• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 70- الجواب بتنزيل الشارع ،(المحتاط فاقد قصد الجزم ) منزلة الواجد - الدليل على ذلك و النقاش فيه .

70- الجواب بتنزيل الشارع ،(المحتاط فاقد قصد الجزم ) منزلة الواجد - الدليل على ذلك و النقاش فيه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
كان البحث عن الإشكالات الخاصة التي يمكن ان تورد على المعاملات او العبادات الاحتياطية إلى ان نصل الى الإشكالات العامة, وذكرنا ان اهم الإشكالات التي تورد على المعاملات الاحتياطية هو افتقادها لقصد الجزم وقصد الجزم معتبر في الانشاء بل هو متقوم به , وقد اجبنا بعدة اجوبة حلية ونقضية , ونضيف الان وجها حليّا جديدا وهو: 
بأن يقال: ان الشارع نزل (لا جِدّ) المحتاط بمنزلة الجد اي: انه نزل فقدانه لقصد الجد منزلة وجدانه لقصد الجد وبذلك تنحل المشكلة العقلية (ان الجزم معتبر في الانشاء لأن الانشاء ايجاد والايجاد لا يعقل فيه الترديد الثبوتي بين الوجود والعدم) فلابد من قصد الجزم، والحل هو ان قصد الجزم تارة يوجده بنفسه، وتارة ينزل شيء بمنزلة الجزم، فان للشارع في المعاملات الاحتياطية مثلاًعندما يقول العاقد الوسواسي او مطلق العاقد المحتاط: (انكحت) ثم يقول: (زوجت من موكلك او بموكلك) وهومتردد اية واحدة من الصيغتين هي ذات الاثر والمحقق لعلقة الزوجية؛ ان ينزل احتماله وقوع العلقة الزوجية منزلة جزمه بوقوعها رغم عدم تحققه,( بحث الوجود التنزيلي كثير الفائدة في الاصول ومتعدد الاغراض، وهو في الاساس بحث فلسفي لكنه في الاصول يحل العديد من الإشكالات في الكثير من المواطن ومنها مبحث الحكم الظاهري والباطني ومنها المقام وغيرها) , فهل هذا الوجه تام ام لا؟ 
والجواب:في مرحلة الثبوت وعالم الامكان، فان من الممكن ان ينزل الفاقد منزلة الواجد، بمعنى ان يرتب من بيده الاعتبار الاثارعلى الفاقد، مثلا: ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان فاقدا لزوجية تلك المرأة (وامرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي)لكن الله سبحانه لحكمةٍ نزّل هبتها نفسها منزلة النكاح اذن من بيده الاعتبار يستطيع ان ينزل الفاقد منزلة الواجد بمعنى ان يرتب الاثار التي وضعها ورفعها بيده على الفاقد , وهذا في عالم الثبوت ممكن، لكن الكلام كل الكلام في عالم الاثبات في المقام وغيره فهل نزل الشارع فعل المحتاط الفاقد لقصد الجزم (بناءا على اعتباره)منزلة الواجد أم لا؟ اذن علينا ان نرجع إلى الادلة في مقام الاثبات فنقول: 
تارة نخصص البحث بخصوص الوسواسي، وهو محور نقضنا الاخير حيث استشكلنا؛ بانه يلزم من اعتبار الجزم مطلقا ان تكون معاملات الوسواسي بأكملها باطلة حيث لا يمكن ان يصدر منه انشاء لفقده قصد الجزم والتالي باطل فالمقدم مثله ،فيمكن ان نبحث عن خصوص الوسواسي؛ وانه هل نزل الشارع انشائه الفاقد للجزم منزلة الواجد ام لم ينزل؟ وتارة؛ نبحث الموضوع في كلي المحتاط, ولنبدأ البحث في الوسواسي بايجاز فنقول: مبحث الوسواسي مبحث حري ان تكتب حوله رسالة مستقلة لكثرة ابتلاء الناس به اما في الصلاة او الطهارة او غير ذالك والفقهاء تطرقوا لبحث الوسوسة بشكل مختصر في مبحث كثير الشك وغيره، لكن سنشير إلى رواية واحدة فقط ووجه الاستناد اليها في المقام دون الدخول في النقض والابرام، والرواية معتبرة السند، لا لمجرد رواية الكافي لها وفي روايته الكفاية،بل لاعتبار رجال السند كلهم ايضاً، فان السند هو:الحسين بن محمد عامر الاشعري - ثقة من مشائح الكليني-عن معلى بن محمد البصري – روى عنه كامل الزيارات واستظهر في معجم رجال الحديث انه ثقة، وهو من المعاريف وكثير الرواية ولم يرد فيه قدح يضر بوثاقته -عن الحسن بن علي بن زياد الوشاء - الثقة،- عن محمد بن حمران النهدي - ثقة قاله النجاشي،- قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الوسوسة وان كثرت؟ فقال :لا شيء فيها تقول لا اله الا الله.) فما المراد من كلمة (لا شيء فيها)في الرواية ؟ ونقول بدوا ان فيها احتمالات اربعة: 
الاحتمال الاول: ان كل وسوسة كان وجودها ضارا او كان وجودها مشكوكا فيه، فهو منزل منزلة العدم، مثلا في الصلاة اذا شك الوسواسي بين الركعة الرابعة والخامسة فوجود الخامسة هنا ضار وهو مشكوك فيه فينزل منزلة العدم فيبني على الاربع وهذا البناء على وفق الاستصحاب. 
الاحتمال الثاني: عكس الاول-ولا مانعة جمع بينهما-اي ما كان عدمه ضارا فينزل منزلة الوجود – او الموجود - كما لو شك بين الركعة الثالثة والرابعة فعدم الرابعة ضار فيبني على الاربع، وهذا البناء هو على خلاف الاستصحاب وهو النافع لنا في المقام، اي: ان ما كان عدمه ضاراكعدم قصد الجزم الضار نزله الامام منزلة الوجود,واشرنا سابقا بايجازالى مشابهة ما نحن فيه لقاعدة لا ضرر، ونقول توضيحاً: ان تعبير الامام هنا (لا شيء فيها) يقال فيه ما يقال في لا ضرر،فان عددا من الاعلام ذهبوا الى ان لا ضرر تعني نفي جعل الحكم الضرري- اي الحكم الذي ينشأ من وجوده الضرر كما ذهب اليه الشيخ قدس سره ، او نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما ذهب اليه الاخوند قدس سره، والجامع: كون المتعلق هو الوجود (نظيرالاحتمال الاول هنا)اي ان وجود الحكم الناشئ منه الضرر مرفوع والمقام مثله فوجود الركعة الخامسة فيه ضرر فيرفع بقول الامام عليه السلام: (لاشيء فيها) هذا هو الرأي الاول في لا ضرر، والرأي الثاني في لا ضرر- وهو الذي ذهب اليه البعض من الاعلام ومنهم السيد الوالد تبعا لبعض المحققين كالمحقق التوني والمرحوم الاصفهاني -: هو ان لا ضرر يشمل ايضا العدم ايضاً، فليس المراد بلا ضرر الوجود فقط، بمعنى انه ليس متعلق لا ضرر الوجود الحكمي النابع منه الضررفقط، بل ايضاً العدم النابع منه الضرر، فلا ضرر تعني: ان كل عدم حكم لزم منه الضرر فهو مرفوع - ونفي النفي اثبات – اي ذلك الحكم موضوع و ثابت، فإذا كا ن هناك عدم حكم يلزم منه الضرر فلا ضرر ترفعه, ودليلهم؛ ان الإطلاق في لا ضرر يشمل الضرر المتحقق بالوجود او العدم،ومثاله: ضمان الحابس, كما ذكره الوالد في الاصول فاذا شخص حبس آخر عن العمل والكسب إلى ان فات وقت العمل بسبب الحبس، فهل هو ضامن للكسب الذي خسره بسبب الحبس؟ -وهذه مسألة خلافية ومهمة و كثيرة الابتلاء كما في حبس الحكومات الظالمة – ان مما يصلح دليلاً من الادلة على الضمان؛ هو قاعدة لا ضرر بناءا على التعميم؛ اذ يلزم من عدم تشريع الضمان على الحابس الضرر، والرواية تقول :ُرفع لا ضرر، اي: ( عدم الحكم الضرري)(1) وهذا يعنى: تشريع الضمان، اذن لا ضرر ليست نافية للحكم الضرري فقط بل مثبتة للحكم النفعي ايضاً, وكذلك طلاق الحاكم الشرعي بالولاية فإذا المرأة غاب عنها زوجها سنين – وكانت مثلاً في عسر وحرج - فلها ان ترفع امرها إلى الحاكم الشرعي، وله ان يطلق ولاية، والحاصل: ان من ادلة الطلاق الولائي هوهذا القول، لكون عدم تشريع صحة الطلاق الولائي ضررياً، والضرر مرفوع . 
