||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 186- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (4)

 359- (هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (8) الضوابط الخمسة لتأويل الآيات القرآنية

 مناشئ الحقوق في شرعية الحاكم والدولة (5)

 175- ( المرابطة ) في سبيل الله في زمن الغيبة

 214- عوامل بروز داعش والمنظمات الارهابية ومعادلة الرحمة النبوية في اطار المقاصد القرانية

 194- مباحث الاصول - (الوضع) (1)

 473-فائدة تفسيرية: من معاني كلمات الله

 162- صيانة القران الكريم عن التحريف

 399- فائدة عقَدية : كيف يفدي المعصوم نفسه لمن هو أدنى في الفضل منه؟

 293- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (9) سرّ التخلف في بلادنا والعلاج



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23700124

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:05

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 251- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (9) .

251- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (9)
1 جمادى الآخرة 1439هـ

مباحث الاصول: (الحجج والأمارات)

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين*

الفائدة السابعة والعشرون: لا بد للشارع أن يبين الحجج والطرق للمكلف وإلا كان مخلاً بغرضه من التشريع.
إن العلة الغائية من التشريع تتنافى مع الإهمال؛ لذا فإن الغاية لا تتحقق إلا بأمور:
الأمر الأول:  بيان أحكام الشرع.
الأمر الثاني: بيان الطرق إليه والحجج عليه ـ لو كانت مخترعة ـ أو بيان حدودها لو تصرف فيها الشارع، وإلا فالإرشاد إلى نفس الطريق العقلائي الذي يكفي فيه {بلسان قومه}، وسيرة المتشرعة وشبههما.
الأمر الثالث: بيان موضوعاته المخترعة ـ كالصلاة والحج ـ وإلا[1] فإحالة المكلف إلى العرف في إحرازها.
وعليه فلو أهمل الشارع أي واحد من هذه الأمور الثلاثة لكان مخلاً بغرضه وبالعلة الغائية من التشريع[2].

بحث تطبيقي:
بما أن الشارع لم يذكر (الأعلم) كقيد في المقلَّد - وقول المقلَّد طريق وحجة شرعية أو عقلائية-  دل على عدم اشتراطه للأعلمية، وإلا لكان مغرياً بالجهل ومفوتاً لأغراضه.
لا يقال: إنما لم يذكر الشارع الأعلم ولم يشترطه لإحالته المكلف على بناء العقلاء، فلا يكون عدم ذكره دليلاً على عدم اشتراطه بدعوى أنه لو كان اشترطه ولم يذكره لكان مفوتاً للغرض؛ إذ الغرض لا يفوت مادام أحال على بناء العقلاء،  وهم يرون تعين الأعلم.
إذ يجاب: أولاً: لو صح ذلك لكان من الأولى قطعاً أن لا يذكر (الفقيه) و(أهل الذكر) كمرجع؛ وذلك لبداهة أن المرجع في كل فن هو أهل الخبرة فيه،  فكيف رأى الشارع الحاجة إلى قوله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر﴾ ومثل (اتبع الفقيه) و(رواة حديثنا) مع بداهة أن السؤال يجب أن يكون من أهل الذكر لا من أهل الجهل والنسيان، وإن الاتباع يكون للفقيه لا للجاهل، رغم كون ذلك متفقاً عليه، أقول: كيف رأى الشارع الحاجة لذكر ذلك ولم يرَ الحاجة إلى ذكر (الأعلم) ـ لو كان بناؤه على اشتراطه ـ مع كونه مختلفاً فيه، بل مغفولاً عنه عادة، بل ومع كون السيرة على خلافه؟
ثانياً: إنه حيث احتمل اشتراط الشارع في الحجج العقلائية قيداً [3] أو تخفيفه أمراً أو رفضه أصل الحجية[4] أو إقراره لها [5] كان لا بد من الرجوع للشارع، فإن لم يذكر قيداً دلّ على عدم اعتباره، اللهم إلا أن يكون هناك بناء مسلّم محرَز للعقلاء بحيث يصلح أن يتّكِل عليه الشارع ولا يكون به مغرياً بالجهل لمن  يرون[6] كفاية تقليد غير الأعلم، وليس الأمر كذلك[7]، فتأمل جيداً[8]

