• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 132- تفصيل رد القول بـ(بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها) .

132- تفصيل رد القول بـ(بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها)


بسم الله الرحمن الرحيم


      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كان الحديث حول ان النظر ليس بذاته مظنة الخطأ والهلاك بل هنالك عوامل اخرى تتدخل في نظر العقل السليم فتنتج الخطأ ومن العوامل:الخطأ في المنهج او في استخدام الكاشف الذي وضع لكشف حقائق معينة باستخدامه في كشف حقائق اخرى وقد ذكرنا امثلة لذلك والحديث حول هذا الموضوع واسع وكل مصداق يحتاج اياما او اكثر من البحث لكن الاشارة فيها غنى وكفاية باذن الله تعالى وسنقتصر الان على الاشارة الى العبارة الواردة في التعليقة على المنظومة للفيلسوف المعاصر الشيخ محمد تقي الآملي في مبحث (غرر في التعريف والتقسيم) في الفريدة السابعة في العلة والمعلول فنقرأ عبارته ثم نشير الى عناوين الردود, يقول: (وانما ينشأ ذلك)اي الفاعل بالتجلى وعلم الله بكل شيء عبر علمه بذاته حيث ذهب الصوفية الى انه فاعل بالتجلي وقال السبزواري انه فاعل بالرضا وهذا التعليل مشترك بينهما مع فارق بسيط لسنا بحاجة الان لبيانه[1](من كون الفاعل بسيط الحقيقة وان بسيط الحقيقة كل الاشياء) وهذه العبارة نص في وحدة الوجود اذ تعني انني وانت والجبال وغيرها اشياء، وبسيط الحقيقة وهو الله (هو كل الاشياء)، والعبارة ليس ظاهرة بل نص ذلك ان الفيلسوف لا يتكلم بكلام ادبي خيالي شعري حتى نقول انه مبالغات شعرية وانه لا يعتقد ما يقول بل هذه مباحث فلسفية وكلمات من فيلسوف فكل كلمة عندهم بميزان فهو يقول (ينشأ ذلك عن كون الفاعل بسيط الحقيقة وان بسيط الحقيقة كل الاشياء) فلا توجد عبارة اصرح من هذه العبارة في وحدة الوجود إذ هذه اشياء موجودة ولسنا سفسطائيين نقول بعدم وجود شيء في الكون بل الاشياء موجودة وهو يقول (بسيط الحقيقة كل الاشياء)

واللطيف ان المحقق الآملي لم يراع التقية المبدئية التي يراعيها الفلاسفة عادة حيث لا يصرحون بما وراء الكلمات، لكن الذكي يفهم ما هو لب كلامهم لان الفيلسوف يجعل لنفسه عادة المخلص والمخرج، وفي هذا المقام نجد مخرجهم و تخلصهم كان باضافة شيء في مقوله (بسيط الحقيقة كل الاشياء) باضافة (وليس بشيء منها) وليست هذه الاضافة الا تمويها، وهي على ظاهرها عين التناقض إذ هي كقولك بسيط الحقيقة موجود وليس بموجود! او بسيط الحقيقة خالق وليس بخالق! وهو فيلسوف دقيق في عبارته ويعرف ان التناقض محال فنقول له اما الشق الاول من كلامك هو الصحيح او الشق الثاني ولا يعقل ان يكون كلاهما صحيحاً لأن التناقض محال وفي الواقع ان الشق الثاني من كلامهم هو تقية وسوف يتضح بعد قليل، لكن الشيخ الآملي طرح التقية جانبا فلم يذكر الشق الثاني! لأن واقع معتقدهم هو الشق الأول فقط اما سائر الفلاسفة والعرفاء فالبعض يصرح لكن البعض الآخر يذكر جوهر كلامه اما النتيجة فلا يذكرها لكن الذي يتدبر في كلامهم يجد أن كل من يقول باصالة الوجود ثم يقول بتشكيكية الوجود فإن نفس هاتين المقدمتين تكفي اذا فهمها الانسان حقا ليعرف انه يقول بوحدة الوجود لأن لازمهما القهري والقطعي هو القول بوحدة الوجود وذلك لأن اصالة الوجود تعني ان الماهيات لا وجود لها حقيقة وتشكيكية الوجود تعني ان الوجود الاقوى مشتمل على الوجود الاضعف[2] والوجود الاضعف منطوي في الوجود الاقوى كما يمثلون بالخط الطويل الممتد المشتمل على الخطوط القصيرة مثل المتر الذي يتضمن سانتمتراً وسانتمتراً آخر وهكذا لكن بلا حد بينها، وهذا مثال ذكره في الاسفار لتقريب الفكرة وأن بسيط الحقيقة هو كل هذه السنتمترات  لكنه ليس بشيء منها لأن الحدود ليست ثابتة له

