• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 128- تحقيق : اذا كانت (أل) للعهد فالمصب ليس الطبيعة بل الافراد او الطبيعة المتمصدقة ، فلا موضوع للإطلاق 4ـ قرينة التقابل بين المجموعتين والتقابل بين الكلامين 5ـ مفاد الاية (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) هم فقط يفترون الكذب وليس ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) هم فقط لا يؤمنو... .

128- تحقيق : اذا كانت (أل) للعهد فالمصب ليس الطبيعة بل الافراد او الطبيعة المتمصدقة ، فلا موضوع للإطلاق 4ـ قرينة التقابل بين المجموعتين والتقابل بين الكلامين 5ـ مفاد الاية (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) هم فقط يفترون الكذب وليس ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) هم فقط لا يؤمنو...

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول الاستدلال بالآية الكريمة على حرمة الكذب بقول مطلق، وذكرنا انه قد استدل على ذلك بأن قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) وأشكلنا بعدة إشكالات منها: أن الموضوع في الآية هو افتراء الكذب وليس الكذب، ومنها أن (إنما) بضميمة الوجدان يفيد انه ليس المراد من الكذب مطلقه وإنما خصوص ُكذبٍ مقيدٍ بحصة خاصة، وأما الإشكال الثالث فهو قرينة السياق، فقد ذكرنا أن السياق تارة يوجب عدم إحراز كون المولى في مقام البيان، وتارة أخرى يوجب السياق انعقاد قرينة على الخلاف وان كان المولى – فرضا – في مقام البيان، ليتم الإطلاق من حيث الإرادة الاستعمالية. 
 
السياق قد ينفي موضوع الإطلاق 
 
وتارة ثالثة: يوجب السياق انتفاء موضوع الإطلاق رأسا، فانه في الإشكالين الأولين – الأول والثاني – كان السياق او القرينة على الخلاف تنفي انعقاد الإطلاق مع بقاء موضوعه، ولكن أحيانا: السياق ينفي ما هو اسبق رتبة وهو موضوع الإطلاق، فان موضوع الإطلاق هو الطبيعة والكلي الطبيعي، وأما الشخص الخارجي فليس هو الموضوع له لأن الفرد قد تشخص في خصوصياته الخارجية، والوجود مساوق للتشخص، فلا يعقل الإطلاق فيه. 
 
إذن: في الصورتين الأوليتين كان موضوع الإطلاق محفوظا حيث الحكم صب على الطبيعي، ثم قُيِّد، فلدينا مطلق، أي ما يصلح له، لكن المولى لم يكن في مقامه أو انه قيدَّه، كما في (أكرم العالم العادل)، ولكن هنا – في الإشكال الثالث – لا موضوع ولا محل قابل للإطلاق أصلا، كما في (أكرم زيدا) 
 
(العهد) مشير إلى الأفراد أو الحصة المتمصدقة لا الطبيعة 
 
وهنا فإننا لو قلنا إن (أل) هي للعهد الذهني او الذكري او الحضوري وأريد بها الأفراد فلا موضوع ولا محل قابل للإطلاق، كقوله في الذهني: 
 
ولقد أمر على اللئيم يسبني 
 
 
 
 
 
 
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني 
 
ف(أل) في اللئيم تشير إلى افراد خاصة، والإخبار هو عن قضية خارجية مركوزة في ذهن القائل، ونمثل بمثال أوضح: فلو مرّ عالم ومضى ثم قلت (أكرم العالم) فان مصب الحكم هو الفرد حيث أن (ال) هنا هي للعهد الذهني 
 
وتحقيقه: انه في العهد الذهني يوجد احتمالان وكلاهما ينفع في المقام: 
 
الاحتمال الأول: إن (ال) التي هي للعهد الذهني أو الذكري او الحضوري، تشير([1]) إلى الفرد الخارجي، والأمر هنا واضح. 
 
