• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 263- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (5) .

263- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (5)

مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة)

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين*

الفائدة السادسة: أن الشهرة وإن قلنا إنها جابرة وكاسرة  ولكن ذلك خاص بالسند ولا يشمل المتن والدلالة؛ لذا فإن وجد عندنا دليل قطعي الصدور وظني الدلالة فهو لا يتأثر بالشهرة سلباً ولا إيجاباً.

بحث تطبيقي:
لا يقال: إن الشهرة الفتوائية جابرة وكاسرة حسب رأي المشهور، فالضعيف المنجبر بعمل الفقهاء حجة والصحيح المعرض عنه من قبل الأصحاب ليس بحجة.
لأنه يقال: إن الشهرة جابرة للسند وكاسرة له لا للمتن والدلالة.
قال الشيخ قدس سره :وما ربما يظهر من العلماء من التوقف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور أو طرحه مع اعترافهم بعدم حجية الشهرة فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم أو إطلاق،  بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور بناء على أن ما دل من الدليل على حجية الخبر الواحد من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور؛ ولذا لا يتأملون في العمل بظواهر الكتاب والسنة المتواترة إذا عارضها الشهرة ، فالتأمل في الخبر المخالف للمشهور إنما هو إذا خالفت الشهرة نفس الخبر لا عمومه وإطلاقه، فلا يتأملون في عمومه إذا كانت الشهرة على التخصيص، نعم ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين عدم الدليلي على حجية الظواهر إذا لم تفد الظن أو إذا حصل الظن الغير المعتبر على خلافها ، لكن الانصاف أنه مخالف لطريفة أرباب اللسان والعلماء في كل زمان[1].
هذا لو أغمضنا النظر عن المناقشة في مستند مبنى المشهور من ادعاء أن ما دل من الدليل على حجية خبر الواحد من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور؛ إذ لا وجه لهذه الدعوى مع عموم أدلة حجية خبر الواحد لمعارض المشهور؛ إذ الوجه إما الانصراف أو التخصيص أو أخبار مرجحات باب التعارض.
أما الأول: ففيه أنه لو كان فهو بدوي ، إضافة إلى أن بناء العقلاء على الحجية مطلقاً.
وأما الثاني: ففيه أن النسبة بين أدلة حجية الخبر وأدلة حجية الشهرة هي العموم من وجه[2].
وأما الثالث: ففيه أنها مختصة بباب تعارض الأخبار لا تعارض خبر وشهرة ،فتأمل.
إضافة إلى النقض بجريان ما ذكر بالنسبة للمتن أيضاً بادعاء أن أدلة حجية الظواهر منصرفة عما لو خالفها المشهور أو مخصصة بغير صورة الخلاف.
منتهى الأمر أنه يقع التعارض بينهما لا أن المقتضي لحجية الخبر المعارض للمشهور غير موجود، إضافة إلى أن بناء العقلاء على حجية خبر الواحد الجامع للشرائط إذا عارضته الشهرة الفتوائية في كل العلوم والصناعات.
نعم، قد يقدمون الشهرة ولكن لا من باب عدم المقتضي لحجية خبر الواحد حينئذٍ،  بل من باب ابتلائه بالمعارض الأقوى،  وكذا بنائهم على حجية الظواهر وإن خالفها فتوى المشهور ، ويظهر ذلك لمن رجع إلى الخبراء في كل علم وفن حيث يتمسكون بظواهر الألفاظ وإن فهم منها المشهور غير ذلك، قال في أوثق الوسائل في شرح الرسائل: ( أنه لا معنى لدعوى الإجماع على دلالة الألفاظ والظهورات العرفية، لجواز مخالفة هذا الإجماع بلا إشكال لمن ثبت عنده خلافه) [3]، فدقق.
ومن الواضح فيما نحن فيه أن الآية (وشاورهم) قطعية الصدور وظنية الدلالة، فالشهرة لا تضعف السند لقطعيته ولا الدلالة لأن محل الجبر والكسر هو السند لا غير[4].

الفائدة  السابعة: أن الشهرة لو سلمنا كونها  ظناً معتبراً فهي مع ذلك ليس على نحو العلة التامة لقبولها وإنما هي   نحو المقتضي ؛  لأن  كل من  حجيته جعلية غيرية يمكن تخلفها عنه ، بل يتحتم ذلك  إن ابتلى بالمعارض الأقوى؛ لذا فالشهرة لا تغني الفقيه من البحث في سائر الأدلة الموافقة والمخالفة بحيث لو عثر عليها أفتى على طبقها.