يقول ولنعد إلى كلامه إذ (فكما ان وجوده تعالى وتقدس مع وحدته كل الوجودات) وهذا تصريح ثاني فانت وجود والجبل وجود لكن يقول ان وجوده تعالى مع وحدته وكونه غير متكثر ولكنه مع ذلك هو كل الوجودات اذن هذه الموجودات هي عين الله فهل يوجد تفسير اخر؟ وهو فيلسوف يفهم ما يقول ولا يتكلم بكلام خطابي وحتى لو قالها في خطابة لورد الإشكال عليه ثم يؤكد كلامه (بحيث لا يشذ عن سعة وجوده وجود) كما سبق من مثال  المتر[3] المركب من سنتمترات فالمتر هو كل السنتمترات ولا يشذ عن المتر سنتمتر فهو عينها بفارق ان هذا السنتمتر جزء المتر لا كلها لذا صارت الوحدة"المتر" في عين الكثرة"مائة سنتمتر" والمحصلة ان هذا السانتمتر عين المتر وغير المتر, فعين المتر بوجوده وغير المتر بحده!!

ثم يحاول حل مشكلة على الله على ضوء ذلك (فكذلك من علمه بذاته الذي يكون عين ذاته لا امرا زائدا على ذاته، يعلم كل الاشياء حيث لا يكون شيء خارجاً عنه)لأن كل الاشياء هي عين ذاته مثل السنتمترات حيث هي غير خارجة عن المتر فاذا علم المتر بنفسه فقد علم بكل السنتمترات التي فيه فكلها منطويه فيه!!, ثم يصرح بعبارة اخرى(وان كان ذاته الذي هو كل الاشياء، حاضرا لدى ذاته ومعلوما لذاته فكل الاشياء معلوم لذاته بنفس علمه بذاته الذي هو عين ذاته لا بعلم اخر...)[4]

ونتوقف عدة توقفات في كلامه:

الاول: قبل النقاش العلمي: من البديهي والوجداني: إنني غير الله فلا الله عيني ولا الله جزء مني لأنني عين الفقر اما الله فعين الغنى، ولا يجد احد من نفسه انه عين الله او جزئه وهل يجد أحدكم من نفسه انه كان ازليا، ولم يولد في يوم من الايام؟ او انه لا يتغير بل الواقع اني في كل يوم بل كل لحظة اتغير لكن الله لا يتغير

الثاني: فهل نترك الوجدان الآن ونجيب بالجواب العلمي بنفس لغتهم ونعيد كلامه (بسيط الحقيقة كل الاشياء ) ونضيف ما لم يذكره (وليس بشيء منها) وقبل ذلك نذكر مثالاً لنوضح كلامه[5]: لو كان عندنا ماء تلون بعضه باللون الاحمر وبعضه باللون الاصفر وبعضه باللون الاخضر وهكذا بقية الالوان فنقول الماء هو عين هذه المياه الملونة وليس بشيء منها اما عينها فلأن الفرض ان هذا الماء الملون هو نفس الماء قبل التلون ولا شيء غيره اما غيرها لأن هذا الماء ملون, اما الماء بما هو فليس بملون، وهذا مثال لبسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها.