بحث تطبيقي آخر:
عندما نشك في جزئية أو شرطية قصد الأمر) أو  قصد الوجه والتمييز فهل نستطيع أن نتمسك بالإطلاق اللفظي لأدلة الأجزاء والشرائط؟
فنقول: بما أن الصلاة ماهية مخترعة للشارع فلا بد من أخذ ما له دخل - جزءً  أو شرطاً – في هذا المركب إلا منه ؛ إذن على الشارع أن يبينها ؛ وحيث إن الشارع لم يبين إلا عشرة أجزاء فدل ذلك على نفي ما عداها.
وبعبارة أخرى : لنفي جزئية أو شرطية قصد الوجه والتمييز  لابد  من تمهيد  المقدمات التالية:

المقدمة الأولى: أن قصد الأمر والوجه مما يكثر الابتلاء به ، بل أنه دائماً  مورد ابتلاء ؛ إذ في كل صلاة إما أن يقصد الوجه لوجوبه أو لاستحبابه ، وإما أن لا يقصد ، وإما أن يميز هذه الصلاة وكونها مأموراً بها  أم لا ، أو كونها ظهراً أو عصراً أو لا يميز  ؟ وهكذا .
المقدمة الثانية: أن قصد الأمر وقصد الوجه مما يغفل عنه عامة الناس عادة ، لغفلتهم عن احتمال أنه قد يشترط في عبادية العبادة أن تقول أصلي صلاة الصبح لوجوبها،  أو أصلي نافلة الصبح لاستحبابها أو لا يشترط ذلك ؟ وما شابه ذلك.
المقدمة الثالثة: أن قصد الأمر وقصد الوجه ونظائرهما في المركبات الاعتبارية مما لا يمكن أخذها إلا من الشارع، ولا يمكن أن يحال إلى العرف أو إلى أي مصدر آخر.
المقدمة الرابعة: بما أن الشارع يريد التحفظ على أغراضه الملزمة ، وبما أن هذا المركب الاعتباري هو المحقق لتلك الأغراض الملزمة ؛  كان  لزاماً على الشارع  بالنظر لحكمته أن يذكر أي شيء يراه جزءً  في هذا المركب أو شرطاً وإلا لكان مخلاً بغرضه ؛ وذلك يعني أنه انسداد  باب  المعرفة إلا من الشارع[9].
وبعبارة أخرى : أن الشارع إذا  لم يذكر الأجزاء الأخرى  لكان مخلاً بغرضه، وحيث إنه حكيم فلا يعقل أن يصدر منه هذا  الإهمال أو الأغفال[10].
 
بحث تطبيقي ثالث:

مما  لا ريب فيه  أن غرض المولى هو عدم  وقوع العباد في المفاسد العظمى بارتكاب المحرمات الواقعية، وترك الواجبات الثبوتية[11]، وأن لا يبتلوا بعدها بعذاب النار؛ وحيث إن قول الأعلم أكثر إحرازاً لهذا الغرض فيتعين لخطورة شأنه.
والجواب[12]: إن ذلك تام فيما لو لم يتصدّ المولى لتحديد مواطن رضاه بإنشاء الأوامر، وتحديد مواطن سخطه بإنشاء النواهي، و لكنه ليس كذلك في مولى الموالي؛ لأن الشارع قد تصدى لذكر كافة محققات غرضه وأمر بها، كما أنه تصدى لذكر كافة الموانع دون أغراضه الملزمة، ونهى عنها إذ قال النبي صلى الله عليه وآله : أيها الناس، إني لم أدع شيئاً يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد نبأتكم به، ألا وإن روح القدس قد نفث في روعي وأخبرني أن لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله عز وجل وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله عز وجل، فإنه لا ينال ما عند الله جل اسمه إلا بطاعته[13].
وقال الإمام  الصادق عليه السلام : حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة[14] .
وليس الاستدلال بخصوص هاتين الروايتين ليبحث عن السند[15]، بل لمسلمية ذلك وقطعيته بما فُصّل في محله من علم الكلام، وهو الذي دلت عليه الآيات[16] والروايات الكثيرة، هذا مضافاً إلى الإطلاق المقامي المسلّم واقتضاء الحكمة ذلك.
والحاصل: إنه مادام قد تصدى الشارع لتحديد كافة واجباته ومحرماته-  التي بها إحراز أغراضه الملزمة-  فلا يبقى مجال لتوهم وجوب عمل لم يَرِد به أمرٌ لمجرد احتمال كونه محققاً لأحد أغراض المولى الملزمة.

