكيفية الأخذ, وكيفية الإدارة. وهكذا في سائر المقامات.
الصنف الثالث: العدل في نتائج الحكم.
وذلك حين يكون العدل متحققا من حيث النتائج أيضا. إذ قد يكون العدل في الحكم نفسه متحققا (الصنف الأول), وكذلك هو متحقق في تنفيذ الحكم وكيفيته (الصنف الثاني), لكن قد لا تكون هناك عدالة من حيث النتائج.
ويتضح ذلك في قصة المساكين, أصحاب السفينة التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم, حين رافق النبي موسى(عليه السلام) الخضر. قال تعالى (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)[30].
فإن القضية لو لوحظت بذاتها, وأن الخضر قام بخرق سفينة هؤلاء الأيتام المساكين, فقد يُتصور أنه ظلم, ولكن لو لوحظت النتائج, وأنه لو لم يتم خرق السفينة, لصادرها ذلك الملك الجبار, فكان هذا الفعل - بنفسه – عدلا, كما صرّح الخضر بعدها بالنتائج البعيدة المدى لخرق السفينة.

الإنارة السابعة: إقامة الحدود الشرعية وموانعها
من المسائل المتعلقة بقضية الحكم بالعدل, هي إقامة الحدود الشرعية, إذ يمكن أن يقال بعدم إمكانية تطبيقها في صور كثيرة[31]. ومن تلك الصور:
1- إذا لم يكن نظام الدولة ملتزما بالاقتصاد الإسلامي, ومطبقا – من حيث المجموع - لقوانينه وتعاليمه. إذ كيف يُجرى على السارق حدّ قطع اليد, والحال أن قوانين الاقتصاد الإسلامي غير مطبقة, فلم تطبق – مثلا – قاعدة (الأَرْضَ لِلَّه ولِمَنْ عَمَرَهَا) [32], أو قاعدة(من حاز ملك) [33], أو قاعدة(دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) [34].
2- إذا كانت الحريات غير موفَّرة, وكان الحاكم مستبدا, فلا يأمن الفقيه على نفسه لو أراد تطبيق الحدود.
3- ان من مباني وأسس النظام الإسلامي العام, ومن مقاصده هو(العدل), وهو يلاحظ بالقياس الى المجموع, وليس قضية منعزلة[35], فينبغي ملاحظة أن لا يسبب إجراء الحدود تلويث سمعة الإسلام والمسلمين.
فمن أراد أن يطبق الحدود, عليه عدم إهمال باقي الأسس والقوانين الإسلامية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويعني ذلك أنه بدون تطبيق سائر قوانين الإسلام, لا يجوز له أن يجري الحدود, فإن الحدود تدرأ بالشبهات, وما ذكرناه يعدّ من مصاديق شبهة الفقيه على أقل تقدير, لو نقل أنها تورث الاطمئنان بعدم جواز إجراء الحدود في هذه الظروف.

