||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 26- فائدة ادبية بلاغية: نكات بلاغية في العدول عن صيغة المجرد الى صيغة المبالغة

 كتاب المعاريض والتورية

 445- فائدة فقهية ـ عقائدية: شبهة تسلّل مسألة بيع الصبي الراشد من العامة

 175- ( المرابطة ) في سبيل الله في زمن الغيبة

 245- الاستشارية شعاع من اشعة الرحمة الالهية وضوابط وحدود الاستشارة

 فقه الرؤى

 275- مباحث الأصول: (الموضوعات المستنبطة) (5)

 156- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (3): علم البلاغة- علم اللغة- علم النحو – علم الصرف- علم المنطق

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 295 - الفوائد الأصولية (الحكومة (5))



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23594046

  • التاريخ : 19/03/2024 - 10:01

 
 
  • القسم : دراسات وقراءات .

        • الموضوع : ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (2) .

ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (2)
3 ذو القعدة 1439هـ

البصيرة الثانية: إنارات أصولية في الآية الكريمة

اعداد وتهميش : السيد نبأ الحمامي

الإنارة الأولى: استقلال العقل بوجوب رد الأمانة.
هناك قاعدة معروفة تقول(إن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية).
وفي الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا). الحكم فيها(وجوب أداء الأمانات), ومتعلق الحكم[1]هو (الأمانات). وقد علق الحكم على الوصف[2].
كما أن قوله تعالى (إِلَى أَهْلِهَا) مشعر بالعليّة أيضا. وهو بمنزلة التعليل للوجوب[3]
فيأمرنا الله تعالى بأن نرجع الأمانات الى أصحابها لسببين:
الأول: لأنها أمانات.
الثاني: لأنهم أهلها.
واتضح بهذا أن هذه المسألة من المستقلات العقلية[4] من الوجهين أو السببين المذكورين, وإن أمر الله تعالى مطابق لبداهة العقل, فبرهان القضية معها[5].
إذ كان من الممكن أن تقول الآية – مثلا – (الأشياء التي استلمتموها من الغير...), إلا أن استعمال عنوان (الأمانة) يستبطن الحكم, ويعني: أدها وأرجعها لأنها أمانة. ولأنه مؤتمن, يستلزم الحكم عليه بالإرجاع, وبأدائها إلى أهلها.
ويتضح ذلك أكثر بملاحظة إمكانية الاكتفاء بالمقطع الأول من الآية الشريفة هكذا(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ), لكن ضميمة(إلى أهلها) تتضمن مزيدا من التأكيد في التعليل, وتفيد إرجاع هذا الحكم الى قضية عقلية بديهية يعبر عنها بـ(المستقلات العقلية).
فعندما تعرض هذه القضية على أي عاقل, من أية ملة أو دين أو عشيرة, ومن أي مكان, فإنه سيرى أنها ما دامت أمانة, ومادام أولئك هم أهلها, فإن عليه أن يرجعها الى أهلها.
وأمانة الحكومة هي من أهم الأمانات في اعناق الحكام, وعليهم أن يؤدوها الى أهلها.

الإنارة الثانية: هل الظاهر من الآية الأمر المولوي أو الإرشادي؟
المستظهر من الأمر في الآية الكريمة هو أمر مولوي, أي صادر من الله تعالى بما هو مولى معمِلا مقام مولويته[6], فيكون قوله تعالى(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نظير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)[7].
ومن ثمرات وآثار كون الأمر مولويا, استحقاق العقاب بالمخالفة, واستحقاق الثواب بالموافقة, بمعنى أن الإنسان لو أدى الأمانة إلى أهلها, فإنه يستحق الثواب من الله تعالى, إضافة الى ثناء الناس ورضا الوجدان والضمير. ولو خان الإنسان الأمانة, فإنه يستحق العقوبة.

دعوى أن الأمر في الآية إرشادي
احتمل البعض أن الأمر في الآية الكريمة إرشادي[8], أي أنه إرشاد من الله سبحانه لحكم العقل, ويؤول – حينئذ – إلى عدم العقوبة بالمخالفة, فلو فعل الإنسان الشيء المنهي عنه, فعل قبيحا لكنه لا تترتب عقوبة على فعله.
وقد يستدل على هذا الرأي بختام الآية الشريفة, حيث يقول الله سبحانه وتعالى(إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ). اما لأن الموعظة ظاهرة في الإرشاد, أو لأن هذا المقطع من الآية كأنه في مقام التعليل, والبعض يرى أن الأمر المقرون بذكر العلة هو أمر إرشادي.

