• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 282- ثمرات أخرى - رأي الآخوند في حقيقة الإنشاء ومناقشته .

282- ثمرات أخرى - رأي الآخوند في حقيقة الإنشاء ومناقشته

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(282)


مسائل ومصاديق أخرى:
السادسة: لو قال: (زوّجتك إحدى ابنتي هاتين) فانه من الترديد في متعلّق النكاح([1])، فتارة يجري الكلام في استحالة تحقق الإنشاء للأمر المردد ذاتاً أو متعلّقاً، أو إمكانه وهذا هو محل الكلام، وتارة يجري في انه بعد تسليم إمكانه فما هو مقتضى الأدلة، فانه إذا قلنا بالامتناع فلا مجال للرجوع للأدلة وعالم الإثبات، وإذا قلنا بالإمكان فقد يفصل بحسب الأدلة في عالم الإثبات ومنها ما دلّ على اشتراط التعيين.
ونظير ذلك ما لو قال: (بعتك احد هذين الكتابين).
السابعة: لو قال: (بعت أحدكما هذا الكتاب) والترديد فيه في طرف العقد (أحد المتعاقدين) اما في سابقه ففي متعلقه، أو قالا: (باع أحدنا كتابه لك).
الثامنة: لو قال: (بعتك أو وهبتك هذا الكتاب) والترديد هنا في نفس العقد، فهل لا يقع شيء منهما لتضاد الفصول وعدم إمكان الجمع بينهما، والترجح بلا مرجح، أو يقع الأول منها لسبقه فلم يبق محل للثاني؟ أو له ان يختار إذ العقد لا يقع بالإيجاب فقط ليقال بسبق البيع على الهبة في المثال بل يقع بعد القبول فله ان يقول قبلت البيع أو الهبة؟
التاسعة: لو قال: (وكّلت أحدكما) قاصداً، ثبوتاً، الترديدَ، فقد يقال ان العقلاء لا يرون به بأساً والعقود إمضائيات فايهما قَبِل كان وكيلاً، لكن هذا لا يتم([2]) إلا بعد الفراغ عن إمكان إنشاء الوكالة المرددة.
العاشرة: لو رمى الشبح من بعيد متردداً في انه منافسه أو عدوه (المحقون الدم) أو شجرة فرماه برجاء أو باحتمال كونه عدوه فهل هو عمد أو من شبه العمد؟ فهل من شبه العمد: ان يرمي بآلة قاتلة غير ناوٍ للقتل متصوراً انه لا يقتله به أو لا([3]) بعد وضوح انه يرمى بآلة غير قاتلة ناوياً قتله بها ظاناً انها لا تقتله لكنها قتلته فرضاً، فهو شبه عمد.
فرع تمريني: لو قال: (من ردّ دابتي فله كذا) في الجعالة فهل هو من الترديد في النية أو المنوي أو مصداقه؟
واما الإشكال الثبوتي في إنشاء الفرد المردد فهو دعوى استحالته كما سبق إذ لا فرق في استحالته بين الفرد الخارجي والفرد الذهني فكما انه يستحيل وجود الفرد والمردد في الخارج إذ كل شيء هو هو وليس اما هو أو غيره وإلا للزم إمكان سلب الشيء عن نفسه وتردد الشيء بين نفسه وغيره وهو محال([4])، كذلك يستحيل وجود الفرد المردد في الذهن أي ما هو مصداق الفرد المردد بالحمل الشائع الصناعي، فيه، لا المردد بالذاتي الأولي، فان تحقيق دفعه يتمّ في ضمن تحقيق حقيقة الإنشاء فان به يتضح إمكان إنشاء العقد المردد من عدمه:
فقد ذهب في الكفاية إلى انه لا فرق بين الخبر والإنشاء من حيث الموضوع له ولا من حيث المستعمل فيه بل الموضوع له والمستعمل في كليها واحد وهو معنى (نسبة المحمول إلى الموضوع) أي الفاعل في مثل (بِعتُ) خبراً وإنشاء، وإنما الفرق في الداعي والقصد فان قصد بمثل هذه الكلمة الحكاية عن الماضي كانت إخباراً وإن قصد بمثلها الإيجاد (للبيع والنقل) كانت إنشاء.
قال في الكفاية ممزوجاً مع الوصول: ("ثم" لا يخفى ان الجمل على ثلاثة أقسام:
الاول: الجمل الخبرية التي لا يمكن استعمالها في الانشاء نحو ضرب زيد عمروا، و زيد قائم.
الثاني: الجمل الانشائية التي لا يمكن استعمالها في الخبر، نحو اضرب زيدا و ليت زيدا قائم.
الثالث: الجمل التي تستعمل تارة في الانشاء وتارة في الخبر، نحو أيده اللّه، وبعت، وأنكحت، ونحوها.
