• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 233- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (5) .

233- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (5)

مباحث الاصول

(مقدمة الواجب)

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين

الفائدة الثامنة: مقدمة الحرام حرام سواء كانت علة تامة أو مقتضياً للوقوع فيه،  وإن لم تكن كذلك ولم يقصد بها التوصل للحرام فالصحيح التفصيل : بين وقوع المكلف في الحرام فتحرم، وبين عدمه فلا.
الظاهر أن العقل يستقل بحرمة مقدمة الحرام، سواء كانت علة تامة للوقوع في الحرام أم كانت مقتضياً لوقوعه[1] ، بحيث يمكن المكلف ترك الحرام رغم إتيانه بتلك المقدمة[2]، فقد يقال بإرشادية النهي لو تعلق بها[3] نظراً للالتزام بالضابط الخامس في المولوية والإرشادية[4]، لكنه باطل مبنى، كما فصلناه في فصل ضوابط المولوية والإرشادية، فاللازم ملاحظة لسان الدليل وأنه صدر من المولى بما هو مولى أو بما هو ناصح ـ حسب ما صرنا إليه من الضابط الأول.
ولعل لذلك[5] التزم المحقق النائيني بأن المقدمة في الصورتين محرمة[6]، لكنه فصّل فقال: بالحرمة النفسية في الصورة الأولى لا الغيرية، واحتمل كلاً من الحرمة النفسية نظراً للتجري والغيرية نظراً لترشحها من ذي المقدمة في الصورة الثانية.
وعلى أي فإن ما يهمنا هو: أن النهي المتعلق بمقدمة الحرام، مولوي في الصورتين، ولا يهم بعد ذلك ـ فيما هو المقصود في المقام ـ كون الحرمة نفسية أو غيرية.
نعم ، القسم الثالث من مقدمة الحرام وهو (ما لم تكن المقدمة علة تامة للحرام، بل كانت مقتضياً فقط، ولم يقصد المكلف التوصل بها للحرام)   فقد حكم فيه المحقق النائيني قدس سره  بعدم الحرمة[7].
الظاهر لزوم التفصيل فيه بين ما لو وقع في الحرام بعدها أو لا[8] ؛ فإن لم يقع فالأمر كما قال، وإن وقع فقد يقال بالحرمة إذا احتمل المكلف أداءها إلى الحرام، وإن لم يقصد التوصل به، وعلى ذلك بناء العقلاء [9]، فتأمل.
وعلى أي فإن محور البحث عنا هو أن العقل لا يستقل بقبح هذا النوع من المقدمة  ؛ إما مطلقاً كما صار إليه المحقق النائيني، أو فيما إذا لم يقع ذو المقدمة، أو وقع ولكن إذا لم يحتمل أداءها للحرام فقط كما صرنا إليه [10].

الفائدة التاسعة: أن الاختلاف في المقدمة وذيها نابع من اختلاف عقلي في نوع  الملازمة بين المقدمة وذيها ؛ لذا كان هناك مبنيان في حمل النصوص على ظاهرها أو خلافه في مسألة الثواب والأجر.
أن الاختلاف في استحباب مقدمة المستحب أو وجوب مقدمة الواجب شرعاً نابع من اختلاف عقلي ؛ في أنه هل هناك ملازمة بين وجوب ذي المقدمة وبين وجوب ذيها - بدعوى ترشح الوجوب من ذيها إليها ، أو انبساط الأمر على المقدمة -  أو لا [11] ؟  نظراً للزوم اللغوية  ، أو تعدد العقاب ،  أو غير ذلك ؛ وعلى هذا البحث العقلي ابتنى تفسير الآيات والروايات على خلاف ظاهرها ،  أو إبقائها على ظاهرها ؛  فذهب الآخوند إلى أن مثل قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)[12] .
ومثل الأجر على كل خطوة يخطوها [13] زائر الإمام الحسين عليه السلام  لا يراد به ظاهره -  نظرا للمبنى العقلي لديه [14] - بل يراد بها خلاف الظاهر : من أن الثواب ليس على هذه المقدمات ، بل لا ثواب عليها أصلاً  ؛ والثواب المذكور إما أنه تفضُّل ، أو هو ثواب على العمل نفسه - أي على ذي المقدمة -  لكونه أحمز بسبب احتياجه لمقدمات كثيرة أو صعبة، وأما من كان مبناه الإمكان أبقى ظواهر الأدلة على ما هي عليه، فيما ذهب بعض إلى التفصيل [15] ، بل وكذلك الأمر في القول بفسق تارك الواجب إذا توقف على مقدمات عديدة ،  لصدق  الاصرار على الحرام بذلك وعدمه ،  أو القول بجواز وعدم جواز أخذ الأجرة على مقدمة الواجب التعبدي أو الأعم  ، على تفصيل  وتأمل لا يسعه المقام [16] .

