• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 147- بحث فقهي: تلخيص وموجز الأدلة الدالة على حرمة مطلق اللهو وعمدة الإشكالات عليها .

147- بحث فقهي: تلخيص وموجز الأدلة الدالة على حرمة مطلق اللهو وعمدة الإشكالات عليها

بحث فقهي: تلخيص وموجز الأدلة الدالة على حرمة مطلق اللهو وعمدة الإشكالات عليها*
 
نتيجة البحث وموجز الأدلة وعمدة الإشكالات عليها
لم يتم لنا دليل واحد من الآيات والروايات على حرمة مطلق اللهو، سواء فسرنا اللهو بـ: أ: مطلق اللعب لا لغرض عقلائي، ب: أم فسرناه بما كان عن بطر المفسّر بشدة الفرح، أو بما كان معه نوع كبر وخيلاء، ج: أم فسرناه بما لم يكن لغرض عقلائي وكان انبعاثه عن القوى الشهوية بالمعنى الأعم للشهوة، وهي المعاني الثلاثة التي ذكرها الشيخ للّهو والتي قوّى حرمة ثانيها.
 
موجز مناقشة الاستدلال بالآيات الكريمة
الآية الأولى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[1].
ويرد على الاستدلال بها:
أولاً: أن الظاهر أن الذم هو على (وَتَرَكُوكَ قَائِماً) ويؤكده الذم على التجارة في الآية، أو على مجموع (انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً)، بل ومع الاحتمال فإنه يسقط الاستدلال.
وثانياً: أن غاية ما تفيده هو الذم[2]، ولا ملازمة بين الذم والحرمة، بل الملازمة إنما هي بين الحرمتين أو بين الذمين حسب قاعدة الملازمة بطرفيها[3]، ولا ملازمة بين الذم الشرعي والحرمة العقلية أو الشرعية، ولا بين الذم العقلي والحرمة الشرعية أو العقلية، كما فصلناه في رسالة في قاعدة الملازمة بين حكمي الشرع والعقل.
وأما ما سبق من الإشكال بالإرشادية، ففيه ما فصلناه: مبنىً ـ في (الأوامر المولوية والإرشادية) ـ: من أن التعليل بأمر دنيوي بل الأعم منه ليس دليلاً على الإرشادية، فراجع،وصغرىً: إنه لا ظهور في آخر الآية في كونه تعليلاً، بل إنه مجرد حض وتشويق وبيان لأجرِ من يلتزم، فتأمل.
الآية الثانية: قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[4].
والجواب: إن الآية لا تدل إلا على حرمة ما كان للإضلال عن سبيل الله، فيكون ما كان كذلك حراماً، سواء أكان لهواً أم كان جداً، وأما ما لم يكن للإضلال كاللهو في حد ذاته مما لم يقع مقدمة للإضلال عن سبيل الله، ولا كان مقارناً[5] للحرام[6]، فلا تدل الآية على حرمته.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)[7].
والجواب: إن غاية ما تدل عليه الآية مدحهم على هذه الصفة، فيكون الإلتهاء باللهو أو بالتجارة عن ذكر الله مكروهاً، وأما الإلتهاء عن ذكر الله الواجب فمحرم، سواء بلهو أم غيره، فلا يفيد حرمة عنوان اللهو بذاته.
إضافة إلى استظهار أن (تلهيهم) هنا هي من مادة اللهي لا اللهو.
الآية الرابعة: قوله تعالى: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ)[8].
والجواب: إنها لا تدل على أكثر من عدم كون اللهو من شأنه تعالى[9]، وأين هذا من الدلالة على حرمة اللهو على العِباد؟!
الآية الخامسة: قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...)[10].
والجواب: إن الظاهر أن الذم والتحريم والعقوبة مصبّها الإعراض عن ذكر الله المراد به الإنكار، بقرينة السياق وشأن النزول، وقوله تعالى: (مُعْرِضُونَ) و(الَّذِينَ ظَلَمُوا) وغيرها، لا مطلق لهو القلب أو الجوارح حتى وإن تجرد عن الإنكار والاستخفاف وطرح ما ذُكِّروا به.
الاية السادسة: قوله تعالى: (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ)[11].
والجواب: إنها لا تدل على حرمة أكثر من إلهاء التكاثر عن فعل الواجبات، إضافة إلى استظهار أنها مأخوذة من مادة اللهي لا اللهو.
 
