• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 136- أجوبة أخرى على كلام الايرواني والخوئي والتبريزي : 1ـ طبيعيّ الكذب منافر للروح والعقل والنفس الزكية 2ـ انه غير موافق لغرض المولى 3ـ انه نقض 4ـ هناك اقتضاء ذاتي لتركه وروايات منبّهه على كل ذلك .

136- أجوبة أخرى على كلام الايرواني والخوئي والتبريزي : 1ـ طبيعيّ الكذب منافر للروح والعقل والنفس الزكية 2ـ انه غير موافق لغرض المولى 3ـ انه نقض 4ـ هناك اقتضاء ذاتي لتركه وروايات منبّهه على كل ذلك

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان الكلام حول الاستدلال الذي استدل به الشيخ على حرمة الكذب بقول مطلق، بالأدلة الأربعة, وذكرنا أن مجموعة من الأعلام منهم المحقق الايرواني والسيد الخوئي والشيخ التبريزي أشكلوا على ذلك بان العقل لا يحكم بقبح الكذب بقول مطلق، وإنما يحكم بذلك لو استتبع الكذب مفسدة لا غير، وعليه فالأمر يدور مدار المفسدة و وعدمها، ونذكر عبارة الشيخ التبريزي مرة اخرى وكلام السيد الخوئي، ثم نناقش ذلك بما خطر بالبال 
 
فقد قال الشيخ التبريزي: "وأما العقل فلا استقلال له بقبح مطلق الكذب حتى مع عدم ترتب فساد عليه من تلف عرض او مال او غيره من المفاسد ليكون حكمه به كاشفا بقاعدة الملازمة عن حرمته" انتهى، 
 
وأما السيد الخوئي في مصباحه فقد قال "وكيف يحكم العقل بقبح الإخبار بالأخبار الكاذبة التي لا تترتب عليها مفسدة دنيوية او أخروية"([1]) انتهى. 
 
أجوبة أخرى على كلام الأعلام الثلاثة: 
 
لقد اتضح مما بيناه من تحليل معنى الحسن والقبح والتحسين والتقبيح العقليين وأنواعه ومعانيه أن هناك عدة إشكالات يمكن أن ترد على الكبرى الكلية التي بنى عليها الأعلام الثلاثة كلامهم وهي كلما لم تكن هناك مفسدة فلا قبح للكذب. 
 
الجواب الأول: الكذب منافر للنفس والروح والعقل 
 
أولاً: إن من معاني الحسن والقبح – كما سبق - المنافرة والملائمة للنفس، فكل ما لاءم النفس فهو حسن وإلا فقبيح([2])، وهنا نجد ان طبيعِيَّ الكذب بما هو هو منافر للنفس الزكية والروح الطيبة، فان النفس لها وجهان أو هي على قسمين([3]): نفس شريرة وهي التي تألف الكذب والخيانة والرذائل والفجور، ونفس زكية تقية وهذه بما هي هي ينافرها الكذب وينسجم معها الصدق و- وبقية الفضائل – وتنسجم معه، 
 
وبتعبير آخر: هناك سنخية بين الصدق وبين النفس الزكية والروح والعقل، وفي قبال ذلك هناك سنخية بين الكذب والنفس الشقية الردية، فالملائمة و المنافرة موجودة في الطرفين، ولو فسرنا القبح والحسن بمعنى الملائمة والمنافرة - كما فسره أيضا آخرون - فلا يصح عندئذ قول الأعلام الثلاثة من انه لا قبح للكذب إلا مع المفسدة، إذ النفس الزكية تنفر من الكذب بما هو هو حتى مع قطع النظر عن لحاظ المفسدة. 
 
رواية مؤيدة: 
 
ويؤيد ذلك([4]) وجود روايات عديدة تنبه لما ذكرناه فقد جاء عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه) فانها تدل على وجود السنخية بين الكذب وبين مهانة وهوان نفس الكاذب، وأما النفس العزيزة فلباسها العزة والصدق فلا تقتحم الكذب، ومن الواضح ان مدار البحث العنوان الأولي للكذب لا في صورة مزاحمة عنوان أهم، ولو تدخل المولى وجوز الكذب في بعض الصور فان ذلك كاشف عن وجود مزاحم أهم([5]) 
 
فمثلاً الكذب في الوعد، فانه بلا شك منافر للنفس الزكية بما هي هي، وكذلك الكذب استهزاءا بالغير في مقام السخرية والاستهزاء فانه قبيح ومنافر للنفس التقية وملائم للنفس الشريرة الشقية، 
 
ان قلت: الكذب مزاحا، ليس من المعلوم منافرته للنفس الزكية ولعله مورد نقض على ما ذُكِر. 
 
