• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 137- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((والله إنّا لا نعد الرجل فقيهاً حتى يعرف لحن القول)) .

137- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((والله إنّا لا نعد الرجل فقيهاً حتى يعرف لحن القول))

من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((والله إنّا لا نعد الرجل فقيهاً حتى يعرف لحن القول))*
 
روى أبو عبيدة عن الإمام أبي جعفر(عليه السلام): ((يا أبا عبيدة، إنا لا نعد الرجل فقيهاً حتى يعرف لحن القول، وهو قول الله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل)))[1].
وجاء في كتاب التوحيد للصدوق: ... عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال لي: ... يا أبا عبيدة، خالقوا الناس بأخلاقهم، وزايلوهم بأعمالهم، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلاً حتى يعرف لحن القول، ثم قرأ هذه الآية: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل)))[2].
كما روى النعماني في الغيبة: قال أبو عبد الله(عليه السلام): ((خبر تدريه خير من عشر ترويه، إنّ لكل حق حقيقة، ولكل صواب نوراً، ثم قال: إنّا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن)) [3].
 
أقسام اللحن:
قال السيد المرتضى: اللحن ((إشارات إلى الأغراض وتلويحات بالمعاني))[4].
أقول: الظاهر أن اللحن يشمل أنواعاً ستة، ذكر منها المرتضى قسمين، وهي:
1 ـ الإشارات للأغراض؛ إذ قد يذكر أمراً لا يقصده بما هو هو[5]، بل بما هو مشير للغرض منه والغاية[6] .
2 ـ التلويحات للمعاني، والتلويح هو الإشارة للشيء من بعيد، ومن المعاني: البطون.
3 ـ الإشارة للعلل والأسباب، من علل تامة أو ناقصة مُعِدّة أو غيرها[7].
4 ـ الإشارة للمقارِنات، والتي هي في عرض الكلام، والتي لا يُتوصَّل إليها بالاستعمال، بل بالانتقال، كما سبق تفصيله.
5 ـ التجوُّز: فإن مطلق المجاز هو من أنواع اللحن؛ إذ اللحن هو: الميل وإن فسره بعضهم بخصوص هذا المعنى الأخير[8]، فقال: ((اللحن أن تلحن بكلامك، أي:  تميله إلى تجوّز ليفطن له صاحبك[9]))[10].
لكن الظاهر أنه ـ كتفسير المرتضى ـ  مجرد تفسير بالمصداق، أو خلط بين اللحْن بالسكون، واللحَن بالفتح، ولعل هذه الخمسة يجمعها فحوى القول الذي فسر لحن القول به.
6 ـ الخطأ والغلط، فلو أخطأ في الإعراب فقد ألحن، ولو قال كلاماً غير مطابق للواقع فهو غلط ولحن، ولو أنه قصد به امتحان السامع لكان من مصاديق هذه الرواية.
ولعل (اللحن) مشترك لفظي بين هذا الأخير وبين الجامع بين المعاني الخمسة السابقة، وقد يقال بالجامع بينها بأجمعها؛ إذ قيل للمخطئ لاحن؛ لأنه يعدل بالكلام عن الصواب.
والحاصل: إن ((اللحن إمالة شيء من جهته))[11] الصحيحة، بل عن جهته مطلقاً، أو: ((الميل عن جهة الاستقامة))[12].
وجاء في تفسير الصافي: (((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)[13] في أسلوبه وإمالته إلى جهة وتورية))[14].
وفي الكشاف: ((وقيل: اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية))[15].
ولعله خلط بين معنيين لمادتين: الأولى: اللحْن بسكون الحاء، وهي مورد الكلام، والثانية: اللحَن بفتحها، وهي تعني الفطنة والذكاء، وفي الحديث: ((وبعضكم ألحن بحجته))[16]، هي من اللحن بالفتح أي افطن إليها. فتأمل.
وقد فسرّ بعض الفقهاء[17] هذه الروايات بهذا القسم الأخير، وإن مقياس الفقاهة هو أن يُلحن له، أي: أن تذكر له المسألة بنحو خاطئ، فإن عرف وجه الخطأ فهو فقيه.
لكن يرد عليه: أولاً: إن حصر (اللحن) في الرواية ـ الذي عدّه(عليه السلام) مقياس الفقاهة ـ في السادس لا وجه له، بل الظاهر شموله للأقسام الستة.
ثانياً: إن هذا السادس نادر؛ إذ يندر[18] ـ لو فرض وجوده ـ أن يتكلم الإمام(عليه السلام) بكلام خاطئ لمجرد أن يمتحن السامع، أو يبين منزلته.
نعم، موارد التقية كثيرة وكذا التورية، لكن الغرض منها ليس ما ذكر عادة، بل ليسا هما من الغلط والخطأ، فتأمل؛ إذ التقية قد تكون بالتورية، وقد تكون بالكلام الخاطئ غير المطابق للواقع بوجهٍ دون أن يكون له محمل صحيح، ودون أن يقصده، إضافة إلى أن الظاهر شمول إطلاق كلام الإمام(عليه السلام) للتقية والتورية بمختلف أنواعهما، فالتقييد بغرض امتحان السائل لا وجه له، خاصة في (لحن القول...) وإن أمكن القول به في (يلحن له).
وعلى أي: فإن المراد بهذا الأخير: إن الفقيه هو مَن بيده المرجعيات والقواعد والأصول، بحيث إذا ذكروا له مسألة خاطئة ـ سهواً أو عمداً ـ أمكنه معرفة اللحن والخطأ بالرجوع إلى تلك الأُصول والقواعد.
-------------------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2535
  • تاريخ إضافة الموضوع : 22 جمادى الأولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28