رد الدعوى
ان كون الأمر في الآية الكريمة إرشاديا لا نرى صحته من حيث المصداق والمفردة الخارجية, ومن حيث الكلي والإطار العام والقاعدة الكلية. أي من حيث الصغرى والكبرى:
1- أما من حيث الصغرى. فلا نسلم أن ذيل الآية الشريفة[9] قرينة على إرشادية الأمر, سواء في المقتضي أو عدم المانع:
(أ) فمن حيث المقتضي, ان الأصل في الأوامر الصادرة من المولى هي أوامر مولوية.
(ب) ومن حيث عدم المانع, فإن الموعظة في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ), لا تصلح أن تكون قرينة على إرادة الأمر الإرشادي في الآية الكريمة. وذلك لأن الموعظة لا تتنافى مع الأمر المولوي, فهما يجتمعان. لأن المولى إذا كان حكيما, وكانت أوامره صادرة ونابعة من مصالح ومفاسد في المتعلقات – كما هو رأي الإمامية – فلا شك أن لها فوائد دنيوية وأخروية[10].
بل ان الموعظة المستفادة من قوله تعالى(ان الله يعظكم به), أنسب بإرادة الأمر المولوي في الآية من الأمر الإرشادي, كونها تكشف عن مصلحة أخروية.
فإن (الموعظة) لا تستخدم عادة في المنافع المادية[11]. بل تستخدم عادة في الشؤون الأخروية, وهي تتناسب بشكل أكبر مع شأن المولى, وتكشف عن الفائدة الغيبية المترتبة على ذلك أيضا, مع عدم نفي الفوائد الدنيوية.
2- أما من حيث الكبرى. فإنا لا نسلم أن مخالفة الأمر الإرشادي لا يترتب عليها العقوبة. وذلك لأن العدل من المستقلات العقلية التي لو خالفها الإنسان استحق العقوبة, لأن العقل حكم باستحقاق العقوبة.
فإن ما استقل به العقل لو خالفه الإنسان –حتى لو لم يأمر به الشرع– يستحق عليه العقوبة, إنما لا يترتب استحقاق العقوبة إذا لم يستقل العقل بشيء, والمولى لم يأمر به.
بتعبير آخر: إن الإنسان يستحق العقوبة في صورتين:
الأولى: إذا خالف أوامر الشرع.
الثانية: إذا خالف الأوامر العقلية القطعية الصريحة, وذلك لأن كلا من العقل والشرع حجة لله تعالى على الإنسان. فإذا خالف الإنسان هذه الحجة أو تلك الحجة استحق العقوبة. وقد ورد في الحديث الشريف "ان لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة, وحجة باطنة, فأما الظاهرة, فالرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام - ، وأما الباطنة فالعقول"[12].
وما دام قد احتج الله على الإنسان بالعقل في المستقلات العقلية, فلا يحق للإنسان أن يخالف ما يأمره به العقل, ولو خالف استحق العقاب.
وبغض النظر عن الاستدلال العقلي على قبح الظلم, واستحقاق صاحبه العقاب, فان الوجدان يحكم بأن الإنسان إذا خان الأمانة, أو إذا ظلم, فإنه يستحق العقوبة. ولذلك نجد الظلم مدانا ومرفوضا في كل المجتمعات والأديان والمذاهب, وقد يُختَلف في تحديد مصداق الظالم, لكن أصل القضية (ان ظالما لو ظلم فهو يستحق العقوبة) قضية عقلية وبديهية.
والحاصل: ان التدبر في الآية الكريمة يبين أن الأمر مولوي, بمعنى صدوره عن المولى بما هو مولى مُعمِلا مقام مولويته. ولو سلمنا وقلنا إنه إرشادي, فإنه لا يخل بالمطلوب من كونه أمرا جزميا حتميا, حكم به العقل الذي هو حجة من الباري سبحانه وتعالى. وأن الشرع عندما صرح به – سواء كان مرشدا الى حكم العقل أم مؤسسا – فإنه لا يضر ولا يخل بالمقصود.