بحث تطبيقي:
سلمنا أن الشهرة ظن خاص معتبر، ولكن نقول: إن مقتضى القاعدة هو ملاحظة الدليل الذي أقامه الفقيه أو الفقهاء، ثم البحث عن سنده ودلالته وعدمها ومدى دلالته - على تقدير الدلالة - ومعارضاته ووجود مخصص أو حاكم أو وارد عليه فلو ترجح عنده أحد الطرفين كان رأيه حجة سواء وافق رأي الفقيه أو الفقهاء الذين أقاموا الدليل أم خالف وذلك هو مقتضى فتح باب الاجتهاد ومقتضى حجية رأي الفقيه كما لا يخفى، إضافة إلى كونه من ضروريات الفقه، إذ من الضروري عدم وجوب (تعبد) الفقيه برأي فقيه آخر أو رأي مشهور الفقهاء وعدم وجوب قبوله أدلة الفقهاء الآخرين تعبداً ووجوب التعبد برأي الفقيه منحصر في المقلد وفي صورة انسداد باب العلم والعلمي، وإيراث قول الفقيه الظن الشخصي مع عدم وجود طريق آخر لتحصيل هذا الظن.
وحينئذٍ فالشهرة وإن كانت ظناً معتبراً إلا أن ذلك لا يعني كونها علة تامة لوجوب القبول بل غاية ما في الباب: أنها مقتضٍ له فلا يصح للفقيه الاعتماد عليها فوراً دون البحث عن المعارض وعن مدى دلالتها وعن الحاكم أو الوارد عليها.
وللتوضيح نقول: أدلة حجية خبر الواحد مثلاً إنما تصنع المقتضي لوجوب القبول وللحجية لا العلة التامة؛  ولذا قد يسقط خبر الواحد عن الحجية عند معارضته لظاهر الكتاب بنحو التباين [5]أو العموم من وجه في مادة الاجتماع أو مطلقاً أو عند معارضته بخبر آخر له مرجح صدوري أو جهتي كما لا يخفى، فإذا كان الحال هذا في خبر الواحد الذي ذهب الأكثر إلى حجيته فما هو الحال فيما ذهب الأكثر إلى عدم حجيته؟ ولأجل ذلك نجد أن العلماء في العمل بدليل ما اشترطوا الفحص عن معارضاته ومنعوا العمل بدليل[6]قبل ذلك ، وهل الشهرة مستثناة من هذه القاعدة؟ بحيث لو عثر فقيه على الشهرة الفتوائية أغناه ذلك عن البحث عن سائر الأدلة الموافقة والمخالفة، وبحيث لو عثر عليها أفتى على طبقها؟
إضافة إلى أن من الثابت في محله أن القطع لا غير حجة ذاتية يستحيل تخلف الحجية عنه؛  فإن الحجية ذاتية للقطع بذاتي باب البرهان حيث تنتزع من حاق ذات القطع بلا ضميمة خارجية، ولو انفكت عن القطع لزم التناقض وغيره من المحاذير على ما هو مذكور في بحث القطع... أما غير القطع فحجيته غيرية جعلية يمكن تخلفها عنه بل يتحتم أن ابتلى بالمعارض الأقوى، إذا توضح ذلك اتضح أن انعقاد الشهرة على شيء - كعدم وجوب الشورى فرضاً - لا يلغى اجتهاد المجتهد ولا يعني عدم صحة استظهار فقيه الوجوب على خلاف رأي المشهور، ولذا جرت طريقة معظم الفقهاء على عدم الاستدلال بالشهرة وجعلها مؤيدة لا غير[7] وعلى ردّها بوجدان الخلاف ومعارضة النصوص [8].
ولأجل ذلك كله نجد على كر الأعصار قولاً مشهوراً وقولاً لغير المشهور، بل نجد المشهور في مسألة يخالفون[9] المشهور في مسألة - أو مسائل أخرى - بنحو التفريق[10]، ولأجل ذلك كله نجد انقلاب الشهرة على الوفاق في موارد عديدة إلى شهرة على الخلاف في الأعصار اللاحقة[11].
وقال الشيخ قدس سره : والمشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة بل لم نجد قائلاً به إلى زمان المحقق الثاني [12].
ومن ذلك انعقاد شهرة القدماء إلى زمان الشهيد الثاني قدس سره  على تنجس البئر بالملاقاة وأن المقدر في المنزوحات هو المطهر، ولكن استقرت الشهرة الفتوائية بعده على عدم تنجسه بالملاقاة وأن النزح مستحب [13].
ومن ذلك ما سبق من انعقاد الشهرة إلى زمان الشيخ البهائي على عدم دلالة أخبار الاستصحاب على حجيته أو على عدم الاستدلال بها، ثم انقلبت لتنعقد على اعتبارها هي الدليل - أو أحد الأدلة-  على حجيته، فتأمل.
وكذا  انعقادها عند القدماء على كون الاستصحاب من الأمارات ثم اعتبارها من الأصول ، فتأمل.
وقد ذكر أحد كبار الأساتيذ موردين آخرين هما: مسألة نجاسة العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه حيث كانت الشهرة على النجاسة ثم انقلبت إلى الطهارة ، ومسألة كون (البراءة) أصلاً أو أمارة حيث كانت الشهرة في السابق على كونها أمارة[14].
 
الفائدة الثامنة: أن وثاقة الراوي لا تكفي في حجية الرواية إن لم تحصل معها  وثاقة الرواية نفسها ؛ لأن الخبر وإن كان صحيحاً  إلا أنه قد يسقط عن الاعتبار بإعراض المشهور عنه، أو بمخالفته للقواعد والأصول الشرعية.

بحث تطبيقي:
قد يستند في حجية الأحلام إلى رواية: ((من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي))[15].