الإنارة الثامنة: أبعاد العدل وتطبيقاته
بناء على ما تقدم من تعريفات للعدل[36], فإن له – في مجال التطبيق - أبعادا ثلاثة: في الكم, وفي الكيف, وفي الجهة.
تطبيقات للعدل في الكم والكيف
أ- العدل في الأكل والطعام.
(أما العدل كمًّا), فإنه كما أنه مطلوب ويتحقق في الابتعاد عن الإفراط في الأكل حدّ التخمة, فهو مطلوب أيضا بعدم التفريط والأكل القليل حتى يقعده الضعف المفرط عن العبادات الواجبة, أو عن أداء سائر أدواره الطبيعية ووظائفه الشرعية والعقلية.
(وأما العدل كيفا), فهو أن يأكل الطعام المتوسط من حيث الجودة والرقي, فلا يختار من الطعام ما هو باهظ الثمن, ولا يأكل الطعام الخالي عن الفائدة لرخصه, مع تمكنه من ذلك.
ولنا فيما ينقل من إسراف معاوية في الطعام كمّا وكيفا عبرة[37]
ب – العدل في القضاء.
فلو احتكم أخوان في إرث الى القاضي, فإن مقتضى العدل أن يعطي كل واحد منهما من الناحية الكمية كما يعطي الآخر, ما داما أخوين, كما أن عليهن يساوي بينهما من ناحية الكيفية أيضا, فإذا كان للميت داران, فأعطى لكل واحد من الأخوين دارا, فليس هذا بالضرورة عدلا, إذا لم تتطابق الكيفيتان, بأن تكون هذه الدار من الناحية الكيفية, كتلك الدار.
ج – العدل في التوظيف.
وهذا المثال يرتبط بالدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية. فإننا نلاحظ إجحافا وظلما في (نظام التوظيف) الحالي; فترى كثيرا من المسؤولين في الدولة يستأثر لنفسه وذويه بالوظائف, وفي أفضل المناصب. أما عامة الناس, ولعل الكثير منهم أكثر كفاءة, فيُحرمون من أبسط الوظائف.
نعم, إذا كانت الحومة ديمقراطية حقيقة, ووجدت بعض الشركات كفاءة في شخص, فلا بأس أن تستفيد من كفاءته, من دون أن يستغل منصبه ظلما وإجحافا, فهذا عدل ووضع للشيء في موضعه.
د - العدل في المناقصات.
فإن البلد يحتاج الى مشاريع كثيرة, كالمعامل والمؤسسات الخدمية والزراعية والصناعية, والمراكز الصحية المختلفة, فتضع (مناقصات), لتعرض الشركات المختلفة أطروحتها, والطريقة التي ستنفذ بها المشروع, والفوائد المرجوة منها, والكلف التي تكلفها.
وهنا, على المسؤول المكلف بملف (المناقصات), أن يرى العرض الأفضل من جميع النواحي, والذي يقدم أحسن عائد بأقل تكلفة على الدولة. إلا أن ما يشاهد في كثير من الدول, حتى الديمقراطية, أن المسؤول يعطي الأولوية في مشاريع المناقصات الى من يستفيد منه ماديا, وهذا تضييع للحق والعدل, ووضع للشيء في غير موضعه.
هـ ـ العدل في القيادة والمنصب.
أي القيادة في مؤسسات المجتمع المدني, وفي النقابات, وفي الأحزاب والتنظيمات.
فهل أن الشخص الذي يترأس النقابة أو الحزب, وطوال عشرات السنين, هو الأكفأ في العمل, كي يبقى هو القائد أو الرئيس دائما؟
واقع الحال يشهد خلاف ذلك, وإن كان من الممكن أن يكون الأمر من هذا القبيل. فإن بقاء الشخص في منصبه هذه المدة المديدة مخالف للعدل, فقد برزت دماء جديدة, وكفاءات متميزة, فلم لا تكون هناك انتخابات لكي يبرز الأكفأ, ويوصل الجماعة الى الأهداف المتوخاة!؟.
وما ذكرناه من أمثلة ونماذج تعد من مصاديق العدل المأمور به شرعا على نحو الوجوب, ما لم يدل دليل خارجي على الاستحباب, لكن الأصل في العدل أنه واجب.
بل قد يكون الاستثناء من ذلك استثناء موضوعيا, بمعنى أن العدل إذا لم يكن واجبا, فلا يسمى عدلا, في هذا الاصطلاح لا في الاصطلاح الأعم, الذي يعني وضع الشيء في وضعه, فإن هذا معنى أعم يشمل حتى المستحب الذي قد وضعته في موضعه, ويشمل المكروه إذا لم تضع الشيء في موضعه.
والحاصل: ان (العدل) إذا أخذ بمعنى وضع الشيء موضعه, يكون أعم من الواجب والمستحب والمكروه, لكنه بمعان أخرى, كـ (إعطاء كل ذي حق حقه) يكون مساويا ومساوقا للواجب, وللعدل الذي أمر الله سبحانه وتعالى به.
العدل الجهوي.
قد يبدو المقصود واضحا من العدل من الناحية الكمية, ومن الناحية الكيفية. ولكن يحتاج العدل في الجهة الى بيان أكثر لغرض التوضيح.
فإن الإنسان قد يكون عادلا من الناحية الكمية, ومن الناحية الكيفية, فيوصل الى ذي الحق حقه, إلا أنه قد لا يكون عادلا من ناحية الجهة; وذلك كما لو قضى القاضي -  - في أمر بين مخاصمين – بالحق, فأوصل الحق كمّا وكيفا الى صاحب الحق, إلا أنه لم يلحظ في حكمه وقضائه أنه يريد بذلك إحقاق الحق وإبطال الباطل, ونيل رضا الله تعالى, وإنما فعل ذلك لمصالح دنيوية يرتئيها, كترقب جائزة ممن قضى له, أو خشية من هيئة رقابية تراقب عمله وأحكامه القضائية, فلو لم يعدل لعزل.
والحاصل: ان العدل في الجهة يقصد به (وجه العمل), فإذا لم تكن جهة العمل حبا لله, أو حبا بالعدالة, وإنما كانت لأغراض ومصالح شخصية, أو كانت خوفا وتقية, فإن عمله من هذه الجهة ليس عدلا, فتأمل[38]
ولمزيد توضيح نقول: ان العدل يمكن أن يطلق على الجهة التي تتعلق بالقلب, يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [39][40].
 فقد فُسر العدل في هذا الموضع من الآية المباركة بالعدل القلبي في الحب, لأنه في آية أخرى يقول تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [41], و(العدل) المراد نفيه واستحالته في الأولى, هو العدل والتسوية في الحب القلبي, وأما (العدل) الممكن الوارد في الآية الثانية, فهو (العدل) في النفقة والمعاشرة[42].

