• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 136- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا)) .

136- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا))

 من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا))*

روى في الاختصاص: ((أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إن كلامنا ينصرف على سبعين وجهاً))[1].
 
المراد بـ  (معاني كلامنا):
وقوله(عليه السلام) (معاني كلامنا) يفيد أنها واقع وحق، وأنها بأجمعها مراده، فتشمل الوجوه الستة السابقة، كما أنَّها ليست تقيةً كما ليست من بعض أنواع التورية.
والحاصل: إن (معاني كلامنا) تشمل البطون ـ وهي الطولية ـ والمعاريض ـ وهي العرضية على التفسير الأخص كما سبق ـ وبعض أقسام التورية الأربعة، كما تشمل أقسام الظاهر بنفسه أو بالقرائن.
وقوله: (ينصرف) أعم من كونه من باب الجامع والأفراد، أو الاشتراك اللفظي أو الانتقال، أو كونه مجملاً أو متشابهاً[2].
ثم المتشابه على درجات، كما أنَّه نسبي، فإن ما هو متشابه بالنسبة لشخص قد يكون مجملاً بالنسبة لشخصٍ آخر، وعليه: فكلامهم الشامل لسبعين بطناً أو مِعراضاً يكون متشابهاً بحسب بطن أو بطون لأشخاص، ومحكماً بحسبها لأشخاص آخرين. ومن ذلك تُعرف مراتب الرواة[3].
 
المراد بـ (الوجه) في هذه الروايات:
وأما (الوجه) فله معانٍ عديدة، إلا أن ما يحتمل انطباقه على الوجه في هذه الروايات ونظائرها هو أحد معنيين:
 
الأول: الوجه بمعنى الجهة، كقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ...)[4]،  أي: هناك جهة الله ـ أي: جهته التي أمر الله بها[5]ـ كما فسرها البعض[6]، ولكن فسرها السيد الوالد(رحمه الله) في التبيين بقوله: ((أي ذاته، فإن الله تعالى لا مكان له))[7] [8].
وفي تفسير الصافيِ: ((قيل: أي‏ ذاته‏؛ إذ لا يخلو منه مكان‏ إِنَّ اللَّهَ وسِع‏ ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده،‏ عَلِيمٌ‏ بمصالح الكل، وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة))[9].
وقال القمي: ((... فإنها نزلت في صلاة النافلة، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر، وأما الفرائض فقوله: (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[10] يعني الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة))[11].
وفي بعض الروايات[12]: تفسير وجه الله بأمير المؤمنين(عليه السلام) فإن وجه الشيء غير الشيء، والوجه هو ما يتوجه به الإنسان إلى الله تعالى، كما تقول: وجه القوم.
قال في تفسير الصافي: ((وفي‏ الاحتجاج‏ عن‏ أمير المؤمنين(عليه السلام): إن وجه اللَّه هم الحُجج الذين قرنهم اللَّه بنفسه وبرسوله، وفرض على العباد طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه))[13].
كما روى الشيخ الطوسي رواية مطولة بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل،  وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟ فقال: ((يا داود، نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام،  ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ)[14]، ونحن الآيات ونحن البينات، وعدوُّنا في كتاب الله عز وجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب، والأزلام والأصنام والأوثان، والجبت والطاغوت، والميتة والدم ولحم الخنزير. يا داود، إن الله خلقنا فأكرم خلقنا، وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضداداً وأعداءً، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء، وأحبها إليه، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتقين))[15].
أقول: قوله(عليه السلام): (نحن الصلاة...) قد يكون المراد بها: التأويل لا التفسير، أو الباطن لا الظاهر، والكناية التي صرّح بها الإمام(عليه السلام): (وكنَّى عن أسمائنا) هي من التأويل أو من الباطن، فيكون المراد من تلك الأسماء (القرآنية) معاريضها أو ما وُرّي به عنها، من دون مانعة جمع بين إرادة معانيها الحقيقية والكنائية معاً كما سبق، كما يحتمل غيرهما أيضاً[16]، فتدبر.
 
الثاني: أن يكون الوجه بمعنى القصد والمقصد، كقوله تعالى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً..)[17]، أي: أقم قصدك[18]، أي: اجعله خالصاً لله قائماً له ـ كما فسرها البعض ـ وفسرها السيد الوالد(رحمه الله) في (تبيين القرآن) بـ ((أي: أُمرت بإقامة الوجه للدين، بأن لا أصرف وجهي عن الإسلام))[19].
فـ (سبعين وجهاً) يعني سبعين جهة أو سبعين قصداً ومقصداً، والفرق: إن الجهة قائمة بالكلام نفسه أما القصد فقائم بالمتكلم.
ويتفرع عليه: إن الجهات لو كانت قائمة بالكلام لكانت لها ضوابط، وأمكن الوصول إليها احتمالا[20]، عكس ما لو كانت قائمة بالمتكلم؛ إذ لا مساغ لنا إلى ذواتهم المقدسة، فلا تؤخذ إلا منهم. ولهذا تفصيل لا يسعه المقام.
--------------------------------------
 
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2528
  • تاريخ إضافة الموضوع : 20 جمادى الأولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28