• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 186- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (4) .

186- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (4)


الفائدة التاسعة عشر : الشك في كون المتكلم في مقام أصل التشريع أو في مقام بيان تمام مراده لا يخل بالإطلاق ؛ لقيام سيرة العقلاء على التمسك به.
ذهب الكثير من الأصوليين إلى أن الشك في الإطلاق إذا كان ناشئاً من الشك في أن المتكلم في مقام أصل التشريع أو أنه في مقام بيان تمام مراده لا يخل بالإطلاق، لقيام سيرة العقلاء على التمسك به ، وهذه السيرة قد أمضاها الشارع.
قال الآخوند قدس سره : لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه ؛ وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ؛ ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان، وبعد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان وإن كان ربما نسب ذلك إليهم ،  ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا جهة للتمسك بها بدون الإحراز والغفلة عن وجهه ،  فتأمل جيداً [1].
بل إذا شك في السعة والضيق كان مقتضى القاعدة إرادة الأوسع  ، خاصة مع إمكان تأسيس أصل عام يقتضي كون الشارع المقدس في كل مورد استخدم فيه مطلقاً في مقام البيان وضرب القاعدة والقانون والخروج منه بقدر ما ثبت فيه التقييد، فتأمل[2].
بحث تمريني :
قد يتوهم أن وجود بناء للعقلاء على حسن أو وجوب التعاون يخل بالإطلاق اللفظي بأقسامه الثلاثة وهي إطلاق الهيئة والمادة والمتعلق، لقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ)[3] نظراً لكون بناء العقلاء دليلاً لبياً لا عموم ولا إطلاق ولا معقد له فيقتصر على القدر المتيقن من حسن أو وجوب التعاون ولو كان له عموم فإنه لا يتمسك في موارد الشك في شمول بناء العقلاء له بإطلاق (وَتَعَاوَنُوا) لأن (وَتَعَاوَنُوا)ناظر إليه ومشير له فلا إطلاق له، وبعبارة أخرى (وَتَعَاوَنُوا) تقرير للبناء العقلائي وإمضاء له لا أكثر، فيقتصر على القدر المتيقن من ما علم بناء العقلاء عليه ،
وفيه تأمل صغرى وكبرى.
أما الكبرى:  فإن وجود دليل لبي مجمل أو مبهم أو أخص لا يسقط المطلق عن إطلاقه ودعوى الناظرية وصرف التقرير دعوى بلا دليل وعلى ذلك بناء العقلاء وجرى عليه الفقهاء وإلا لزم عدم صحة التمسك بـ (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)[4] وغيره لوجود بناء للعقلاء على حلية البيع ودعوى كونه ناظراً له ومقرراً، ولزم عدم صحة التمسك بـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[5] في موارد الشك نظراً لكون العقل هو الحاكم بوجوب العدل، وذلك كما لو فرض شك في حكم العقل بوجوب هذا المصداق الضعيف من العدل كالعدل بين الدابتين وكالعدل الدقي بمقدار شعرة مثلاً إلى غير ذلك من عشرات الموارد.
وأما الصغرى : فقد فصلنا سابقاً أن بناء العقلاء على حسن التعاون على البر والتقوى مطلق وعلى وجوبه غيرياً مطلقاً في كل بر واجب توقف عليه، تعيينا أو تخييراً[6] فيما[7] لم يقم الدليل - ولو ارتكاز المتشرعة- على كفاية أدائه بأي طريق كان، أو نفسياً بناء على المصلحة السلوكية، بل وجوبه مطلقاً حتى عند احتمالها نظراً لقاعدة الدوران بين التعيين والتخيير ـ فتأمل.
وقد يتوهم – أيضاً - أن آية (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) هي في مقام أصل التشريع فلا إطلاق لها.