الإشكال بضياع كثير من الأحكام:
لا يقال: لعله لم تصلنا مجموعة من أوامره تعالى نتيجة إحراق الكتب أو رميها في الأنهار أو شبه ذلك، فلا يمكن التمسك بالإطلاق المقامي كما يبقى برهان الغرض قائماً على قوته.
والجواب: ويمكن دفع هذا الإشكال بأمور:
الأمر الأول: المناقشة صغرى: بأنه لا يعلم وجود أحكام إلزامية في الكتب الضائعة؛ إذ لعلها كانت في السيرة والتاريخ، أو التفسير أو كانت في الآداب والسنن، ولعلها كانت أحكاماً إلزامية مكررة، أي: مكررة لما هو موجود في الكتب الباقية، والأصول الأربعمائة وإن فقد أكثرها إلا أنه لا يعلم أن ما فيها من الأحكام الإلزامية ـ إن كان فيها ـ هو غير الأحكام الإلزامية الباقية لدينا، ويؤكده أن مثل الكليني المتوفى (329) والذي تصدى لجمع الأحكام كلها لا يعقل أن يكون قد أغفلها، إلا لو وجدها مكررة، أو متضمنة آداباً وسنناً وشبه ذلك[17].
الأمر الثاني: سلمنا احتمال أو قوة احتمال وجود أحكام إلزامية فيها ، بل سلمنا وجود أحكام إلزامية فيها - ليكون احتمال الغرض منجزاً - لكن نقول: إن الشارع رفع يده عنها وأطلقها بالنسبة إلينا في مرحلة التنجز؛ لمسلّمية أحاديث الرفع[18] كـ : رفع عن أمتي تسع: الخطأ والنسيان وما لا يعلمون... )[19]، و ( ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم) [20]، و(كل شي مطلق حتى يرد فيه نهي)[21]، و(كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب... والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة )[22]، وغيرها على مناقشات في بعضها.
لوضوح أن الأحكام المفقودة  ـ على فرضها  ـ لا نعلم بها، ولا طريق لنا إلى العلم بها، وقد حجب الله علمها عنا، ولم يرد إلينا فيها أمر أو نهي ـ أي لم يصل إلينا ـ فهي مرفوعة، إضافة إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾[23] إذ سبق أن الرسول كناية عن الحجة الواصلة.
الأمر الثالث: الحجج على الحجج لا يعقل ضياعها ؛ وذلك أن الأحكام وإن فرض عدم وصول بعضها، إلا أن الكلام في الطرق والحجج، وهي معدودة على الأصابع[24]، ولا شك في أنه لو كانت للشارع حجة جديدة-  أو لو كان نفى حجة عقلائية-  لوصل ذلك إلينا رغم ضياع ما ضاع من الأحكام ـ على فرضه ـ وشبهها؛ وذلك لشدة توفر الدواعي على إيصال الحجج على الأحكام ومفاتيحها، بل ولكون خلاف ذلك [25] مخالفاً للحكمة، ونقضاً للغرض، مع وضوح سهولة إيصال حجية طريق من الطرق أو عدمه بأنحاء متعددة جداً، بحيث تصل إلينا حتى مع إتلاف أضعاف ما قد أُتلف.
وحيث نجد أنه لم يصلنا من الشارع حجة وبيان على تعين تقليد الأعلم، مع أنه لو كان قد حكم بتعيّنه لوجب إيصاله إلينا بما يقطع العذر ويكون واضحاً للعالم والجاهل[26][27].