للإطلاع على الجزء الثاني:

ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (2)


------------
[1] كما أنها بعمومها تشمل أمانة أي تجمع من التجمعات, أو شركة من الشركات, أو حتى مسجد أو حسينية أو مكتبة, ائتمن عليها الإنسان, بصفته مدير المدرسة أو المكتبة أو الحسينية أو الحوزة العلمية أو الجامعة أو غير ذلك, فهذه كلها أمانات, على المؤتمن الالتزام بأداء حقها. (منه دام ظله).
[2] النصوص الروائية الثلاثة الأول, ناظرة الى شمولية الأمانات للسلطة والحكم باعتبار الجانب المالي, فالحاكم من جملة ما استرعي واؤتمن عليه, مال رعيته, فمال الرعية أمانة في عنق الحاكم يجب عليه مراعاته والحفاظ عليه. وبهذا الاعتبار تكون الحكومة والسلطة من جملة الأمانات.
أما الروايتان الأخيرتان, فظاهرتان في شمولية الأمانات – بمعناها الواسع غير المختص بالجانب المالي - للسلطة والحكم. كما سيأتي توضيحه من السيد الماتن.
[3] الشريف الرضي, نهج البلاغة: 3/6.
[4] المصدر نفسه: 1/35.
[5] هذا المقطع من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بالشقشقية, يعرض فيه ما ارتكب عثمان وبنو أمية من سلب لحقوق الله وحقوق العباد. وكنّي بالخضم عن كثرة توسّعهم بمال المسلمين من يد عثمان. قال ابن ميثم البحراني " وقد شبّه عليه السّلام خضمهم لمال اللَّه بخضم الإبل نبت الربيع ، ووجه التشبيه أنّ الإبل لمّا كانت تستلذّ نبت الربيع بشهوة صادقة وتملأ منه أحناكها ، وذلك لمجيئه عقيب يبس الأرض وطول مدّة الشتاء ، ومع ذلك طيبه ونضارته ، كان ما أكله أقارب عثمان من بيت المال مشبّها لذلك من جهة كثرته وطيبه لهم عقيب ضرّهم وفقرهم ، وكلّ ذلك في معرض الذّم والتوبيخ المستلزم لارتكاب مناهي اللَّه المستلزم لعدم التأهّل لأمر الخلافة ". ابن ميثم البحراني, شرح نهج البلاغة: 1/263.
[6] ابن الأثير, الكامل في التاريخ: 3/193.
[7] الشريف الرضي, نهج البلاغة: 3/80.
[8] الشيخ الطبرسي, مجمع البيان: 3/112.
[9] ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان: 1/236. تفسير أبي حاتم الرازي: 3/985. تفسير الثعلبي: 3/322.
[10] ينظر: محمد بن جرير الطبري, جامع البيان عن تأويل القرآن: 5/200.
[11] يشكل التمسك بوحدة السياق القرآني وعدّه حجَّةً يعتمد عليها في تحديد الظهور لوجهين:
1- نفي وحدة السياق القرآني من أساسه. لأن القرآن لم يكن مرتباً بحسب النزول حتى يكون ذا سياق واحد.
2- إن وحدة السياق إنما تكون متبعة مع عدم ورود الدليل النافي لها، والمسلمون متفقون على أن الأدلة إذا عارضت السياق فهي المرجحة على السياق.