الإنارة الثالثة: استفادة الأولوية بين المفهومين: (على) و(بين)
بأن يقال: إن الأمر بالعدل في الآية الكريمة (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) عندما تعلق بالحاكم (بين الناس), فإنه وبطريق أولى يتعلق بالحاكم(على الناس), أي إذا كان المطلوب من (الحاكم بين الناس) أن يعدل, وهو قد لا يمتلك تفويضا قويا, ولا مرتبة شديدة من الاعتبار, فإن المطلوب من (الحاكم على الناس) بطريق أولى لأن يعدل, لأنه ذو صلاحيات أوسع واعتبار أكبر من (الحاكم بين الناس).
ونظير ذلك قوله تعالى(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)[13]. فإذا كان قول (أُفٍّ) للأبوين محرما ومنهيا عنه, فمن باب أولى أن يكون مثل رفع اليد عليهما - أو حتى بمجرد الشروع بذلك – محرما بحرمة أشد.

الإنارة الرابعة: أمانة الحكم من قبيل العنوان والمحصَّل
لعله يقال: ان المستظهر كون المأمور به في الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) من قبيل العنوان والمحصل, بمعنى أن الأمر قد تعلق بالعنوان وبأداء الأمانة.
توضح ذلك:
ان تعلق الأمر بالشيء يكون على نحوين:
الأول: أن يتعلق الأمر بالمأمور به مباشرة, وكان للمأمور به أجزاء متيقنة, ولكن شك في جزئية الزائد عن المتيقن. والمرجع فيه (البراءة) [14].
الثاني: أن يتعلق الأمر بالغرض, وكان الشك في شرطية شيء أو جزئيته, لتحقق عنوان المأمور به. وهو ما يطلق عليه بـ(العنوان والمحصّل). والمرجع هو (الاحتياط), وعدم حصول الغرض والمأمور به الا بإتيان المشكوك.
ولنأخذ – لتوضيح الفكرة – مثالين عرفيين, وآخر شرعيا, ثم نطبق الفكرة على الأمر في قوله تعالى (تؤدّوا), هل تعلق الأمر بالغرض, أو بعنوان أداء الأمانة:

