• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 165- 5ـ رويات تسوق الكذب والمزاح بعصا واحدة 6ـ روايات تفيد حسن المزاح 7ـ روايات تفيد التفصيل بين المزاح بالحق لو بالباطل سند احدى الروايات .

165- 5ـ رويات تسوق الكذب والمزاح بعصا واحدة 6ـ روايات تفيد حسن المزاح 7ـ روايات تفيد التفصيل بين المزاح بالحق لو بالباطل سند احدى الروايات

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول طوائف الروايات السبعة والتي تتحدث عن المزاح , ووصلنا إلى الطائفة الرابعة حيث ذكرنا رواية معتبرة عن الإمام الصادق( عليه السلام ) إذ يقول : (( المزاح السباب الأصغر )) , وهذه الرواية بظاهرها تدل على حرمة المزاح بقول مطلق , ولكن خرج منه ما كان مزاحا صادقا غير جارح فيبقى الباقي تحت ذلك الإطلاق أي : المزاح الكاذب , والمزاح الجارح وان كان صادقا . 
 
رواية أخرى تحذِّر من المزاح : 
 
ونذكر رواية أخرى في نفس المصب, فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : (( إياكم والمزاح فانه يجر السخيمة[1] ويورث الضغينة[2] وهو السب الأصغر)). 
 
طائفتان أخريان : ونكمل البحث بذكر طائفتين أخريين[3] : 
 
الطائفة الخامسة : رواية تقرن المزاح بالكذب وهي تلك الطائفة التي تسوق الكذب والمزاح بعصا واحدة , ومنها قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لا يبلغ العبد صريح الإيمان حتى يدع المزاح والكذب , ويدع ألمراء وان كان محقا ", فقد قرن المزاح بالكذب , وقرينة السياق وان لم تكن دليلا , إلا أنها تصلح مؤيدا فتدل على القبح وان لم تكن تدل على الحرمة وهذا في الجملة كاف[4]. 
 
الطائفة السادسة : روايات تمدح المزاح وتفيد رجحانه وهذه الطائفة من الروايات على عكس كل ما ذكر ؛ ذلك أنها تمدح المزاح وتدل على رجحانه فتعارض الطوائف الأخرى , ولابد من الاشارة الى ان الشيخ الطوسي قام بالجمع بين كثير من الروايات , ولكنه اتهم بأن جمعه هو جمع تبرعي ,إلا إن الشيخ الأنصاري قد دافع عنه وقال انه على القاعدة وسيأتي كلامه . كما سنذكر وجهاً للجمع في المقام سنتطرق اليه ان شاء الله . 
 
وهذه الطائفة كما قلنا تمدح المزاح كما في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (( المؤمن دعب[5] لعب[6] والمنافق قطب غضب[7] (( , وفي رواية أخرى الإمام الصادق يقول : ((ما من مؤمن إلا وفيه دعابة , قلت : وما الدعابة ؟ قال : المزاح )) , وهذا تفسير من الإمام ( عليه السلام ) للدعابة بمعنى المزاح[8] . 
 
إذن : بعض الروايات والطوائف المذكورة تذم المزاح بعبارات شتى والبعض يستفاد منه الحرمة كما في روايتنا التي توقفنا عندها وهي : " المزاح السباب الأصغر" , وبعض آخر من الروايات تمدح المزاح . 
 
وجه الجمع المدعى : دليلان في المقام ووجه الجمع بين الروايات في الطوائف المتعارضة ظاهرا هو ما اشرنا اليه سابقا[9] ولايتوهم انه تبرُّعي اذ لنا على ذلك شواهد من الروايات أيضا كما سيأتي . وإجمال الجمع هو: إن المراد من المزاح في ( المزاح السباب الأصغر ) هو المزاح الجارح ؛ ذلك ان المزاح على قسمين : مزاح جارح وهذا مذموم, ومزاح مفرح مدخل للسرور على صاحبه وهذا ممدوح , او فقل : المزاح بالحق ممدوح والمزاح بباطل مذموم 
 