قلنا: بل الظاهر ان الكذب مزاحا من دون قرينةٍ قبيحٌ منافر للنفس الزكية والروح فانه تارة يقيم المتكلم القرينة على ان كذبه مزاح وسيأتي الكلام عن ذلك([6])، ولكن تارة أخرى يكذب الشخص مزاحا مع الغير موهماً إياه ان هذا الكلام صدق فان هذا منافر للذوق السليم والنفس الزكية كأن يقول له مثلا ان فلانا مات([7])، ثم بعد ذلك يخبره بأنه كان يمزح معه، وكذا الحال بالقصص المخترعة إذا كانت عبثية بقول مطلق لا فائدة فيها بالمرة، نعم لو كانت هادفة فهذه جهة مزاحمة لا بد ان يلاحظ الأهم منهما حسب اختلاف الوارد. 
 
والمتحصل: ان طبيعة الكذب بما هي هي منافرة للنفس التقية إلا ما خرج بمزاحم أهم. 
 
الجواب الثاني: الكذب قبيح لانه يخالف غرض المولى 
 
ثانياً: كما سبق ان للقبح معنى آخر وهو عدم موافقة غرض المولى، فان موافقة الغرض هي مساوية للحسن ومخالفته مساوية للقبح ايضا، 
 
وهنا نقول: انه قد يقال أيضا ان الكذب – لو جرد من العناوين الثانوية - طبيعيُّه غيرُ موافق لغرض المولى، بل هو مخالف له، ومعه فلابد من معرفة غرض المولى فنقول ان من اغراضه الحائطة على دينه والتحفظ عن وقوع المكلف فيما لا ينبغي ان يقع فيه. 
 
روايتان منبهتان 
 
مما يشهد لذلك ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جدّ وهزل فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير"، 
 
اذن: لو لوحظ غرض المولى وهو الحيطة فلا بد من ترك الكذب الصغير والكذب مزاحا؛ فان الإنسان لو تعود على الكذب مازحا فانه سيكذب جادا أيضا لان الطبيعة الإنسانية واحدة، 
 
كما ترشد إلى ذلك رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ألا إن الصادق على شفا منجاة وكرامة ألا وان الكاذب على شفا ردى و هلكة"، وغرض المولى ان لا يكون المكلف على شفا الهلكة بان يحتاط 
 
لكن هذا البحث صغرىً يرتبط بكبرى وجوب الاحتياط أي وجوب الاحتياط عما يحتمل كونه معصية([8]) تحفظا على دينه، والاحتياط واجب في الشبهات التحريمية على ما ذهب إليه الاخباريون فلو ارتأى الفقيه مسلك الاخباريين فالتحريم سيكون على القاعدة لديه، ولكنه لو لم يرتض ذلك وذهب الى مسلك الأصوليين من ان الاحتياط حسن وليس بواجب في الشبهات التحريمية بعد الفحص، فلعل له وجها آخر يستطيع ان يلتزم بما التزم به على المسلك الأول وهو اما المقدمية كما لعله ظاهر الروايتين أو الالتزام بانه من باب العنوان والمحصل فتأمل - وسيأتي. 
 
الجواب الثالث: الكذب قبيح لانه بما هو هو نقص 
 
ثالثاً: إن الكذب بما هو هو طبيعيُّه النقص، والطبيعي يتمصدق بمصاديقه كلها وفي قباله الصدق فهو كمال. 
 
شاهد من الروايات 
 
ونضيف هنا مؤيدا لذلك هي رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: "عليكم بالصدق وإياكم والكذب فانه لا يصلح إلا لأهله"، 
 
وظاهر الرواية ا ن اهل الكذب هم المتسافلون من أهل النقص، وفي قبال ذلك أهل الصدق فإنهم أهل الكمال والعلو، ولا يخفى في المقام ان كلمة "لا يصلح" كما هي مناسبة للتعبير عن هذا المعنى وهو النقص كذلك هي مناسبة لتفسير المعنى الآخر وهو الاقتضاء الذاتي للقبح إذ قد يستظهر منها الصلاحية والذاتية . 
 
الجواب الرابع: الكذب مما يتطلب بذاته تركه 
 
رابعاً: ان الكذب بذاته مما ينبغي تركه وفيه الاقتضاء الذاتي للترك 
 
ومما يرشد إلى ذلك الرواية السابقة، وكذلك ما عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "عليك بالصدق فانه مبارك والكذب شؤم"، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل"، وعنه أيضا: "لا سوأة أسوء من الكذب"، وظاهرها كلها هو الاقتضاء الذاتي كما انها تدل على النقص أيضا, وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) ونترك عبارة الايرواني إلى ما بعد لان فيها المزيد من الإشكالات 
 
([2]) وقد أضفنا الملائمة والمنافرة للعقل والروح والجسد أيضاً. 
 
([3]) قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) 
 
([4]) إذ البحث عقلي وعليه فان الرواية ليست دليلا بل هي مؤيد ومرشد وبتعبير آخر منبِّه. 
 
([5]) أو مانع عن تأثير الكذب في القبح فتأمل 
 
([6]) حيث انفكت الإرادة الجدية عن الإرادة الاستعمالية. 
 
([7]) سواء أورث فيه الاضطراب والقلق أو لا بان زرّقه معلومة كاذبة فقط فانه منافر للنفس الزكية. 
 
([8]) إذ مفروض البحث احتمال كون الكذب مازحاً أو في القصص المخترعة معصية، من غير دليل.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=158
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 17 ذو القعدة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29