مثالان عرفيان:
المثال الأول: قد يتعاقد مريض مع أحد الأطباء لإجراء عملية جراحية له, في مقابل أجر, من دون نظر الى الغرض والغاية, فلا يكون مصب التعاقد بين الطبيب والمريض هو نجاح العملية أو عدمه.
وفي هذه الحالة , لو فشلت العملية, مع عدم التقصير من قبل الطبيب, يستحق الطبيب تمام الأجرة المسماة, لأن الاتفاق إنما وقع على إجراء العملية نفسها من دون نظر الى الهدف والغرض منها (وهي نجاح العملية والصحة).
وتارة يكون الاتفاق بين الطبيب والمريض على إجراء العملية بحيث يكون الغرض والغاية (وهو نجاح العملية) مصب العقد ومقتضى الاتفاق.
وعلى هذا, فإن الطبيب إنما يستحق الأجرة المسماة على فرض نجاح العملية وتحقق الغرض والغاية, أما مع عدم نجاحها, فلا يستحق شيئا من الأجرة, فيكون هذا العقد من قبيل (العنوان والمحصّل), لتعلق الاتفاق والعقد بالغرض.
المثال الثاني: التلميذ في المدرسة, حين يأمره أبوه بالذهاب الى المدرسة, ويوعده بالعقاب على مخالفة الأمر, فإنه:
تارة يكون مجرد (الذهاب الى المدرسة والدوام فيها) هو مراد الأب, من دون أن يكون له غرض بنجاح الابن أو عدمه, بل مصب الأمر هو (مجرد الذهاب الى المدرسة والدوام فيها).
فاذا التزم الابن بالذهاب الى المدرسة والدوام بها, فقد تحقق مراد الأب, سواء نجح في المدرسة أم لم ينجح, ولا يستحق عقوبة لو لم ينجح فيها, لأنه امتثل الأمر, وقد تعلق الأمر بمجرد الذهاب الى المدرسة والدوام فيها.
وتارة لا يكتفي الأب بمجرد ذهاب ابنه الى المدرسة, بل يطلب منه النجاح فيها, أي أن الأمر تعلق بالغرض من الذهاب الى المدرسة, وهو تحقق النجاح من الابن.
وهنا, لو لم ينجح الابن في المدرسة, يستحق العقوبة من الأب, حتى لو كان ملتزما بالذهاب الى المدرسة, لأن أمر الأب قد تعلق بالنجاح, وليس مجرد الذهاب والدوام.
وتظهر الثمرة بين الحالتين, حين يشك الابن في مدخلية مطالعة كتاب معين لنجاحه,  فلو كان غرض الأب هو مجرد الذهاب الى المدرسة والدوام فيها, لا تكون مطالعة الكتاب المذكور واجبة, أما لو كان غرضه هو تحقق النجاح, وجب على الابن – عقلا – أن يطالع ذلك الكتاب, لكي يحقق النجاح المطلوب, لتوقفه على مطالعة الكتاب.
مثال فقهي
يقول الله تعالى في بيان حكم الطهارة من الجنابة (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[15], وقد ذهب جمع من أعاظم الفقهاء[16]الى أن الأمر هنا تعلق بالغرض, وهو حصول التطهر(فَاطَّهَّرُوا). أما الأجزاء التي تغسل, كالرأس والرقبة والجانب الأيمن والجانب الأيسر, فهي محققات للغرض, وليس الغرض متعلقا مباشرة بغسلها, بل الغرض تعلق بحصول الطهارة[17]. ولذا قالت الآية (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[18], ولم تقل مثلا (اغسلوا الرأس والرقبة والجانب الأيمن..).
وتظهر الثمرة بين الحالتين فيما إذا شك في شيء أنه محقق لهذا الغرض أو لا- كما لو شك في منطقة, كالتي بين الظفر ولحم اليد, كونها من الباطن فلا يجب غسلها, أو من الظاهر فيجب غسلها[19]
- فالواجب – إذن - غسله. فبدون غسله لا يعلم أنه قد تحقق الغرض وهو (التطهّر).

الاحتياط في أداء الأمانة:
ومما تقدم, قد يستظهر أن الأمر بأداء الأمانة الوارد في الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) قد تعلق بعنوان (أداء الأمانة), وهو الغرض من الأمر. فلو شك في مدخلية شيء لتحقق عنوان (أداء الأمانة), فالمجرى هو الاحتياط, حيث لا يعلم بتحقق الأداء فيما إذا لم يؤت بالجزء المشكوك, فيلزم الإتيان به.
فإذا شك الحاكم في وجوب التواجد بين أوساط الناس لتحقيق أداء أمانة الحكم, فإن المجرى هو الاحتياط, وعدم الاكتفاء بإرسال الرسل أو المندوبين والمتحسسين, بل يحتاط بالذهاب بنفسه, كما كان يفعل أمير المؤمنين(عليه السلام), حيث كان يتجول في الأسواق والأزقة, ويرى وضع الناس دون وسائط[20]
ان الحكام, حتى لو كانوا عدولا, لو التفتوا الى هذه النقطة الجوهرية (معادلة العنوان والمحصّل), فسيسلكون أشد سبل الاحتياط كي يتيقنوا ببراءة ذمتهم.

الإنارة الخامسة: المسميات الثبوتية للـ(الحكم بالعدل)
من المبادئ اللغوية المعروفة في علم الأصول هو (ان الأسماء موضوعة لمسمّياتها الثبوتية[21], وليست مجعولة للمسميات المتوهمة أو المتخيلة), وليست الألفاظ مجعولة للمسميات الإثباتية[22].
واستنادا الى هذه القاعدة, يتضح لنا موقع كلمة (العدل), وأن هذه الكلمة سواء كانت ملفوظة أو مكتوبة أو مفهومة[23], موضوعة للمسمى الثبوتي العيني(النفس أمري).
فلفظ (العدل) كأنها مرآة تكشف عن المصاديق الحقيقية التي هي مجعولة بهذا اللفظ, ويعني ذلك أن العدل المتوهم ليس عدلا أبدا, في متن الواقع ونفس الأمر.
توضيح بمثال:
لو قال الطبيب: ان الدواء الفلاني هو علاج المرض الكذائي.
فإن اسم هذا الدواء هو للمسمى الثبوتي للدواء, والذي فيه الشفاء. أما الدواء المتوهم فإنه ليس حاملا لخصوصية المعالجة والشفاء, لأن المسميات الثبوتية هي الحاملة للغرض, والمنتجة للمصلحة, والمحققة للغاية.
ومن هنا, فإن (العدل) الحقيقي, هو الذي يولد السعادة في المجتمع, ويستتبع رضا الله سبحانه وتعالى, أما إذا لم يكن عدلا واقعا, بل توهم أنه عدل, فهو في الواقع ظلم, ولا يحقق السعادة في المجتمع.

