• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 202- التنويم المغناطيسي والايحائي السلاح الاكبر بايدي الاديان والفرق الضالة .

202- التنويم المغناطيسي والايحائي السلاح الاكبر بايدي الاديان والفرق الضالة

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
التنويم المغناطيسي والايحائي السلاح الاكبر بأيدي الأديان والفرق الضالة
يقول الله تعالى :
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...)([1]) ويقول جل اسمه (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)([2])
في الآية الشريفة الثانية تنقيح لموضع الآية الشريفة الأولى، فان متعلق الشدة في قوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) هو (الكفار) والآية الثانية (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا...) تنقح الموضوع في الآية الأولى وتذكر الكفر بدائرته الواسعة كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
وفي الآية الثانية بصائر كثيرة نقتصر فيها على ما يرتبط بصلب البحث الماضي حول الفِرَق والاديان الباطلة:
الجاهل المركب وشبيهه هما (الاخسرون أعمالاً)
1- ان الآية الشريفة تعتبر من هو جاهل مركب او القريب منه هم الاخسرون أعمالاً أو هم من (الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) أي الذين يتصورون أنهم بالفعل على حق، على انه قد يقال ان المراد ليس الجهل المركب المطبق بل المراد ما كان شبه الجهل المركب أي مشوبا باحتمال الخلاف – على ضعفٍ – مع تقصير بالمقدمات فهو كالجهل المركب على تفصيل ليس ههنا محله.
وقد يقال أن الآية (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) أعم من الجاهل المركب وغيره فهم قسمان: احدهما: قاطع بالفعل، وثانيهما: شبه القاطع بحيث لو بحثت في أعماق وجدانه لوجدته شاكا وليس قاطعا حقيقة لكنه يمشي وكأنه قاطع وفاقا للجو المحيط به او ما شاهده مما تخيل انه حجة! فقد يُستفاد من الآية التعميم مع قطع النظر عن الروايات الآتية بعد قليل ان شاء الله تعالى.
الاخسرون أعمالاً هم الكفار والمشركون وأهل البدع
2- ثم ان مطلع الآية: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) مطلق، أي ان مطلق الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا هم ممن كفروا بآيات ربهم ولقاءه.
كما ان الروايات الشريفة تبرهن ذلك ايضا ففي تفسير الصافي:... ((قوله تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) قال: ضاع‏ وبطل‏ لكفرهم‏ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً لعجبهم واعتقادهم انّهم على الحقّ))([3]).
وفي تفسير القمي قال: نزلت في اليهود وجرت في الخوارج([4]) وعن الباقر ( عليه السلام ) هم النصارى والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والاهواء من اهل القبلة والحرورية واهل البدع " فالآية إذن عامة تشمل حتى أهل البدع وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والمسلمين.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انه سئل عن هذه الآية فقال: ((قَالَ كَفَرَةُ أَهْلِ‏ الْكِتَابِ‏ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ قَدْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ فَابْتَدَعُوا فِي أَدْيَانِهِمْ‏ وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ ابْنِ الْكَوَّاءِ ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ الْكَوَّاءِ وَ مَا أَهْلُ النَّهْرَوَانِ مِنْهُمْ بِبَعِيدٍ...))([5])
وفي عيون اخبار الرضا ( عليه السلام )([6]) فيما كتبه للمأمون يجب ((الْبَرَاءَةُ مِنْ‏ أَهْلِ‏ الِاسْتِيثَارِ وَمِنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ([7]) وَ أَهْلِ وَلَايَتِهِ‏ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ‏ وَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) وَلِقائِهِ‏ كَفَرُوا بِأَنْ لَقُوا اللَّهَ بِغَيْرِ إِمَامَتِهِ‏ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فَهُمْ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ وَ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْأَنْصَابِ وَ الْأَزْلَامِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَ قَادَةِ الْجَوْرِ كُلِّهِمْ أَوَّلِهِمْ وَ آخِرِهِمْ...))([8])
وقد فصلنا الحديث في بعض الكتب عن أن للكفر إطلاقات خمسة: ومنها ما يقابل الإسلام ومنها ما يقابل الإيمان ومنها الكفر العملي.. إلى غير ذلك.
