• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 102- فائدة فقهية: انحاء وصور التبعيض في التقليد .

102- فائدة فقهية: انحاء وصور التبعيض في التقليد

انحاء وصور التبعيض في التقليد*
يتصور التبعيض في التقليد على عدة انحاء:
1. التبعيض في الأبواب[1]، كأن يقلد فقيهاً في المعاملات، وفقيهاً اخر في العبادات.
2. التبعيض في الكتب من باب واحد، كأن يقلد في الصلاة أحدهما، ويقلد في الزكاة الآخر، والمشهور بين العامة منعه، والمشهور عندنا جوازه.  
3. التبعيض في مسائل الكتاب الواحد.
4. التبعيض في المسألة الواحدة في غير المترابطين، وهذا على قسمين:
القسم الأول: التبعيض في فردي كليٍ واحدٍ
ومثاله: أن يقلد أحدهما في مطهرية ماء الورد أو رافعيته للحدث في هذا الفرد، فيتوضأ به أو يطهر به يده من النجاسة، دون ذاك الفرد الموجود في منزله فلا يعتبره مطهراً.
وهذا ما أشار إليه الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره)، بقوله: (لو كان عنده ماءان للورد، فقلد القائل بجواز الوضوء في أحدهما، وقلد القائل بعدم صحة الوضوء في الآخر) [2].
أقول: ويمكن إضافة مثالين:
المثال الأول: ما لو كانت عنده أختان رضاعيتان ارتضعتا معه عشر رضعات، فيقلد في محّرمية أحدهما أحد الفقيهين؛ فيعتبرها أخته فيحل له مجالستها وينظر إليها، في حين يقلد في عدم محرمية الأخرى فقيهاً آخر[3]؛ فيحل له أن يتزوجها.
المثال الثاني: كما لو عمل بفتوى أحدهما في كون هذا الماء مطهراً من الخبث؛ لفتواه بأنه ماء مطلق ـ على القول بمرجعيته في الموضوع المستنبط أو الصرف إن لم يكن من الأول وقلنا في جواز التقليد في الثاني[4] ـ وعمل بفتوى الثاني في عدم كونه مطهراً؛ لفتواه بأنه ماء مضاف.
نعم، يدخل هذا في جهتي المسألة الواحدة، لا في فرديه من النوع الواحد.
القسم الثاني: التبعيض في صنفي كلي واحد
ومثاله: أن يقلد في نجاسة اليهودي من يقول: بنجاسة مطلق الكافر، ويقلد في طهارة الملحد من يقول: بطهارة مطلق الإنسان، أو العكس، وهذا ما أشار السيد القزويني (قدس سره) في تعليقته على المعالم، بقوله: (وذلك لو أفتى مجتهد بنجاسة الكافر، فعمل بها المقلد في اليهود في محل الابتلاء، ولم يعمل في المجوس؛ لعدم ابتلائه به إلى زمانٍ، فحصل الابتلاء به، وحينئذٍ فلا يجوز له الرجوع إلى مجتهد يفتي بطهارة المجوس؛ لكونه مخالفة للتقليد؛ لأنه قلد المجتهد الأول في نجاسة اليهود باعتبار كونه كافراً، فهو قلده في نجاسة الكافر، وهو يعمّ المجوس أيضاً. وبالجملة: يجب عليه الأخذ في المجوس بمقتضى فتوى الأول؛ لأنّ نجاسة المجوس مع نجاسة اليهود من مسألة واحدة تعدد أفرادها، فلا يجوز العدول فيها عن التقليد في بعض الأفراد)[5].
 
التبعيض بين الحدوث والاستمرار
5. وهو ما طرحه صاحب القوانين (قدس سره)، لكن تحت عنوان آخر[6]، حيث ذهب إلى أن الفتوى، منها ما يستلزم حدوثه بقاءه ما لم يطرأ عليه دليل من الشارع يزيل حكمه الوضعي، ومنها ما لا يستلزم حدوثه بقاءه.
ومثل للأول بالعقود والإيقاعات، وللثاني بالطهارة والنجاسة، والحلية والحرمة، فقال: (وأما جواز نقض الفتوى بالفتوى بمعنى إبطالها من رأس، أو تغيرها من الحال مطلقاً، ففيه غموض وإشكال، وتوضيحه أن الفتوى على أقسام:
منها: ما يستلزم الاستدامة، ما لم يطرأ عليه مزيل بحكم وضعي، ومنها ما لا يستلزمه؛ فالأول مثل الفتوى في العقود والإيقاعات، والثاني مثل الفتوى في نجاسة الماء القليل بالملاقاة وعدم نجاسة الكر وأمثال ذلك من حلية المطاعم وحرمتها مما اختلف فيه، وغير ذلك، فإن فُرض أن يفتي أحد بجواز عقد البكر بإذنها وفرضنا غيبة أبيها، وعقدناها بتلك الفتوى، ثم تغيّر رأي المجتهد قبل حضور أبيها وقبل تحقق المخاصمة والمرافعة بينهما، فالعمل على هذه الفتوى وإجراء العقد عليها مما يستلزم الدوام؛ فإن العقد يقتضي الاستمرار، إمّا دائماً، أو إلى أجل كالمنقطع.
وقطع الاستمرار فيه يتوقف على ما وضعه الشارع لذلك، مثل الطلاق والارتداد وانقضاء المدة أو هبتها، وحصول الرضاع اللاحق، أو ثبوت الرضاع السابق إذا لم يعلم الزوجان بحال الرضاع قبل العقد، ولم يثبت في آية و خبر أن تجدد الرأي من القواطع) [7].
أقول: سيأتي بحثه وتفصيله، أما تطبيقه على المقام:
أن يقال: هل يجوز التبعيض في التقليد بين الحدوث والاستمرار، بأن يقلد أحدهما في جواز التزوج بمن ارتضعت معه اثنتي عشرة [8] رضعة فيتزوجها، ويقلد الآخر المحرم للزواج بمن ارتضعت معه اثنتي عشرة رضعة، فيفارق الأخرى، فيمن فرضت له أختان رضاعيتان إحداهما قد تزوجها سابقاً، والأخرى يريد الزواج بها الآن، فيقلد في الحدوث المجوّزَ ليتزوجها، ويقلِّد في الاستمرار المحرّم ليفارق الزوجة القديمة دون طلاق أو فسخ، لكونها غير زوجة له أبداً.
 
