• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 133- من فقه الحديث: قوله (عليه السلام): ((إني لأتكلم على سبعين وجهاً)) .

133- من فقه الحديث: قوله (عليه السلام): ((إني لأتكلم على سبعين وجهاً))

من فقه الحديث: قوله (عليه السلام): ((إني لأتكلم على سبعين وجهاً))*
روى في بصائر الدرجات والاختصاص عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: ((إني لأتكلم على سبعين وجهاً لي في كلها المخرج))[1].
وروى عنه أيضاً: ((إنّا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجهاً لنا من كلها المخرج))[2].
 
مفاد: (إني أتكلم) و(إنا لنتكلم)
وهنا نجد أن الإمام(عليه السلام) عبّر تارة بـ (إني لأتكلم) في الرواية الأولى، وبـ (إنا لنتكلم) في الرواية الثانية، والظاهر أن وجهه هو أنه(عليه السلام) لو اقتصر على (إني) لما أفاد إلا أنه طريقته (عليه السلام)، فلعلها خاصة به(عليه السلام)، لظروف معينة دون سائر المعصومين(عليهم السلام)، أما حيث قال: (إنا لنتكلم) فإنه أفاد أن هذه المنهجية هي منهجية عامة الأئمة(عليهم السلام) وطريقتهم. فلابد من أخذها بعين الاعتبار في فقه كلامهم ودرايته، كما أنَّه حيث قال: (إني لأتكلم) أفاد أن طريقته أيضاً كذلك، كي لا يتوهم أن ظروفه ـ مثلاً ـ بنحو آخر[3] لا تستدعي التكلم بكلمات لها من الوجوه سبعون، أو لا يتوهم أن الحاجة انتفت في زمنه إلى التكلم بهذا النحو أو شبه ذلك.
 
الفرق بين  (في) و (من):
ولا بد من التدبر ـ أيضاً ـ في وجه اختلاف تعبير الإمام(عليه السلام)، حيث عبر بـ(من) في إحدى الروايتين، وبـ (في) في الأخرى.
ولعل ظاهر قوله: ((لي في كلها المخرج)) أن الوجوه السبعين هي مراده بالإرادة الجدية، وفي كل واحد منها مخرج عن الاعتراض عليه والإشكال، فتنطبق على البطون والمعاريض[4].
وقوله: (لنا من كلها المخرج) يراد به أن الوجوه السبعين ليست بمراده بالإرادة الجدية، وهناك مخرج عن كلها، فتنطبق على التقية والتورية.
ويتجلى ذلك أكثر عبر تشبيه المعقول بالمحسوس، فإنه فرق كبير بين قولك: (لي من هذه الدار المخرج) فإنه يراد به ما ينفع للخروج منها، أو قلت: (لي في هذه المخرج) فإنه يدل على أن المخرج هو في داخلها مع البقاء فيها، وفي حدودها ودائرتها.
كما أنَّه يمكن القول: إنّ الرواية الأولى تشير إلى أن الكلام له سبعون وجهاً، والرواية الثانية تشير إلى أن الكلمة لها سبعون وجهاً؛ إذ التكلم غير المتكلم به، فتأمل.
 
المراد بـ (الوجه) في هذه الروايات:
وأما (الوجه) فله معانٍ عديدة، إلا أن ما يحتمل انطباقه على الوجه في هذه الروايات ونظائرها هو أحد معنيين:
الأول: الوجه بمعنى الجهة، كقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ...)[5]،  أي: هناك جهة الله ـ أي: جهته التي أمر الله بها[6]ـ كما فسرها البعض[7]، ولكن فسرها السيد الوالد(رحمه الله) في التبيين بقوله: ((أي ذاته، فإن الله تعالى لا مكان له))[8][9].
وفي تفسير الصافيِ: ((قيل: أي‏ ذاته‏؛ إذ لا يخلو منه مكان‏ إِنَّ اللَّهَ وسِع‏ ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده،‏ عَلِيمٌ‏ بمصالح الكل، وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة))[10].
وقال القمي: ((... فإنها نزلت في صلاة النافلة، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر، وأما الفرائض فقوله: (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[11] يعني الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة))[12].
وفي بعض الروايات[13]: تفسير وجه الله بأمير المؤمنين(عليه السلام) فإن وجه الشيء غير الشيء، والوجه هو ما يتوجه به الإنسان إلى الله تعالى، كما تقول: وجه القوم.
قال في تفسير الصافي: ((وفي‏ الاحتجاج‏ عن‏ أمير المؤمنين(عليه السلام): إن وجه اللَّه هم الحُجج الذين قرنهم اللَّه بنفسه وبرسوله، وفرض على العباد طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه))[14].
كما روى الشيخ الطوسي رواية مطولة بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل،  وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟ فقال: ((يا داود، نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام،  ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ)[15]، ونحن الآيات ونحن البينات، وعدوُّنا في كتاب الله عز وجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب، والأزلام والأصنام والأوثان، والجبت والطاغوت، والميتة والدم ولحم الخنزير. يا داود، إن الله خلقنا فأكرم خلقنا، وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضداداً وأعداءً، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء، وأحبها إليه، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتقين))[16].
أقول: قوله(عليه السلام): (نحن الصلاة...) قد يكون المراد بها: التأويل لا التفسير، أو الباطن لا الظاهر، والكناية التي صرّح بها الإمام(عليه السلام): (وكنَّى عن أسمائنا) هي من التأويل أو من الباطن، فيكون المراد من تلك الأسماء (القرآنية) معاريضها أو ما وُرّي به عنها، من دون مانعة جمع بين إرادة معانيها الحقيقية والكنائية معاً كما سبق، كما يحتمل غيرهما أيضاً[17]، فتدبر.
الثاني: أن يكون الوجه بمعنى القصد والمقصد، كقوله تعالى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً..)[18]، أي: أقم قصدك[19]، أي: اجعله خالصاً لله قائماً له ـ كما فسرها البعض ـ وفسرها السيد الوالد(رحمه الله) في (تبيين القرآن) بـ ((أي: أُمرت بإقامة الوجه للدين، بأن لا أصرف وجهي عن الإسلام))[20].
فـ (سبعين وجهاً) يعني سبعين جهة أو سبعين قصداً ومقصداً، والفرق: إن الجهة قائمة بالكلام نفسه أما القصد فقائم بالمتكلم.
ويتفرع عليه: إن الجهات لو كانت قائمة بالكلام لكانت لها ضوابط، وأمكن الوصول إليها احتمالا[21]، عكس ما لو كانت قائمة بالمتكلم؛ إذ لا مساغ لنا إلى ذواتهم المقدسة، فلا تؤخذ إلا منهم. ولهذا تفصيل لا يسعه المقام.
 -------------------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2521
  • تاريخ إضافة الموضوع : 13 جمادى الأولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28