الاحتمال الثاني: انها تشير الى الطبيعي المتمصدق، وهذا أيضا ليس بقابل للتكثر فان الحصة المتمصدقة غير قابلة للإطلاق او التقييد؛ والتقابل بينهما تقابل الملكة والعدم، على رأي بعض الأصوليين – ولو امتنع احدهما لامتنع الآخر؛ لأننا نشترط قابلية الموضوع، بل حتى لو قلنا ان التقابل هو تقابل الضدين فتدبر. 
 
أل في (الكذب) للعهد 
 
وأما في آيتنا فان الجواب والإشكال الثالث هو: 
 
أن المستظهر من (ال) في (الكذب) هو انها للعهد الذهني أو الذكري بلحاظ ما جاء في الآيات السابقة فقال: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، وهذا العهد الذهني يشير إلى أفراد خاصة من الكذب، وهي ما نطقوا به من تكذيبهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيبهم كون القران من الله تعالى، او انه يشير إلى الحصة المتمصدقة من الكذب، وعليه: فلا موضوع للإطلاق حتى يقال أن الآية مطلقة، وهذا البيان هو أكثر دقة وتحديدا لما أسلفناه. 
 
والمتحصل: على ضوء ذلك ان القضية المذكورة في الآية الشريفة هي قضية خارجية وخبرية وليست قضية حقيقية إنشائية. 
 
وظاهر قول صاحب فقه الصادق (عليه السلام) ([2]) ذلك؛ حيث يذكر: (ان الظاهر من الآية الشريفة بقرينة الآيات السابقة عليها إرادة المكذبين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما ادعاه من كون ما يأتي به من عند الله وإنهم هم الكاذبون لا النبي فيكون الحصر إضافيا) انتهى وظاهره ما ذكرناه من كون القضية خارجية 
 
وبذلك يظهر انه على الصورة الثالثة، فانه لا موضوع لتوهم التعارض أو التخصيص([3]) 
 
 
 
التعارض فرع الإطلاق: 
 
ان التعارض هو فرع وجود الإطلاق فيها، وعليه فلو وجد الموضوع – كمقتض – ولكن لم يوجد شرط الإطلاق([4]) أو وجد المانع([5]) لم ينعقد الإطلاق فلا تعارض، كما في الصورتين الأولتين، فكيف لو ارتفع موضوع الإطلاق أصلا كما في الصورة الثالثة إذ لا موضوع للإطلاق أبداً فان موضوعه الطبيعي لا الفرد. 
 
وبتعبير آخر: انه في الصورة والوجه الأول فان قرينة السياق واردة ونافية لنفس الإطلاق([6]) إذ المولى ليس في مقام البيان من هذه الجهة فلا ينعقد الإطلاق، واما في الوجه والصورة الثانية فان قرينة السياق حاكمة او مخصصة، فان المولى وان كان في مقام البيان – فرضا – ولكن القرينة على الخلاف موجودة فتخصص ما وسّعته الإرادة الاستعمالية وتضيقه بحدود الإرادة الجدية، وأما على الوجه الثالث فقرينة السياق نافية لموضوع الإطلاق فكأنها واردة مرتين فهي تنفي موضوع الإطلاق فكيف به؟([7]). 
 
الإشكال الرابع: قرينة التقابل تفيد إرادة مصاديق من الكذب 
 
وأما الإشكال الرابع على الاستدلال بالآية على حرمة مطلق الكذب فهو : 
 
إن الآية في المقام واضحة في بيان التقابل بين مجموعتين ـ ومن ثمّ كلامين ـ وهي مجموعة الكفار من جهة ومجموعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتباعه من جهة أخرى، والتقابل بينهما بلحاظ كلام الطرفين وليس بلحاظ المجموعتين كأشخاص، ولو لاحظنا ما صدر منهم من تقول ضد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فسنجد انه كان كلاماً خاصاً وقضية جزئية معينة ومحددة وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) – وحاشاه من ذلك – يكذب في دعواه هذا من جهة، وفي قبال ذلك فان الله تعالى يردهم بـ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ)، إذن الآية بصدد بيان صنف او نوع خاص من الكذب في دائرة أصول الدين، وصلنا إليه ببركة التقابل والمقابلة. 
 