الفائدة الثامنة والعشرون: أن الحجج حقائق توكيدية في أصلها  وتأسيسية في حدودها، لذا لا توجد حقيقة شرعية في  أصلها ، وإنما هي مشيرات إلى الحجج العقلائية العرفية كما تفيده أدلتها بنفسها؛ ولو كان لها حقيقة شرعية  لتصدى  الشارع لبيان أجزائها وشرائطها كما فعل في غيرها.
المنصور أن الحجج حقائق عرفية في أصولها، شرعية في حدودها في كل ما حدَّه الشارع لها، وإن شئت فقل: هي حجج توكيدية تأسيسية؛ توكيدية في الأصل تأسيسية في الحدود ،
وصفوة القول: إن المحتملات في وجه حجية الحجج ثلاثة:
الأول :كونها حججاً إرشادية، من باب الطريقية المحضة للواقع، أو لإيراثها الظن النوعي فلا تعدو كونها تأكيداً، وهذا هو المشهور[28] وعليه: فورودها في كلام الشارع إمضاء لا غير، وعدم ذكرها ولا نفيها عدمُ ردع كاشف عن الإمضاء.
الثاني: كونها حججاً تأسيسية، مولوية، من باب التعبد المحض، وهذا هو ما ذكره البعض.
الثالث: كونها حججاً توكيدية تأسيسية، إرشادية مولوية، طريقية تعبدية، فالأوائل[29] في أصلها والثواني في حدودها، وهو المنصور.
تنبيه: قد يتوهم أن القول الثالث يستلزم القول بالحقيقة الشرعية في الحجج، وأن الشارع وضع البينة وخبر الثقة وقول المفتي ونظائرها بوضع جديد لمعانيها المقيدة بقيودها، بدعوى أن ذلك هو مقتضى القول: إنّ الحجج تعبدية في حدودها، فقد ضيق الشارع وجعل الحجة خصوص ذي القيد والحد الذي قرره.
ولكنه عليل؛ إذ التصرف بالتضييق أو التوسعة أعم من وضع اللفظ لمعنى جديد مخترَع؛ إذ قد تكون التوسعة أو التضييق في مصداق المفهوم بما هو حجة أو ذو أثر من غير تصرف في المفهوم نفسه بجعلٍ جديدٍ تعيُّني أو تعييني له.
توضيحه: إن لفظ (البينة) مثلاً ـ وعليها قس سائر الأمارات والحجج ومنها رأي المجتهد ـ تارة يقال: إنّ الشارع وضعها بوضع جديد ـ تعيّني أو تعييني ـ لما جمع الشرائط ـ ككون الشاهد عادلاً إمامياً... الخ ـ فهذه هي دعوى الحقيقة الشرعية لهذه الحجة العرفية.
وتارة يقال: إنّه لم يتصرف فيها بالمرة، بل استعملها بمعناها العرفي دون زيادة أو نقيصة،  وهذا في خبر الثقة[30] تام دون البينة أو قول المجتهد.
وثالثة يقال: إنّه تصرف في موضوع حكمه بما هو موضوع حكمه، ولم يتصرف فيه بما هو وفي مفهومه، بمعنى أنه لم يضع البينة بوضع جديد لذات القيود المعروفة، بل استعملها في نفس معناها الموضوع له لغة، وهو ما أبان عن حكم أو موضوع ذي حكم أو غيره، كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً﴾ [31]، غاية الأمر أنها حيث كانت لها مصاديق وكان من مصاديقها البينة في باب الشهادات وشبهها فإنه إذ لاحظ ذلك المصداق وضع له قيوداً، فيعود ذلك إلى تقييد حجيتها لديه بهذه القيود، ومن البيِّن أن الإرجاعات في الروايات لـ (الفقيه) و(العالم) من هذا القبيل؛ إذ لم تستعمل إلا في معانيها، وأما التقييد بكونه عادلاً طاهر المولد... الخ، فهو بدليل آخر مصبه حجية قول الفقيه العالم من دون تصرف في مفهومها، وكذلك الحال في الإقرار في مثل: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز[32]، وأما (البينة) فمن غير البعيد أن يقال بوضعها بوضع تعيني للجامع لشرائط الحجية منها، وأن استظهر صاحب الجواهر والسيد الوالد خلاف ذلك وهو الأظهر أيضاً، وإن القيود قيود الحجية لا الصدق[33]، ويتضح ما ذكرناه أكثر بملاحظة جريان المحتملات الثلاثة الآنفة في الأحكام كالصلاة مثلاً[34]، فلاحظ.
ثم إنه على كل التقادير، وسواء أقلنا: إنّ التصرف في المفهوم أم في الموضوع بما له من الحكم، فإن هذه التوسعة والتضييق تعبدية[35]، وهي ما عبرنا عنه بتعبدية الحدود، فتدبر جيداً[36].
 