فقد ظهر بذلك إن الاخسرين اعمالا اعم واوسع دائرة، بمعنى ان الأخسرين تشمل كل من ضل عن واحد من اصول الدين.
ثم ان ههنا سؤالاً هاماً وهو لماذا كانوا (اخسرين أعمالاً) الشامل بإطلاقه([9]) الكافر المعاند والضال المعاند وغيرهم؟ وسنبحث ذلك لاحقا ان شاء الله تعالى
لماذا يتبع اكثر الناس الباطل رغم وضوح بطلانه؟
لكن هنا يبرز سؤال يحتاج الى تحليل وهو سؤال مهم يدور في اذهان الكثيرين:
 قد يكون من الغريب ان اكثر من (5) مليارات من البشر في العالم، في الهند والصين وامريكا وروسيا وبقية الدول على ارض المعمورة، وبمختلف الوانهم واشكالهم لا يزالون كفاراً أو مشركين أو ملحدين مع ان الكثير جداً منهم إن لم يكن اغلبهم سمعوا عن الاسلام وسمعوا عن رسول الانسانية محمد المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) وسمعوا عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) فلا اقل عندئذٍ من ان يحتملوا ان هذا الدين الكبير على حق فلماذا لا يبحثون عن الحقيقة ولا يسلمون؟
ثم ما الذي وجدوه في الهندوسية مثلاً حتى يتشبثوا بها؟ وما الداعي العقلائي لعبادة البقر والتبرك بشرب بولها؟ كما تراهم يقدسونها ويعظمونها إلى درجة أنهم يقفون بسياراتهم في الشارع إجلالا لها اذا ما بركت في وسط الطريق([10]) وينتظرون تلك الالهة الجالسة الى ان تقوم!
أليس هذا من الغريب المعيب؟ والأغرب ان فيهم الشباب الجامعي والأساتذة في الطب والهندسة وغيرهما وفيهم سياسيون ومحامون ومدرسون وغيرهم.
وكذلك ما الذي وجده المسيحيون في المسيحية المثلثة؟ فتراهم يؤمنون ان الثلاثة تساوي واحد وان الواحد يساوي ثلاثة مع ان بطلانه من أبده البديهيات!! ويقال ان عدد المسيحيين في العالم مليار ونصف تقريبا!
أو أولئك القائلون بتجسيم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا او ان الله ينزل على حمار ليلة الجمعة! كيف يعقل ان يقولوا بذلك؟
او أولئك الذين ينكرون فضائل امير المؤمنين ( عليه السلام ) وينكرون ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نصبه خليفة للمسلمين مع ان الروايات في ذلك بأعلى درجات التواتر؟
لماذا هذا الإصرار مع ان العالم اليوم منفتح وباستطاعة أي احد ان يتعرف على الحقيقة بقليل من البحث والتنقيب في المكتبات أو عبر الشبكة العنكبوتية أو في التطبيقات؟.
الجواب: هناك وجوه عديدة للإجابة وهي معروفة، لكن سنركز على الوجه غير المعروف عادة.
الشيطان والنفس والمغريات والمصالح
أما الوجوه المعروفة فهي:
ان الشيطان يضل الناس ويغويهم وان النفس الامارة بالسوء عامل آخر، وان الخوف من فقدان المصالح وخسارة الامتيازات ان هم اقروا بالحقيقة عامل ثالث.. إلى غير ذلك.
التنويم الايحائي والمغناطيسي
اما الوجه الذي لا يطرح عادة وهو سبب رئيسي جوهري فهو:
ان الفرق الضالة كالصوفية ومدعي السفارة وكذا الملحدون والمشركون وأضرابهم يقومون بما يسمى بالتنويم الايحائي وهو نفس (التنويم المغناطيسي) بتسمية اخرى فالهندوس والمسيحيون والصوفية يقومون بذلك كلٌ على طريقته الخاصة بل يمكن القول: ان مشركي مكة ايضا قاموا بصورة من صور ذلك، قال تعالى (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)([11]) والمكاء: الصفير([12])، والتصدية: التصفيق، وما ذلك الا بايحاء من الشياطين وهو يعتمد على فلسفة شيطانية عامة عند كل الفرق الضالة والمنحرفة، ومن هنا سنتوقف قليلا عن التنويم الايحائي هذا:
أمواج ألفا وبيتا وثيتا ودلتا في المخ
فنقول: أن علماء الأعصاب والمخ البشري قاموا بدراسة عميقة لكيفية استجابة المخ للمؤثرات فوجدوا ان المخ يحتوي على أمواج كهربائية تختلف أعدادها باختلاف الحالات التي تتوارد عليه فاذا ما اصدر المخ (14) موجة كهربائية في الثانية الواحدة فان الانسان سيكون في حالة يقظة تامة، وتسمى هذه الحالة ( بيتا )، اما اذا اصدر المخ (8) موجات فقط، فهي حالة ما قبل النوم، او في بدايات الاستيقاظ، والتي تسمى حالة ( الفا ) وفي هذه الحالة تاتي احلام اليقظة، اما اذا وصلت الموجات الكهربائية الى ( 4ـ 5) فيحصل النوم العميق و تسمى هذه الحالة (دلتا) و(ثيتا).