نقول: هذا الكلام يستلزم احد امرين على سبيل البدل جدلا والا في الواقع وعلى مبنى أصالة الوجود يستلزم الاول فقط قطعا: اما ان يستلزم ان كل شيء بتمامه هو عين الله تعالى عن ذلك واما ان يكون كي شيء مركباً من شيئين احدهما الله والثاني غير الله.

فنقول للفيلسوف: ماذا تعني ببسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها لأنه بظاهره تناقض!

فيجيب الفيلسوف: بسيط الحقيقة كل الاشياء بلحاظ وجوداتها، وليس بشيء منها بلحاظ ماهياتها!

فنسأله: هل الماهية موجودة او معدومة، وهو القائل باصالة الوجود؟

فيقول: لا شيء وراء الوجود وأما الماهية فهي حد الوجود، فوجودي عندما ينعدم اي لا يمتد أكثر من سعتي الوجودية، أكون عندئذ أنا! لكن الوجود بنفسه مستمر وممتد مثل الماء الاحمر لما ينتهي ينعدم الماء الاحمر لكن الماء الاصلي (أي الماء نفسه) ليس فيه هذا الحد فالماء هو الجوهر واللون صفة عارضة عليه، فاذا قلنا ان هذا الماء الاحمر جزء الماء وعينه فإنه يعني تركبه من شيئين الماء واللون لكن الأمر في الماهية اسوأ فإن اللون له وجود آخر غير وجود الماء فإنه من الأعراض أما الماهية فإنها على أصالة الوجود لا شيء أي أمر اعتباري غير موجود في الخارج، والا لزم أصالة الوجود والماهية معاً وهو مما يرفضه الفلاسفة قطعاً، إذن لا يعقل تركب حقيقي للمخلوقات من الوجود والماهية، بل هو وجودات حقيقية فإذا كان الله (أي بسيط الحقيقة) كل الأشياء فهو كل الوجودات فهي عينه! بعبارة أخرى في الانسان مثلاً نقول الماهية حد الوجود فهل الماهية امرا اخرا حقيقي في الخارج؟ اذن انا مركب من الله وامر اخر لأنه يقول بسيط الحقيقة كل الاشياء من جهة وجودها وليس بشيء منها من جهة ماهيتها وان كنت فقط وجوداً والماهية صرف أمرٍ منتزع ولا شيء في الخارج اسمه الماهية فانا عين الله بكل وجودي!

ونقول اعرف الحق تعرف اهله ولا يمنعني تقديس هذا الفيلسوف أو ذاك من إنكار الشرك بالله فانه يقول (الوحدة في عين الكثرة) فنسأله كيف؟ فيقول: الوحدة بلحاظ الوجود والكثرة بلحاظ الماهية

فنقول : انت تقول باصالة الوجود ولا شيء وراء الوجود اذن الكثرة موهومة، فالوحدة على هذا حقيقة والكثرة موهومة، فجوهر كلامه إذن هو (الوحدة في عين الوحدة) وقوله في عين الكثرة مجرد تمويه لأن الكثرات نابعة من الماهية وهي ليست امرا اصيلا في الخارج باعتقاده بل الفلاسفة يستهزئون بمن يقول بوجود اصلين اصيلين في الخارج

والنتيجة على قولهم: ان وجودي هذا اذا انقطع هنا لكن وجود الله لم ينقطع بل يستمر مع كل شيء فلا يشذ عن سعة وجوده شيء ونص عبارته (وانما ينشأ ذلك من كون الفاعل بسيط الحقيقة وان بسيط الحقيقة كل الاشياء) أي بلحاظ وجوداتها فإن حقيقة الشيء بوجوده (فكما ان وجوده تعالى وتقدس مع وحدته) لأن هذه الكثرات موهومة (كل الوجودات)اي عينها لا خالقها كما هو نص القران ولا داخل في الاشياء كما يقول الامام علي عليه السلام(بحيث لا يشذ عن سعة وجوده وجود) لأن وجوده واسع كما في مثال البحر وموج البحر او مثال الماء الملون والماء