من ثمرات هذه القاعدة
1- وجوب بحث الإنسان المتدين[24]عن المسميات الثبوتية والواقعية. ولا يكتفي بمجرد خطور معنى بباله عن كلمة هي موضوع لتكليف من التكاليف العقلية أو الشرعية. فلو رتب الأثر على معنى متوهم في باله, وقع موضوعا لحكم شرعي, ولم يكن لها نصيب من الواقع, فإن الأصل هو عدم سقوط التكليف من ذمته, وعدم إجزاء المأتي به, واستحقاق العقاب مع التقصير في المقدمات. وذلك لعدم ترتب الأثر الشرعي من الموضوع المتوهم[25]. وهذا الكلام يجري حتى على فرض عدم ثبوت الحقيقة الشرعية لمفهوم (العدل), فإن الرجوع للشارع إنما هو للكشف, لا للقول بالوضع.
2- وجوب بحث العلماني المنكر للأديان[26]عن حقائق الأشياء والمسميات الثبوتية, عند المتدينين, والتعرف على ما تقوله الأديان – بما هي حاوية لأولي العلم والحكمة والعقل -  حتى لو لم يقبل دينا من الأديان, فإن العقل البشري يحكم بوجوب الاستماع الى قول العالم أو الحكيم, وان كان هناك اختلاف معه في المبدأ أو المعتقد.
وعلى ما تقدم, فإن الإنسان - سواء كان متدينا أو علمانيا- عليه أن يعرض منظومته المعرفية على الدين, ويعرض الأسماء والموضوعات التي تخطر بباله, على كلام الله تعالى, وكلام المعصومين(عليهم السلام), لتصحيحها وفق العقل والشرع.
ومن هنا نستنتج أن رئيس الجمهورية والوزراء والبرلمانيين وقادة الجيش, والقضاة وسائر موظفي الدولة, عليهم أن يسعوا ليطلعوا على آيات القرآن الكريم, وكلمات الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله), وعهد أمير المؤمنين(عليه السلام) لمالك الأشتر, ورسالة الحقوق للإمام زين العابدين(عليه السلام), وما تضمنته عن العدل, وما تقوله عن الحق, وتشخيص وتحديد مصاديق العدل ومفرداته, وإلا كان عدلا متوهما, وقد يكون ما يقوم به هو الظلم بعينه.

العدل لا المساواة
فإن المأمور به في قوله تعالى(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) هو الحكم بالعدل, وليس بالمساواة, فليس للمساواة قيمة ذاتية, كما قد يتوهمه الكثيرون, بل الصحيح أن العدل له قيمة ذاتية, وهو أن تضع الأشياء في مواضعها.
وأما المساواة, فإن كانت عدلا فهي مطلوبة, وإذا كانت ظلما فهي مرفوضة, وهذا أمر واضح ووجداني لا يحتاج الى دليل[27].وهذا الأمر سيال في عامة القضايا الاجتماعية.
فعلى الرئيس وقائد الجيش أن لا يمالي أحدهما الآخر, ولا يحابي, في حال حصول مشكلة أو نزاع, بين الشعب والحكومة, بل يحكّمان أسس العدل المستندة الى القواعد العقلية والشرعية.