والتنويم الايحائي (المغناطيسي) يعتمد على الحالة الثانية (الفا) فعندما يكون الانسان بين اليقظة والمنام فهو اقرب ما يكون الى التأثر بالإيحاء والتلقين، فان هذه الحالة اضعف حالات النفس الانسانية.
أنواع التنويم المغناطيسي:
أ- التنويم المغناطيسي الشخصي
ان التنويم المغناطيسي له نوعان: عام وخاص، والثاني هو المعروف وهو التنويم المغناطيسي الشخصي، حيث يطلب المنوِّم من الشخص بان يرخي ازراره كي لا تضغط عليه ملابسه أو أي شيء آخر وبان يجلس على كرسي مثلاً ويقول له انظر الى تلك النقطة أو ذلك المصباح مثلا وحدّق فيه... ثم يردد على مسامعه كلمات من قبيل (الآن نم.. الان ستنام.. نم الان...) فاذا به تدريجياً يدخل في حالة نوم مغناطيسية.
وقد ذكر احد العلماء: اني ذهبت الى منوم شهير في إحدى العواصم الكبيرة فقال لي: لقد بلغت قدرتي في التنويم المغناطيسي إلى درجة أنني استطيع ان انوم أي شخص!
فقلت له: لكنك لا تستطيع ان تنومني! يقول فنظر اليّ مليّاً وقال: بلى ان تنويمك بسيط جدا بالنسبة اليّ!!.
يقول: ثم قال لي: اصعد على السرير، وقال لي: حدق امامك، ثم بدء باساليبه المعروفة، فحاول جهده الى ان عرق عرقا شديدا ولم يفلح ثم اعلن عن عجزه واستغرابه وسألني عن السرّ؟ فضحكت وقلت له: انني كنت متسلحا بتلاوة الآيات القرآنية والدعاء وروايات اهل البيت (عليهم السلام) فكيف يمكن لك ان تنومني مع ذلك؟.
ب - التنويم المغناطيسي العام للجماهير
لكن هناك نوعاً اخر من التنويم وهو التنويم العام وهو لا يحتاج الى مثل هذه الطرق بل يعتمد على طرق أكثر مرونة وأوسع نطاقاً واذكى فاعليةً؛ فقد اثبت علماء الاعصاب والنفس ان قابلية الانسان الاستيحائية تقوى وتشتد عندما يبتلى بأحد شيئين:
1- الاجهاد البدني.
2- الاجهاد الفكري.
ولذا تجد ان احدى الطرق التي يستخدمها المنومون تنويماً شخصياً هو: العد تنازليا والقفز ثلاثة ثلاثة نازلا أي يقول له: قل: 100 ثم 97 ثم 94 ثم 91 وهكذا، وهذا الامر مرهق للذهن ومجهد له كما هو واضح، وفلسفة ذلك: ان الفكر اذا أصيب بالاجهاد فان السيطرة والهيمنة عليه ستكون سهلة وممكنة، والفلسفة هي هي في التنويم العام لكن بشكل آخر.
وكذلك اذا أصيب البدن (وليس الفكر) بالإجهاد وذلك هو ما يقوم به الصوفية ومثله المكاء والتصدية عند مشركي مكة، فان التعاليم الوثنية والضالة تتركز بشكل أقوى عندئذ ولذا يقوم الصوفية بالرقص والتمايل الشديد الى ان يصلوا الى حالة الوجد كما يعبرون عنها حتى يسقط احدهم الى الارض من شدة التعب والإرهاق في شبه غيبوبة!
