• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 369- شمول (تأكلوا) للحرام العرفي - شمول (اموالكم) للخمس والزكاة .

369- شمول (تأكلوا) للحرام العرفي - شمول (اموالكم) للخمس والزكاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(369)

 

مضى (لكن قد يشكل على هذا التقسيم الرباعي بان العرف بعيد عن المرجعية في الحرام والحلال وإنما له المرجعية في الموضوعات فقط فالقول بان الباطل في قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) يراد به الباطل العرفي بمعنى غير الصحيح وغير النافذ وغير المستجمع للأجزاء والشرائط وغير ذي الأثر (وهي تفسيرات أربع للفاسد أو الباطل) له وجه كما سبق، لكن القول بان ما هو حرام لدى العرف فانه منهي عنه في الآية الكريمة لكونه باطلاً عرفاً، محل نظر؛ إذ الأحكام التكليفية تؤخذ من الشارع لا من العرف)([1]).

 

دلالة الباطل العرفي على الحرام الشرعي

وقد أجبنا عنه بما مضى من مرجعية العرف العام وعرف المتشرعة، فراجع، ونضيف: ان الباطل والحرام قد يصلح أحدهما دليلاً على الآخر:

أما دلالة الباطل على الحرام، والمراد هنا بالباطل المعنى العام له وهو ما يقع في مقابل الحق لا الباطل بالمعنى الأخص الذي يقع في مقابل الصحيح، فكما فيما دلت عليه الرواية المعروفة إذ سأل السائل عن حكم الغناء فأجابه الإمام عليه السلام إذا ميّز الله الحق والباطل فأنى يكون الغناء؟ فقال مع الباطل فقال عليه السلام قد حكمت، فان الإمام عليه السلام استدل بحكم ارتكاز المتشرِّع (أو الفطرة أو الوجدان) بكون الغناء باطلاً غير حق، على كونه حراماً، ونص الرواية:

((عَنْ عَلِيِّ بْنِ الرَّيَّانِ عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَأَلْتُ الْخُرَاسَانِيَّ عليه السلام وَقُلْتُ إِنَّ الْعَبَّاسِيَّ ذَكَرَ أَنَّكَ تُرَخِّصُ فِي الْغِنَاءِ فَقَالَ: كَذَبَ الزِّنْدِيقُ مَا هَكَذَا قُلْتُ لَهُ، سَأَلَنِي عَنِ الْغِنَاءِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَسَأَلَهُ عَنِ الْغِنَاءِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ إِذَا مَيَّزَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَأَنَّى يَكُونُ الْغِنَاءُ؟ فَقَالَ مَعَ الْبَاطِلِ، فَقَالَ: قَدْ حَكَمْتَ))([2]).

 

دلالة الحرام العرفي على الحرام الشرعي

وأما دلالة الحرام العرفي على الحرام الشرعي، والأدق: دلالة الحرام العرفي على كونه باطلاً عرفاً فيكون مشمولاً للآية الشريفة (لا تَأْكُلُوا) فيكون حراماً بناء على ما استظهرناه من ظهور النهي حتى المتعلق بالمعاملات، في الحرمة، فكما في المثالين الآتيين:

 

بطلان([3]) المعاملات المخالفة لقوانين الدولة

الأول: ما ذهب إليه بعض الفقهاء من حرمة المعاملات التي منعتها الدولة، وان الدولة الجائرة لو منعت الغش في الامتحانات أو نوعاً معيناً من الاستيراد والتصدير أو منعت إجراء نوع معين من التجارة أو المعاملة كشراء السيارات المستوردة من البلد الكذائي أو بيع البضاعة المعينة في السوق الكذائية، حسبما تراه من اقتضاء نظام الأمر أو مطلقاً وإن كان تشهياً، على الرأيين – فانه لو أجرى المعاملة، بدون إذن خاص من الفقيه، حرمت أو بطلت وإن لم تحرم أو حرمت وبطلت – على المباني –.

ويمكن توجيه أصل الفتوى بان ما منعت عنه الدولة يعدّ عند العرف العام ممنوعاً حراماً؛ فإن الشعوب عادةً، إلا في ظرف الثورة أو وجود قائد ديني يجهر بمخالفة أحكام الدولة، ترى حكم ملكها أو أميرها أو قائدها أو رئيس جمهوريتها (لا فرق إذ الملاك عندهم مَن بيده السلطة والقهر والغلبة) لازم الإطاعة محرم المخالفة، فإذا كانت مخالفة أمر الحاكم محرمة لديهم كانت باطلاً عندهم أي انها تكون من الباطل عرفاً فإذا كانت باطلاً عندهم كانت ممنوعات الحاكم ومحرماته (والمقصود ما حرّمه من اللااقتضائيات دون ما منعه من الاقتضائيات كالصلاة أو الصوم ودون ما حلّله من الاقتضائيات كالربا والرشوة فرضاً) مشمولة للآية الكريمة (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بناء على ان المراد بالباطل الباطل العرفي، أو الواقعي مع عدّ العرف مرآة له، فتكون محرمة بناء على كون (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) مفيداً للحرمة أو باطلاً فقط – شرعاً – بناء على إفادته البطلان فقط.. وفيما ذُكر تأملات فتأمل وتدبر.