الإنارة السادسة: ارتباطية الأمانة في عالمي التكوين والتشريع.
استظهرنا من المبحث السابق أن (الأمانة) بالقياس إلى (الحكومة) أو (أمانة الحكم) هي امانة ارتباطية, ولزيادة الإيضاح نقول:
ان (الحقائق) في عالم التكوين, و في عالم التشريع, هي على نحوين:
النحو الأول: حقائق استقلالية. وهي الحقائق التي لا يتوقف أحدها على الحقيقة الأخرى.
ومثال الاستقلالي في التكوينيات, البيت مع بيت آخر غير مرتبط به, فإنهما حقيقتان استقلاليتان, وكذا (زيد) و(عمرو) هما حقيقتان استقلاليتان بما هما هما.
ومثال الاستقلالي في عالم التشريعيات (الدَّين), فلو أن أحدا كان مديونا لشخص بمقدار عشرة دراهم, فدفع له درهما, فإن ذمته سوف تبرأ بمقدار الدرهم, وتبقى ذمته مشغولة بالدراهم التسعة الأخرى. فهذه حقيقة استقلالية, بمعنى أن كل درهم له سهم من البراءة أو اشتغال الذمة.
النحو الثاني: الحقائق الارتباطية. وهي الحقائق التي يتوقف[28]أحدها على الآخر.
مثال الارتباطي في عالم التكوينيات: أجزاء البيت بعضها بالبعض الآخر المرتبط به, كالسقف بالنسبة الى الجدران المرتبطة بها والمتوقف عليها, فإذا أزيلت الجدران لا يبقى السقف قائما.
ومثال الارتباطي في التشريعيات(الصلاة), فإن الإنسان لو صلى الصلاة بكافة أجزائها, إلا الركوع, فإنها ستكون باطلة, أي يسري البطلان الى الأجزاء الأخرى من الصلاة.

أمانة الحكم
يمكن تصور ارتباطية أمانة الحكم على مستويين:
الأول: أخلاقي.
فإن الحاكم لو أعطى حقوق الكل, لكنه ظلم واحدا منهم فقط, فإن عمله الأخلاقي ينزّل منزلة العدم. ومثل ذلك الولد يبرّ والده طوال اليوم والليلة, ولكنه في لحظة طغى وشط, فكأنه لم يفعل شيئا, ولم يبرّ بوالده.
والأمر كذلك في (الحاكم), فإنه لو أدى حقوق الناس كافة, وجدّ واجتهد ليلا ونهارا في نشر العدل, ثم ظلم في قضية واحدة, فكأنه لم يفعل شيئا.
الثاني: شرعي وفقهي.
فإن الإنسان لو برّ أمه وخدمها اليوم كله, وفي آخر الوقت قال لها(أف), فإن إساءته تهدم ما عمله طوال اليوم. وهذا ما يسمى بالبحبط[29].

الارتباطية بلحاظ عنوان(الأمين)
ان أمانة الحكم هي واجب ارتباطي, بمعنى أن عنوان (الأمين) لا يصدق – عرفا -على الحاكم إلا بأداء جميع الأمانات التي سلمت بيده, وإغلاق جميع أبواب الخيانة(عدم صدق الأمانة) من جميع الجهات[30].
والأمر كذلك في مطلق الأمانة وليس خاصا بأمانة الحكم , فلو أن شخصا كان بيده مائة أمانة, وأدى منها الى أصحابها تسعا وتسعين, وخان أمانة واحدة, إنه لا يطلق عليه عنوان(الأمين)
والحاصل: ان (أمانة الحكم), بل مطلق الأمانات, هي استقلالية من جهة, وارتباطية من جهة أخرى, فإن (الأمانات) عنوان استقلالي بلحاظ أن كل أمانة بالقياس الى أمانة أخرى هي وحدة مستقلة, لها امتثال مستقل وعقاب مستقل وثواب مستقل, ولكنها بالقياس إلى عنوان (الأمين) هي حقيقة ارتباطية, أي يتوقف تحقق عنوان (الأمين) بقول مطلق, على أداء الأمانات كلها بقول مطلق.