والجواب من وجوه:
الجواب الأول:  الرواية ضعيفة خبراً[16] ما ذكره السيد المرتضى، حيث قال: ((فإن قيل: فما تأويل ما يروى عنه صلى الله عليه وآله: مَنْ رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي، وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله في النوم، ويخبر كل واحد منهم بضد ما يخبر به الآخر فكيف يكون رائياً له في الحقيقة مع هذا؟ قلنا: هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، ولا معول على مثل ذلك....)) [17].
لا يقال: إن هذه الرواية معتبرة؛ إذ قد وردت هذه الرواية في: العيون[18] والأمالي للصدوق[19]، عن محمد بن إبراهيم الطالقاني[20] عن ابن عقده[21]، عن علي بن الحسن بن فضال[22]، عن أبيه[23]، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه عليهم السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة)).
وهذا الحديث معتبر على بعض المباني.
إذ يقال: لعل الوجه في قول المرتضى: ((هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد)) هو أحد وجهين:
الأول: لأن خبر الواحد قد يراد به[24]الخبر الضعيف الساقط عن الاعتبار، إما لاشتمال متنه على ما يوجب سقوطه عن الاعتبار كاضطرابه، أو لمخالفة مضمونه للأصول والقواعد، أو لضعف رواته مع عدم كونه مجبوراً بالشهرة.
وهذا الخبر ساقط عن الاعتبار؛ لإعراض المشهور عنه، ولمخالفة مضمونه للقواعد؛ إذ الحجج الشرعية معروفة محددة منحصرة، ولمخالفته للوجدان، كما قال السيد المرتضى: ((وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي في النوم، ويخبر كل واحد منهم بضد ما يخبر به الآخر)), فتأمل.
والحاصل: إن الملاك في حجية خبر الواحد هو وثاقة الخبر لا وثاقة المخبر، أي: وثاقة الرواية وليس المقياس وثاقة الراوي، وفي المقام لا وثاقة للخبر وللرواية، وإن فرض وثاقة المخبرين.
الثاني: أو لأن خبر الواحد لا يكون حجة إلا إذا أفاد القطع[25]، وإلا كان مشمولاً لقوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْـحَقِّ شَيْئاً)[26] وذلك على مبنى العديد من القدماء.
وبذلك يظهر أن إشكال البعض على السيد المرتضى بأن بعض طرق هذا الخبر معتبرة غير
وارد على مبناه ومبنى من يرى المقياس وثاقة الخبر[27].


-----------------

* * هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد الاستاذ في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى
[1] الرسائل ص44 عند الحديث عن عدم اعتبار الظن الشخصي في حجية الظواهر.
[2] أي بين الخبر والشهرة.
[3] أوثق الوسائل: بحث حجية خبر الواحد، آية النبأ، ص152.
[4] شورى الفقهاء: ص 79.
[5] كما في كثير من أخبار الجبر والتفويض والغلو.
[6] سواء في ذلك الظواهر أو أخبار الآحاد أو الاستصحاب بناء على أماريته أو الأصول.
[7] لا يخفى أن مرجع هذا إلى عدم حجية الشهرة عندهم.
[8] ومرجع هذا إلى أن حجيتها على القول به منوط بعدم المعارض الأقوى وكونها مقتضية لوجوب القبول لا علة تامة له إذ معارضة النصوص الشهرة فرع حجيتها وإلا لما تعارضا إذ لا تعارض بين الحجة واللاحجة حتى يقدم أحدهما على الآخر بالمرجحات.
[9] بعضاً أو كلاً.
[10] بهذا القيد أجبنا عن إشكال قد يخطر بالبال فتدبر جيداً.
[11] سورة الشورى: 88.
[12] المكاسب: البيع، ص83.
[13] أوثق الوسائل: ص116.
[14] شورى الفقهاء : 93.
[15] بحار الأنوار: ج58ص 216.
[16] وإن كانت معتبرة مخبراً كما سيأتي.
[17] رسائل الشريف المرتضى ج2ص 12، مرآة العقول : ج25ص 209.
[18] عيون أخبار الرضا عليه السلام : 288.
[19] الأمالي: ص 120.
[20] وهو من مشايخ الصدوق وقد ترضى عليه في المشيخة وروى عنه في كتبه كثيراً.
[21] أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: زيدي جارودي ثقة.
[22] فطحي ثقة.
[23] الحسن بن فضال: ثقة.
[24] وهذا المعنى هو المنصور، وقد يراد به ما ليس متواتراً ولم يكن محتفاً بقرائن توجب القطع بصدوره، وإن كان مستفيضاً، وهذا الخبر ليس متواتراً ولا هو محتف بما يفيد القطع، بل ولا الظن، والظاهر إن هذا هو مبنى السيد المرتضى، وسيأتي في المتن في (أو لأن خبر).
[25] كما لو احتف بالقرائن القطعية، كموافقة الكتاب والسنة القطعية والعقل والإجماع.
[26] سورة يونس: 36.
[27] فقه الرؤى: ص 170.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3088
  • تاريخ إضافة الموضوع : 6 رجب 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29