[12] عن يونس بن عبد الرحمن، قال: سألت موسى بن جعفر عليهما السلام عن قول الله عز وجل( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). فقال: هذه مخاطبة لنا خاصة; أمر الله تبارك وتعالى كل إمام منا أن يؤدي إلى الامام الذي بعده, ويوصي إليه, ثم هي جارية في سائر الأمانات. الشيخ الصدوق, معاني الأخبار: 108.
وعن أبي عبد الله عليه السلام, قال: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " قال: أمر الله الامام أن يدفع ما عنده إلى الامام الذي بعده، وأمر الأئمة أن يحكموا بالعدل، وأمر الناس أن يطيعوهم. تفسير العياشي: 1/249
وعن أبي جعفر عليه السلام, قال: سألته عن قول الله عز وجل : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " قال : أمر الله الامام منا أن يؤدي الأمانة إلى الامام بعده، ليس له أن يزويها عنه. النعماني, الغيبة: 61

[13] الشيخ الطبرسي, تفسير مجمع البيان: 3/113.
[14] كما في قصة الدرع التي تحاكم فيها الى القاضي, حين رأى (عليه السلام) درعا له عند نصراني. فطالبه القاضي بالبينة. فقال النصراني: أمير المؤمنين يمشي إلى قاضيه, وقاضيه يقضي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين.
[15] الشيخ الطبرسي, تفسير مجمع البيان: 3/113.
[16] فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك. الشيخ الطوسي, الخلاف: 3/565.
[17] وذلك نظير قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة/122). والذي يفهم منه بالدلالة الالتزامية العرفية أنه تعالى لو أمر أحدهم بأن ينذر الآخرين, فإن مما يلزم من ذلك الأمر, وجوب مطاوعة المنذَرين هذا الإنذار وقبوله. وإلا لزمت لغوية الأمر. (منه دام ظله).
[18] الشيخ إبراهيم الكفعمي, المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية): 346. وهي من القواعد الفقهية المتسالم عليها بين الفقهاء.
[19] أي سيكون تشريع الحكم للحاكم ضرريا على الناس لو لم يشرع حق الرقابة لهم عليه. والحكم الضرري منتف بموجب الحديث الشريف.
إلا أنه يمكن مناقشة هذا الدليل: بأن حديث الرفع هو رفع للحكم الضرري, وليس في مقام إثبات حكم آخر. بمعنى أن أقصى ما يدل عليه الحديث هو نفي مشروعية الحكم للحاكم ورفعه إذا كان يلزم منه الضرر على الناس, أما إثبات حكم جديد(كمشروعية حق الرقابة) فالحديث قاصر عن ذلك, لأنه حديث رفع لا حديث وضع. إلا على رأي من يقول بكونه واضع ومثبت للحكم, كما هو رأي السيد المرجع محمد الشيرازي(قدس سره), وهو خلاف المشهور.