وفيه ما ذكره السيد الوالد (قدس سره) جواباً على شبهة عدم الإطلاق الأحوالي في آية الذكر وشبهها فلا تشمل حالتي البلوغ وعدمه، قال: وفيه أنه لو انهدم الإطلاق بهذه التشكيكات لم يبق لنا إطلاق أصلاً مثلاً نقول لا إطلاق لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)[8]  لأنه بيان حلية البيع في الجملة مقابل تحريم الربا وهو غير ناظر إلى أقسام البائع كالأصيل والوكيل والحر والعبد ونحوها، ولا إلى أقسام البيع كالسف والنسيئة والنقد وقبل القبض ونحوها، ولا إلى أقسام المبيع كالذر والبستان والأموال ونحوها وكذا غير هذه الأمور فلا يصح التمسك بإطلاق هذه الآية على أنه لو شك في الإطلاق كانت أصالة الإطلاق محكمة[9].
والظاهر أن القسم الأول المذكور في كلامه (قدس سره) من الإطلاق الأحوالي ، والقسمين الأخيرين من الإطلاق الافرادي [10] .

الفائدة العشرون : أن العلية لكل من العام والمطلق موقوفة على الأصل ؛ إما لإثبات المقتضي ، أو لرفع المانع.
إن العلية التامة لكل من العام والمطلق موقوفة على الأصل، إما لإثبات المقتضي أو لرفع المانع ؛ ضرورة أن الوضع ليس علة تامة للظهور وكشف المراد الجدي، فكما أن الإطلاق يتوقف على نفي القرينة على الخلاف - أي نفي التقييد ولو بالأصل-  كذلك العموم [11] يتوقف على نفي المخصص ولو بالأصل، فكلا الظهورين تعليقي  ، فكما أن رفع المانع عن العموم بالأصل[12] يثبت إرادة العموم، كذلك إجراء  أصالة عدم وجود مقيد في جانب المطلق مما يسبب تمامية المقتضي و يثبت إرادة الإطلاق [13].

الفائدة الحادية والعشرون : يمكن الاستغناء عن أولى مقدمات الحكمة :إما لأن المطلق ذاتي السريان ، أو أنه موضوع للشياع والسريان، أو أن السريان مقتضى سيرة أهل المحاورات .
يمكن القول: بأن المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة[14] غير محتاج إليها [15]، وأن وزان المطلق من هذه الجهة هو وزان العام ؛  فكما لا تتوقف دلالة العام على العموم على أولى مقدمات الحكمة  ،  كذلك لا تتوقف دلالة المطلق على الشمول عليها، وذلك بأحد ثلاثة وجوه :
أما الوجه الأول : وهو أن المطلق ذاتي السريان
حيث إن المطلق  - سواء أكان أسم جنس، أم نكرة ، أم مفرداً محلى بأل -  يدل على الطبيعة والمفهوم  وسريان الطبيعة في أفرادها وانطباقها عليها ذاتي لها ؛ فلا حاجة إلى ضم مقدمة خارجية ، وإلى ذلك ذهب السيد الوالد قدس سره  في الأصول ،  حيث قال في رده  على كلام صاحب الكفاية  قدس سره [16] : ((إذ اللفظ موضوع للماهية وهي موجودة في كل الأفراد ؛ فلا حاجة إلى دليل على السريان حتى يحتاج إليها))[17]  ، أي إلى مقدمات الحكمة.
وقال قدس سره قبل ذلك : ((الظهور في المطلق كسائر الظهورات بين مشتركين ، أو مجازين،  أو إحداهما، لا يحتاج إلا إلى عدم القرينة على الخلاف ، أما قولهم: باحتياجه إلى مقدمات الحكمة  من كون المولى في مقام البيان،  وعدم نصب القرينة  ، وعدم القدر المتيقن في مقام التخاطب ،  فيرد عليه  - بالإضافة إلى أن الثالث من مصاديق الثاني وانه لا شأن لليقين في مباحث الظهورات - عدم الاحتياج إلى الأول فيه ،  خاصة بعد كون ظاهر كلام الحكيم كافياً في وجوب العمل به)) [18].