الدليل الأول : مناسبات الحكم والموضوع أما الوجه والدليل الأول لهذا الجمع بتقييد المراد من ( المزاح السباب الاصغر ) بخصوص بعض أنواعه وهو الجارح مع ظهور اطلاقه اذ الحكم ثابت للطبيعي وطبيعي المزاح المنتشر في أفراده هو موضوع لمحمول السباب , إلا ان المراد من الطبيعي او الجنس ليس مطلقه وإنما بعض أنواعه بدليل مناسبات الحكم والموضوع فإنها تقتضي ذلك. 
 
بيان وتوضيح : ونوضح ذلك ببيان القاعدة العامة والاطار الكلي فنقول : – انه تارة الموضوع يقيد المحمول فيضيقه , وتارة أخرى الموضوع يوسع المحمول فيعممه , فهنا صورتان , وكذلك عكسه فتارة المحمول يضيق الموضوع وتارة المحمول يوسع الموضوع . 
 
إذن : كل من الموضوع والمحمول احدهما يقيد او يعمم الآخر فالصور أربعة. 
 
ونذكر مثالين للصورتين اللتين ترتبطان في المقام فان تارة الموضوع يخصص المحمول كما لو قلت : " الأطباء يشخصون الحالات الطارئة" فان الموضوع وهو الأطباء يقيد المحمول فيكون المقصود من الحالات الطارئة هي الحالات الطارئة الصحية لا عمومها , أي ليس المراد الحالات الطارئة السياسية او العسكرية او الجيولوجية. 
 
إذن : الموضوع خصص المحمول وقيده وضيّق دائرته , وتارة أخرى المحمول يخصص الموضوع ويقيده – ومقامنا من هذا القبيل - ومثاله العرفي هو عندما نقول : " العلماء يرشدون للصواب " فالموضوع مطلق وعام إلا ان المحمول يقيده فيفيد ان المراد من العلماء هو حصة خاصة وهم المتقون منهم ؛ إذ انهم هم الذين يرشدون للحق والصواب , فان كون الإنسان عالما بما هو عالم ليس سبب الإرشاد للصواب دوما ولا مقياساً له ؛ فلعله عالم متبع لهواه يضل الناس وليسوقهم الى الباطل ولا يرشد للصواب. 
 
إذن : ( العلماء يرشدون للصواب ) بقرينة المحمول نخصص الموضوع بالعلماء المتقين دون غيرهم , و ما نحن فيه من هذا القبيل فان المزاح موضوع عام ولكن ببركة المحمول وهو السباب الأصغر يستفاد عرفا تضييق دائرة الموضوع ؛فانه من الواضح إذا كان المزاح غير جارح , بل كان لطيفا محبباً مُدخِلاً للسرور فهو ليس بسباب اصغر. 
 
إذن : المحمول قد قيد الموضوع وخصصه بحصة دون أخرى ببركة مناسبات الحكم والموضوع , هذا هو الوجه الأول الذي يمكن ان يتفصى به عن الإشكال وبه يظهر ان الجمع عرفي 
 
الوجه والدليل الثاني : روايات الطائفة السابعة 
 
اما الوجه والدليل الثاني للجمع فهو الطائفة السابعة من الروايات ومنها قوله :( صلى الله عليه وآله وسلم ) (( : أني امزح ولا أقول إلا حقا )) فان هذه الرواية تقسم المزاح الى قسمين : مزاح بباطل ( ومنه المزاح الكاذب الذي هو مورد الكلام ) ومزاح بحق, 
 
إذن : لو كان المزاح بقول حق[10] فهو راجح وممدوح , وأما لو كان بباطل فهو مرجوح ومذموم 
 
رواية أخرى :وهناك رواية أخرى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث يقول : (( كيف مداعبة بعضكم بعضا ؟ قلت قليل , قال ( عليه السلام ) : فلا تفعلوا - أي لا تُقِلّوا من الدعابة– فان المداعبة من حسن الخلق وانك لتدخل بها السرور على أخيك )) . 
 