الجواب: العدول من القضية الشخصية إلى الحقيقية أكثر فائدة 
 
وهذه القرينة أي قرينة المقابلة لا باس بها، ولكن قد يرد عليها ان ذلك وان صح إلا انه لا ينفي أن للمولى الحكيم، لمزيد الفائدة، ان يعدل عن رد القضية الشخصية إلى ذكر قاعدة كلية تشملهم وغيرهم. 
 
الردّ: ظهور جواب المولى في انه شخصي 
 
وفي الرد نقول: ان ذلك وإن كان ممكناً وصحيحاً وله وجه وجيه، ولكن الظاهر من لحاظ مجموع الكلام في الآية المباركة والمقابلة هو ان جواب المولى تعالى هو جواب محدد لقضية مصداقية جزئية خارجية، وليس بياناً لحكم كلي، وبتعبير آخر ان (العدول) المدعى هو خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل، وظاهر الآية بقرينة التقابل وغيرها، هو شخصية الكلام لا جنسيته وان أمكن الأخير. 
 
والخلاصة: الظاهر ان القضية في الآية هي قضية خارجية وليست حقيقية فلا إطلاق يستفاد منه تحريم الكذب مطلقا 
 
الإشكال الخامس مفاد الآية: (عدم الإيمان أوجب كذبهم) وهذا لا يدل على الحرمة 
 
وأما الوجه والإشكال الخامس على الاستدلال بالآية فهو([8]): ان قوله تعالى (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ...) معناه "الذين لا يؤمنون بآيات الله هم فقط الذين يفترون الكذب" هذا منطوق الآية فلا تدل على الحرمة عكس ما لو كان منطوقها عكس ذلك، أي لو كانت الآية على عكس ذلك لدلت على الحرمة وإلا فلا. 
 
قال في فقه الصادق (عليه السلام) ([9]) ([10]) (فالمراد من الكاذبين هم المكذبون له من اليهود والمشركين غير المؤمنين بالله ورسوله الذين صدر عنهم الكذب لعدم إيمانهم، لا إن الكذب اوجب خروجهم عن الإيمان، فلا تدل على المطلوب) انتهى. 
 
وبعبارة أخرى: ظاهر الآية ان عدم الإيمان اوجب كذبهم، وهذا لا يفيد حرمة الكذب عكس ما لو كانت الآية هكذا: كذبهم أوجب خروجهم عن الإيمان فانه يفيد حرمة مطلق الكذب حينئذٍ. وسيأتي توضيحه ومناقشته بإذن الله تعالى. وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) أو القرائن تشير، لا (أل)، على القولين. 
 
([2]) فقه الصادق (عليه السلام) ج21 ص285. 
 
([3]) بين ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) ونظائره، وبين ما دل على جواز التورية والمبالغة والكذب في المزاح، وإن فرض كون الأوليين كذبا موضوعاً 
 
([4]) وهو كون المولى في مقام البيان. 
 
([5]) وهو القرينة على الخلاف. 
 
([6]) لا لموضوعه أي لا للمحل القابل. 
 
([7]) وهذه الإشكالات والبحوث يمكن تطبيقها على أي مطلق في القران مبتلى بالسياق، فالفائدة ستكون كبيرة 
 
([8]) ما نذكره هو مزيج من كلام فقه الصادق (ج25، ص285) ومن قول آخر نجمع بينهما ونصوغه بصياغة أخرى في الجملة 
 
([9]) فقه الصادق (عليه السلام) ج21 ص285. 
 
([10]) على ان تعبيره ليس دقيقاً كما سيأتي.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=150
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 4 ذو القعدة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29