• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 256- الجواب عن شبهة ان (التسهيل) كـــ (الضرر) شخصي فلماذا لم يوجب الاحتياط ؟ ـــ مصلحة التسهيل والسلوك اما راجحا او مرجوحة او مساوية .

256- الجواب عن شبهة ان (التسهيل) كـــ (الضرر) شخصي فلماذا لم يوجب الاحتياط ؟ ـــ مصلحة التسهيل والسلوك اما راجحا او مرجوحة او مساوية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(256)


وتحقيق المقام يقتضي رسم الإشكال ببيان آخر ثم الجواب عنه:
 

هل مصلحة التسهيل شخصية أو نوعية ؟
والإشكال هو: أن مصلحة التسهيل، بل وكذا المصلحة السلوكية ونظائرهما، لا يخلو إما أن يقال بأنها شخصية أو يقال بأنها نوعية:
 

فاذا كانت شخصية لوجب الاحتياط على من لايقع في عسر به
فإن قيل بأنها شخصية وليست نوعية أي أنها كالضرر والحرج اللذين يدوران مدار تحققهما في الشخص لا النوع؛ ولذا لو كان الصوم ضررياً عليه دون النوع سقط عنه ولو كان ضررياً على النوع دونه لم يسقط عنه، لزم القول بحجية الأمارة المرخِّصة وعدم وجوب الاحتياط في مواردها إلا في خصوص من كان الاحتياط عسرا عليه دون من لم يكن الاحتياط عسراً وحرجاً عليه إذ لا تسهيل حينئذٍ عليه في جعل الأمارة حجة عليه وفي رفع وجوب الاحتياط ولا عسر عليه في إلزامه به، ولكن لا نجد مفصِّلاً بين الأعلام في حجية الأمارات الترخيصية (كالسوق واليد وغيبة المسلم والطهارة والحل وغير ذلك) بين من كان غير ذلك (الإلزام بالاحتياط) حرجاً عليه وبين غيرها، وبين كون حجية الأمارة مطلقاً موجبة للتسهيل عليه وعدمه.

ولو كانت نوعية فايقاعه في مفسدة مخالفة الواقع، ظلمٌ
وإن قيل بأنها نوعية، ورد الإشكال بأن إيقاع من لم تجري في حقه مصلحة التسهيل في المفسدة بترخيص عمله بالأمارة مطلقاً، إيقاع في المفسدة بدون وجود مزاحم أهم، فكان ظلماً.

الجواب: أولاً: ذلك من سنِّ القانون
وقد يجاب: أولاً: بكون ذلك سنّاً للقانون، وهو عقلائي.

ثانياً: التسهيل علة الجعل وحكمة المجعول
وثانياً: بأن (التسهيل) من الحكمة لا العلة والحكمة لا يلزم إطرادها في كافة الموارد، وتحقيقه: الفرق بين الجعل والمجعول والعلة والحكمة في كل منهما؛ فأن الحكمة في المجعول قد تكون علة في الجعل لذا يكون المشرِّع ملزماً، بالنظر لكونه حكيماً، بأن يجعل القانون عاماً مطلقاً وذلك لوجود علة الجعل لكن الحكم في مرحلة المجعول لا يدور مدارها لأنها حكمة في هذه المرحلة.
وتوضيحه: إن استبراء الرحم مثلاً في المطلقة، بالعدة، هي علة تشريع الشارع وجوب الاعتداد بثلاث أشهر أو ثلاث حيضات فحيث توفرت علة التشريع شرّع، لكنها حكمةٌ بالنسبة للمجعول في حق العبد؛ فإنه حتى إذا علم وعلمت بكونها حائلاً (غير حامل) فيجب عليها العدة.
والسر في الفرق بينهما مع أن المجعول معلول الجعل هو: أن الجاعل يجعل الحكم على الكلي الطبيعي فيكون وجه جعله عليه علة له، أما المجعول في حقه الحكم فحيث كان انحلالياً فقد تتحقق فيه جهة الجعل (أي علته) وقد لا تتحقق، وكما أمكن تصوير التفكيك بين استصحاب الجعل واستصحاب المجعول وصحّ إذ قد يتعارضان، كذلك صحّ التفكيك بين علة أصل الجعل وحكمة آحاد المجعول، والجعل قائم بالحاكم المنشئ وهو المشرِّع، والمجعول (وهو وجوب العِدّة مثلاً) قائم بالمكلف فأمكن تفكيك حكميهما وحاليهما.
وعلى ذلك بناء العقلاء؛ فإن المحافظة على أرواح الناس من الهلاك بالاصطدام مثلاً، بسنِّ وجوب الوقوف عند الإشارة الحمراء علة للجعل لكنها حكمة للمجعول ولذا يجب أن يقف وإن لم تكن هناك سيارة أخرى أو عابر مطلقاً.