وهذه الرواية ظاهرا تصلح مستندا للتفصيل من كون المزاح على قسمين فتارة يكون جارحا وهو المذموم وتارة أخرى يكون مما يدخل السرور على المؤمن فهذا راجح وممدوح. 
 
والمتحصل : ان ملاحظة هاتين الروايتين - وكذلك روايات عديدة أخرى من قبيلها في الطائفة السابعة - تبين وتوضح الجمع الذي ذكرناه بين الروايات الذامة للمزاح وبين الروايات المادحة له فان تلك الذامة تنصرف الى المزاح بالباطل ومنه المزاح كذبا[11] , وكذلك الى المزاح الجارح الذي يدخل الترح في قلب المؤمن 
 
إضاءة وإضافة مهمة : العنوان اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي ، وهنا لابد من ذكر أمر مهم وهو إن إدخال السرور على قلب المؤمن عنوان لا اقتضائي , وكما هو واضح فان العناوين اللااقتضائية لا تزاحم العناوين الاقتضائية كالكذب في المقام , فانه لو حدث تزاحم بين الكذب وبين إدخال السرور بان كان الكذب المزاحي مدخلا للسرور فلا شك انه حرام وليس بجائز ؛ إذ الكذب حرام وإدخال السرور في قلب المؤمن مستحب. 
 
والمتحصل : إن هذه الرواية – وببركة هذه القاعدة التي لا شك فيها- المراد منها المداعبة بقول حق لا المداعبة بالكذب او الباطل , وأيضا فان المزاح استهزاءا او سخرية او غير ذلك هي خارجة بمنطوق الرواية نفسه 
 
مصداقان لمزاح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : 
 
الرواية الأولى : نقل ان رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله احملني .فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انا حاملوك على ولد ناقة , قال وما اصنع بولد الناقة؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وهل تلد الإبل إلا النوق. ! فإنه مزاح يتضمن تورية لطيفة 
 
الرواية الثانية : فقد روى انه جاءت امرأة اسمها ام أيمن الى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت ان زوجي يدعوك, فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ ! فقالت : والله ما بعينه بياضاً , فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بلى ان بعينه بياض , فقالت : لا والله , فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما من احد إلا وبعينه بياض " ويريد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) البياض المحيط بالحدقة وقد توهمت هي ان المراد البياض في داخل الحدقة[12] والخلاصة من كل ذلك : ان الروايات السابقة فصلت في المزاح اذ تفيد انه على قسمين والمزاح كذبا يدخل في دائرة الباطل 
 
البحث السندي في الرواية الثانية : 
 
ذكرنا أن الرواية الأولى في الكافي الشريف كانت معتبرة , وإما الرواية الثانية وهي التي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث قال : (( كيف مداعبة بعضكم بعضا ... )) فقد يقال باعتبارها وحجيتها استناداً، ان هذه الرواية موجودة في كتاب الكافي الشريف ولذا فمن يرى ان رواياته معتبرة بشكل عام كالإخباريين والميرزا النائيني والسيد الوالد ومن أشبه فانه لا يحتاج الى مؤنة التدقيق السندي ,وكذلك من يرى أن مراسيل الثقاة ومهملاتهم بشكل عام إذا اعتمدوا عليها من غير معارض فهي حجة كما هو حال الشيخ الطوسي ؛ إذ انه يرى حجية مراسيل الثقاة كما في العدة[13] والشهيد الثاني والبهائي والشيخ الانصاري وآخرين فان مؤنة التدقيق السندي مرفوعة أيضا 
 
إذن : هذان مسلكان اعم واخص لتوثيق الرواية. 
 