أقول: الظاهر أن مبناه أن الإطلاق قائم باللفظ لا باللافظ ، وأن الإرادة الاستعمالية دليل على الإرادة الجدية ،  ويؤكده قوله فيما سبق : ((المطلق الذي عرّف : بأنه الشائع في جنسه – على ما أورد عليه من الإشكالات – وفي قباله المقيد، صفة المعنى لا اللفظ)) [19] ، إذ يبدو أنه قد اختاره رغم ما فيه من الإشكالات التي يرى البعض – كصاحب الكفاية - عدم أهميتها  ؛ لأن التعريف اشبه بشرح الاسم  ، وليس بالحد  ، ولا بالرسم.
كما يؤكده أيضاً تقسيمه الإطلاق إلى موضوعي وحكمي  ، إذ قال قدس سره : ((وتعلق الحكم به [20] ، وعدمه  بمعزل عن الوصف المذكور؛  لوضوح أن ((الإنسان)) مطلق وإن لم يتعلق به وضع أو تكليف ، فقول السيد البروجردي قدس سره  - إن الاتصاف بلحاظ الحكم - غير ظاهر)) [21] .
ومنه يظهر أنه في عبارته السابقة [22] قد انتقل من الإطلاق الموضوعي إلى الحكمي.
فقد يقال: إنه كان الأولى أن يجمد على الموضوعي ؛ لأنه مبناه الظاهر من رده للبروجردي وغيره، فتدبر ، وتأمل [23].
وأما الوجه الثاني: وهو أن المطلق موضوع للشياع والسريان
حيث إن الشياع جزء الموضوع له فيها، قال صاحب الكفاية قدس سره  ((نعم ، لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعاً لما قيد بالإرسال والشمول البدلي؛  لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق، إلا أن الكلام في صدق النسبة))[24] ، ثم أشكل عليه بقوله : ((ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروِّ التقييد غيرُ قابل، فإن ما له من الخصوصية ينافيه ويعانده ، وهذا بخلافه بالمعنيين [25]، فإن كلا منهما له قابل ؛ لعدم انثلامهما بسببه أصلاً  كما لا يخفى ؛ وعليه لا يستلزم التقييد تجوزاً في المطلق ؛ لإمكان إرادة معنى لفظِهِ منه وإرادة قيده من قرينةِ حالٍ أو مقال ، وإنما استلزمه [26] لو كان بذلك المعنى [27] ))[28] .
وقال قدس سره قبل ذلك : ((مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد، وإن كان يعم كل واحد منها بدلاً أو استيعاباً)) [29] .
وعلى أية حال فإن من ذهب إلى هذا الوجه – ولعله المشهور – فهو في غنى عن المقدمةالأولى ، وإن اشكل عليه بلزوم التجوز في استعمال المطلق في أفراده حينئذٍ .
وأما الوجه الثالث :وهو السريان مقتضى سيرة أهل المحاورات
حيث  إن سيرة العقلاء جرت على التمسك بالمطلقات حتى بدون إحراز حال المتكلم ، وأنه كان في مقام البيان أولا، وهذا هو الذي ارتضاه الآخوند  قدس سره حيث قال : (( بقي شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، هو كونه بصدد بيانه ؛ وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة . ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم إحراز كون مُطلِقها بصدد البيان، وبُعد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان ،وإن كان ربما نسب ذلك إليهم، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز والغفلة عن وجهه ،فتأمل جيداً )) [30].
أقول: وحيث توهم الآخوند دوران الوجه بين الأخيرين فقد حصره بهما ، واستبعد كون الوجه هو ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع ،  فقال :((ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز [31]، والغفلة عن وجهه))  إلا أنك قد عرفت أن هنا وجهاً آخر ، وهو الوجه الأول، ولعل المشهور نظروا إليه لا إلى ما نُسب إليهم : (( من كون الشياع جزء الموضوع له))  ؛ ليرد عليهم لزوم التجوز في استعمال المطلق في أفراده، وغير ذلك من كلام ، فتأمل[32].

الفائدة الثانية والعشرون : الإطلاق لا يتوقف على لحاظ الحيثيات والجهات خلافاً للمشهور ، لأن نتيجته قهرية لا قصدية ، وعلى الأول يكون وزان المطلق وزان العام.