------------------
[1] وقد يقيد بما إذا كانت مقدمة موصلة ، وإلا كان تجرياً فقط.
[2] ولا يهم العقل كون المفسدة في ذيها لا فيها في استقلاله بالحرمة والمنع ، كما نشاهد ذلك من أنفسنا بالوجدان.
[3] في الصورتين.
[4] وهو كون الأمر المولوي ما عدا موارد المستقلات العقلية مطلقاً أو في الجملة ، و الإرشادي  ما ورد فيها ، وهذا ما ذهب إليه جمع من المتأخرين، انظر  : الأوامر المولوية والارشادية: ص114.
[5] أي لظهور إعمال المولى مولويته في المنع عن مقدمة الحرام؛ إذ لو كان صرف إرشاد لما كان حراماً نفسياً بل ولا غيرياً ، فتأمل.
[6] انظر: أجود التقريرات: ج1ص 249.
[7] وقد وافقه على هذا الحكم السيد الخوئي قدس سره ، فقال في المحاضرات: ج2ص451: وأما القسم الثالث : فالأمر كما أفاده (قدس سره ) ، حيث إنه لا موجب لاتصاف المقدمة بالحرمة أصلا ، لعدم الملاك له ، فإن ملاكه إنما هو توقف الامتثال عليها ، والمفروض أن ترك الحرام لا يتوقف على تركها .
[8] - كما أشرنا إلى جانب من لتفصيل في القسم الثاني أيضاً، لكن في الهامش.
[9] وتفصيله في بحث المقدمة الموصلة.
[10] الأوامر المولوية والارشادية: ص  219 .
[11] بل صِرف اللابدية فقط.
[12] سورة التوبة : 120.
[13] وقد جاء في كثير من الروايات الثواب العظيم على ذلك ،  فمن تلك الروايات ما رواه  في كامل الزيارات : ص 254.  :  عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه السلام  قال :إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه ، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتى يأتيه ، فإذا اتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي سلني أعطك ، ادعني أجبك ، اطلب مني أعطك ، سلني حاجة اقضها لك ، قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : وحق على الله أن يعطي ما بذل .
[14] سيأتي بأن الثواب والعقاب من تبعات القرب والبعد ، والأمر الغيري مما لا يوجب إطاعته قربا ولا عصيانه بعدا، سوى القرب أو البعد الحاصلين من الإتيان بالواجب النفسيّ أو من تركه ، وصاحب التقريرات  قد علل فقط.
[15] قال السيد الوالد قدس سره في الوصول إلى كفاية الأصول: ج2 ص114: والذي اظن في المقام التفصيل بين ما ورد في الآيات والأخبار من ثواب أو عقاب على المقدمات، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾  وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ وكذلك الروايات الواردة من هذا القبيل. وفي طرف العقاب ما ورد من لعن غارس شجر الخمر الخ ونحوه، فاللازم القول بكون الثواب والعقاب فيها كالثواب والعقاب على سائر الواجبات والمحرمات النفسية طابق النعل بالنعل لعدم الداعي للتنزيل ولا فارق بين المقامين أصلاً، وبين ما لم يرد فيه من الشرع شيء ففيه توقف وتردد، والله تعالى هو العالم .
أقول: وذلك يعني أنه قدس سره  يرى الإمكان ثبوتاً وإنما هو في مرحلة الأدلة إثباتاً.

[16] التبعيض في التقليد : ص 126.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2951
  • تاريخ إضافة الموضوع : 14 ربيع الآخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29