ولكن لو ان شخصا لم ير هذين المسلكين تامين وان كل رواية وردت في كتاب الكافي او غيره فلابد من ملاحظة السند فيها , فنقول : 
 
ان سند هذه الرواية يبدأ بـ ( عدة من أصحابنا ) فهل الرواية تسقط عن الحجية بذلك ؟ إن بعض العامة طعنوا علينا في أن واحدا من أهم الكتب المعتبرة لدينا - ان لم يكن أهمها - وهو الكافي قد اعتمد على المجاهيل ويستشهدون لذلك بعبارة ( عدة من أصحابنا ) وانه لا يعلم المراد منها الى ان جاء العلامة الحلي بعد 400 سنة فاوضح المراد! لكن ذلك ناشئ عن عدم معرفتهم بالواقع اذ ( العدة ) قد حددهم الكليني بنفسه : بيان ذلك : ما ذهب إليه صاحب المعالم الشيخ حسن وله كلام لطيف في ذلك من: ان العدة في كل الكافي محمد بن يحيى العطار الأشعري القمي, وهذا شخص ثقة بدون شك[14] فترتفع الجهالة هذا من جهة[15] 
 
ومن جهة أخرى : فان نفس الشيخ الكليني وفي مواضع من كتابه الكافي قد حدد عدته , فان العدة - على حسب المروي عنه - في روايتنا هي عن احمد بن محمد بن خالد البرقي , والكليني[16] يصرح انه عندما يقول العدة عن احمد بن محمد بن خالد البرقي فهؤلاء مجموعة اروي عنهم ومنهم علي بن إبراهيم , ذلك الشخص والراوي المعروف بوثاقته واعتماد العلماء عليه وللحديث صلة ... 
 
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين 
 
 
[1] - وهي من السخمة وهو السواد والمقصود الحقد فكني بالسواد عنه 
 
[2] - والضغينة هي مخفف السخيمة لان مايورث اضعف عادة 
 
[3] - لان الطائفة السادسة تتعارض مع الطائفة الرابعة والخامسة ، فلابد من ملاحظتها جميعاً ثم البحث عن وجه الجمع 
 
[4] - اذ يعارض الطائفة السادسة كذلك 
 
[5] - والدعب من الدعابة وهي المزاح كما فسرت في رواية أخرى وفي اللغة أيضا كذلك ولكن قد يشكل بان الدعابة اعم من المزاح كما في مداعبة الشخص مع اطفاله فإن بعضها مداعبة وليست مزاحاً وسيأتي الجواب 
 
[6] - حيث اللعب فيما يقتضي كما هو مع الأطفال إذ يستحب للشخص ان يتصابى مع اولاده 
 
[7] - ولعل ( قطب) اشارة للظاهر اذ التقطيب يظهر على ملامح الوجه و ( غضب) اشارة للقلب والباطن 
 
[8] - ولكن هل هو تفسير بالمساوي او بالأخص ؟ 
 
[9] - من ان المزاح المذموم هو المزاح الجارح والممدوح هو المزاح المفرح الصادق 
 
[10]- شرط ان لا يكون جارحاً ، ويفهم من قرينة حاله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) 
 
[11]- فإن الله اذا ميز بين الحق والباطل فأين يكون المزاح الكاذب ؟ ( نظير الرواية المشهورة ) 
 
[12] - سيأتي النقاش في الرواية بإذن الله 
 
- [13] وقد فصلنا عن كل ذلك في العام الماضي فلاحظ 
 
[14] - قال عنه النجاشي ( شيخ اصحابنا في زمانه ، ثقة عين ، كثير الحديث) 
 
-[15] وقال في منتقى الجمان الفائدة الحادية عشرة (ويستفاد من كلامه في الكافي ان محمد بن يحيى هو احد العدة وهو كاف في المطلوب وقد اتفق هذا البيان في اول حديث ذكره في الكتاب وظاهره انه احال الباقي عليه) 
 
[16] - الكافي في الباب التاسع من كتاب العتق في عدد من نسخ الكافي

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=187
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 3 ربيع الاول 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29