الفائدة التاسعة والعشرون:
أن الحجج والأمارات كاشفيتها شأنية قبل الوصول ، وأما  بعد الوصول تصبح كاشفيتها فعلية اقتضاءً.
إن الحجج والأمارات لها كاشفية شأنية قبل الوصول وإذا وصلت أصبحت كاشفيتها فعلية، ولكن لا بنحو العلة التامة بل بنحو المقتضي، فإذا جاء إمضاء الشارع تمت كاشفيتها.
ومثاله : أن خبر الواحد له كاشفية شأنية ، وهو بعد الوصول تصبح  كاشفيته فعلية ،  لكن ليس بنحو العلة التامة – كما قلنا -   بل بنحو الاقتضاء ؛  فإذا تممه الشارع بالإمضاء كان حجة وكاشفاً تاماً[37].
 
الفائدة الثلاثون: أن الدليل على الحجية تارة يكون تاماً في مرحلة المقتضي، وأخرى يشك في أصل الاقتضاء؛ فلو شك في الأولى في جعل شرط زائد فإنه يُنفى بالأصل، ولو شك في الثانية  في وجود شرطٍ للحجية فالأصل عدم الحجية.
إن الدليل على الحجية تارة يكون تاماً في مرحلة المقتضي، وأخرى يشك في أصل الاقتضاء.
فالأول: كما لو قام مطلق أو عام على حجية خبر الثقة مثلاً، فلو شك حينئذٍ في اشتراط شرط زائد ـ ككونه عادلاً مثلاً ـ فإنه يُنفى بالأصل، وليس مُثبِتاً؛ إذ لا يراد إثبات حجية خبر الثقة به، بل ثبوت حجيته إنما هو استناداً إلى العام أو المطلق، والأصل ينفي وجود شرط زائد لا أكثر، والعرف يرى الحجية متفرعة على الأول (العام أو المطلق) لا على المجموع (من العام والأصل) ليكون مثبتاً.
والثاني: كما لو كان الدليل لُبّياً لا إطلاق له وشك في وجود شرطٍ للحجية، فإن الأصل عدمها[38]، ولا مرجع من عموم أو إطلاق ليثبت الحجية في هذه الصورة ـ أي: صورة فقد ما شك في كونه شرط الحجية ـ وأصالة عدم اشتراط أمرٍ في الحجية في هذه الصورة[39] مثبتٌ[40].


