• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 77- فرق التزاحم عن التعارض فليس المقام مورد روايات التخيير - مدار الصحة على (الغرض) وسائر التعريفات آلية - المؤثرية مجعولة. .

77- فرق التزاحم عن التعارض فليس المقام مورد روايات التخيير - مدار الصحة على (الغرض) وسائر التعريفات آلية - المؤثرية مجعولة.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(77)


أجنبية روايات التخيير، لتغاير موضوع بابي التزاحم والتعارض
سبق: (ثالثاً: ان محل البحث هو تزاحم الملاكات (بين أمرين أو غرضين أو أمر وغرض) والروايات إنما هي في باب التعارض. فتدبر جيداً وللبحث صلة)([1]).
ولعل ذلك مما لا يحتاج إلى مزيد إيضاح، ومع ذلك نقول: ان باب التزاحم مباين لباب التعارض بالذات، فان باب التعارض موضوعه الحجج المتعارضة أو (الدليلان المتكاذبان من حيث الدلالة أو من حيث المدلول) على الخلاف بين الشيخ والآخوند، والحجج كواشف نوعية عن الواقع فهي طريقية صِرفة([2]) فلو تعارض كاشفان نوعيان عن الواقع قُدِّم الأقوى منهما من حيث الكاشفية وذلك بالمرجحات المنصوصة كقول الأعدل والأورع والأفقه والأصدق في الحديث وشبه ذلك أو بالأعم من المنصوصة وغيرها.
أما باب التزاحم فموضوعه ليس الحجج والكواشف بل المنكشفات بها، بلحاظ تدافعها من حيث عدم القدرة إلا على الإتيان بأحدهما أي موضوعه متعلقا التكليف الواجِدَين للملاك، المأمور بهما لكن مع عجز المكلف عن الجمع بينهما بان لم يكن قادراً إلا على الإتيان بأحدهما فكلاهما تام الملاك في حد ذاته وقد قام عليه الدليل والحجة لكن العبد لا يمكنه إلا امتثال أحدهما فما هو المقدم؟ ولا شك ان المرجحات ههنا لا يعقل ان تكون مرجحات باب التزاحم إذ لا شك في صدورهما بل الشك في الأهم منهما، فالمرجحات تكون حينئذٍ من وادٍ آخر وأهمها الترجيح بالأهمية وقد سبقت الإشارة إلى عدد منها.
وعليه: فروايات التخيير أجنبية عن المقام، نعم لو تساوى الملاكان تخيّر بينهما ولكن لا لتلك الروايات لأنها عن الطريقين المتعارضين، بل لحكم العقل بالتخيير بين الواجبين المتساويين ملاكاً.

فالمدار في الصحة على الغرض، وسائر التعريفات آلية
إذا ثبت ذلك، إتضح ان مدار الصحة وملاكها ليس إلا (الغرض) فانه الذي يدور الحكم مداره كما يدور الامتثال مداره كما سبق فيما نقلناه عن الآخوند قدس سره وبعبارة أخرى: إن سقوط الأمر وحصول الامتثال وعدم وجوب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه كلها دائرة مدار تحقق الغرض الملزم.
وعليه: فمرجع سائر التعريفات للصحة والفساد إليه وليست هي إلا طريقية لا قيمة لها في حد ذاتها، فمثلاً التعريف بـ(مطابقة المأتي به للمأمور به) فانه إن كان به([3]) يتحقق الغرض الملزم فانه صحيح وإلا فانه فاسد وإن طابق المأمور به كما أوضحناه مفصلاً.

وجعل هذا محققاً للغرض، بجعل جاعل
لا يقال: محققية الغرض أيضاً ليس بجعل جاعل، فلم تصنعوا شيئاً بإبطال كون الصحة تعني المطابقة والموافقة وإثبات ان الصحة تعني محققية الغرض وان الصحيح هو محقق الغرض فيثبت كلام الشيخ على كل التقادير؟
إذ يقال: كلا؛ فان كون هذا محققاً للغرض (أو الفائدة أو النتيجة أو المعلول أو الثمرة) إنما هو بجعل جاعل؛ وآية ذلك التكوينيات فان النار عِلّة الإحراق لكن كونها عِلّة للإحراق إنما هي بجعله تعالى ولذا كان له ان يجردها عنه كما صنع في نار إبراهيم عليه السلام فليست عِلّيتها للإحراق ذاتية لها.
وكذلك الاعتباريات فان عِلّية البيع لحصول النقل أو فقل مؤثريته في تحقق هذا الغرض إنما هي بجعل جاعل وهو الشارع أو العرف العام ولذا نجد ان مؤثرية العقود وعدمها تابع لاعتبارهم وعدمه، فما اعتبروه عِلّة، كالبيع الجامع للشرائط بنظرهم، كان ناقلاً مؤثراً، وما لم يعتبروه، كفاقد أي شرط كان اشتراطه بأيديهم أيضاً كالتنجز مثلاً، لم يكن ناقلاً مؤثراً.

ومحققية الغرض اختيارية باختيارية منشأها
فهذا كله عن جعله محققاً للغرض([4]) أي جعل العلية له واما محققية الغرض والمؤثرية فهي اختيارية أيضاً غاية الأمر انها صفة انتزاعية لكن سبق ان اختيارية الانتزاعي باختيارية مبدأ انتزاعه.
والسرّ في ذلك انه لا توجد عِلّة حقيقية في الكون إلا الباري جل اسمه، بل كل ما هو عِلّة فإنما جعل الله له العِلّية فهو لازم لكن لا بنحو ذاتي باب البرهان، بل لأنه جل اسمه بنى على انه كلما حدث كذا ان يحدث من الآثار كذا. فتأمل وتدبر والله العالم.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الصادق عليه السلام: ((الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَمَنْ نَصَرَهُمَا أَعَزَّهُ اللَّهُ وَمَنْ خَذَلَهُمَا خَذَلَهُ اللَّهُ)) الكافي: ج5 ص59.

-------------------------------
([1]) راجع الدرس (76).
([2]) والمصلحة السلوكية خلاف الأصل، على انها نادرة.
([3]) بالمأتي به المطابق للمأمور به.
([4]) أي جعله بكيفية يكون له بها التأثير


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3077
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 25 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28