للإطلاع على الجزء الأول:

ملامح العلاقة بين الدولة والشعب في ضوء بصائر قرآنية (1)

-------------
[1] وهو هنا الوصف.
[2] فأشعر تعليق (وجوب الأداء) على وصف(الأمانات) بكون هذا الوصف علة للحكم.
[3] أي ان اجتماع العلتين (الأمانات) و(إلى أهلها) أنتجا (وجوب الأداء), بناء على عدم استحالة اجتماع علتين على معلول واحد في الأمور الاعتبارية, أما إذا قلنا بالاستحالة فسوف يكون كل من (الأمانات) و(إلى أهلها)جزء علة لثبوت الوجوب.
[4] أي ما يحكم به العقل بالبداهة. وليس المقصود من المستقلات العقلية معناها الآخر, وهو الدليل الذي يتألف من مقدمتين عقليتين, كحكم العقل بحسن شيء أو قبحه, ثم حكمه بأنه كل ما حكم به العقل حكم به الشرع على طبقه. ينظر: الشيخ المظفر, أصول الفقه: 2/264.
[5] وكان السيد الوالد(رحمة الله تعالى عليه) يشير إلى حقيقة هامة جدا, وهي أن الآيات القرآنية الكريمة الآمرة بشيء, أو الناهية عن شيء, أو المرشدة الى أمر ما, تكون عادة مذيلة أو مصدرة بما هو علة, أو بما هو كالعلة للحكم. وهذه الآية من مصاديق ذلك. (منه  دام ظله).
[6] على ما ارتضيناه من التعريف للأمر المولوي في كتاب(الأوامر المولوية والإرشادية) منه دام ظله.
[7] النحل/90.
[8] كأوامر الطبيب بقوله" اشرب الدواء الفلاني" أو "كل المادة الفلانية", فهذا الأمر ليس مولويا, وإنما هو أمر ناصح وإرشاد. (منه دام ظله).
[9] أي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ).
[10] وعلى هذا فإن (الصلاة) فيها فائدة دنيوية وأخروية, وكذا بقية الفرائض من الصوم والعدل والإحسان وغيرها. (منه دام ظله).
[11] فان الطبيب لا يقول للمريض "أعظك بأن تشرب الدواء" بل يقول "أنصحك بأن تشرب الدواء". (منه دام ظله).
[12] الشيخ الكليني, الكافي: 1/16.
[13] الإسراء/23.
[14] لأن الشك في الأقل والأكثر في نفس موضوع التكليف أو متعلقه تجري فيه البراءة عند الشك في فردية فرد لما هو موضوع التكليف. حسن بن علي أصغر الموسوي البجنوردي , منتهى الأصول: 2/227.
[15] المائدة/6.
[16] أمثال الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني, في بحث مفصل أشرت الى جانب منه في كتاب "فقه التعاون على البر والتقوى" (منه دام ظله).
[17] وهكذا الحال في الأمر بالوضوء والتيمم, وكون الأجزاء المغسولة والممسوحة قد تعلق بها الأمر مباشرة, أو أن الغرض هو حصول التطهر, وتلك الغسلات والمسحات محققات للغرض.
[18] المائدة/6.
[19] قد يشكل على هذا المثال بأنه ينطبق كذلك حتى على حالة تعلق الغرض بنفس الغسلات, إذ يرد الشك كذلك في وجوب غسل المنطقة بين الظفر واللحم كونها من الظاهر, أو لا يجب لأنها من الباطن. فإن مسألة (ظاهر البشرة الواجب غسلها, وباطنها غير الواجب غسلها) تأتي على كلا الاحتمالين والحالتين, وعلى كلا الحالتين يجب غسلها, سواء لتحقيق الطهارة (على القول بكون الغرض هو تحقق الطهارة), أو لتحقيق غسل الجزء المأمور بغسله(على القول بكون الغرض قد تعلق بالغسلات نفسها لا بالطهارة.
والأجدر أن يقال في التمثيل: ان الآية التي تعلق الأمر فيها بالتطهر(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) لو فرض أن الأمر قد تعلق بغسل الأعضاء, وعُدّدت الأعضاء الواجب غسلها. فهنا, عند الشك في وجوب غسل عضو لم تذكره الآية:
(أ) يجب غسله على القول بتعلق الغرض بحصول (التطهر), لأنه مجرى الاحتياط والاشتغال.
(ب) وعلى القول بعدم تعلق الغرض مباشرة بـ(التطهر), وتعلق بغسل الأعضاء تحقيقا للطهارة, لا يجب غسله, لأنه شك في الأقل والأكثر في نفس موضوع التكليف أو متعلقه, فتجري فيه البراءة.

