• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 394- الاحتمالات العشر في قوله تعالى (بالباطل) .

394- الاحتمالات العشر في قوله تعالى (بالباطل)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(394)

 

فقه قوله تعالى (بِالْباطِلِ)

كان الكلام في فقه قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)([1]) وقد مضى شطر منه وبقي شطر ووصلنا إلى قوله سبحانه (بِالْباطِلِ)، والكلام عن (الْباطِلِ) في ضمن مطالب:

 

الباطل الواقعي، الشرعي، واللغوي

الأول: ان المحتملات في المراد بـ(الْباطِلِ) هي اثنى عشر احتمالاً:

1- ان المراد به الباطل الواقعي، استناداً إلى كون الأصل في الأسماء انها موضوعة لمسمّياتها الثبوتية.

2- ان المراد الباطل الشرعي؛ لأنه مما لا يعلم كونه باطلاً من عدمه إلا من قبله.

3- ان المراد الباطل اللغوي؛ لأنهم أهل الخبرة.

 

الباطل العرفي بمحتملاته الست

4-9- المراد الباطل العرفي وفي هذا محتملات ست:

ان المراد العرف العام المطبق أي ما أطبقت عليه كافة الأمم والملل والنحل.

أو العرف الغالب على الأمم والملل والنحل.

أو عرف كل قوم أو بلد، نظير ما قيل في المكيل والموزون أو المعدود، بحسب اختلاف البلاد من حيث جريان الربا وعدمه.

أو العرف العام في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم خاصة.

أو عرف قريش وأهل المدينة أي عرف المخاطَبين المشافَهين.

أو عرف أواسط الناس أو أماثلهم، والمراد بالأول الوسط منهم بين حدي الافراط والتفريط والمراد بالثاني أهل العقل والحجى والحكمة منهم، وقد يفسر الأمثل بالأعدل.

 

الباطل القانوني

10- المراد الباطل القانوني، استناداً إلى ان مخالفة قوانين الدول الوضعية وإن لم تكن شرعية يلزم منه الهرج والمرج واختلال النظام لذا وجب شرعاً الالتزام بها نظراً للعنوان الثانوي، ومع قطع النظر عن ان الدليل أعم من المدعي إذ لا تلزم من كل مخالفة الهرج والمرج لوضوح انه لو منعت الحكومة مثلاً بيع الدور في منطقة ما فباع أحدهم بيته لابن عمه سراً لم يلزم هذا المحذور، فانه لم يعهد في القرآن الكريم والسنة المطهرة استعمال الألفاظ وإرادة القانوني منها، إلا إذا أريد الأعم من القانوني. فتأمل.

والباطل القانوني: كل معاملة منعت منها الحكومة من استيراد أو تصدير أو بيع دار أو بضاعة أو إقراض أو رهن أو غير ذلك.

ويمكن ان نمثل له بما لو منعت الحكومة عمل الأطفال، كاستخدامهم للخياطة أو الزراعة أو غيرها ساعةً أو يوماً أو دائماً؛ فانه بناء على ان المراد (الباطل القانوني) فانه يكون محرماً وباطلاً شرعاً أيضاً استناداً إلى هذه الآية الشريفة.

كما يمكن ان يعدّ هذا المثال (عمل الأطفال) مثالاً للباطل العرفي حسب بعض الأعراف فان الأمر في أعراف الحضارة الغربية وبعض الدول، كذلك، فلو كان المراد بالباطل الباطل حسب عرف كل بلد أو قوم، كان ذلك باطلاً شرعاً إذا كان المكلف في بلادهم.

 

الباطل الشخصي

11- ان المراد الباطل الشخصي وان المراد الباطل في حق كل شخص شخص لا النوع أو غيره، نظير ما قيل ان العسر والحرج شخصيان، وسيأتي ما فيه من الخلط بين المصداق والمفهوم.

 

انه مجمل

12- انه مجمل؛ نظراً لاختلاف اللغويين والاعراف في تحديد المراد منه.

وسيأتي غداً البحث والنقاش في المحتملات السابقة بإذن الله تعالى.

 

المحتملات الاثني عشر سيّالة في الكثير من الموضوعات

تنبيه: هذا البحث بحث سيّال عام الفائدة، فانه يجري في الكثير من الموضوعات والعناوين الواردة في الآيات والروايات:

ومنها: قوله تعالى: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)([2]) فهل المراد بالعدل الواقعي أو الشرعي أو العرفي أو القانوني... الخ؟ وقد فصّلنا الكلام عن ذلك في قاعدة الإلزام فراجع([3]).

ومنها قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)([4]) فما المراد بها: الواقعي أو العرفي أو...؟

فمثلاً: الجراد عند العرب طيب وعند الفرس خبيث ولعله لا يقل خبثاً عندهم عن الخنفساء، وكذلك قوله (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)([5]).

ومنها: عناوين الاضطرار والإكراه ونظائرهما مما ورد في حديث الرفع وغيره، فهل المراد الاضطرار العرفي أو الشرعي أو الشخصي... الخ في مثل قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ في‏ مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ)([6])؟

 

اقتراح ابتداء كتب الفقه بالآيات والروايات وفقهها

إلفات: المقترح إعادة ترتيب كتابة الكتب الفقهية، لتبدأ بالآيات الشريفة مع بحث فقهها ثم الروايات وفقهها ثم ترتيب المسائل على ضوء ذلك، فكما افتتح الشيخُ المكاسبَ برواية تحف العقول، وهو أمر حسن جداً، فان المقترح هو تكميل ذلك بافتتاحه وغيره بكل آية ورواية يستنبط منها الحكم مع بحث فقهها تفصيلاً، وذلك مثل تصدير المكاسب بآية (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وبحث فقهها تفصيلاً، بدل الاستدلال بجانب من فقهها في أثناء بحث المعاطاة وما أشبهه.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْهَدِيَّةُ؟ قَالَ: الضَّيْفُ يَنْزِلُ بِرِزْقِهِ وَيَرْتَحِلُ بِذُنُوبِ أَهْلِ الْبَيْتِ)) (جامع الأخبار: ص136).

 

 

-------------------------------------------

([1]) سورة النساء: آية 29.

([2]) سورة الشورى: آية 15.

([3]) الدروس 13 – 15 من قاعدة الإلزام.

([4]) سورة المائدة: آية 4.

([5]) سورة البقرة: آية 267.

([6]) سورة المائدة: آية 3.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3553
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 6 شوال 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29