أما الاولان فلا خلاف في تغايرهما، لبداهة عدم استعمال أحدهما في مقام الآخر نعم‌ (لا يبعد أن يكون الاختلاف في) القسم الثالث بين‌ (الخبر والانشاء) بالقصد، وبينهما اشتراك معنوي والجامع هو نسبة المحمول الى الموضوع، كنسبة البيع الى المتكلم في بعت، وعليه فالاختلاف بينهما مثل اختلاف الاسم والحرف‌ (أيضا) كما ان الجامع بينهما (كذلك) وقد ذهب الى هذا المعنى‌ جماعة من شراح البيان وعلى هذا (فيكون الخبر موضوعا) لمعنى نسبة المحمول الى الموضوع لكن‌ (ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه) ماضيا أو مستقبلا أو حالا خارجا أو ذهنا (و) يكون‌ (الانشاء) موضوعا لذلك المعنى بعينه لكن‌ (ليستعمل في قصد تحققه) ووجوده‌ (وثبوته) بنفس هذا الاستعمال فاختلفا من هذه الحيثية (وان اتفقا فيما) وضعا له و(استعملا فيه) كما لا يخفى‌. فتأمل)([5])
أقول: هناك مواقع للنظر عديدة نقتصر على بعضها قبل بيان كيفية مدخلية هذا الرأي (والرأي المنصور الآتي) في دفع شبهة عدم إمكان إنشاء العقد المردّد.
الأول: ان الفرق بين الأقسام الثلاثة لا مدخلية للهيئة فيه، بل هو لخصوص المادة فان الضرب والقيام مما لا يمكن ان تُنشأ فان مادة الضرب هي فعل لا يمكن إنشاؤه إذ الإنشاء يتعلق بالاعتباريات، واما البيع وهو القسم الثالث، فانه لكونه اعتباراً يمكن ان ينشأ كما يمكن ان يخبر عنه.
وعليه: فالفرق بين الأقسام الثلاثة أجنبي عن جهة كونها جملة خبرية أو إنشائية إذ هما منوطان بالهيئة فتدبر.
الثاني: ان الظاهر عدم صحة مبنى الآخوند وان الظاهر ان بعت الإنشائية تفيد بهيئتها (لا بالقصد والداعي) إيجاد البيع، والدليل الوجدان؛ إذ لا نرى اننا بقولنا (بعتُ) نسبنا البيع لأنفسنا فقط وكان قصدنا الخارج عن اللفظ إيجاده بل نرى اننا أوجدنا به هذه النسبة أو فقل أوجدنا به النقل، نعم لا بد من قصد ذلك، كما انه في الإخبار لا بد من القصد، والحاصل: ان اللفظ ليس أجنبياً عن الإيجاد.
والمستظهر ان (بعت) ونظائره موضوع بالوضع التعييني لغوياً للإخبار والحكاية وانه موضوع بالوضع التعيّني للإنشاء فهو مشترك لفظي بينهما (تعييناً للإخبار وتعيّناً في الإنشاء) فيحتاج إلى قرينة معيِّنة، ووضعه لغةً لكل منهما ابتداءً وإن كان ممكناً لكنه بعيد جداً إذ لم ينقل أحد من اللغويين ذلك.
والحاصل: اننا نستدل بالوجدان أولاً على ان (بعتك) و(ايدك الله) الإنشائية تفيد إيجاد النقل والدعاء، ثم نرجع القهقري فنقول ان وجه ذلك اما وضع اللغويين أو الوضع التعيني وان الأظهر الأخير، ويتضح ذلك أكثر إذ لاحظنا ان هناك معنيان: الأول: نسبة المحمول للموضوع، الثاني: إيجاد هذه النسبة، ومن العقلائي تماماً ان يوضع لكل منها لفظ مستقل أو لفظ واحد يراد به أحدهما بالقرينة فلا وجه لدعوى ان (إيجاد هذه النسبة) هي معنى لم يجعل له لفظ فتدبر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مُبْهَمَةً عَلَى الْإِيمَانِ فَإِذَا أَرَادَ اسْتِنَارَةَ مَا فِيهَا فَتَحَهَا بِالْحِكْمَةِ وَزَرَعَهَا بِالْعِلْمِ وَزَارِعُهَا وَالْقَيِّمُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) الكافي: ج2 ص421.

 

-----------------------
([1]) أي المزوّجة.
([2]) إن تمّ فرضاً.
([3]) إذ صرح بعضهم بانه من العمد.
([4]) لمساوقة الوجود للتشخص.
([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصول إلى كفاية الأصول، دار الإيمان – قم، 1409هـ، ج1 ص52-53.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3076
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 24 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19