[20] كما هو رأي الشيخ الطوسي في المبسوط, وابن حمزة في الوسيلة, ومن المتأخرين مثل: الشيخ الأنصاري والسيد الخوئي.
[21] كما ذهب الى ذلك العلامة ومن تأخر عنه على المشهور.
[22] نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة عن الشيخ المفيد في كتاب الإشراق ونسب الشهيد الأول في البيان الى ابن الجنيد أن كل المسلمين على العدالة الى أن يظهر خلافها.
[23] أو مع ظهور الصلاح منه, بالتزامه بالجماعات وغيرها. كما في الرواية. (منه دام ظله).
[24] وقد وردت الرواية في وصف رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنه (طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَه وأَحْمَى مَوَاسِمَه), فلم يكن (صلى الله عليه وآله) جالسا في بيته ينتظر مجيء من يحتاج إليه. (منه دام ظله).
[25] الفرق بين التحسس والتجسس أن الأخير سلبي خلافا للأول, فالتحسس ما كان لصالح المتحسس عليه, بينما التجسس ما كان لضرر المتجسس عليه, كما ورد في قوله تعالى على لسان النبي يعقوب(عليه السلام) " اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ". (منه دام ظله).
[26] إشارة الى ما رواه في المناقب أنه (عليه السلام) نظر إلى امرأة على كتفها قربة ماء, فأخذ منها القربة, فحملها إلى موضعها, وسألها عن حالها, فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل, وترك علي صبيانا يتامى, وليس عندي شيء, فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس, فانصرف وبات ليلته قلقا، فلما أصبح, حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم : اعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة، فأتى وقرع الباب فقالت: من هذا ؟ قال أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة, فافتحي فان معي شيئا للصبيان, فقالت : رضي الله عنك, وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل, وقال: اني أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجني وتخبزي, وبين أن تعللي الصبيان لأخبز أنا ، فقالت: أنا بالخبز أبصر, وعليه أقدر, ولكن شأنك والصبيان فعللهم, حتى أفرغ من الخبز، فعمدت إلى الدقيق فعجنته, وعمد علي إلى اللحم فطبخه, وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره, فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني, اجعل علي بن أبي طالب في حلّ مما مرّ في امرك، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله سجّر التنور، فبادر لسجره, فلما أشعله, ولفح في وجهه, جعل يقول: ذق يا علي, هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه, فقالت ويحك, هذا أمير المؤمنين، قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير المؤمنين, فقال: بل واحيائي منك يا أمة الله, فيما قصرت في امرك.  ابن شهراشوب, مناقب آل أبي طالب: 1/382 .
[27] وهذا الصنف من العدل في الحكم قد سلط الفقهاء الأضواء عليه – تبعا للروايات الواردة عن المعصومين(عليه السلام) في باب آداب القضاء, وفي صفات القاضي, بحيث يعد الإخلال بها إخلالا بالعدل, أي في طريقة الحكم وكيفيته. قال المحقق في الشرائع, في(كيفية الحكم) " في وظائف الحاكم وهي سبع :
الأولى : التسوية بين الخصمين، في السلام، والجلوس، والنظر، والكلام، والإنصات، والعدل في الحكم. ولا تجب التسوية في الميل بالقلب، لتعذره غالبا. وإنما تجب التسوية، مع التساوي في الإسلام أو الكفر. ولو كان أحدهما مسلما، جاز أن يكون الذمي قائما، والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.
الثانية: لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، ولا أن يهديه لوجوه الحجاج، لأن ذلك يفتح باب المنازعة، وقد نصّب لسدها.
الثالثة: إذا سكت الخصمان، استحب أن يقول لهما تكلما، أو ليتكلم المدعي. ولو أحس منهما باحتشامه، أمر من يقول ذلك. ويكره أن يواجه بالخطاب أحدهما، لما يتضمن من إيحاش الآخر.
الرابعة: إذا ترافع الخصمان، وكان الحكم, واضحا لزمه القضاء. ويستحب ترغيبهما في الصلح. فإن أبيا إلا المناجزة، حكم بينهما, وإن أشكل, أخّر الحكم حتى يتضح، ولا حد للتأخير إلا الوضوح .
الخامسة: إذا ورد الخصوم مترتبين، بُدئ بالأول فالأول. وإن وردوا جميعا، قيل: يقرع بينهم. وقيل: يكتب أسماء المدعين، ولا يحتاج إلى ذكر الخصوم. وقيل: يذكرهم أيضا، لتحضر الحكومة معه، وليس بمعتمد. ويجعلها تحت ساتر، ثم يخرج رقعة رقعة ويستدعي صاحبها. وقيل: إنما تكتب أسماؤهم، مع تعسر القرعة بالكثرة.
السادسة: إذا قطع المدعّى عليه دعوى المدعي بدعوى, لم تسمع حتى يجيب عن الدعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو.
السابعة: إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى. ولو ابتدرا بالدعوى، سمع من الذي عن يمين صاحبه. ولو اتفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضر أحدهما بالتأخير، فيقدم دفعا للضرر. ويكره للحاكم أن يشفع في إسقاط حق أو إبطال". المحقق الحلي, شرائع الإسلام: 4/871.