[20] عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك, فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت من خلفه وهو مؤتزر بإزار ومرتد برداء, ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا ؟ فقال لي رجل: أراك غريبا بهذا البلد، قلت: أجل, رجل من أهل البصرة، قال : هذا علي أمير المؤمنين ، حتى انتهى إلى دار بني معيط ,وهو سوق الإبل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين ينفق السلعة ويمحق البركة، ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ قالت: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم, فرده مواليّ وأبى أن يقبله، فقال: خذ تمرك وأعطها درهما، فإنها خادم ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ قال : لا ، قلت: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فصب تمره وأعطاها درهمها وقال: أحب أن ترضى عني، فقال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم، ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: يا أصحاب التمر, أطعموا المساكين يربو كسبكم، ثم مر مجتازا، ومعه المسلمون, حتى أتى أصحاب السمك, فقال: لا يباع في سوقنا طاف...محمد بن سليمان الكوفي, مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع): 2/603.
[21] أي الواقعية.
[22] يقول الآخوند الخراساني: الأسماء تدور مدار موضوعاتها الواقعيّة ثبوتا. وأمّا إثباتا فلا تدور إلَّا مدار المحكيّ منها بأسمائها .الآخوند الخراساني, درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 1/387.
[23] أي في وجودها الذهني والكتبي واللفظي. (منه دام ظله).
[24] بما هو متدين.
[25] ومثاله في العرفيات: أن المولى لو أمر عبده بشراء(دواء معين), فجال بباله معنى غير المعنى المقصود للمولى, واشترى له دواء آخر, فإن الأثر (وهو حصول الشفاء من المرض) لا يتحقق, وتكليف العبد بشراء الدواء المقصود للمولى سوف لا يسقط, ويستحق العقوبة على مخالفة الأمر, لو كان مقصرا في تحصيل المقدمات. (منه دام ظله).
[26] بما هو عاقل.
[27] ومثال على ذلك, ما لو كان لشخص ولدان: أحدهما طويل, والآخر قصير, فإن العدل هو أن يعطى للولد الطويل قماش أكثر مما يعطى للقصير, بحيث يتناسب مقدار القماش مع طول كل منهما. أما لو أعطي كل منهما مقدار متساو من القماش, فإن هذا أمر يرفضه العقلاء. (منه دام ظله).
[28] سواء كان هذا التوقف توقفا وجوديا, أو توقفا وصفيا. (منه دام ظله).
[29] يمكن التفصيل في مسألة حبط الأعمال, على نحوين:
الأول: ذهاب وبطلان ثواب العمل مع بقاء أصله. ويجري هذا النحو من إحباط الأعمال في الذنوب المحبطة, غير الشرك. كالحسد والغيبة والرياء والعجب والظلم , كما ورد في الحديث الشريف: (ان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)[الشيخ الكليني, الكافي: 8/45].
الثاني: ذهاب وبطلان أصل العمل مع ذهاب ثوابه. ويجري هذا في خصوص الشرك بالله تعالى والكفر به.
ويدل على هذا التفصيل الجمع بين النصوص القرآنية والثوابت العقائدية.
فقد جاء في آيات الكتاب العزيز حبط الأعمال لمن كفر أو أشرك بعد إيمانه, كما في قوله تعالى(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة/217]. وقوله تعالى(ِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ.. أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آل عمران/21-22], وقوله تعالى(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف/147], وقوله تعالى(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[التوبة/17].
وجاء في الكتاب العزيز بمعنى ذهاب ثواب الحسنات مع بقاء أصل العمل في قوله تعالى(َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات/3]. والحديث الشريف(ان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). وهذا التفصيل مطابق تماما لمقتضى العدل الإلهي في عدم ذهاب العمل الصالح للمؤمن, وقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة/7-8].

[30] وهذه قاعدة واضحة وبدهية سواء في عالم التكوين أم في عالم التشريع, فإن الإنسان حتى يوجد شيئا لا بد أن يغلق جميع أبواب عدم الشيء بأجمعها, وإلا إذا بقي بابا واحدا للعدم مشرعا فالشيء يبقى معدوما (منه دام ظله).

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 3 ذو القعدة 1439هـ  ||  القرّاء : 8659



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net