ونظير ذلك نجده في طرق التنويم الشخصية إذ قد يطلب منه الجلوس على الكرسي الهزاز ؛ لانه يفقد الانسان توازنه مما يسهل السيطرة عليه.
وجوهر هذه الأعمال هو جوهر شيطاني لان الشيطان معلم الجن والشياطين الاخرين وهو يعرف الكثير من الأمور التي يجذب من خلالها اتباعه الى النار، ومنها التنويم المغناطيسي العام.
منهج الغرب في التنويم الايحائي للجماهير
وقد استخدم الغرب طرقاً كثيراً وأساليب عديدة من طرق التنويم الايحائي العام ومنها: ما يشهده الجميع من ان الغرب يمطر الناس بالمعلومات المختلفة بل يقذفهم بسيل هادر من المعلومات كي لا تبقى لهم فرصة التفكير أبداً فيتأثرون لا شعوريا بكل ما يقال له عن طريق الانترنيت والأقراص المدمجة والفضائيات والكتب والصحف و غير ذلك. . فمعلومة بعد معلومة وصورة وراء صورة وفلم اثر فلم وهكذا تلقين وايحاء يجهد الفكر ويحاصره من كل الجهات كي لا يبقى له وقت للتأمل والتمحيص والتدبر.
ولقد كانت هذه احدى أدوات سيطرة الغرب على شعوبه، وهذا ما كشف عنه عدد من علماءهم وكتبوه في كتبهم ومقالاتهم ودراساتهم: فالإمطار بالمعلومات الرياضية والمعلومات الكونية والمعلومات الإباحية او غير ذلك من الغث والسمين يعد من الأدوات السياسية للسيطرة في عالم اليوم لأنه يسبب اجهادا فكريا ونفسيا وضغطا هائلا على الناس والامم ولا يسمح لهم بالتفكير الهادئ المتروي فيكونون اقرب الى الهيمنة والسيطرة عليهم إذ لا تبقى لهم فرصة للتحقيق عن ابعاد وخفايا وزوايا وحيثيات الأمور فتتكرس المعلومة الباطلة والمزيفة كما أرادوها في أذهان العامة.
منهج الصوفية في التنويم الايحائي للاتباع
والصوفية المنحرفة تقوم بمثل هذا الإيحاء والتلقين المستمر والمتواصل لاتباعهم عبر تكرار الدعاوى الهرطقية الكبرى والكرامات الغريبة فمثلا (يقول ابو يزيد البسطامي([13]): " سبحاني سبحاني ما اعظم سلطاني" وفي موضع اخر يقول: "كنت أطوف حول البيت أطلبه فلما وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي!!
وقال أيضاً: حججت أول حجة فرأيت البيت وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت وحججت الثالثة فلم أرَ البيت ولا صاحب البيت...([14])"([15]) ويقول ايضا: "والله ان لوائي اعظم من لواء محمد ( صلى الله عليه وآله )"!
ويقول بن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس): قد حكي عن أبي زيد أنه قال: وما النار؟ والله لئن رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي أو نحو هذا!!.
ثم يعقب بن الجوزي([16]): ومن قال هذا كائناً من كان فهو زنديق يجب قتله فإن الإهوان للشيء ثمرة الجحد؛ لأن من يؤمن بالجن يقشعر في الظلمة ومن لا يؤمن لا ينزعج، وربما قال: يا جن خذوني. ومثل هذا القائل ينبغي أن يقرب إلى وجهه شمعة، فإذا انزعج قيل له هذه جذوة من نار فما بالك بالنار)([17]).