التبعيض بين المترابطين
6. التبعيض بين المترابطين، وهو على قسمين:
القسم الأول: المترابطان الارتباطيان
وتوضيحه: إن المترابطين قد يكونان ارتباطيين، وذلك في المركب الاعتباري الواحد، كالصلاة والصوم، وهو المبحوث عنه في (الأقل والأكثر الارتباطيين).
إذ يراد بالارتباطيين ما كانا جزءاً، أو شرطاً، أو ما أشبه[9] لمركب واحد، كانت أجزاؤه وشرائطه بنحو (بشرط شيء) بالنسبة للكل، وفيما بينها أيضاً، فوزانه وزان المركب الحقيقي من أجزاء يتقوم بها جميعاً، بحيث لو انتفى أحدها انتفى[10].
ثم إن الارتباطية كما تتصور في الأجزاء ونظائرها، تتصور في الأزمان أيضاً:
 
أما الأول: الارتباط في الأجزاء
وهو كما مثل له صاحب العروة (قدس سره) بقوله: (حتى أنه لو كان مثلاً فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثليث في التسبيحات الأربع، وفتوى الآخر بالعكس، يجوز أن يقلد الأول في استحباب التثليث، والثاني في استحباب الجلسة)[11].
أقول: على الرغم من اختلاف وجه نظرهما في بطلان صلاته؛ كانت صلاته باطلة عندهما، وسيجيئ بحثه ووجهه ومناقشته بإذن الله.
 
وأما الثاني: الارتباط في الأزمان
 فكأن يبعض في أزمان الصوم مثلاً، فيعمل في الساعة الأولى برأي من يحرم الارتماس ويعتبره مبطلاً، فيما يعمل برأي من يجوِّز الحقنة بالمائع، وفي الساعة الثانية يعكس، وهذا عدول.
أما لو عمل برأي هذا في مسألة، وبرأي ذاك في مسألة أخرى في زمانين، فهذا تبعيض[12].
وكذا لو عمل في الساعة الثالثة برأي من يجوِّز التقيؤ، وعمل في الساعة الرابعة برأي من يجوّز أكل النخامة وما تجشَّأه، وهكذا.
القسم الثاني: المترابطان غير الارتباطيين
وذلك إذا لم يكونا شرطاً أو جزءاً أو مانعاً أو شبهه لمركب واحد، بل كانا أمرين منفصلين مستقلين، لكن عُلِم ترابطهما جميعاً في حكم مشترك، وذلك كالصلاة والصوم حيث عُلم أن حكمهما في القصر والتمام، والثبوت والسقوط واحد في الجملة؛ لقوله (عليه السلام): (إِذَا قَصَرْتَ أَفْطَرْتَ وَإِذَا أَفْطَرْتَ قَصَرْتَ)[13]، وغيره.
فهل يجوز له التبعيض بأن يقلِّد في الصلاة مثلاً، من يرى صحة الصلاة بمجرد سقوط القرص دون الإفطار، ويقلد في الإفطار من يرى العكس، فيصلي على رأي الأول، ويفطر على رأي الثاني؛ بمجرد سقوط القرص قبل ذهاب الحمرة المشرقية ؟
والحاصل: إن الصلاة والصوم من حيث تعليقهما على الغروب أو المغرب مترابطان، فإن صح هذا صح ذاك، وإلا فلا يصح أي منهما؛ للدليل الخارجي على الترابط، وإن كانا حقيقتين متباينتين، فهل يجوز التبعيض في مثل ذلك[14]؟.
 
التبعيض بين الموضوع والحكم
7. التبعيض في التقليد بين الموضوع والحكم، وهو أن يقلد في الحكم أحدهما، ويقلد في الموضوع[15] الآخر، من غير فرق بين الموضوع المستنبط الشرعي أو اللغوي.
ولا شك في صحة التقليد في المستنبط الشرعي، أما المستنبط اللغوي، فقد قيل: بعدم جواز التبعيض فيه[16] لتقوّم الحكم بالموضوع وغيره من أمور.
ولكن المنصور: صحة وجريان التقليد فيه أيضاً، كما فصلناه في مباحث مبادئ الاستنباط، وسيأتي بحثه بإذن الله تعالى.
------------------------------------------------
[16] قال في العروة الوثقى: ج1 ص57: محل التقليد ومورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين، وفي مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية، ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل مثلاً وقال المجتهد إنه خمر، لا يجوز له تقليده. نعم من حيث إنه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل، وهكذا، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما، فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية. 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2273
  • تاريخ إضافة الموضوع : 20 محرم الحرام 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29