المشهور أن الإطلاق متوقف على لحاظ المولى- تفصيلاً أو حتى اجمالاً  -  الحيثيات والجهات وجمعها على مبنى  ، ورفضها على مبنى آخر ؛  فإذا كان في مقام بيان تمام ما له دخل في ثبوت حكمه لموضوعه دل عدم ذكر القيد[33] على عدم أخذه في موضوع حكمه  .  
وقد يقال: إن الإطلاق غير متوقف على ذلك ؛ بل هو نتيجة قهرية [34] وليس قصدية لجعل الحكم على الكلي الطبيعي ، وبما أن وجوده بوجود مصاديقه ، ووجودها بوجوده ؛ كان انطباقه على كل الأفراد بجهاتها قهرياً غير محتاج إلى الالتفات و القصد حتى الإجمالي[35]؛ ويكفي في الزامه بحكمه جعله حكمه على الطبيعي بما هو طبيعي.
وعلى الأول: يختلف المطلق عن العام  ؛ ويكون أدون منه محكوماً به ، أو موروداً عليه ، وعلى الثاني يكون وزان المطلق وزان العام [36].

------------------
[1] كفاية الأصول : ص 388.
[2] فقه الشورى: ص 126.
[3] سورة المائدة: 2.
[4] سورة البقرة : 275.
[5] (النحل 90).
[6] التخيير لو أمكن تحقيق البر وأداؤه بالتعاون وبغيره على سبيل البدل.
[7] هذا قيد تخييراً ويلاحظ أن عدم قيام الدليل على الكفاية كاف في كونه تعيينياً لمكان إطلاق المادة.
[8] سورة البقرة : 275.
[9] الفقه:  ج1 ص 201.
[10] فقه التعاون على البر والتقوى : 96.
[11] أي كشف إرادة المتكلم للعموم نوعاً - من العام - موقوف على عدم ورود مخصص.
[12] أصالة عدم وجود المخصص.
[13] شورى الفقهاء: ص 149.
[14] وهي إحراز كون المولى في مقام البيان .
[15] لأنها تحصيل حاصل على الوجه الأول والثاني، وأما على الثالث ؛ فلإحرازها دوماً بالأصل.
[16]  كفاية الأصول : ص243 وهذا نص كلامه :  قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على المهية المبهمة وضعاً ، وإن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجاً عما وضع له ؛ فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال ، أو مقال ، أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات.
[17] الأصول : ج1 ص 561 .
[18]  الأصول : ج1 ص 561
[19] الأصول : ج1 ص 553.
[20] أي بالمطلق.
[21] الأصول ج1 ص553.
[22] وهي قوله قدس سره : (( خاصة بعد كون ظاهر كلام الحكيم كافيا في وجوب العمل به )) .
[23] إذ ليس خلطاً بين الإطلاقين، بل أنه أخذ الأول مرآة للثاني ، فتدبر.
[24] كفاية الأصول : 247.
[25] أي : المطلق بمعنى نفس الطبيعة فقط في اسم الجنس ،  أو بمعنى الطبيعة المقيدة بقيد الوحدة في النكرة )) الوصول إلى كفاية الأصول : ج3 ص242.
[26] أي استلزم التقييد التجوز.
[27] المنسوب للمشهور.
[28] كفاية الأصول : 247 .
[29] كفاية الأصول : 244 ، وللمزبد انظر: الوصول إلى كفاية الأصول : ج3 ص 227  .
[30] كفاية الأصول: ص 248.
[31] أي : لا وجه إلا قولهم : بأنها موضوعة للسريان والشياع.
[32] التبعيض في التقليد : ص 85.
[33] مع إحراز التفاتة للجهات والقيود المحتملة.
[34] ولا نقصد العلية ، بل الاقتضاء التام ، الذي لولا المانع لكان فعليَّ الاقتضاء ومنجزَّة.  
[35] نعم ، قصده العدم مانع  ، لكن لا بد له من مبرز ، وإلا كان الأصل عدمه.
[36] التبعيض في التقليد : ص 175.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2743
  • تاريخ إضافة الموضوع : ٢٩ شوال ١٤٣٨هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28