ان قلت : ان الوجود واجب وممكن

قلت:هذا التقسيم خطا على ما التزموه من (بسيط الحقيقة كل الأشياء) لأنه يقول ان الوجود واحد ممتد وهو عين الاشياء وانه عين الوجودات ولكنه ليس بشيء منها بلحاظ الحد وحيث ان الماهية موهومة عندهم اذن لا يوجد ممكن الوجود بل كله واجب الوجود إذ أنهم لا يقولون بأن الوجودات حقائق متباينة بل الوجود حقيقة تشكيكية واحدة، وأما الامكان الفقري فمرادهم به نفس الوجود لكن الوجود الضعيف لكنه على تشكيكية الوجود فإنه متضمن في الوجود القوي مما يعني أنني  مرتبة ضعيفة من مراتب وجود الله وهذا عمق كلامهم فهم يقولون(نحن مراتب وجود الحق ) فالوجود الضعيف "الامكان الفقري"هو عين الله بلحاظ الوجود، وحيث أن حقيقة الشيء بوجوده، وإن مغايرته لله إنما هي بلحاظ الضعف او الماهية، وحيث أن كليهما لا شيء اذن ملاك الغيرية صار اللاشيء!! وللكلام صلة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ...


[1] - هو: العلم السابق على الفعل في الفاعل بالرضا الذي هو عين الفاعل ، اجمالى لا غير، وفي الفاعل بالتجلي يكون تفصيليا اي انه اجمالى في عين الكشف التفصيلي .


[2] فالله تعالى على زعمهم وجود أقوى مشتمل على كل الوجودات الأضعف وهي من مراتبه، فهو كل الأشياء وعينها لأنها مراتب له.


[3] مثل صدر المتألهين لذلك بالمقدار المتصل القار كالخط المستقيم.


[4]  سأل احد الطلبه بعد هذا الكلام ان امير المؤمنين عليه السلام يقول(داخل في الاشياء) فما الفرق ؟واجاب السيد دام ظله: نعم هو داخل في الاشياء والامام عليه السلام لم يقل عين الاشياء، وهنا وجه الخلط وكلام الامام عليه السلام دقيق فانه لا يقول بسيط الحقيقة كل الاشياء بل (داخل في الاشياء) اذن هو غيرها فان الداخل غير المدخول فيه وللتقريب نمثل بالهواء الداخل في بدني فانه غير بدني اذن (داخل في الاشياء لا بالممازجة  وخارج عنها لا بالمزايلة) فكلامه عليه السلام جدا دقيق وهذا الفيلسوف وغيره مطلع على كلامه عليه السلام ومطلع على القران اذ يقول (قل الله خالق كل شيء) ولا يقول (عين كل شيء) فاحرى الوجودات ان يصف نفسه بصفة دقيقة هو الله فلماذا لم يقل (قل الله عين كل شيء) كما قال الفلاسفة بل قال(قل الله خالق كل شيء) و(يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ) ولم يقل (اعبدوا ربكم الذي هو عينكم) وكلام الامام عليه السلام (لا بالممازجة)اذن لا امتزاج فكيف بالعينية، فكلمة داخل تدل على الغيرية، ونحن وإن كنا لا نعرف حقيقة الله لكن نعلم انه ليس عيننا ولا نعرف نحو الدخول لكن نعرف اصل الانية وان هذا ليس عين الله دون شك.


[5]  هم مثلوا بالبحر وموج البحر.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=392
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 23 جمادي الثاني 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18