الإمام الهادي ( عليه السلام ) يحذر من الصوفية
كما روى المحدث القمي عن السيد مرتضى الرازي بسنده عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال: كنت مع الهادي علي بن محمد ( عليه السلام ) في مسجد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان رجلاً بليغاً وله منزلة عظيمة عنده ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في جانب منه مستديرين، وأخذوا بالتهليل، فقال ( عليه السلام ): ((لا تلتفتوا بهؤلاء الخدّاعين؛ فإنّهم خلفاء الشياطين، ومخرّبوا قواعد الدِّين، يتزهّدون لإراحة الأجسام، ويتهجّدون لتصيّد الأنعام، يتجوّعون عُمراً حتّى تدبّخوا للإكاف حُمُراً، لا يهلّلون إلّالغرور الناس، ولا يقلّلون الغذاء إلّالِمَلأ العِساس واختلاس قلب الدِفناس‏([18])، يُكلّمون بأمليلائهم‏([19]) في الحبّ، ويطرحونهم بأدليلائهم([20]) في الجبّ، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنّم والتغنية، فلا يتبعهم إلّاالسفهاء ولا يعتقدهم إلّاالحمقاء، فمَن ذهب إلى زيارة أحدٍ منهم حيّاً أو ميّتاً فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان، ومَن أعان أحداً منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان»([21])
وصفوة القول: ان الرقص والتصدية والمكاء والتكرار المكثف للدعاوى الباطلة والإمطار بالمعلومات ونظائرها كلها تعتمد على فلسفة التنويم الايحائي والدرجة الشديدة منه هي التنويم المغناطيسي.
وهنا تنجلي لنا عقدة وهي لماذا الملايين من الناس ان لم يكونوا بالمليارات يؤمنون بالخرافات والالحاد والأديان والفِرق الضالة والمنحرفة؟
نقول: لقد ظهر بوضوح مما سبق ان الكثير منهم خاضع لا شعورياً أو منومٌ إيحائيا بمختلف انواع التنويم الايحائي!!
وفي الحادثة التالية عبرة وشاهد:
المرتاض أيضاً يمارس التنويم المغناطيسي والايحائي!
ففي الهند حيث كانت مستعمرة تابعة لبريطانيا كان هناك بعض المرتاضين والمشعوذين – ولا زالوا – يقومون بأفعال غريبة ومنها: ان احدهم كان يأتي الى قاعة فيها مجموعة من الناس يتفرجون ومعه حبل وكيس وطفل فيرمي الحبل في الفضاء الجوّ أمام الناس فيبقى الحبل واقفاً عموديا معلقا بالفضاء، ثم كان يأمر الطفل ان يصعد عليه فاذا اعتلاه اختفى!!، ثم ان هذا المرتاض المشعوذ كان يصعد خلف الطفل فيغيب ايضا ثم يسمع الناس صراخ الطفل ثم تُقذف من الأعلى أعضاء الطفل المقطعة والمدماة قطعة قطعة!! الى الارض، ثم بعد ذلك كان الناس الضاجّون في الصدمة والبكاء يرونه ينزل هو من الحبل فيقوم بتجميع الاعضاء المتبعثرة ويضعها في الكيس ويهزه فاذا بالطفل يخرج سالما غانما!!
ومن الواضح ان الكل كان ينبهر حيث يرون هذه المعجزة الغريبة أمامهم! وكانوا أكثرهم يذعن بعدها بكل ما يقوله لهم، لكن العلماء لما شاهدوا هذه الظاهرة الغريبة دعوا هذا الشخص الى لندن ليقوم بمعجزته(!) أمامهم فاستجاب للتحدي وسافر إلى لندن وعينت قاعة كبرى جداً وحضر ما يقارب 4000 من العلماء والباحثين والصحفيين والمهتمين بهذا الشأن، ثم ان الغريب ان قام المرتاض بهذه الاعمال أمامهم فانبهر الجميع ايضا بمشاهدة هذا المنظر الرهيب.
لكن العلماء كانوا اذكى منه حيث كانوا قد وضعوا كاميرات للتصوير، (والآلات ليس لها نفس وروح كي يمكن التأثير عليها وتنويمها مغناطيسياً!) فلما اطلعوا على الشريط بعد ذلك، ظهرت صورة المرتاض وهو واقف في مكانه فقط ومعه ادواته (الحبل والطفل والكيس) وكان يتمتم بكلمات ولم يحدث شيء آخر أبداً لكنه بهذه الكلمات كان يهيمن على الجميع ويتحكم في قواهم العقلية فيتصورون انهم شاهدوا ما شاهدوا!، وهذا هو نوع من أنواع التنويم المغناطيسي العام.
بل ان المرتاض أو المشعوذ قد يوهمك انك ترى الملائكة تنزل عليه!!