-----------------

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى
[1] أي: إن لم تكن مخترعة.
[2] تقليد الأعلم: ص 583.
[3] كالعدالة في المجتهد رغم كفاية الوثاقة بنظر العقلاء ، وكذا الذكورة والحرية.. الخ.
[4] كالقياس.
[5]كاليد والسوق على سعتها مما لا يقول بهما بتلك السعة العقلاء.
[6] وهم كثير.
[7] أي لا بناء مسلّم صالحاً للاتكال عليه.
[8] تقليد الأعلم: ص 584.
[9] أي باب معرفة الأجزاء والشرائط منسد في المركبات الاعتبارية إلا من الشارع.
[10] الاجتهاد والتقليد: ص 263.
[11] أي: البالغة ـ ثبوتاً ـ حدّ الإلزام، لكونها ذات مصلحة ملزمة أو مفسدة ملزمة، وإن لم يتعلق بها أمر.
[12] إضافة إلى ما ظهر مما سبق، وإضافة إلى ما سيأتي في ضمن الإجابة عن سائر الوجوه.
[13] الكافي: ج 5 ص 83 .
[14] الكافي 1: 58، ح 19.
[15] وإن كان المبنى حجية مراسيل الثقات المعتمدة كما حققناه في الكتاب.
[16] كقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً...﴾،   و﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، و﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾، بل ومثل: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾، والاستدلال بإطلاق بعضها وبدلالة الاقتضاء أو الإيماء أو الإشارة في بعضها الآخر.
[17] وقد كان كثير من الأصول موجوداً حتى عام (448) فاُحرقت عند ورود طغرل بك إلى بغداد مما كانت في مكتبة سابور بالكرخ، وكان قسم من الأصول موجوداً حتى زمن ابن إدريس الحلي المتوفى (598) والذي استخرج جملة منها وأودعه في مستطرفات السرائر، بل كان جملة منها عند السيد ابن طاووس المتوفى في القرن السابع عام 664هـ، وقد ذكرها في (كشف المحجة).
[18] وقد رواه الصدوق في الخصال بسند صحيح، باب التسعة ج2: 417، ح9: >رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، ومالا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.
[19] تحف العقول: ص 50.
[20] الكافي : ج 1ص 164.
[21] من لا يحضره الفقيه: 317، ح 937.
[22] الكافي:ج 5 ص 313.
[23] سورة الإسراء: 15.
[24] كحجية الظواهر وخبر الثقة والفتوى، وعدم حجية القياس وقول اللغوي والشهرة ـ على فرضها ـ وما أشبه. وواضح أن الحجج على الأحكام ليست إلا معدودة محدودة جداً، وكذا الأمارات والحجج على الموضوعات كاليد والبينة والإقرار.
[25] أي: عدم احتياط الشارع بإيصالها إلينا بمختلف الطرق.
[26] لفرض أن الخطاب هو للجاهل بتعين تقليد الأعلم عليه، فتأمل.
[27] تقليد الأعلم: ص 92.
[28] في جملة منها على الأقل، وقد نقلنا كلام الميرزاالنائيني والسيد العم سابقاً فراجع.
[29] توكيدية، إرشادية، طريقية.
[30] كما في قوله عليه السلام: (العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان). الكافي:ج1 ص330.
[31] سورة البينة: 1 ـ 2.
[32] عوالي اللئالي: ج3 ص442.
[33] أي: ليست قيود صدق عنوان البينة لدى الشارع عليها.
[34] والأقوال فيها أكثر فتدبر.
[35] بمعنى أنها لا تؤخذ إلا من الشارع، من دون نفي أو إثبات كونه قد لاحظ جهة الطريقية فيها، أو لاحظ المزاحمات.
[36] تقليد الأعلم: ص261.
[37] الاجتهاد والتقليد: ص134.
[38] عدم الحجية.
[39] وهي الشك في المقتضي.
[40] تقليد الأعلم: ص 112.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 1 جمادى الآخرة 1439هـ  ||  القرّاء : 11316



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net