• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 108- فائدة اصولية: السياق و درجاته وحجيته .

108- فائدة اصولية: السياق و درجاته وحجيته

فائدة اصولية: السياق و درجاته وحجيتها*

الظاهر أنّ السياق على أنواع فتارة يكون السياق من القوة بحيث يصنع ظهوراً أو يسقط الظاهر عن ظهوره، وتارة أخرى لا يمتلك القوة فيبقى الإطلاق على إطلاقه والعموم على عمومه غاية الأمر ان يكون مؤيداً.
التشكيكية في الظهور السياقي وأثرها
والمستظهر أنّ السياق على درجات مختلفة من الظهور، فتارة يكون الظهور السياقي قويا وهو على ثلاثة أقسام من حيث إخلاله باحدى مقدمات الحكمة الثلاثة، وتارة أخرى يكون ضعيفا فلا يخل بالإطلاق او العموم. 
من أمثلة السياق الضعيف 
إن السياق إذا كان ضعيفا تقدم عليه الظهور اللفظي – إطلاقا او عموما – ومن ذلك:
أ- صم يوماً صم يوماً
ما ذكره الميرزا النائيني قدس سره في فوائده[1] ــــ ولكن بتأطير آخر ـــ وهو ما: (لو قال المولى صُم يوما صم يوما)، ففي مثل هذه الجملة يقع التعارض بين الظهور السياقي في التعدد والذي مفاده التأسيس فيكون المراد هو صيام يومين وبين الظهور اللفظي في وحدة المتعلق، وهذا الظهور أقوى من الظهور السياقي فيتقدم عليه، وتوضيحه: إن ظاهر (صم يوما) أنّ الأمر قد تعلق بصرف إيجاد الطبيعة، وكذلك الحال في الأمر الثاني، أي: أنّ ظاهره بما هو هو، هو إيجاد صرف الطبيعة أيضا، فلا يكون الأمر الثاني إلا تأكيداً. وعليه: فلو تحقق فرد من أفراد الطبيعة فان كلا الأمرين[2] قد امتثل بذلك الفرد فيكون المورد تأكيداً لا تأسيسا فيسقط الأمران كلاهما، لكن ضمهما إلى بعض – وهو الظهور السياقي – أفاد إرادة التعدد لكنه مرجوح أضعف.
وفي محل البحث وهو الآية الشريفة فان الظهور اللفظي لـ(الكذب) أضعف من الظهور السياقي، إذا كان بلحاظ وقوعه متعلقاً للافتراء وإلا فانه أقوى منه. فتأمل[3]
ب- حديث الرفع ومجازية الإسناد 
وحديث الرفع يصلح أيضاً كشاهد آخر فان سياقه يقتضي مجازية إسناد الرفع فيه إلى أكثر الفقرات في الحديث[4] كما في رفع ما اضطروا إليه[5] وما أكرهوا عليه وكذا الخطأ والنسيان وما لا يطيقونه والطيرة والوسوسة، فالرفع هنا هو رفع تشريعي وليس رفعا تكوينيا؛ وذلك ان المولى في مقام التشريع كما هو واضح، وحيث إن هذا (الرفع التشريعي) تعلق بـ(ما اضطروا إليه التكويني) فيكون مجازا[6]
وعليه: فلابد من تقدير شيء في هذه الفقرات مع كلمة الرفع وهو (حكم) فيكون المعنى (رفع حكم ما اضطروا إليه) وكذلك الحال في (ما أكرهوا عليه) ونظائرها.
والمتحصل: ان الإسناد في هذه الفقرات إسناد مجازي، وهذا هو الظاهر من السياق ومفادهُ واما في فقرة (رفع مالا يعلمون) فان الرفع من الممكن ان يكون حقيقياً، فيكون الإسناد حقيقياً كذلك؛ لأن (ما) الموصولة يمكن ان يراد بها (الحكم) نفسه فيكون المراد: ان الحكم الذي لا يعلمه الإنسان يرفع من قبله تعالى فلا حاجة ههنا إلى تقدير. 
والحاصل: انّ الظهور السياقي في كون الإسناد مجازياً عموما في حديث الرفع لا يخل بظهور الإسناد الأولي الحقيقي في (رفع مالا يعلمون) حتى يصرفه إلى المجازي المتوقف على التقدير؟[7] وذلك لأن الظهور السياقي هنا ضعيف فلا يخلّ، فتبقى تلك الفقرات على مجازية الإسناد فيما تبقى هذه الفقرة على ظاهرها الحقيقي[8] هذا.
من أمثلة السياق القوي
وقد يكون الظهور السياقي قويا جدا فيتقدم على معارضاته، ومن ذلك:
أ- سياق الجملة الشرطية
ما ذكره الميرزا النائيني في مبحث آخر[9] مثالا لذلك، وهو ظهور سياق الجملة الشرطية في أن الشرط علة منحصرة للجزاء، فهذا الظهور هو ظهور قوي وحجة كما في (إن جاءك ضيف فأكرمه)، فان الظهور السياقي العرفي في المقام هو ان المقدم في الجملة الشرطية (مجيء الضيف) علة للتالي (وجوب الإكرام) فيكون السياق في هذه الحالة حجة، ولكن قد يقال بان الجملة الشرطية موضوعة لإفادة الانحصار، وتحقيق ذلك موكول إلى الأصول. 
ب – سياق أهن الفساق واقتلهم[10]
ومن أمثلة حجية السياق ما لو قال المولى (أهن الفساق واقتلهم)، فان الظهور السياقي هنا يعارض واحداً من أقوى الظهورات وهو ظهور العام ويتقدم عليه؛ فان (الفساق) جمع محلى (بال) فيفيد العموم – بحسب الوضع -، ومع ذلك فان قرينة السياق تتقدم عليه حيث ان المراد قطعا ليس قتل جميع الفساق بل المراد قتل بعض أصنافهم كالقتلة والكفار الحربيين، فببركة اقتلوهم، وهي قرينة سياقية، يستظهر ان المراد من الفساق المتعلق لـ(اهن) أيضاً هو خصوص القتلة والكفار الحربيين وأشباههم منهم، نعم يمكن القول بالاستخدام: بإبقاء (أهن الفساق) على ظاهره والقول بالاستخدام في ضمير اقتلهم بان نرجعه إلى بعض ما عاد إليه لا كله، إلا ان الظهور السياقي الآنف الذكر أقوى منه
------------------------------------------------
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2298
  • تاريخ إضافة الموضوع : 28 محرم الحرام 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29