 

بطلان العقد المخالف للشرط

الثاني: ان خُلف الوعد لدى العرف خاصة العشائر، حرام مطلقاً أو في الجملة، بل يعد عندهم من أشد المحرمات فإذا وعد التي يريد تزوجها – مثلاً – في ضمن عقد النكاح أو في ضمن عقد ملزم آخر بان لا يتزوج الثانية عليها، فقد يقال بحرمة عقده الثانية وببطلانه جميعاً أو بالاختلاف، استناداً إلى ان خُلف الوعد حرام عرفاً (أو خلف الوعد الذي كان شرطاً في ضمن العقد حرام شرعاً) فيكون باطلاً، فيكون مشمولاً للنهي عن مخالفة الشرط، فلو كان المشتَرط عدم إجراء بيع أو شبهه كان مشمولاً للآية الكريمة (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فتأمل([4]).

 

هل تشمل (لا تَأْكُلُوا) الخمس والزكاة؟ فتكون المعاملة باطلة؟

الرابع: هل تشمل (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) الخمس والزكاة وشبههما من الحقوق الشرعية، حتى انه لو أجرى عقداً على المال الزكوي أو المال المتعلق به الخمس كان باطلاً؟

 

التفصيل في الخمس

الظاهر التفصيل: ففي الخمس: إن قيل بتعلقه بعين المال كان بيعه، أي المال الذي فيه الخمس، باطلاً (بمقدار الخمس مع خيار تبعض الصفقة للمشتري) لأنه مشمول لـ(لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فان الفقراء شركاء للمالك في عين المال حينئذٍ ومن الباطل بيع الشريك كل المال بدون إذن شريكه.

وإن قلنا بتعلقه بالذمة – وذلك قول النادر من الفقهاء، لم يكن بيعه لهذه العين مشمولاً للآية الكريمة.

 

التفصيل في الزكاة حسب الأقوال الكثيرة فيها

واما الزكاة. فالأقوال فيها مختلفة جداً:

فإن قلنا بانها متعلقة بالذمة فالأمر كما سبق في الخمس.

وإن قلنا بانها متعلقة بمالية الشيء الزكوي (الغلات الأربع، والأنعام الثلاث والنقدين، لا بعينها ومشخصاتها الفردية فيكون التصرف فيها ببيعها كلها مشمولاً للآية الشريفة (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) وذلك لأن المالية قائمة بالعين وليست أمراً منفصلاً عنه بل هي كروحه السارية فيه.

وإن قلنا بانها متعلقة بالعين نفسها أي على نحو الشركة، فالأمر كما سبق في الخمس.

وإن قلنا بانها حق متعلق بالعين، فان الأقوال ههنا مختلفة: فهل هي كحق الرهانة؟ (والرهن وثيقة الدين) أو كحق الجناية؟ أو كحق منذور الصدقة؟

وعلى الأقوال فانه قد يقال انه مادام متعلَّقاً لحق الفقراء فان التصرف فيها تصرف بالباطل عرفاً إذ يكون كما لو باع الراهن الرهن الذي هو وثيقة دينه بدون إذن المرتهن فانه يعد باطلاً عرفاً فتشمله الآية، فكذا الزكاة بناء على ان تعلق حق الفقراء فيها كتعلق حق الرهانة أو شبهها.

وهناك قول للنادر من الفقهاء بالتفصيل وان حق الفقراء في الغلات الأربع هو بنحو المشاع وفي الغنم بنحو الكلي في المعين وفي الإبل بنحو الشركة في المالية([5]).

والأمر على هذا يتبع نوع متعلق الزكاة فمثلاً لو كان من قبيل الكلي في  المعين فان لصاحب المال ان يتصرف في ماله جميعاً باستثناء حصة غيره فان هذا شأن الكلي في المعين ولذا لو تلف من ماله شيء كان عليه حتى يبلغ التلف حصة صاحب الكلي في المعين، فإذا بلغه وقع التلف عليه، عكس المشاع الذي يتوزع كل جزء من التلف عليهما.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((بَادِرُوا إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حَلَقُ الذِّكْرِ)) (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص409).

 

 

------------------------------------------------

([1]) الدرس (368).

([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج6 ص435.

([3]) أو حرمة – خاصة.

([4]) لوجوه منها: عدم حرمة خلف الوعد الابتدائي على المشهور، والخلاف في بطلان ما اشترط عدمه في ضمن عقد ملزم.

([5]) راجع (العروة الوثقى والتعليقات عليها) المحشاة بحواشي 41 فقيهاً من الفقهاء ج11 ص166 فصاعداً/ إعداد وتحقيق مؤسسة السبطين العالمية، وراجع موقع مؤسسة التقى الثقافية الدرس (183/ 526) من البيع.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3449
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 19 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16