وهذا البحث في لا ضرر كثير الجدوى والفائدة، وكذلك مورد كلامنا في الوسواسي فعندما يقول الامام عليه السلام (لا شيء فيها) اي لا شيء من الضار - بوجوده او عدمه - في الوسوسة بثابت او مجعول، ومن الضار بعدمه (الجزم) فليس بمعتبر شرعاً في الوسواس، فتامل. 
الاحتمال الثالث: ان (لا شيء) تعني انها ليست مبطلة وليست مضرة، وهذا الاحتمال الثالث يتفق مع الاحتمال الثاني في النتيجة، ولكن يختلف في الاستظهار العرفي، فذاك الاحتمال قد يستشكل: انه خلاف المتفاهم العرفي وان كان دليله الإطلاق، اما هذا الاحتمال الثالث فهو سلس وبحسب المتفاهم العرفي، اذن النتيجة واحدة ولكن باختلاف المدخل. 
الاحتمال الرابع :في (لا شيء فيها) : هو انه غير مؤاخذ عيها. هذا وبحث الوسوسة بحث واسع ويحتاج لبحث بشكل مستوعب اذ ان كثيراً من مباحثه تحتاج لاستيعاب اكثر في بحث الادلة، مثل هل ان الوسوسة في العبادة مبطلة أم لا ؟ كأن يكرر الضالين أو القراءة ونحوها كثيراً، السيد العم يرى انها غير مبطلة، و السيد الخوئي يقول: انه لا دليل على ان الوسوسة محرمة،وهذا بحث يحتاج إلى تنقيح. 
هذا بعض الكلام في خصوص الوسواسي، واما البحث بشكل عام عن المحتاط الفاقد لقصد الجزم فهل هناك دليل في ان (لا قصد الجزم) في المحتاط منزل منزلة الجزم ام لا؟ 
والجواب:انه لا توجد ادلة, لكن قد يقال يوجد وجه لطيف لتصحيح هذا المعنى وهو ان نفس ادلة الاحتياط متكفلة باثبات التنزيل من غير حاجة إلى تطويل البحث عن وجوه التنزيل فان نفس قوله (اخوك دينك فاحتط لدينك) ونحوها كافية في التنزيل، وبحسب تعبيرنا السابق: (ان الادلة تدل على الغاء اعتبار قصد الجزم في المحتاط او الوسواسي) والافضل التعبير بـ: تنزيل عدم قصده بمنزلة القصد). فهل هذا الوجه تام، وان المحتاط الفاقد لقصد الجزم قد نزل عدم قصده بمنزلة الجزم، وهل يمكن استفادة التنزيل من ادلة الاحتياط ام لا؟ 
قد يُشكل بان هذه الادلة غير ناظرة لصورة فقد الشرائط او وجود الموانع ، والمفروض ان قصد الجزم مفقود، وهو مقوم للانشاء، مثلا اذا قال الشارع (احل الله البيع) فهو ناظر إلى البيع بما هوهو، لكن اذا كان البيع فاقدا لركن او لقيد او لشرط مثلا فهل تتكفل الاية به..؟ 
وبعبارة اخرى: انه لا يمكن التمسك بعموم الدليل لاثبات موضوعه او شرائطه، كما قد يشكل بانه حيث كانت المعاملات فاقدة للجزم المعتبر في الانشاء، اختصت ادلة الاحتياط بالعبادات، والظاهر ان كلا الاشكالين غير وارد وسيأتي الكلام باذن الله تعالى. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .... 
 
الهوامش ............................... 
1- الضرري صفة لـ ( عدم) 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=330
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 18 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28