الهلوسة في المكاشفات أو الكذب أو التنويم الذاتي!
وهذا ايضا ينطبق على ما يدعيه العديد من العرفاء والصوفية ودعاواهم عن المكاشفات التي حدثت لهم، وهم اما كاذبون أو مهلوسون أو داخلون في حالة التنويم الذاتي أي انه – الصوفي أو العارف أو غيرهما - يدخل نفسه في حالة التنويم الذاتي، فتبطئ الأمواج الكهربائية لتنخفض من 14 الى 8 فيدخل في حالة (الفا) وقد يرى بالفعل ان الملائكة تنزل عليه! او ان الله تعالى يكلمه! او غير ذلك فيتصور انه على حق!!. وهذا باب شيطاني واسع([22]).
ابن عربي: الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لبنة في حائطٍ وانا ذهب وفضة في الكعبة!
([23])ومن أبرز الأمثلة على ذلك دعاوى ابن عربي وكشوفاته الكثيرة التي ملأ بها فتوحاته! ومنها ما  قاله في الفتوحات المكية (. .. و لقد رأيت رؤى لنفسي في هذا النوع و أخذتها بشرى من اللّه، فإنّها مطابقة لحديث نبوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام، فقال صلى اللّه عليه و سلم: « مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي و لا نبي »([23]). فشبّه النبوة بالحائط و الأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط، و هو تشبيه في غاية الحسن. فإن مسمّى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن فكان صلى اللّه عليه و سلم خاتم النبيين. فكنت بمكة سنة تسع و تسعين و خمسمائة أرى فيما يرى النائم الكعبة مبنية بلبن فضة و ذهب لبنة فضة و لبنة ذهب و قد كملت بالبناء و ما بقي فيها شيء و أنا أنظر إليها و إلى حسنها، فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني و الشامي هو إلى الركن الشامي أقرب فوجدت موضع لبنتين لبنة فضة و لبنة ذهب ينقص من الحائط في الصفين، في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب و في الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبنتين، فكنت أنا عين تينك اللبنتين!! و كمل الحائط و لم يبق في الكعبة شيء ينقص و أنا واقف أنظر و اعلم إني واقف و اعلم إني عين تينك اللبنتين لا أشك في ذلك و أنّهما عين ذاتي!!.
واستيقظت فشكرت اللّه تعالى و قلت متأولاً: إنّي في الاتباع في صنفي كرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الأنبياء عليهم السلام، وعسى أن أكون ممن ختم اللّه الولاية بي([24]) و « وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزيز » و ذكرت حديث النبي صلى اللّه عليه و سلم في ضربه المثل بالحائط و أنه كان تلك اللبنة. فقصصت رؤاي على بعض علماء هذا الشأن بمكة من أهل توزر، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي، وما سميت له الرائي من هو. فاللّه أسأل أن يتمّها علي بكرمه فإن الإختصاص الإلهي!! لا يقبل التحجير و لا الموازنة و لا العمل و إن « ذلِك من فَضْلِ اللّه يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ من يَشاءُ وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » ) ([25])
والغريب: انه في مكاشفته أو منامه يرى نفسه أعلى وأسمى وأفضل من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فالرسول الأعظم مجرد لبنة في حائط – حسب الحديث الذي نقله! – أما هو فانه لبنة ذهب ولبنة فضة في جدار الكعبة المشرفة بنفسها!! وواضح انه كاذب فيما يدعيه، فان كابر مكابر وقال انه صادق فلا ريب انه مهلوس أو واقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي الذاتي ووحي الشياطين...
وموجز القول ان أئمة الضلال يسيطرون على أتباعهم من خلال أنماط من الايحاء النفسي والتنويم الايحائي والمغناطيسي وهذا أمر أثبته العلم الحديث بل هو ضارب بجذوره في عمق التاريخ فقد كان الفراعنة والبابليون واليونانيون يستخدمون مثل هذه الطرق، الامر الذي يكشف سراً من أسرار بقاء خط الضالين وغوايتهم للناس على مرّ التاريخ في مقابل خط الأنبياء والمرسلين رغم ان المرسلين هم رسل الله تعالى وذووا المعاجز الحقة والبراهين الصادقة!
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
===========================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1478
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 14 ربيع الثاني 1436 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28