[28] روي أن أمير المؤمنين(عليه السلام) ولّى أبو الأسود الدؤلي القضاء، ثم عزله فقال له: لم عزلتني وما جنيت وما خنت؟ فقال عليه السلام: ( إني رأيت كلامك يعلو على كلام الخصم). ابن أبي جمهور الأحسائي, عوالي اللآلي: 2/343.
[29] الكهف/79.
[30] روي أن أمير المؤمنين(عليه السلام) ولّى أبو الأسود الدؤلي القضاء، ثم عزله فقال له: لم عزلتني وما جنيت وما خنت؟ فقال عليه السلام: ( إني رأيت كلامك يعلو على كلام الخصم). ابن أبي جمهور الأحسائي, عوالي اللآلي: 2/343.
[31] كما يرى ذلك السيد الوالد(قدس سره). (منه دام ظله).
[32] الشيخ الكليني, الكافي: 5/279.
[33] هذه قاعدة فقهية, تسالم عليها الفقهاء, واشتهرت على ألسنتهم, ووردت في كتبهم الاستدلالية, وهي ليست برواية أو حديث, بل ورد ما يقرب منها في الكافي, ومن لا يحضره الفقيه, وتهذيب الأحكام, ووسائل الشيعة, وهو (أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ فِي رَجُلٍ أَبْصَرَ طَائِراً فَتَبِعَه حَتَّى سَقَطَ عَلَى شَجَرَةٍ, فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَأَخَذَه, فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): لِلْعَيْنِ مَا رَأَتْ ولِلْيَدِ مَا أَخَذَتْ). (منه دام ظله).
[34] الشيخ الطوسي, الأمالي: 397.
[35] وقد ذكر هذا الشرط السيد الوالد قدس سره, في كتاب الفقه: الجزء 101- 102 الدولة الإسلامية. وفي كتاب الفقه: الجزء 105 – 106 السياسة. والفقه: الجزء 87 – 88 الحدود. من موسوعة الفقه. حيث قال "من الشروط أن لا يسبب إجراء الحدود تلويث سمعة الإسلام والمسلمين" . (منه دام ظله).
[36] في البصيرة الأولى.
[37] قال الأحنف: دخلت على معاوية, فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدّم لونا ما أدري ما هو، فقلت: ما هذا؟
قال: مصارين البطَّ, محشوة بالمخّ, قد قلّي بدهن الفستق, وذرّ عليه الطبرزد، فبكيت.
فقال: ما يبكيك؟
قلت: ذكرت عليا، بينا أنا عنده, فحضر وقت إفطاره، فسألني المقام, إذ دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق شعير، قلت: خفت عليه أن يؤخذ, أو بخلت به؟ قال: لا, ولا أحدهما, ولكني خفت أن يلتّه الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت: محرّم هو يا أمير المؤمنين؟ قال: لا, ولكن يجب على أئمة الحقّ أن يعتدّوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغي الفقير فقره. [ابن حمدون, التذكرة الحمدونية: 1/70].
[38] النساء/129.
[39] قد يناقش في (الجهة) المقصودة من الحكم بالعدل, ودخالتها في صدق عنوان العدل, فإن المطلوب في مسألة الفصل في المنازعات والخلافات, وإيصال الحقوق الى أهلها, وتطبيق القوانين التي يتوقف عليها حفظ النظام العام, هو إجراؤها وفق قانون العدل, سواء كان القانون شرعيا أم وضعيا. أما أن تطبيقها كان لحب الله تعالى وتقربا إليه, أو حبا لإقامة العدل, أو لم يكن كذلك, بل كان لأجل مصلحة أو خوف, فلا يضر ذلك في صدق عنوان العدل عليه:
1- أما من الناحية الشرعية, فإن أقصى ما يترتب عليه – أي على القاضي بالعدل من دون أن يقصد القربة لله تعالى – فهو عدم حصوله على الثواب, أما كونه غير عادل لأجل تركه التقرب في حكمه, على نحو يستحق العقوبة بسبب ذلك, فلا دليل عليه, ولو على نحو القصور في المقتضي, فليس ما في أيدينا من النصوص تفيد هذا المعنى.
2- وأما من ناحية القانون الوضعي البشري, فالمسألة أوضح, فقد جرت سيرة العقلاء – بما هم عقلاء – على تحقيق العدالة بإيصال الحقوق الى أهلها تماما وكمالا, أما أن ذلك يتم حبا للعدالة أو أي نية أخرى, فليس معتبرا عندهم.
ولعله لأجل هذه المناقشة, قال السيد الماتن (فتأمل).

[40] الآية الكريمة في صدد بيان عدم إمكانية التسوية في الحب والمودة بين الزوجات, ويرشد الى ذلك استعمال كلمة (بين) بعد (تعدلوا), فإن عدم إمكانية التسوية في الحب بين الزوجات أمر تكويني قهري, ولأجل ذلك لم يقع (عدم العدل في حب الزوجات) محلا للوم الشارع أو توبيخه أو استحقاق العقوبة عليه, ما لم يؤد الى تضييع في الحقوق, فلو كان في نظر الشارع ظلما, لتوعد عليه ونهى عنه.
[41] النساء/3.
[42] وروي هذا التفصيل عن الإمام الصادق(عليه السلام), قال " أما قوله عز وجل: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة ) يعني في النفقة وأما قوله : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) يعني في المودة". الشيخ الكليني, الكافي: 5/363].

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 5 ذو القعدة 1439هـ  ||  القرّاء : 8838



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net