موجز مناقشة الاستدلال بالروايات الشريفة
مضى الإشكال على الاستدلال بالطوائف الثمانية من الروايات بشكل تفصيلي، ولنشر ملخصاً إلى أهم إشكال على كل طائفة:
الطائفة الأولى: ما دل على حرمة (ما يكون منه وفيه الفساد محضاً، ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح)، كما في رواية تحف العقول.
وفيه: إنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ لا دليل على أن مطلق اللهو فيه ومنه الفساد محضاً، وهذا مع قطع النظر عن تحقيق كون الواو في (ولا يكون...) للجمع[12] أو للتقسيم[13].
الطائفة الثانية: رواية الأعمش حيث عدّ في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله.
وفيه: إنها مقيدة بـ(التي تصد عن ذكر الله) حتى مع القول بأن الملاهي جمع الملهى مصدراً لا الملهاة اسم آلةٍ.
الطائفة الثالثة: قوله (عليه السلام): ((كلما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر)).
وفيه: أن اللّهْي غير اللَّهْو، والثاني هو مورد البحث، والرواية موضوعها الأول، وأن المراد بـ(ذكر الله) هنا الواجب منه.
الطائفة الرابعة: قوله (عليه السلام): ((إنما خرج في لهو لا يقصرّ)).
وفيه: إنه لا يدل على حرمته، بل لعله ـ السفر اللهوي ـ عنوان مستقل يقتضي التمام إلى جوار عنوان فعل المحرم.
سلمنا[14]، لكنه لا يدل على أكثر من أن الخروج للصيد اللهوي حرام لا مطلق اللهو، ولم نتطرق لدى ذكر الطائفة الخامسة من الروايات إلى هذه المناقشة، إلا أنها بلحاظ ما ذكرناه لاحقاً في تحقيق القياس الذي شكله الشيخ في الطائفة السادسة والسابعة، تامة[15].
الطائفة الخامسة: قوله (عليه السلام) في جواب من سأله عن السماع: ((وهو في حيز اللهو)).
وفيه: تعددت إطلاقات اللهو، وأن المراد باللهو هنا المعنى الأخص، فلا يفيد حرمة اللهو بمعناه الأعم، ودلالة قرينة السؤال والجواب على حرمة اللهو الذي انطبق على الغناء ونظائره، لا تقتضي حرمة مطلق اللهو.
الطائفة السادسة: ما دل على أن اللهو باطل، بضميمة ما دل على أن الباطل حرام.
وفيه: عدم تكرر الحد الأوسط في القياس، إذ للباطل إطلاقات عديدة.
الطائفة السابعة: رواية سماعة وفيها: ((فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم)).
وفيه: إنها لو دلت على الحرمة لما دلت إلا على حرمة ما كان (من ذلك الضرب) بل وما كان شماتة بآدم ـ وضعاً أو قصداً ـ لا مطلق الملاهي وإن سلمنا أنها جمع الملهى لا الملهاة.
الطائفة الثامنة: روايات المقامرة و((لا سبق إلا...)).
وفيه: لم يثبت أن السبق بسكون الباء بل لعلها بفتحها.
فتحصل: أنه لا يحرم من اللهو إلا ما ورد بعنوانه الخاص في الروايات كالغناء والشطرنج ونظائرهما، فيبقى غيرها كالتصفيق والضرب بالطشت وأنواع اللهو واللعب على أصالة الحل، نعم لا شك في كون اللهو بما هو هو مرجوحاً، فإنه تضييع للعمر والوقت والمال وتبديد للنعمة، وقد قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[16] وقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[17].
ويؤكد ما ذكرناه: أن المشهور[18] لم يذهبوا إلى حرمة اللهو بقول مطلق.
ولذا قال السيد الوالد (رحمه الله): (والروايات ـ بعد ضعف إسناد جملة منها وعدم عمل المشهور بمثل هذا الإطلاق ـ ضعيفة الدلالة، لأنها محفوفة بقرائن تدل على أن المراد منها: الغناء والقمار وما أشبه ذلك من المحرّمات.
ولو فرض تمامية السند والدلالة، فما دل على الجواز مما تقدّم[19] أقوى، فالجمع يقتضي الكراهة)[20].
------------------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2595
  • تاريخ إضافة الموضوع : 23 جمادى الآخرة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18