المناقشة بان ذلك لا يدفع كونه ظلما
لكنّ كلا الجوابين قد يناقش فيهما: بأنه وإن كان تصحيحاً فنياً للتفكيك ولسنّ الحكم في حق غير من كان فيه وجهُه وسبُبه، لكنه لا يدفع إشكال الظلم، فإنه وإن كان للمولى ذلك عقلاً من باب الأهم والمهم لكنه لباً ظلم للعبد إذ مُنِع في حد ذاته من العبور وسلبت حريته منه مع أنه لا يحتمل الاصطدام بالمرة، وكذلك منعت من الزواج مع أنها ليست حاملاً قطعاً، وتصحيحه بالأهم والمهم إنما هو إرجاع للاضطرار ومآله إلى ترجيح الظلم الأقل على الاعظم منه أي كي لا نقع في الظلم الأكثر أو الأعظم، وهو وإن صحّ في المشرِّع العادي لأنه عاجز عن غير ذلك لكن كيف يمكن تصحيحه في الباري تعالى وهو القادر؟

والحل بالتعويض
فلا مناص إلا من اللجوء الى التعويض لتتميم كلا الوجهين، وهو ما سبق من:
(الوجه الثالث: التعويض ؛ فإنه لو فرض عدم وجود مصلحة التسهيل أو السلوك في خصوص هذا المكلف، فإن تعويض الله تعالى للعبد في الدنيا أو الآخرة عما وقع فيه من المفسدة باتباعه الأمارة أو عمله بالبراءة، هو الوجه في عدم إيجاب الله الاحتياط مطلقاً وتجويزه العمل بالأمارة مطلقاً.
ولا يتوهم أن ذلك مجرد فرض وأنه مع الوجهين الأولين لا تصل النوبة للثالث؛ إذ قد تكون مصلحة التسهيل أو السلوك نوعية ولا يقع هذا المكلف خاصة في عسر وحرج بمخالفة الأمارة والعمل بالاحتياط ولا تكون له مصلحة سلوكية أيضاً[1]، فإنه مع ذلك يجوز له إتباع الأمارة مطلقاً[2] ويكون إيقاع الشارع إياه في مفسدة مخالفة الواقع أحياناً، بذلك، بتجويزه له إتباعها مطلقاً، معوَّضاً عنه بأجر أخروي أو بخير دنيوي)[3]

التمثيل بحكومة الاكثرية على الاقلية وانها ظلم للأقلية
والإشكال بعينه جارٍ في كافة التشريعات العقلائية ومنها حكومة الأكثرية وحكومة من اختارته الأكثرية فإن حكومتها على الأقلية وحكومة من اختارته على الأقلية رغم معارضتها، ظلم لها، لكن المصحح لديهم دوران الأمر بين الظلم الأكثر والظلم الأقل (تحكيم الاقلية على الأكثرية أو العكس) ولا ريب في رجحان الثاني فهو إذن إقرار بسلب حق الأقلية المعارضة وبظلمها لكنه من باب الاضطرار والدوران بين المحذور الأعظم والأخف.
ويمكن الجواب عن هذا أيضاً بـ(التعويض) إذ الأقلية اليوم محكومة وغداً (بتعاظمها) حاكمة فكان لها الغنم كما عليها الغرم لكن ذلك في البشر لا يرفع الظلم على إطلاقه إذ لا يمكنهم المكافئة الدائمة المتساوية، لكنه في رب العباد بالتعويض الأخروي ممكن، فتدبر.

أقسام مصلحة التسهيل والمصلحة السلوكية وغيرها
ثم إن مصلحة التسهيل، والسلوكية ونظائرهما، تارة تكون راجحة وأخرى مرجوحة وثالثه مساوية:
1- كونها راجحة فالراجحة: هي التي توجب الأخذ بها أي بالرخصة نظير وجوب الأخذ بالرخصة في الإفطار في السفر قال تعالى: ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)[4] فإنه يجب عليه الأخذ باليسر ولا يجوز له الصوم، وتطبيقه على المقام: إنه لو قامت أمارة على أن وِجهة سفره تبعد 4 فراسخ فإنه بعد حدّ الترخص يجب عليه الإفطار ولا يجوز له الاحتياط بالصوم لاحتمال خطأ الأمارة، فالأمارة حاكمة على الاحتياط محرّمة للعمل به.
 

كونها مرجوحة
2- والمرجوحة: كما لو قامت أمارة (كخبر الثقة بل الثقات) على أن العدّو مثلاً سوف لا يهجم من الجانب الغربي مثلاً أو لا يكون هجومه الليلة، واحتملنا خطأ معلوماتهم فإن الاحتياط حينئذٍ واجب والعمل بخبر الثقة ومطلق الأمارة عنئذٍ محرم إلا إذا كان الاحتمال ملغىً عقلائياً، فمصلحة التسهيل ههنا (في العمل بالأمارة) لا تقاوم مفسدة غلبة العدو.
كونها مساوية
3- والمساوية أو المقاربة: كما في غالب موارد الأمارات الترخيصية التي كانت على خلاف الاحتياط، ولذا خيّر الشارع بينهما تلك العمل بالأمارة كما لك العمل بالاحتياط، فلك أكل طعام السوق ولك الاحتياط بتجنبه، ولك الشراء من ذي اليد ولك الاحتياط بتجنبه لاحتمال كونه مغصوباً أو وقفاً غير مرخص في بيعه مثلاً.
نعم قالوا بأن الاحتياط حسن على كل حال، وإن كنا ناقشنا في إطلاق حسنه حتى في غير ما استلزم اختلال النظام، في موقع آخر والله العالم.
تتيسّر ملاحظة نص الدرس على الموقع التالى: m-alshirazi.com
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
 

[1] - لكونه قمة في العدالة مثلاً ولإيمانه بالعلماء إيماناً مطلقاً من غير توقف على إرجاع الشارع فرضاً.
[2]- مع انه قد يقال بأن العسر والحرج والضرر هي شخصية وليست نوعية، فكيف شملته (وهو لا يقع فيها) الأمارة؟
[3]- الاصول : الدرس (255)
[4] - سورة البقرة : الآية (184)

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2785
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 14 ذي الحجة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16